إعراب القرآن الكريم
لا شك أن أفضل علم صُرفت إليه الهمم، وتعبت فيه الخواطر، وسارع إليه ذوو العقول علم كتاب الله تعالى؛ إذ هو الصراط المستقيم، والدين المبين، والحبل المتين، والحق المنير.
ومن أعظم ما يجب على طالب علوم القرآن الراغب في تجويد ألفاظه، وفهم معانيه، ومعرفة قراءاته ولغاته، معرفة إعرابه، والوقوف على تصرف حركاته وسواكنه ليكون بذلك سالما من اللحن فيه مطلعا على المعاني التي قد تختلف باختلاف الحركات متفهما لما أراد الله به من عباده؛ إذ بمعرفة حقائق الإعراب تعرف أكثر المعاني، وينجلي الإشكال فتظهر الفوائد ويفهم الخطاب، وتصح معرفة حقيقة المراد، ومن الأقوال الشائعة في هذا الشأن: الإعراب فرع المعنى؛ ومن يجلى لنا إعرابه يكشف لنا عن معان فيه.
وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يلحن في كلامه فقال: " أرشدوا أخاكم فإنه قد ضل "، وروى أيضًا أن أحد ولاة عمر -رضي الله عنه- كتب إليه كتاباً لحن فيه، فكتب إليه عمر: أن قنع كاتبك سوطاً، وروى من حديث علي رضي الله عنه مع الأعرابي الذي أقرأه المقرئ: " أن الله برئ من المشركين ورسولِه " ، حتى قال الأعرابي: برئت من رسول الله، فأنكر ذلك علي – رضي الله عنه-، ورسم لأبي الأسود من عمل النحو ما رسمه.
وعد السيوطي - في كتابه "الإتقان في علوم القرآن"- الإعرابَ أحدَ علوم القرآن المهمة، فقال: "النوع الحادي والأربعون: في معرفة إعرابه"
وأقتطف هنا بعض ما قاله السيوطي في بيان أهمية هذا العلم: "ومن فوائد هذا النوع معرفة المعنى، لأن الإعراب يميز المعاني ويوقف على أغراض المتكلمين. أخرج أبو عبيد في فضائله عن عمر بن الخطاب قال: تعلموا اللحن والفرائض والسنن كما تعلمون القرآن. وأخرج عن يحيى بن عتيق قال: قلت للحسن: يا أبا سعيد، الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق ويقيم بها قراءته، قال: حسن يا ابن أخي فتعلمها، فإن الرجل يقرأ الآية فيعيي بوجهها فيهلك فيها. وعلى الناظر في كتاب الله تعالى الكاشف عن أسراره النظر في الكلمة وصيغتها ومحلها ككونها مبتدأً أو خبراً أو فاعلاً أو مفعولاً أوفي مبادئ الكلام أو في جواب إلى غير ذلك"
وذكر السيوطي بعض الآداب التي يجب مراعاتها عند إعراب القرآن فقال:
"ويجب عليه مراعاة أمور:
أحدها: وهو أول واجب عليه أن يفهم معنى ما يريد أن يعربه مفرداً أو مركباً قبل الإعراب فإنه فرع المعنى... قال ابن هشام: وقد زلت أقدام كثير من المعربين راعوا في الإرعاب ظاهر اللفظ ولم ينظروا في موجب المعنى.
الثاني: أن يراعي ما تقتضيه الصناعة، فربما راعى المعرب وجهًا صحيحًا ولا نظر في صحته في الصناعة فيخطئ.
الثالث: أن يكون مليًّا بالعربية (أي: عالما بها) لئلا يخرج على ما لم يثبت.
الرابع: أن يتجنب الأمور البعيدة والأوجه الضعيفة واللغات الشاذة، ويخرج على القريب والقوي الفصيح، فإن لم يظهر فيه إلا الوجه البعيد فله عذر، وإن ذكر الجميع لقصد الإعراب والتكثير فصعب شديد، ولبيان المحتمل وتدريب الطالب فحسن في غير ألفاظ القرآن. أما التنزيل فلا يجوز أن يخرج إلا على ما يغلب عليه الظن إرادته، فإن لم يغلب شيء فليذكر الأوجه المحتملة من غير تعسف.
الخامس: أن يستوفي جميع ما يحتمله اللفظ من الأوجه الظاهرة.
السادس: أن يراعي الشروط المختلفة بحسب الأبواب، ومتى لم يتأملها اختلطت عليه الأبواب والشرائط.
السابع: أن يراعي في كل ترتيب ما يشاكله، فربما خرج كلامًا على شيء ويشهد استعمال آخر في نظير ذلك الموضع بخلافه.
الثامن: أنه يراعي الرسم.
التاسع: أن يتأمل عند ورود المشتبهات.
العاشر: أن لا يخرج على خلاف الأصل أو خلاف الظاهر بغير مقتض.
الحادي عشر: أن يبحث عن الأصلي والزائد (يقصد في بنية الكلمة).
لكل ما سبق كان من أحلامي الكبرى أن أضع إعرابا مبسطا للقرآن الكريم مختصرا وكاملا بحيث تعرب كل كلمة فيه، وأن يكون الإعراب على هامش صفحة المصحف الشريف وفى الصفحة المقابلة لها فيسهل حمل الكتاب إلى كل مكان ويكون رفيقا لكل من يريد معرفة إعراب القرآن فيكون مع المدرس فى مدرسته والطالب في جامعته ويكون رفيقا للأستاذ يعود إليه متى شاء، فخرج الإعراب بفضل الله وبركاته في طبعة رائعة قامت على إخراجها ونشرها دار الصحوة في القاهرة (بارك الله لأصحابها).
وأسأل الله سبحانه أن ينفع بهذا العمل وأن يجعله في ميزان حسنات كل من شارك فيه بجهد.
وهذا رابط لتحميل الكتاب
https://ia902708.us.archive.org/29/items/tgnv5/tgnv5.pdf
ساحة النقاش