نعيش اليوم فى بداية الألفية الثالثة بما تفرضه علينا من تحديات كأمة إنسانية وعربية وإسلامية ، ومن هنا كان علينا الاهتمام بتنمية قدرات المتعلمين العقلية ؛ للتعامل مع المواقف والمشكلات الحياتية والأكاديمية ؛ وليكونوا فى مستوى تطلعات مجتمعاتهم وبنائها.
ولتحقيق ذلك تتجه الجهود نحو تطوير المناهج الدراسية ، وطرق تدريسها ، وبنائهما على أسس نتائج معطيات الدراسات السيكولوجية خاصة فى مجال علم النفس المعرفى.(رشدى طعيمة 2000 :25)
وقد واكب البحث في تطوير المناهج الدراسية ، تحليل ودراسة آليات التعلم ، حيث اشتهرت نظريتان سيكولوجيتان اهتمتا بتفسير أسباب الاختلاف بين الطلاب في طرق التعلم ، وهما: نظرية أسلوب التعلم "Learning - style theory"، ونظرية الذكاءات المتعددة ، وإذا كانت النظرية الأولى ترتبط جذورها بمجال التحليل النفسي، فإن النظرية الثانية تعد نتاج البحث في علوم الذهن Cognitive science.
وقد قدمت نظرية الذكاءات المتعددة تفسيرا جديد لإعادة النظر في قياس الذكاء الذي تجسده نظرية العامل العقلي QI ، كما اهتمت بمحاولة فهم الكيفية التي تتشكل بها الإمكانات الذهنية للإنسان والطرق التي تهتم بها سيرورات التعلم؛ في حين ركزت نظرية "أسلوب التعلم" على دراسة مضامين التعلم ذاته .وكانت لأفكار(جاردنرGardener, H,1983 ) والتى حملها كتابيه ( أشكال العقل البشرى )و(إطارات العقل) ورفضه فكرة أن الإنسان يمتلك ذكاء واحداً ، بل ذكاءات مستقلة ، يشغل كل منها حيزاً معيناً فى دماغه ، ولكل منها نموذج واضح فى العقل ، ونظام مختلف فى الأداء .
وقد استند(جاردنر (Gardener, H, 1995 فى الوصول إلى نظريته إلى نتائج دراسته التى أجراها على عينات من الأطفال والبالغين الذين عانوا من حوادث أتلفت بعض قدراتهم العقلية ، بالإضافة إلى نتائج الدراسات المتخصصة كالدراسات النفسية والثقافية والبيولوجية والأنثروبولوجية ، ومنها جميعاً استطاع أن يحدد المعايير الواجب توافرها لاعتبار القدرة ذكاء ومنها :
<!--إمكانية تعطيل القدرة العقلية نتيجة تلف بالمخ بسبب حادث أو ضربة على الرأس .
<!--وجود ما يعرف بالطفل المعجزة ؛ حيث يمتلك بعض الأفراد قدرات عالية فى مجال ما ، بينما تنخفض قدراتهم فى مجالات أخرى .
<!--أن يكون لهذه القدرة جذور فى التاريخ التطورى للإنسان ؛ مثل الرسوم الموجودة بالكهوف فى عصور مبكرة ، والتى تدل على تطور الذكاء المكانى .
<!--مساندة النتائج السيكومترية ، وذلك بتوفير المقاييس المقننة التى تستخدمها معظم نظريات الذكاء تأكيداً على صدق النموذج ، ويرى ، جاردنر" أن الاختبارات المقننة تساهم فى تقييم الذكاءات المتعددة ، حيث يضم مقياس " وكسلر " لذكاء الأطفال اختبارات فرعية تتطلب الذكاء اللغوى ،والمنطقى،والحركى .
<!--أن يتوفر لها مجموعة من العمليات التى تدفع الأنشطة الطبيعية المختلفة لذلك ففى الذكاء الحركى تتمثل هذه العمليات فى القدرة على تقليد الحركات الجسمية للآخرين .(جابر عبد الحميد 2003 :12-20)
ومن خلال هذه المعايير استطاع " جاردنر " أن يحدد قائمة الذكاءات المتعددة التى نادى بها وهى :-
<!--الذكاء اللغوى : ويقصد به قدرة الفرد على استخدام الكلمات شفهياً وتحريرياً بكفاءة ، وهذا يتضمن القدرة على إنتاج اللغة ، واستخدام التعبيرات المناسبة ، وإيجاد المترادفات ، ومعرفة معانى الكلمات .
<!--الذكاء المنطقى : ويعنى قدرة الفرد على استخدام الأرقام والرسوم البيانية ، وإدراك علاقة السببية .
<!--الذكاء المكانى :ويقصد به قدرة التلميذ على إدراك العالم البصرى بدقة ، ومعرفة الاتجاهات وتقدير المسافات والأحجام ، ويتضمن ذلك الحساسية للألوان والخطوط والأشكال والعلاقات بين هذه العناصر .
<!--الذكاء الجسمى ، الحركى : ويقصد به قدرة الفرد على التحكم فى حركات جسده ، وهذا يتضمن مهارات جسمية مثل المرونة والسرعة والتوازن والمهارات اليدوية .
<!--الذكاء الموسيقى : يقصد به قدرة الفرد على التمييز بين النغمات ، وجرس الأصوات ، ويتضمن ذلك مهارات القدرة على نظم الأغنيات الصغيرة ، والإيقاعات البسيطة .
<!--الذكاء الاجتماعى : ويعنى قدر الفرد على فهم الآخرين ، ومشاعرهم واهتماماتهم ، وهذا يتضمن مهارات التفاعل الإيجابى مع الآخرين ، والعمل معهم .
<!--الذكاء الشخصى : يقصد به قدر الفرد على فهم نفسه وجوانب قوته وضعفه ، وهذا مهارات القدرة على الضبط الذاتى ، واحترام الذات .
<!--الذكاء الطبيعى : يقصد به قدرة الفرد على معرفة وتصنيف الظواهر الجغرافية ، كالنباتات ، والحيوانات والمعادن والصخور. (Christian, M , 1998 :5-6)
والقائمة السابقة لأنواع الذكاء هى قائمة مبدئية ؛ لأن كل نوع من أنواع الذكاء السابق ذكره يمكن تقسيمه إلى أنواع فرعية ، كما يمكن أن يختلف الأفراد فيما بينهم فى النوع الواحد من الذكاء كما يختلفون فى تاريخ ميلادهم. (محمد عبد الرؤوف 1999 : 286- 287)
حيث اقترح (جاردنر ( Gardener, H, 1995 شكلاً تاسعاً وهو الذكاء الوجودى ، والذى يتضمن القدرة على التأمل فى مشكلات الحياة والموت وغير ذلك . (أحمد أوزى 2003)
وطبقا لهذه النظرية فإن وظيفة المدرسة والمنهج هى الكشف عن هذه الأنواع لدى الأفراد وتنميته ، وبالتالى مساعدة المتعلمين فى الوصول إلى أهدافهم المهنية ، وممارسة هواياتهم المناسبة للذكاء الذى يمتلكونه ، مما يشعرهم بالقناعة والرضا ، ومن ثم سيتكون لديهم الميل لخدمة المجتمع بطريقة بناءه.(Gardener,1994 :9)
إن نظرية " الذكاءات المتعددة " بما أحدثته من ثورة فى المجال التعليمى ترحب بالاختلاف بين الناس فى أنواع ذكاءاتهم وأسلوب استخدامها ، مما يقتضى إتباع مداخل تعليمية متنوعة لتحقيق التواصل مع كل المتعلمين ، كما تقدم نظرية الذكاءات المتعددة مجالاً جديداً هو المتعلم ذاته ، بحيث يعمل وينتج ويتواصل بشكل يحقق فيه ذاته ويشبع رغباته ، ومن جوانب تطوير نظرية الذكاءات المتعددة فى المجال التعليمى أنها تساعد على تحسين المرجعية التعليمية ، ورفع مستوى أداء المدرسين ، وتراعى طبيعة كل المتعلمين فى الفصل الدراسى ، وتنطلق من اهتمامات المتعلمين وتراعى ميولهم ، وقدراتهم ، والعمل على تنميتها .
ولقد أوضحت أدبيات البحث النفسى والتربوى أن أساليب التدريس القائمة على نظرية الذكاءات المتعددة تعد من الأساليب الفعالة في التعليم ؛ لأنها تجعل المعلمين ينوعون فى الأنشطة والمواقف التعليمية التي يستخدمونها للوحدة الدراسية الواحدة مما يتيح لكل تلميذ داخل حجرة الصف أن يستفيد من الأنشطة التي تتوافق مع نوع الذكاء المرتفع لديه. ( Deing ,2004 : 19 )
والتدريس وفقا لهذه النظرية يجعل التلاميذ الذين يواجهون صعوبة في مجال ذكاء معين بإمكانهم التغلب على هذه الصعوبات من خلال استخدامهم لطرق بديلة .(جابر عبد الحميد 2003: 174-175)
ومن المهم أن نفهم كيف ننمى جميع أنواع الذكاء الإنسانى لدى أطفالنا ، فنحن جميعاً مختلفون بصورة كبيرة لأن لدينا مجموعات من الذكاء ، إذ أدركنا ذلك فسوف يكون لدينا فرصاً أكبر للتعامل بدقة مع مشكلات كثيرة نواجهها فى هذا العالم . فإذا استطعنا تحريك موجات القدرات الإنسانية فسوف يشعر الناس بارتياح أكثر تجاه أنفسهم وسوف يظهرون تفوقاً ومهارات أكثر ، وسوف تكون لديهم الرغبة أكثر فى التعاون والعمل لرأب الصدع فى المجتمع الإنسانى.(محمد عبد الرؤوف 1999: 290-291 )
ساحة النقاش