فن الكتابة للأطفال

بين النظرية والتطبيق

لأدب الأطفال فى عصرنا الحاضر مكانة كبيرة، بعد أن بلغ الاهتمام بالطفولة مبلغا عظيما، وأصبح ذلك الاهتمام سمة من سمات العصر الذى نعيش فيه.

«وهناك مسألة عامة تواجه أدب الأطفال فى كل مكان، وتشكل فى الوقت نفسه إحدى مشكلات الكتابة للأطفال، وهى أن أدب الأطفال بوصفه نوعا فنيا لا يزال جديدًا، لذا لم يكتسب خصائص عامة بعد، وقد هيأ هذا التفكير لكثير من الاجتهادات، والأحكام المتعسفة أن تطرح فى الساحة، وأن تلاقى بعض القبول لا لسبب إلا لأنها تبدو معقولة، مع كون أى أمر معقولاً لا يعنى أنه صحيح علميًّا؛ إذ لابد من أن يخضع للتحليل العلمى كى يتقرر فيما إذا كان صحيحًا، أو خاطئًا".

وتُعد مسألة اللغة التى يجب أن يقدم بها أدب الأطفال من أعقد مشكلات هذا المجال، فاللغة هى أداة الأدب، ولا يمكن أن يحقق الأدب هدفه المنشود إذا ضعفت أداته، وهذه اللغة التى يجب أن يقدم بها أدب الأطفال لها خصائص تميزها عن غيرها، بحيث تتفق مع الخصائص التى قررها علماء اللغة للغة عند الأطفال، فلغة الأطفال لها خصائصها الصوتية، والصرفية، والمعجمية، والتركيبية، والدلالية.

وإذا كان أدب الأطفال قد بدأ يأخذ مكانه فى عصرنا الحالى بوصفه ظاهرة فنية كبيرة، فلابد من دراسة تحليلية لغوية لهذا الأدب، حيث إن المكتبة العربية تكاد تخلو من مثل هذه الدراسة ، ومن هنا تأتى أهمية دراسة الظواهر اللغوية فى لغة أدب الأطفال.

ولا بد أن تكون الخصائص اللغوية لأدب الأطفال مبنية على خصائص لغة الطفل، وهذا ما يجعلنا نهتم بدراسة خصائص لغة الطفل، «لأننا نؤمن بأن لغة الطفل التى يتحدث بها هى الأساس الذى ينبغى أن يبنى عليه فى تعليمه القراءة والكتابة فى بداية مرحلة التعليم، ثم تأخذ المادة التى نصطنعها فى تعليمه بعد ذلك فى الترقى الوئيد حتى نبلغ من الفصحى ما نريد». فمما لا شك فيه أننا بحاجة إلى عمل قاموس لغوى - بل قواميس- للأطفال؛ ليستعين به المعلمون فى تعليم الأطفال القراءة والكتابة، وليستعين به الناشرون والمؤلفون لكتب الأطفال، وليستعين به أولئك الذين يقوِّمون ما يكتب للطفل.

إننى أريد بهذا الكتاب أن أضع بين يدى كُتَّاب أدب الأطفال فى عصرنا بعض الخصائص اللغوية لأدب الأطفال فى مجال المعجم، والصرف، والتراكيب؛ لتكون بمثابة الدليل الذى يسترشد به هؤلاء الكُتَّاب فى كتاباتهم، فليس كل من كتب كتابًا للطفل يصلح أن يكون كاتب أطفال، فإن كتب الأطفال ينبغى أن يكون لها خصائصها التى تميزها عن غيرها من حيث الشكل والموضوع واللغة.

 ولكى أقدم صورة متكاملة -إلى حد ما- عن لغة أدب الطفل، قمت بدراسة ثلاثة جوانب مهمة من الدراسات اللغوية فى أدب الطفل؛ وهى الدراسة المعجمية، والدراسة الصرفية، والدراسة التركيبية. ولعل ترتيب تناول هذه الجوانب الثلاثة مقصود لذاته، «ففى تقعيد اللغة العربية –شأنها فى ذلك شأن كل اللغات- لابد من الاستعانة لفهم التركيب أو بناء الجملة بذوق اللغة الخاص النابع من المعنى المعجمى والصيغى للكلمات، ومعنى السياق الخاص، والعام». والطفل يكتسب المفردات المعجمية بدلالاتها أولا قبل أن يفهم الصيغ الصرفية للكلمة، ويأتى اكتسابه للتركيب فى آخر مراحل الاكتساب اللغوى. ثم إن الصرف فى الوقت نفسه «يخدم النحو ويسهم فى توضيح مشكلاته وتفسيرها. والحق أن الرأى المعتمد عليه فى هذا الشأن يعد الصرف مقدمة للنحو، أو خطوة تمهيدية له. والصرف فى نظر أصحاب هذا الرأى الذى نأخذ به ليس غاية فى ذاته إنما هو وسيلة، وطريق من طرق دراسة التركيب، والنص اللذين يقوم بالنظر فيهما علم النحو».

ولما كان منهج البحث اللغوى الحديث يوجب علينا الالتزام بأمرين مهمين متلازمين، أولهما تحديد المستوى اللغوى للدراسة، وثانيهما تحديد البيئة اللغوية صاحبة المستوى المختار، وتحديد الفترة الزمنية التى تلف هذا المستوى فقد أجريت هذه الدراسة على أدب الطفل عند أحمد نجيب، وهو أحد الكُتَّاب النابهين فى هذا المجال، والذى نال أعلى أوسمة التقدير من مجتمعه فى فن الكتابة للأطفال، ولا يمكن أن تخلو مكتبة طفل فى العالم العربى من قصصه أو مؤلفاته.

 

المصدر: مؤلفاتى
  • Currently 9/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
4 تصويتات / 2577 مشاهدة

ساحة النقاش

الدكتور/ محمد محمود القاضي

mohamedalkady
موقع شخصي يهتم صاحبه باللغة العربية ودراساتها، والثقافة الإسلامية، والثقافة العامة، والتأليف للطفل. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

228,505