<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"جدول عادي"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:10.0pt; font-family:"Times New Roman"; mso-ansi-language:#0400; mso-fareast-language:#0400; mso-bidi-language:#0400;} </style> <![endif]-->
جبهة إنقاذ نفسها
منذ طفت هذه الجبهة على سطح الأحداث وهي تثير كثيرًا من علامات الاستفهام، بل تثير استياء الكثيرين من أبناء الشعب المصري، ولعلنا رأينا بعض مواقف الاستياء هذه على شاشات التليفزيون، ورأينا استنكار الناس لمواقف هذه الجبهة وتوجهاتها وسياساتها غير الواضحة وغير المبررة، فلا أحد يعرف – تحديدًا- ماذا تريد هذه الجبهة؟! هل تريد – فعلاً- مصلحة الوطن والمواطن؟ إن كل الدلائل والمواقف تشير إلى غير ذلك، وتصريحات أعضاء هذه الجبهة وفلتات ألسنتهم توقعهم تحت طائلة القانون والمحاسبة الفورية، وكل الشرفاء يتعجبون من حلم مؤسسة الرئاسة وصبرها على هؤلاء.
وإن كان هناك من ميزة لهذه الجبهة فهي أنها جمعت الكارهين للوطن في سلة واحدة، ولم يعد من الصعب على الشعب المصري أن يميز الخبيث من الطيب، وأن يعرف مَن يسعى إلى مصلحة هذا الوطن، ومَن يسعى إلى مصلحته الشخصية ومنفعته الذاتية وإشباع رغباته السياسية، والسؤال المهم الآن هو: إذا كانت هذه جبهة وطنية لماذا لم تنضم إليها شخصيات يشهد لها الجميع بالاحترام والوطنية مثل الدكتور محمد سليم العوا والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور أيمن نور والشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل وغيرهم من أصحاب الرؤى السياسية الشريفة والمواقف المحترمة؟
والإجابة بوضوح: لأنهم يعرفون تمامًا لماذا تأسست هذه الجبهة وظهرت إلى الوجود، ويعرفون خططهم لإفشال مؤسسة الرئاسة والمكر بها، فضلاً عن معرفتهم اليقينية لاشتياق هؤلاء إلى كرسي الرئاسة بأي ثمن، حتى وإن كان هذا الثمن هو تخريب البلاد، وبالطبع فإن السعي إلى كرسي الرئاسة ليس عيبًا ولا حكرًا على أحد، بل من حق كل حزب، بل كل فرد، أن يسعى إليه طالما كانت له رؤية سياسية للنهوض بالبلاد وخدمة هذا الشعب، عندئذ من حقه أن يحاول الوصول إليه بالسبل الديمقراطية ومن خلال صناديق الانتخابات واختيار الشعب، لكن العيب والعار هو محاولة الوصول إلى هذا الكرسي عبر جثث المصريين وتخريب المنشآت وترويع الآمنين ولي الذراع والتصريحات التحريضية والإفساد في الأرض.
إن هذه الجبهة منذ ظهرت لم نعرف لها موقفًا محددًا من أية قضية، وكل تصريحاتها تهديدات جوفاء، هم أنفسهم يعرفون أنها تهديدات لا قيمة لها ولن يستمع إليها أحد، بل سيضحك منها الشعب ويتندر عليها، وآخر تقليعاتهم التهديد بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، وكأنهم يتصورون أن الشعب يقف وراءهم وينتظر إشارتهم، إنهم يخدعون أنفسهم ويخدعون الناس، ويعيشون في الأوهام ويقتاتون على الأحلام، والسياسة لا تعرف إلا لغة الواقع، ورغم أنهم يخرجون من فشل سياسي إلى آخر في كل تجربة سياسية تمر بها البلاد إلا أنهم لا يتوبون ولا هم يذَّكرون.
ونظرًا لأنهم يعرفون تمامًا أنهم خارج السياق السياسي المصري ولا يأبه بهم أحد، فإنهم يحاولون لفت الأنظار إليهم بلغة التهديد والوعيد وكثرة التصريحات والمؤتمرات الصحفية بهدف وبدون هدف لتعويض شعبيتهم المفقودة في الشارع المصري، وبالطبع تساعدهم على ذلك الآلة الإعلامية المأجورة والمغرضة، كما أنهم لا هم لهم إلا التجريح في خصومهم السياسيين وتصويرهم على أنهم شياطين، وأنهم – أقصد أعضاء الجبهة – هم وحدهم الذين آتاهم الله العقل والحكمة وحسن التفكير وسلبها سبحانه من الآخرين، لقد سئم الشعب من صلفهم واستعلائهم الممقوت.
وأخيرًا يرفضون دعوة الرئاسة للحوار الوطني، وليس لهذا الرفض من تفسير سوى أنهم يريدون أن تستمر حالة الفوضى التي تهيئ لهم أجواء الظهور الإعلامي؛ لأنه لو استقرت الأمور سيفقدون مبرر ظهورهم الإعلامي وتصريحاتهم الإعلامية، ويصبحون بلا عمل، فأجواء الفوضى هي سبيلهم إلى الظهور، وطريقهم إلى الشهرة، فهم لا يعملون إلا في الظلام، وفي أجواء الفتن والانقلابات، والفوضى والاضطرابات، وكل مظاهر الأجواء السياسية التي مرت بها البلاد تؤكد ذلك وتدعمه.
إنهم يدركون جيدًا أن احتكامهم إلى الديمقراطية وآلياتها سيجعلهم دائمًا خارج اللعبة السياسية، وأنهم لن يحصِّلوا شيئًا عن طريق صناديق الانتخابات، ولذلك يحاولون الحصول على المناصب بالتفاوض تارة والمساومة تارة أخرى والتهديد مرة ثالثة، وليس أدل على ذلك من إعلانهم أكثر من مرة على مرأى ومسمع من الجميع أنهم سيشكلون مجلسًا رئاسيًّا برئاسة فلان أو يريدون تشكيل حكومة إنقاذ وطني برئاسة علان....وهكذا، كلها محاولات لإثبات وجودهم السياسي الذي يستحيل أن يثبتوه بالطرق الديمقراطية والاحتكام إلى الشعب الذي لا يعرفهم أصلاً.
إن من الدلائل الواضحة الآن لكل متابع للشأن السياسي المصري أن هذه الجبهة في مرحلة الاحتضار والنهاية بعد أن انكشف أمرها لكل الشرفاء، وقد ازدادت الانقسامات والانشقاقات والانسحابات بين أعضائها، وأصبح واضحًا للجميع أنها لا تسعى إلا للخراب والدمار وإغراق البلاد وإشاعة الفوضى والمكر بالمصريين آناء الليل وأطراف النهار، والسؤال الآن: أما آن لهؤلاء أن يتقوا الله في مصر وأبنائها، وأن يراجعوا أنفسهم ومواقفهم، وأن يُعلوا مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات والخلافات الشخصية؟! أعتقد أن مصر أصبحت الآن في حاجة ماسة لمثل هذه المراجعات قبل فوات الأوان.
ورغم كل العقبات والعراقيل التي تضعها هذه الجبهة في طريق سفينة الوطن، إلا أن هذا الوطن برجاله المخلصين قادر على أن يتجاوز كل هذه المحن والصعاب، وأن يصحح وجهته ليمضي بالبلاد نحو الاستقرار والهدوء والأمن أولاً، ثم نحو الازدهار والرخاء بالعزيمة والصبر والإرادة القوية.
د/ محمد علي دبور
أكاديمي وباحث في التاريخ والحضارة الإسلامية
وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
ساحة النقاش