جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
خالد مصطفى
لا يتعلم هؤلاء الحكام أبدًا لا من دروس التاريخ البعيد ولا حتى من القريب.. هذا ما دار في رأسي وأنا أستمع للخطاب الذي ألقاه الاثنين الرئيس السوري بشار الأسد، وهو الثالث منذ اندلاع الاحتجاجات على حكمه في مارس الماضي.
وفي الحقيقة لم أستطع أن أميزه من خطابات أقرانه التونسي زين العابدين بن علي أو المصري حسني مبارك أو حتى السفيه معمر القذافي، كلها تصب في قالب واحد، وكأنما جلسوا معًا واتفقوا على محتواها، أو كأن العقلية التي سطرتها واحدة، وهي عقلية منافقة انتهازية تلعب على الحبال، وقامت الأنظمة بتربيتها بعناية في حظيرتها لتمارس أبشع أنواع التضليل والاستهانة بعقول الناس طوال عشرات السنين، مثلما كانت آلة هتلر الإعلامية تفعل..
كل رئيس من هؤلاء اشترى عددًا من الأقلام الصحافية وقربها منه لتقوم بالدعاية له وغسل عقول الناس, وهذه الأقلام هي نفسها من ستنقلب عليه عند سقوطه وستحيي "الشعب الصامد في وجه الطغيان".. نفس الاتهامات "للجماعات المسلحة والإرهابية والتخريبية" التي تريد السطو على "الحكم الرشيد", وترديد عبارات "التآمر الخارجي" التي حفظناها عن ظهر قلب وكأن هذه الشعوب كالغنم لا تتحرك إلا بمن يسوقها من الخارج أو الداخل. ورغم اعترافه بأن البلاد تمر بظروف غير عادية هي الأعنف في تاريخها خلافًا لما تروجه أجهزة إعلامه إلا أنه أصر على عناده، ولم يعترف بالقمع الذي مارسته قواته الأمنية التي قتلت وأصابت المئات وهجّرت الآلاف, واغتصبت النساء، وشردت الأطفال.
وكالعادة حاول أن يأخذ المزيد من الوقت، لعله يستطيع إخماد الاحتجاجات، وذلك بالإعلان عن عفو جديد وحوار آخر..
فهل يجدي العفو مع استمرار القتل؟! وهل يتحاور الضحية مع جلاده؟!
لم يتعلم بشار مما حصل في مصر وتونس، فلا جدوى من التسكين؛ فالشعب يعلم جيدًا أن هذه الأنظمة إذا استقرت ستنقلب على كل وعودها، وستنكل بكل النشطاء، فهي لا تعلم إلا لغة القوة التي عاشت عليها ووصلت بها إلى مقاعد الحكم.. بشار لم يكتف بقمع شعبه ومحاولة التلاعب به للحصول على فسحة من الوقت ليستعيد قبضته على الحكم، لكن عاد لاستخدام لبنان ليشتت بها الأنظار عما يحدث في بلاده، كما كان يفعل والده من قبل.
ورغم انسحاب القوات السورية من لبنان عقب الضغوط الخارجية إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري الذي كان معارضًا لسياسة دمشق في لبنان, إلا أن لسوريا أذرعًا فعالة في لبنان مثل حزب الله وبعض الأحزاب القومية التي تدين لها بالولاء. وبدأت القصة بعد مظاهرة في مدينة طرابلس السنية التي عانت الأمرَّيْن من حكم العلويين في سوريا خلال الحرب الأهلية، والتي كانت سوريا طرفًا فيها..
المظاهرة كانت لدعم الشعب السوري، فما كان من العلويين اللبنانيين الموالين لحزب الله الشيعي والمسلحين إلا أن قاموا بإطلاق النار على التظاهرة؛ مما أدى إلى اشتباكات بين الفريقين، تدخلت على أثرها الحكومة الجديدة الموالية لسوريا، والتي وجَّهت الاتهامات مباشرة لحركة المستقبل السنية بدلاً من سحب السلاح غير القانوني الذي يستخدمه حزب الله لفرض إملاءاته على الداخل بعد أن اعتزل "المقاومة" ضد الاحتلال وتفرغ لقتال السُّنَّة..
الأوضاع في لبنان نظرًا للتركيبة الطائفية المعروفة للبلاد والخلافات الموجودة بين الأطراف السياسية بها لا تحتمل اللعب بالسلاح، وهو ما تقوم به سوريا حاليًا، حيث أكدت مصادر دبلوماسية تكدس سلاح سوري في مقرات أحزاب لبنانية موالية لسوريا خصوصًا في طرابلس، وهو ما قد يؤدي إلى مذبحة ضد السنة هناك تحت حماية الحكومة الموالية للشيعة، والتي جاءت بإرهاب سلاح حزب الله بعد شهور طويلة من الخلاف.
اليأس الذي يعتري بشار الآن مع صغر سنِّه وعدم حنكته السياسية واستماعه لأخيه الجزار ومستشاريه المنافقين, سيجعله لا يتردد في التوغل في المستنقع اللبناني محاولاً إنقاذ نفسه من الغرق ومن مصير صاحبيه بن علي ومبارك، وهو المصير الذي يؤرق نومه، ويجعله يصر على التمسك بالسلطة إلى آخر لحظة ممكنة، ولو على حساب استقرار دولة أخرى.
المصدر: موقع المسلم.
ساحة النقاش