<!--

<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

ظاهرة الردح الإعلامي

كشفت ثورة الخامس والعشرين من يناير عن ظواهر جديدة لم تعرفها مصر قبل الثورة، ومن أهمها ظاهرة الردح الإعلامي، تلكم الظاهرة التي تستحق أن تنتبه لها كليات الإعلام بالجامعات المصرية، فترصد لنا أسبابها ونتائجها ومفرداتها المختلفة لعلنا نفهم شيئًا مما تمتلئ به القنوات الفضائية هذه الأيام.

وتتجلى أهم مظاهر هذه الظاهرة الجديدة في نبرة التحدي الممزوج بالحقد التي يتعامل بها الإعلامي مع محاوريه أو حتى مع أصحاب المداخلات التليفونية والهجوم عليهم، أو على الأقل عدم إتاحة الفرصة أمامهم لعرض وجهة نظرهم، وكأن القناة التي يعمل بها الإعلامي أصبحت وسيلة للتشهير والخوض في الأعراض دون إعطاء فرصة للآخر ليدافع عن نفسه أو حتى يعرض الرأي الآخر، أو وسيلة للانتقام من المخالفين لها أيديولوجيًّا وتصفية الحسابات معهم.

أضف إلى ذلك: الصلف والغرور الذي أصاب معظم الإعلاميين على الفضائيات، وطريقتهم الاستفزازية في التعليق على الأحداث، واستخدام الهمز واللمز والإشارة بالأيدي أو بالعين لانتقاد شخص أو هيئة أو مؤسسة، ولا ندري من أين أتوا بهذه الأخلاق اللامحمودة، وأين تعلموا هذا الإعلام العجيب؟!!!

وبعض الإعلاميين-للأسف الشديد- يفهم خطاً أنه طالما يعمل في قناة إعلامية خاصة، فله أن يقول ما يشاء، ويفعل ما يشاء، ويمنح مَن يشاء، ويمنع مَن يشاء، وقد سمعتُ أحدهم- ردًّا على الأصوات التي تنادي بتطهير الإعلام- يقول: (هذا إعلام خاص وهذه قناة خاصة لا حكم لأحد عليها)، ولو طبقنا هذا المبدأ العبقري على كل ما حولنا لقلنا – مثلاً – إن من حق صاحب المحل الخاص أن يستخدمه لترويج المخدرات بدعوى أنه محل خاص ولصاحبه مطلق الحرية في أن يستخدمه بالطريقة التي تحلو لها، وبالطبع هذا كلام لا يمكن أن يوافق عليه عاقل، فالمحل الخاص والقناة الخاصة تخضع لضوابط تحكمها وتحكم العاملين بها.

أضف إلى ذلك أن معظم الفضائيات الآن تُستخدم كوسيلة لهدم مؤسسات الدولة والتآمر عليها، وكوسيلة للتحريض وإثارة الفتنة، لمجرد أنه يختلف مع الرئيس أو مع الحكومة في طريقة إدارة الدولة، فضلاً عن انتشار ظاهرة رفع الصوت (العويل) من العديد من الإعلاميين والإعلاميات لإرباك الطرف الآخر وعدم إعطائه فرصة لعرض رأيه، ورفع الصوت لا يدل إلا على الخواء الذي يعانيه الإعلامي، لذا فهو يحاول أن يغطي هذا الخواء بالصوت المرتفع.

زد على ذلك أن كثيرًا من الإعلاميين– أو ممن كنا نظنهم إعلاميين- يأخذون معلوماتهم وأخبارهم من مصادر مجهَّلة أو مجهولة دون أن يكلف الواحد منهم نفسه عناء التحقق والتثبت من الخبر أو المعلومة، ويسارع إلى نشرها، لا لشيء إلا لأنها تصادف هوى في نفسه وتحقق رغبة وهدفًا عنده، وكل همه (الفرقعة الإعلامية)- كما يقولون- حتى لو كان ذلك على حساب سمعة الآخرين أو حتى على حساب أمن الوطن والمواطنين.

كما طفت على السطح أيضًا ظاهرة الانتقاد البشع أو ما نسميه (النقد الهدَّام)، فيظهر الإعلامي على فضائيته يكيل النقد ضد كل شيء، فيشعر المستمع أنه لا يوجد خارج دائرة هذا النقد سوى هذا الإعلامي المناضل، مما يزيد الصورة قتامة أمام الجمهور، وما يمكن أن يفرزه هذا الأسلوب التهجمي من سلبيات خطيرة على كل المستويات، فليس كل ما يعرفه الإعلامي من سلبيات يصح أن يقال، فهو يعرض ذلك على كل طبقات المجتمع، وهناك مَن يسيء فهم كلامه، أو يؤوله تأويلاً فاسدًا مضرًّا.

وإذا كان الإعلامي لا يبغي إلا الحقيقة ولا يبغي سوى مصلحة هذا الوطن، فيجب عليه أن يوجه نقدًا بنَّاءً ليسهم في حل المشكلة أو تجاوز أي أزمة تمر بها البلاد، فيقدم ما لديه من مقترحات عملية أو ما يأتيه عبر جمهوره من نصائح واقتراحات مفيدة.

أما إذا كان هذا الإعلامي يريد أشياء أخرى تضر بالوطن والمواطنين، فمثل هذا يجب أن يكون للشرفاء المخلصين وقفة ضد تصرفاته وطريقة أدائه الضارة المضرة.

لقد أصبحنا نخشى على أولادنا وهم يجلسون معنا لمشاهدة هذه البرامج الحوارية، خاصة السياسية، فإذا جاء موعد البرنامج نتلفت حولنا- وكأننا نسرق شيئًا- لنرى ما إذا كان الأولاد بعيدين عن موقع التليفزيون أم لا!! بسبب سوء الأداء، وطريقة الحوار الفظة، واستخدام كلمات غير لائقة، فنخشى أن تنتقل إلى أولادنا عدوى التهجم والأسلوب الخشن في التعامل مع بعضهم البعض.

إن من الطبيعي جدًّا أن تختلف وجهات نظرنا حول أية قضية من القضايا السياسية التي تشغل الكثيرين، لكن ليس من حق أي طرف أن يفترض أنه وحده صاحب الحق، وصاحب الرأي الصواب، أو أنه وحده الذي آتاه الله العقل والحكمة وسلبه سبحانه من الآخرين، أو أنه وحده الذي يُحسن التفكير وغيره من الأغبياء، فكلنا –في النهاية- مجتهدون-سياسيًّا- في آرائنا واقتراحاتنا، والتجربة وحدها-مع الأيام-هي التي تُظهر مَن الذي اجتهد فأخطأ، ومَن الذي اجتهد فأصاب.     

إن ظاهرة الردح الإعلامي ظاهرة خطيرة وجديدة في إعلامنا المصري، وأخشى أن تُصدَّر خارج مصر، فيبوء إعلاميو مصر بوزرها ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة، وتُنسب إلينا – نحن المصريين – ظاهرة سيئة السمعة، نتوارى خجلاً منها.

ولذا فقد أصبح من أوجب الواجبات على المؤسسة الإعلامية بكامل أفرادها- ولا أستثني أحدًا من أهلها- أن يعملوا على إعادة صياغة الخطاب الإعلامي صياغة هادئة هادفة، مع ضرورة إعادة الجميع إلى الضوابط والمعايير الأصلية والأصيلة للإعلام الشريف النظيف، والإعلام الحيادي غير المتحيز، وإخضاع الجميع- الإعلام العام والخاص- لهذه الضوابط وتلك المعايير؛ ليكون إعلامًا هادفًا بَنَّاءً، وعاملاً من عوامل النهوض بهذا الوطن العزيز الغالي (مصر).  

د/ محمد علي دبور

أكاديمي وباحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

[email protected]

 

 

 

المصدر: مقال شخصي

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

74,823