المدارس الأدبية:
"""""""""""""""""""""""""""
المدارس الأدبية ثلاث: كلاسيكية، ورومانسية، وواقعية. تصوغ كل منها الحاجات الجمالية، والمثل الفني الأعلى لنظام اجتماعي ومرحلة كاملة من مراحل التطور الاجتماعي، وما عدا هذه المدارس الثلاث فتيارات واتجاهات، وتستند كل مدرسة أدبية إلي نظرية بعينها.
وتستند المدرسة الواقعية إلي نظرية الانعكاس وفيما يلى بيان ذلك.
أولا: الفكر المثالي:
1-الموقف الكلاسيكي (نظرية المحاكاة: الفن من زاوية المتلقي): في دراسة لـ "مارتينز Martinez" بينت أن الوجود الأفلاطوني ذو عوالم ثلاثة: عالم المثل، وهو كامل نموذجي، خالد ثابت لا يتغير، وعالم الأشياء المرئية والموجودات المحسوسة وهو صورة من عالم المثل، وعالم الخيالات والظلال وهو الذي يبدو في الأعمال الفنية، وهو محاكاة للعالم الثاني، فطبيعة الفن في التصور الأفلاطوني هي محاكاة للعالم المحسوس الذي هو بدوره محاكاة لعالم المثل الخالدة، وصورة له. وطبيعة الفن هذه مرآوية، بمعنى أن الفنان كأنه يدير مرآة ليعكس خيالات محاكية للأشياء المحسوسة. فإذا صور فنان منضدة فإن لهذه المنضدة المصورة المرتبة الثالثة في مراتب الوجود الأفلاطوني المثلث: المرتبة الأولى لفكر المنضدة في عالم المثل، والمرتبة الثانية للمنضدة الواقعية التي صنعها النجار، والمرتبة الثالثة لمظهر المنضدة الذي يظهر في عمل المصور ومن هنا كان هجوم أفلاطون على الفن ونفيه وأصحابه من مدينته الفاضلة، فغاية أهل هـذه المدينة أن يعرفوا الخير، وأن يصلوا إلي أن تكون أفعالهم خيرة فاضلة، والفن لا يساعد على تحقيق هذه الأهداف، لأن طبيعته المحاكاة المرآوية لأصـول قائمة أقرب منه إلي الحقيقة، وهو يحاكى هذه الأصول حكاية شائهة ناقصة، وبـذلك يصرف الناس عن معرفة الحقيقة، بل إنه يخدعهم، إذ يقدم إليهم الزيف والخيالات.
ولقد قبل أرسطو مبدأ (المحاكاة) في طبيعة الفن، لكنه لم يقبل أن تكون هذه المحاكاة نقلا لظاهر الطبيعة وللمباشر في الحياة، ونبه إلي أن الفن- إذا يحاكى- فإنه لا ينقل فقط ما هو كائن، بل إنه لينقل في الغالب ما يمكن أن يكون، وما ينبغي أن يكون.
ولم يتبع أرسطو منهج التجريد والاستنتاج، وإنما اتبع منهج الفحص والاستقراء، وانتهى به هذا المنهج إلي قبول العالم الواقعي الذي عده أفلاطون غير حقيقي، وكان فى قبول أرسطو للعالم الواقعي رفض للتصورات الوهمية المتخيلة لهذا العالم الطبيعي والإنساني.
ويبدو هذا المنهج الأرسطي في موقف أرسطو من شعراء عصره، وخاصة فى تناوله لمآسي يوربيديس Euripides (حوالي 485-406 ق.م) وسوفوكليس Sophocles (حوالي 496-406ق.م) فقد كان يوربيديس مجددا فكريا واجتماعيا تناول بالنقد معتقدات مجتمعه، ونظرة الناس في عصره إلي العوالم العلوية غير المرئية، وتخلص فى كثير من مآسيه من سيطرة معتقدات عصره في الآلهة والأساطير والأبطال والسحرة والعرافين، وضمن أعماله تصويرا للآلهة يجعلهم أبعد في باب الفضيلة والخير عن نموذج الإنسان الفاضل العادي، وأظهرهم فى صور السارقين والحاقدين والقساة والمتحيزين.
لهذا لقي يوربيديس هجوما شديدا من مفكري الأرستقراطية وفنانيها المحافظيـن، ورفض عصره كثيرا من آرائه، وإن كان فى منحه جوائزه الفنية أحيانا، ولم يشر أرسطو في تناوله لمآسي هذا الشاعر إلي أية إدانة أو اتهام له، وإنما أخذ على بعض أعماله الضعف فى البناء نتيجة الوقوع في مزلق فني محدد، وهو خفوت الحركة لصالح الحكي الأبيسوي والملحمي.
ويتسم الفكر الأدبي بالكثير من الحيوية عندما بدأت العلاقات الإقطاعية وابنيتها الثقافية الغيبية تتقوض زمن النهضة الأوروبية، وتعد هذه النهضة- تستغرق لدى كثير من المؤرخين خمسة قرون: من الثالث عشر إلي الثامن عشر الميلاديين- الانتقالية الكبرى بين المجتمع الإقطاعي والمجتمع الرأسمالي البرجوازي الحديث، فى هذه الانتقالة تمرد الفكر على اللاهوت، وأعلى من شأن العقل، وعاد كثير من المفكرين إلي أرسطو والآثار الفكرية اليونانية، وقامت حركة نقدية وفنية قوية هى ما اصطلح على تسميته في التاريخ الأدبي الكلاسيكية الجديدة، مثلها الأعلى الفكر والفن اليونانيين، وتعاليمها النظرية تكاد تنحصر في دراسة تراث أرسطو، وتوجيه الشعراء والكتاب إلي احتذاء الأعمال اليونانية واستلهامها، وبعد هذه الانتقالة انتهت العلاقات الإقطاعية التقليدية، ونضجت العلاقات الرأسمالية وتخلق المجتمع البرجوازي، وتكونت له ثقافته الحديثة علما، وفكرا، وأدبا.
ويعد الموقف الكلاسيكي هو المفسر لعلاقة الإنسان بعالمه فى ظل علاقات اجتماعية محددة هى العلاقات العبودية والإقطاعية، وكل نزوع كلاسيكي هو في حقيقة أمره تثبيت لتلك العلاقات أو دعوة إلي الرجوع إليها. لقد كان الكلاسيكيون يعدون الفعل أهم ملكات الإنسان، وكانوا يحاصرون الخيال ويخشون شطحاته وغلوه.
2-الموقف الرومانسي (نظرية التعبير: الفن من زاوية الفنان): تبدو مظاهر الرومانسية في التراث البشرى صادرة عن أساس اجتماعي محدد هو نضج الطبقة البرجوازية. وتعتبر البرجوازية تجسيدا حيا لتناقضات المجتمع الرأسمالي فهى تسعى إلي استغلال أصحاب (قوة العمل) لكنها تنتهي بأن يستغلها أصحاب (أدوات الإنتاج) وتصل منها قلة إلي صفوف الرأسماليين، بينما تنهار- الكثرة في ظل قوانين الاستغلال الرأسمالي، أنها ترنو ببصرها إلي الغنى والوفرة، وتجزع على نفسها من الفقر والفاقة، ولذا فإنها تنجذب إعجابا إلي أصحاب أدوات الإنتاج فتقع في الاستسلام لغاياتهم، وتخاف أصحاب قوة العمل.
لقد انتهى الفكر المثالي البرجوازي- في النصف الثاني من القـرن الثامن عشر، والثلث الأول من القرن التاسع عشر- إلي بناء أضخـم أنساقـه أمـران:
أولهما: من جهة انطولوجية وهى علاقة المادة بالوعي.
ثانيها: من جهة معرفية وهى علاقة الوعي بالعالم الموضوعي.
وقد جعلت هذه المثالية الذاتية الوجود الأدبي للذات أو للوعي الإنساني، كما جعلت العالم الموضوعي من خلق هذه الذات، إذ أن وجوده متوقف على إدراك مدرك له، وكمال التعبير ها هنا هو قدرة الفن على تصوير أو خلق الذات لعالمها الخاص، فإذا كان الأمر فى الأساس الاجتماعي الإعلاء من الفردية والذاتية وتقديم الفرد على المجتمع فإن الأمر هنا تقديم العاطفة على العقل، والشعور على المنطق، والوجدان على الاتزان، والموهبة على الصنعة، والإسهام على المهارة.
ونستكمل فى لقاءات مقبلة الحديث عن المدرسةالكلاسيكية فى الأدب
نشرت فى 3 يناير 2015
بواسطة maiwagieh
الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية: ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م. دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م. ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,660,246
ساحة النقاش