authentication required

<!--

<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->

"تمرد": حلقة جديدة في سيناريو الفوضى

آخر التقليعات التي تفتق عنها ذهن المعارضة في مصر تلكم الحركة التي أطلقت على نفسها اسم: "تمرد"، وهي في الحقيقة لا تعدو أن تكون حلقة جديدة في سيناريوهات الفوضى المعدّة- سلفًا- من المعارضة، فكلما فشلت في حلقة من حلقات إحداث الفوضى والشغب في البلاد خرجت علينا بحلقة جديدة من حلقات التهييج والإثارة والبلبلة، وهم يهدفون من وراء هذه السيناريوهات المتوالية إلى هدم الروح المعنوية لدى جموع الشعب، وبث اليأس من المستقبل في نفوس الناس، وتجريد النظام الحاكم من أية إنجازات، ووصمه بأبشع الاتهامات، وإشاعة الكراهية ضده بصفة خاصة، وضد الإخوان المسلمين بصفة عامة.

والغريب أن كل مجموعة من هؤلاء المنتسبين للمعارضة يبيحون لأنفسهم التحدث باسم الشعب المصري، وكأن الشعب بكافة طبقاته وأطيافه قد فوضهم للتعبير عنه والتحدث باسمه، والغالبية العظمى من هذا الشعب لا يعرف عنهم شيئًا، كما أن (شماعة الشعب) التي يعلِّق عليها المتمردون تمردهم والمعارضون معارضتهم أصبحت لا تنطلي على الشرفاء من أبناء هذا الوطن.

والسؤال الآن: على أي شيء يتمرَّد هؤلاء؟ إنهم يتمردون على الديمقراطية التي لم يألفوها ولم يعرفوها، فقد تعودوا على حياة الفوضى والعبث وأساليب لي الذراع والضغط السياسي وإشعال الفتن دون أن يفهموا ماذا يفعلون؟ فهم – في الحقيقة – مجرد حصاة تُلقى بين تروس الدولة لتوقف حركتها وتعطل مصالحها- العامة والخاصة- وتعرقل مسارها.

إن هؤلاء المتمردين يزعمون أنهم جمعوا ملايين التوقيعات لسحب الثقة من الرئيس المنتخب الذي لم يُكمل عامًا واحدًا في الحكم، ويريدون إجباره على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ونحن من خلال هذه السطور نقول لهم: من الطبيعي أن تتمكنوا من تجميع ملايين التوقيعات، فهذا ليس غريبًا أو عجيبًا، ولا يُعد إنجازًا سياسيًّا كما تتصورون، فهذه الملايين هم بقايا الحزب الوطني المنحل، والأحزاب الليبرالية واليسارية الكارهة لحكم الإسلاميين بصفة عامة، ومَن انتخبوا أحمد شفيق وأيدوه ولم يرضوا عن الدكتور محمد مرسي، فكل ما تفعلونه – أيها المتمردون- هو أنكم تعيدون فرز صناديق الانتخابات الرئاسية مرة أخرى، ومن الطبيعي أن تجدوا عدة ملايين ما زالت على ولائها للنظام البائد وأذنابه، لكن الملايين المؤيدة للرئيس الحالي ستكون أكثر بلا جدال.  

وهنا نريد أن نوجِّه إلى هؤلاء السادة المتمردين عدة أسئلة بريئة نكشف بها اللثام عن هذه المحاولة العجيبة ومدى جدواها سياسيًّا: السؤال الأول: كيف لنا أن نصدِّق أن هذه التوقيعات التي حصلتم عليها توقيعات صحيحة أو أنها جاءت من أشخاص لهم حق التويت أصلاً؟ والسبب في هذا الشك هو أن عملية تجميع التوقيعات عملية عشوائية لا رقابة عليها من أية جهة قانونية محترمة لنصدق أنها تمت بصورة صحيحة وبدون إكراه أو خداع أو وعود مزيفة، كما أن تزوير هذه التوقيعات ليس أمرًا صعبًا أيها السادة، إن محاولتكم هذه يلفها الغموض ويحوم حولها الشك وتكتنفها الريبة ويطاردها شبح التزوير والتلفيق، خاصة بعد الأخبار التي انتشرت على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي عن عمليات الخداع التي يقوم بها المتمردون للحصول على توقيعات المواطنين، ولم يخرج تصريح من القائمين على التمرد يكذِّب ذلك حتى كتابة هذه السطور.

السؤال الثاني: هل لهذه التوقيعات قيمة قانونية أو سياسية؟ إن المختصين بالقانون أفتوا- قانونيًّا- بأنه ليس لهذه التوقيعات أية قيمة قانونية – ولا حتى سياسية- وأنها لن تؤثر في المسار الديمقراطي الذي تسير فيه الدولة المصرية، وأن هذه التوقيعات هي مجرد زوبعة ستأخذ وقتها وتنتهي كما انتهت غيرها من المحاولات اليائسة للانقلاب على الديمقراطية.

ومن ناحية أخرى ننبه هؤلاء المتمردين ومَن يسير في ركابهم أنه إذا كانت المسألة مسألة جمع توقيعات، فإن مؤيدي الرئيس الحالي يستطيعون أن يجمعوا أيضًا ملايين التوقيعات التي ربما فاقت في عددها توقيعات المتمردين ومن على شاكلتهم أضعافًا مضاعفة، وعندئذ ندخل في دوامة جمع التوقيعات من الطرفين دون أن نصل إلى نتيجة أو نحقق هدفًا.

السؤال الثالث: إذا كان هناك مَن يعرفكم– أيها السادة المتمردون- من أبناء هذا الشعب العظيم، فلماذا لا تستغلون هذه المعرفة في تكوين أرضية شعبية لكم، وتسعون من خلال هذه الشعبية إلى تحويل هذه التوقيعات التي وافقت على التمرد إلى أصوات انتخابية تحصدون بها أغلبية مقاعد البرلمان وتشكِّلون أنتم الحكومة - وفقًا لنص الدستور الجديد - بدلاً من الإخوان أو غيرهم، وعندئذ سيكون من حقكم أن تغيروا كل شيء حتى الدستور نفسه، أو تنافسون بهذه الشعبية على كرسي الرئاسة بعد انتهاء مدة الرئيس الحالي الدكتور محمد مرسي، فهذه هي آليات الديمقراطية لمن يعرفها أو يحترمها أيها السادة المتمردون، ولا نريد أن نسمع هذا السؤال: ومَن يضمن نزاهة الانتخابات؟ فهذا سؤال العاجزين والمفلسين سياسيًّا وشعبيًّا.

إن محاولاتكم هذه – أيها السادة المتمردون- لن تنطلي على أبناء الشعب المصري الذي أصبح يتمتع بالوعي السياسي الكافي ليعرف مَن يسعى لتحقيق مصالحه، ومَن يسعى لإرجاع الدولة إلى الوراء.

إن احترام العملية الديمقراطية والالتزام بها هي المخرج لهذا الشعب من أزماته السياسية التي تختلقها المعارضة بين الحين والآخر لتبرر بها عجزها، لذا فإن على تلكم المعارضة أن تُرشِّد من أفعالها وأن تحترم إرادة هذا الشعب، وأن يكون همها السياسي تكوين إرادة شعبية أخرى تواجه الإرادة التي جاءت بالرئيس المنتخب الحالي أو تتفوق عليها بالطرق الديمقراطية وليس بالتهييج وإثارة الفتن والاضطرابات.

وإذا كانت المعارضة– بكل فصائلها- تخاف من الديمقراطية وتخشى نتائج الصناديق؛ لأنها تعلم ضعف موقفها الشعبي فلتتحلى بالشجاعة السياسية ولتعترف بعجزها وأنها في حاجة إلى سنوات وسنوات لتقنع الناس بها وبرؤاها السياسية، ولترحم الشعب المصري من شر الانقسامات والمئويات التحريرية التي لن تغير من الواقع السياسي شيئًا على الإطلاق.       

د/ محمد علي دبور

أكاديمي وباحث في التاريخ والحضارة الإسلامية

وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

[email protected]

المصدر: مقال شخصي

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

91,273