موقع الباحث محمد النبوي محمد السيسي

خاص بالباحثين وطلاب الدراسات العليا في المناهج وطرق التدريس

أهمية اللغة العربية:

اللغة وعاء يصب فيه الإنسان أفكاره، ومعتقداته، ويعبر به عما يجول بخاطره من تصورات ومعان، فحواس الإنسان تستقبل المثيرات الحسية (مرئية / مسموعة) وتتفاعل مع ما بها من عواطف، وانفعالات وخبرات، فتتكون مهارات اللغة(استماع، كلام، قراءة، كتابة)، وتنشأ المدركات وتتراكم الخبرات، كما أنها من أهم المعايير التي يقاس بها حضارة الأمم من حيث التأثير، والتأثر، وهي في الوقت ذاته لغة فن لكل ما تنطوي عليه النفس الإنسانية من رؤى، ولكل مايتحاور داخل الإنسان من مشاعر، فهي الترجمان عن آماله وطموحاته، وغاياته،ووسائله، ومثله العليا0(1)

"اللغة فكر ناطق، والتفكير لغة صامتة. واللغة هي معجزة الفكر الكبرى." تعد اللغة العربية أقدم اللغات الحية على وجه الأرض، و على اختلاف بين الباحثين حول عـمر هذه اللغة؛ لا نجد شكاً في أن العربية التي نستخدمها اليوم أمضت ما يزيد على ألف وستمــائة سنة، وقد تكفّل الله - سبحانه و تعالى- بحفظ هذه اللغة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، قال تعالى: "إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون"، و مذ عصور الإســلام الأولى انتشرت العربية في معظم أرجاء المعمورة وبلغت ما بلغه الإسلام وارتبطت بحياة المسلمين فأصبحت لغة العـلم و الأدب والسياسة و الحضارة فضلاً عن كونها لغة الدين والعبادة. لقد استطاعت اللغة العربية أن تستوعب الحضارات المختلفة؛ العربية، والفارسية، واليونانية، والهندية، المعاصــرة لها في ذلك الوقت، و أن تجعل منها حضارة واحدة، عالمية المنزع، إنسانية الرؤية، وذلك لأول مـــرّة في التاريخ، ففي ظل القرآن الكريم أصبحت اللغة العربية لغة عالمية، واللغة الأم لبلاد كثيرة. إن أهمية اللغة العربية تنبع من نواحٍ عدّة؛ أهمها:

 ارتباطها الوثيق بالدين الإسلامي و القرآن الكريم، فقد اصطفى الله هذه اللغة من بين لغات العالم لتكون لغة كتابه العظيم و لتنــزل بها الرسالة الخاتمة {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}، و من هذا المنطلق ندرك عميق الصلة بين العربية و الإسلام، كما نجد تلك العلاقة على لســان العديد من العلماء ومنهم ابن تيمية حين قال: " معلوم أن تعلم العربية و تعليم العربية فرضٌ على الكفاية ". وقال أيضا " إن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتــاب و السنة فرضٌ، و لا يفهم إلا باللغة العربية، ومالا يتم الواجب إلا به، فهو واجب ". ويقول الإمام الشافعي في معرض حديثه عن الابتداع في الدين " ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب ".كما تتجلى أهمية العربية في أنها المفتاح إلى الثقافة الإسلامية و العربية، ذلك أنها تتيح لمتعلــمها الإطلاع على كم حضاري و فكري لأمّة تربّعت على عرش الدنيا عدّة قرون،وخلّفت إرثــاً حضارياً ضخما في مختلف الفنون و شتى العلوم. وتنبع أهمية العربية في أنها من أقوى الروابـط و الصلات بين المسلمين، ذلك أن اللغة من أهم مقوّمات الوحدة بين المجتمعات. (2)

اللغة العربية ومطالب الحياة اليومية:

إنّ اللغة هي واسطةُ لنقل الأفكار و المكتسبات من الآباء إلى الأبناء، و من الأجداد إلى الأحفاد، و من الأسلاف إلى الأخلاف. وهي العلاقة التي تربط بين أفراد الأمّة و تعبّر عن أحلامهم و آمالهم و عن أفراحهم و آلامهم، و هي الخزينة التي ترسم فيها الأمة عناصر ماضيها و تُسطّرُ بها حوادث تاريخها و ثمرات نتاجها في العلم ، أو السياسة ، أو الآداب، أو الفّن ... وهي الواسطة التي يتمّ بها انتشار الأفكار و المشاعر فتنتقل من فردٍ إلى آخر و من مجموعةٍ إلى أخرى.فاللغة ليست مجموعةً من الألفاظ و العبارات الجامدة، بل هي أحاسيس و مشاعر و نوازع كامنة، و أفكارٌ وميول‏ٌ حيّةُ مطويّةُ تقومُ بمثابة طابعٍ قوميٍّ يشدُّ من روابط الاتحاد و الألفة بين جميع أفرادها، فيشعُرُ هؤلاءِ و كأنّهم أسرة واحدة.(3)

اللغة في حقيقتها أصوات منطوقة يحكمها نظام داخل المجتمع اللغوي الواحد ، وهذه هي طبيعة اللغة ، وليست اللغة هي الكلام، بل الكلام هو الكيفية الفردية للاستخدام اللغوي الصوتي.أيضا اللغة تعد المعايير التي يراعيها المتكلم ، وهو ينتقي من أصواتها ما يعبر عما في داخله . بمعني أن الكلام عمل واللغة حدود لهذا العمل . والكلام سلوك واللغة معايير له . والكلام نشاط واللغة قواعد لهذا النشاط . والكلام حركة واللغة نظام لهذه الحركة، والكلام قد يحدث فرديًا واللغة لا تكون إلا جماعية.(4)

اللغة العربية وسيلة الاتصال والتفاهم مع الغير. وهي بهذا ضرورية لكل من الفرد والمجتمع ، ومطلب ملح من مطالبهما، ولغة كل أمة هي لسان حالها الذي يعبر عن آمالها وآلامها وطموحاتها.وكل هذا ينطبق على اللغة العربية التي انتشرت بين العرب وغير العرب دليل على قوتها وأصولها الدقيقة ,وتناغمها واتساقها وتلبيتها لمطالب كل من الفرد والمجتمع ، ولا غرو في ذلك إذ أنها لغة القرآن الكريم الذي نزل علي سيد الخلق الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم.اللغة العربية مع ما فيها من صعوبة تتصل بطبيعتها في الكتابة وفي النطق، إلا أنها ارتبطت بمقدسات الأمة العربية واستطاعت مع هذه المقدسات أن تعبر آفاق الجزيرة العربية إلى دول شتي وممالك عد ة، وهي في انتقالها إلى تلك البلاد بحملها كتاب الله ودعوته ثم وهي تحمل كتاب الله ودعواته حملت فيها ما في تقسيم الصحراء من رقة وعذوبة ، وما في صلابة الصخر من قوة ورصانة ، فهي حتى تهبط واديًا خضرًا رقت أساليبها وعذبت ألفاظها وحين تعلو جبلا أوتنـزل صحاري جزلت عبارتها، وتضخمت ألفاظها، فهي في الواقع لغة رقيقة خشنة سهلة صعبة جزلة ، يمكنها أن تعيش مع كل بيئة ، وتنمو في كل مجتمع ، ولها من الخصائص ما يمكن أن توصف بمايلي :(5)

*قادرة على مواجهة التغيرات التي تصيب المجتمع، فهي كوعاء يمكنها استيعاب كل هذه التغيرات ، والتعبير عن كل جديد من هذه التغيرات فيها الخشونة والرقة، وفيها العذوبةوالغلظة ، فهي قادرة على التأقلم ، وهي حركة تستطيع أن تأخذ من اشتقاق الألفاظالذي يعطيها غني وثروة، ويمكنها من أن تشتق لكل جديد، من التغيرات ألفاظًا تلائمه.

* لها خاصية ترتبط بالمقدسات الدينية ، فهي التي حملت القرآن الكريم من الجزيرة إلى غيرها من الأقطار، وتنازلنا عن اللغة يعني تنازلنا عن الكتاب المقدس، فهي اللغة المقدسة لها تقدير التقديس دون سائر اللغات لأن القرآن نزل بها.

*هي اللغة التي تجمع الآمال ، وتعبر عن الآلام في المجتمع العربي كله ، وهي من أهم العناصر في إيجاد نوع من الوحدة، في العادات والتقاليد إلى حد ما.

* إن المجتمع العربي ينشد توثيق الروابط وترسيخ العلاقة بين أبنائه ، ويتم ذلك عن طريق اللغة العربية وبها يمكن أن تتشابه الثقافة والتعليم ، وإذا علمت كل دولة أبناءها بلغتها الخاصة أدى ذلك إلى تمزيق اللغة العربية ، والتي تسهل التفاهم بين أبناء الأمة العربية، فحرصنا على كونها لغة التعليم إنما هو مستمد من حفظنا على الوحدة العربية فكريًا وثقافيًا، إلى جانب القرآن الكريم، فحرصنا عليها ضرورة كبرى لنا جميعًا.

إن التمكن في اللغة العربية عملية نفسية لها قيمتها من غير شك ، فالعاجز عنها قد لا يستطيع مجارات العصر في ثقافته، ولذلك تسوء حالته فأما القادر عليها والمتمكن عن التعبير بها عما يريد فسيتمكن من الارتباط بعالم عصر ه، إن من أهم مسئوليات المعلم تمكين المتعلم من اللغة العربية والسيطرة عليها، لأنها تعطي اطمئنانا نفسيًا للمتعلم، فهي عملية أساسية في تيار شخصية وربطه بمجتمعه وعالم عصره واتجاهات أمته في آمالها ومشاركتها في آلامها .(6)

تعد اللغة من أهم الظواهر الاجتماعية التي أنتجها التطور البشري، وهي مركب معقد، وترتبط ارتباطا عضويا بجميع المعارف الإنسانية.وتلعب اللغة دورا مهما في تحقيق المنزلة العليا للإنسان بين الكائنات الأخرى،وهي على خلاف الأشكال الأخرى للحياة الإنسانية، قد تطورت بسرعة في فترات متلاحقة، وهي –في تطورها- تزود الأجيال الإنسانية بالأدوات الفعالة للتقدم والتطور.ومن هنا نستطيع أن نقول: إن اللغة أدت للإنسانية خدمات جليلة؛ بل إن الوجود الإنساني مرتبط باللغة، إذ لا يوجد شخص عادي دون الاستعداد لتعلم اللغة.

 يقول يسبرسن: بالخبز وحده لا يعيش الإنسان، فاللغة لها وظائف أخرى، -علاوة على كونها أداة للتواصل- وهي لا تستخدم –فقط- في الكلام؛بل في الغناء أيضا، والحديث لا هدف له –في الغالب- إلا مجرد اللعب بالأصوات ليمتع الفرد نفسه، ويمتع الآخرين، فليست الحياة اليومية جدا كلها، بل هناك فرص ينبغي ألا نفكر فيها، وذلك حينما نترك العمل جانبا، وفي مثل هذه الظروف لا تؤدي اللغة وظيفة حل المشكلات، بل لها في هذه الأوقات وظائف أخرى، فهي وسيلة من وسائل الراحة، وتقليل الاضطراب، وكسر حواجز الغربة بين الفرد ومن يشاركونه الحديث، وإقامة علاقات بينهم، تنأى عن التقليدية.معنى ما سبق أن للغة وظائف متعددة، اجتماعية وفكرية ونفسية، وهي بهذا تمثل الأداة الأساسية لتواصل البشر سواء في المجتمع الواحد أو في المجتمعات المختلفة.(7)

 

المصدر: الباحث/محمدالسيسي
mohammedelsisi

وقل رب زدني علما

  • Currently 55/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
17 تصويتات / 1662 مشاهدة
نشرت فى 14 نوفمبر 2010 بواسطة mohammedelsisi

ساحة النقاش

محمدالنبوي محمد السيسي

mohammedelsisi
معلم لغة عربية معلم خط عربي طالب ماجستير »

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

299,792