الشيخ / محمد عبدالحفيظ وسماحة الإسلام

د. وليد الطبطبائي

فتحت ثورة الشعب المصري المباركة الأبواب واسعة أمام الإسلاميين في مصر للمشاركة السياسية على نحو لم يكن متخيلاً قبل بضعة شهور فقط، وبما أن أرض الكنانة حاضنة كبرى للفكر الإسلامي وللعلم الشرعي وللدعوة؛ فإن مسئولية الإسلاميين في مصر على اختلاف فصائلهم تصبح مضاعفة؛ فهم لا يحملون مسئولية نجاحهم كجماعات فحسب بل مسئولية سمعة الإسلام نفسه باعتباره دينًا صالحًا لحمل وأداء المسئوليات السياسية.

وتتفاوت حظوظ الإسلاميين المصريين من الخبرة والاحتكاك السياسيين؛ فمدرسة الإخوان المسلمين -مثلاً- لها تجربة ضاربة في عمق تاريخ مصر المعاصر، وإن لم تخل التجربة من ملاحظات وأخطاء ربما هم أدرى الناس بها، بينما المجموعات الإسلامية الأخرى أقل حظًّا من ناحية الخبرة لعوامل تاريخية وموضوعية كثيرة. لذا فإنني أحب أن أخص التيار السلفي المصري بمجموعة من النصائح والملاحظات، أقدمها بكل تواضع من منطلق تجربتنا في العمل السياسي والبرلماني الكويتي.

 

أولاً: ليكن الإخلاص وابتغاء وجه الله -سبحانه- حاضرًا في كل ما يفعلون؛ لأن دنيا المؤمن هذه دار ابتلاء وليست دار جزاء، فليكن رضا الله مقدَّمًا على كل هدف (شخصي أو جماعي)، ولن يوفَّق أهل الدعوة في حقل السياسة أو غيره إلا بالصلة بالمولى -عز وجل- وحسن الاتكال عليه.

 

ثانيًا: العمل السياسي يجلب معه كثيرًا من الإغراءات الشخصية والجماعية ومزالقه كثيرة؛ فالوجاهة والمناصب وفرص الكسب المادي تتكاثر على المشتغل بالسياسة يمنة ويسرة؛ فعلى صاحب الدعوة أن يتفقد دائمًا نيته، ويتأكد أنها لله وليست لحظ النفس.

 

ثالثًا: حقل السياسة هو ميدان الخلافات والاحتكاكات وتضارب الآراء واصطدامها؛ سواء داخل الجماعة الواحدة أو بين الصف الإسلامي أو مع الصفوف الأخرى، فَلْيحذر المسلم المشتغل في السياسة أشد الحذر؛ فإن لهوى النفس في هذا الحقل صولات وجولات، فلتكن معاني الولاء والبراء والحب في الله حاضرة في الذهن والقلب؛ لأن من أعطى لله وترك لله... فقد استكمل الإيمان.

 

رابعًا: لزوم الجماعة واجب في العمل السياسي؛ فإذا حصل الاتفاق على شيء في أيٍّ من حقول العمل السياسي ومشاريعه، فعلى جميع أفراد الجماعة التزامه؛ لأن الجماعة قوة ورحمة، والفرقةَ ضعف وعذاب. وينبغي أن يتقدم الحرص على وحدة الصف نزعةَ الاعتداد بالنفس والإعجاب بالرأي؛ فإن الفرد قليل بنفسه مهما قوي، وكثير بجماعته.

 

خامسًا: ليحرص الإسلاميون عمومًا -وأخص السلفيين هنا- على حسن بناء الجهاز الذي يقود العمل السياسي؛ لأن قبول القاعدة بالقيادة واقتناعها بها ضروري جدًّا لنجاح العمل الجماعي، وهذا يستلزم تطوير مبدأ الشورى ليكون قرار وتوجُّه القيادة معبِّرًا عن توجهات القاعدة، مع آلية واضحة للنقد الذاتي والتصحيح. وهذه الآلية ضعيفة أو ربما مفقودة عند معظم جماعات العمل السياسي في عالمنا الغربي، سواء كانت إسلامية أو غيرها.

 

سادسًا: ثبت بالتجربة أنه من الأفضل ألا تخوض رموز العمل الدعوي والفقهي للجماعة الإسلامية العمل السياسي المباشر، بل الأفضل أن تلعب دور القيادات المعنوية التي تساعد على ترشيد العمل السياسي ونقده، وتصحيح اعوجاجه وتوجيه الجماهير.

 

سابعًا: ليكن فقه الاختلاف حاضرًا عند المشتغلين في العمل السياسي، فالتطابق في الآراء غير قائم بين الناس عمومًا والسياسيين خصوصًا؛ فلا يجوز أن يفسد الخلافُ للود قضية، وعلى السياسي أن يبحث عن المتفق عليه ويوسِّعه لا أن يذهب إلى الخلافات يعظمها، سواء كان الخلاف داخل الصف السلفي أو الإسلامي عمومًا أو خارجه.

 

ثامنًا: يجب أيضًا أن يكون فقه الأولويات عنصرًا في التوجهات والقرارات واختيار البدائل؛ فلا يتم الاشتغال بالفروع عن الأصول، ولا يتم الإصرار على أمرٍ تغلُب مضارُّه على فوائده، حتى لو كان في أصله صحيحًا. والسياسة ميدان أساسيٌّ في غلبة درء المفاسد على جلب المصالح.

 

تاسعًا: من أهم مسائل العمل الإسلامي اختيار الخطاب المناسب للجمهور، والتدقيق على ما يصدر من قيادة وأعضاء الجهاز السياسي من تصريحات وبيانات وما يعلَن من مواقف، وقد جاء في الحديث: "بشِّروا ولا تنفِّروا ويسِّروا ولا تعسِّروا". وخصوصًا أن وسائل الإعلام المعادية غالبة على المشهد المصري ومعظم الدول العربية، وهي تبحث عن المثالب على الإسلاميين، سواء وجدت أم لم توجد، والغالب عليها اتهام الإسلاميين بالتعسير والتضييق على الناس والافتقار إلى المرونة في التعايش مع المخالفين، فلا يجب أن نساعد هذه الوسائل بما يروج دعاياتها المغرضة.

 

عاشرًا: السياسة هي فن الممكن، ويجب الانتباه إلى ذلك خصوصًا في الحملات الانتخابية؛ فنزول مرشحي الجماعة يجب أن يدرَس على أسس موضوعية من كفاءة المرشح وإمكاناته ومدى صلاحيته للنزول في هذه الدائرة أو تلك. ويُراعى ألاّ يتم التنافس بين مرشحي الجماعة فيكسر بعضهم بعضًا، وحتى مع إسلاميين آخرين إذا قُدِّر أن فرصة مرشح الجماعة الأخرى أفضل، وإذا قُدِّر أن فرصة النجاح في دائرة ما ضعيفة؛ فالأفضل الاتفاق مع جماعة أو حزب آخر على دعم مرشحه إذا كان أفضل من منافسيه.

 

أحد عشر: السياسة هي فن الممكن أيضًا، فبعد الدخول إلى البرلمان، يجب أن توزن الأولويات في المواقف كما يوزن الذهب والفضة؛ لأن الطاقة السياسية لأي حزب أو جماعة لها حدودها، كما أن البرلمان لوقته وجهده حدود؛ فيجب أن تقدَّر المبادرات والمشاريع بذكاء.

 

اثنا عشر: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٩]. فيجب أن تتسلح الجماعة بأفضل الكفاءات القانونية والدستورية حتى يحسب نواب الجماعة موضع أقدامهم في كل خطوة برلمانية يخطونها، وخصوصًا أن الممارسة البرلمانية الجادة لم تُعرَف في مصر من قبل، والآن لم تعد القوانين ومواد الدستور حبرًا على ورق، بل هي خطة طريق العمل السياسي.

 

ثلاثة عشر: من أكثر جوانب العمل السياسي حساسية هي المشاركة في الحكومة؛ لأن النائب ناقد وفي العادة لا يحمل مسئولية العمل التنفيذي للدولة، بينما الوزير موضع نقد الجميع. فإذا رأت الجماعة مصلحة في دخول الوزارة، فيجب اختيار أكثر نواب الجماعة صلاحية لذلك، ومن يُعرَف عنه صلابة في الدين والشخصية؛ لأن للمناصب سكرة أشد من سكرة الخمور.

 

رابع عشر: في دخول العمل الوزاري يجب انتقاء الحقائب المناسبة، وأول ما يجب أن يحرص عليه الإسلاميون هو وزارات التوجيه (التربية، والتعليم العالي، والأوقاف، والإعلام)، فإذا لم يروا مناسبًا أن يأخذوها فيجب أن يحرصوا ألاّ تذهب للمعادين للتديُّن من المغرِّبين فكريًّا والبعيدين عن الهوية الإسلامية العربية لمصر.

 

خامس عشر: لتكن قضايا الدين والدفاع عن ثوابت وقيم المجتمع على رأس اهتمام الإسلاميين، مع عدم إغفال قضايا الفساد والخدمات طبعًا؛ لأنهم إذا لم يهتموا بها فلن يهتم بها غيرهم.

 

سادس عشر: على مستوى العمل السياسي والبرلماني فإن العامة من الناس في المجتمع المسلم لا يُحمَلون على التورع ولا يطلب منهم الالتزام بالمستوى السلوكي الذي يطلب الداعية من نفسه الالتزام به؛ وإنما يطلَب منهم ترك المقطوع بحرمته وأداء أركان الإسلام.

 

سابع عشر: في مجال السياسة الخارجية، على الإسلاميين المصريين -خصوصًا- العملُ على أن تستعيد مصر دورها الريادي والقيادي الذي غُيِّبَت عنه على مدى عقود، خصوصًا في ما يتصل بالخطر الصهيوني على العرب والمسلمين، ومعاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال.

 

ثامن عشر: يجب ألا ينسى الإسلاميون -وخصوصًا السلفيين- أنهم جماعة إصلاح ودعوة في الأساس، فيجب ألا يشغلهم العمل السياسي عن إعطاء العمل الدعوي والاجتماعي حقه؛ لأنه هو الأساس، وألا يقعوا في ما وقعت به الجماعات الإسلامية في الكويت -مثلاً- في الاشتغال بالسياسة عن مسيرة الدعوة إلى الله.

المصدر: مجلة البيان
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 101 مشاهدة
نشرت فى 27 يونيو 2011 بواسطة mohamedqrishy

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

15,814