رابعا : تجارب حول وضع المعرفة بشكل مناسب في المنهج
لقد تم إجراء تجارب عديدة حول تسكين المعرفة أو وضعها بشكل مناسب في المنهج حسب المراحل الدراسية منذ الستينات والسبعينات وأوائل الثمانينات من القرن العشرين وذلك من أجل الإجابة عن الأسئلة الآتية :
<!--ما المعرفة التي يمكن تسكينها أو وضعها في مراحل متقدمة من السلم التعليمي ؟
<!--وما المعرفة التي يمكن تسكينها أو وضعها في مراحل متأخرة من السلم التعليمي ؟
<!--وما الذي يمكن أن يتعلمه الأطفال ويبدو حتى الآن أنه فوق قدراتهم ؟
وقد تم إجراء تجارب متعددة حول إعادة ترتيب المادة الدراسية القديمة واستبدال مادة دراسية حديثة بها . وأشارت تلك الدراسات إلى ضرورة تعليم أجزاء من المحتوى المعرفي في مراحل مبكرة من حياة التلاميذ عن ذي قبل ، وأن يبذل المتعلمون مزيدا من الجهد في مساعدة التلاميذ على فهم أساسيات المعرفة .
خامسا : المعرفة وعصر التكنولوجيا
يجب أن تؤدي المعرفة دورا رئيسيا في ضوء الأبعاد والجوانب الجديدة لمجتمع الصناعة والمتمثلة في الآتي :
<!--التركيز على المعرفة النظرية المثمرة : فمن المعروف ان كل مجتمع وجد على أساس من المعرفة النظرية ، ولكن المعرفة النظرية المعترفة بها الآن هي تلك التي تمثل أساسا للاختراعات والإبداعات في مجال التكنولوجيا .
<!--انتشار المعرفة المهنية والفنية أو التطبيقية الآن باعتبارها أكثر المعارف ملائمة لروح العصر .
<!--التغير أو التحول من الإنتاج إلى الخدمات الأساسية الجديدة في المجالات الفنية والمهنية والإنسانية.
<!--التغير في معيار التفوق حيث تتركز المكآفأت على التعليم وامتلاك المهارة أكثر من التركيز على الميراث والملكية العينية
<!--ظهور مفهوم اقتصاديات المعرفة من اجل تحقيق أقصى استثمار اجتماعي لها، مما يستوجب إتباع إستراتيجية متعاونة من أجل تحقيق ازدياد انتشار واستخدام المعرفة في المجتمع .
ومما يجدر ذكره أن الأساليب والإجراءات المستخدمة في تخزين المعرفة ومعالجتها تتوقف على التكنولوجيا المتاحة.
سادسا : وحدات المعرفة ومستوياتها في المنهج
إن كل مادة دراسية تقدم في منهج ما تحتوي على قدر من المعلومات المركبة تعرف بوحدات المعرفة ، وقد اختلف رجال التربية في تقسيم تلك الوحدات أو كما يسميها بعضها بالمستويات ، نعرض لها بعض الأمثلة بشيء من الإيجاز عن النحو الآتي :
مستويات المعرفة :
للمعرفة أو المعلومات التي تحتويها المادة الدراسية مستويات فيما بينها في درجة التعميم والتجريد كالآتي :
<!--مستوى الحقائق والعمليات والمهارات المحددة :
يعد هذا المستوى على درجة منخفضة من التجريد وعلى درجة كبيرة من التخصيص إذ يتعلق بمعلومات عن أجزاء النبات مثلا ، أو أقسام الجهاز الهضمي ، أو تواريخ الأحداث المختلفة أو قواعد اللغة أو عمليات الحساب والجبر والهندسة . والإلمام بمثل تلك الجوانب العديدة مفيد للغاية ،لأنه يمثل حصيلة اكتشاف بشري طويل ولكن اقتصار المادة الدراسية عليه فقط لا معنى له ولا أهمية تربوية كبيرة ترتجى .
<!--مستوى الأفكار الرئيسية والمبادئ والقوانين :
يمكن هذا المستوى العلاقات المختلفة بين المواقف الظواهر مثل : العلاقة بين الإنسان وبيئته ومبادئ الرياضيات وقوانين العلوم ويتكون من تلك الأفكار والمبادئ ما يسمى بهيكل المادة،ويمكن لمثل تلك الأفكار أن تسهم في مساعدة المرء على تفسير ظواهر كثيرة تقع في نطاقها .
ج- مستوى المفاهيم :
وهي تجريد لعدة أشياء بينها خصائص مشتركة مثل الحرية والتغيير والاستعمار والطاقة والمثلث وبعبارة أخرى يمكن القول أن أي لفظ يطلق على عدة انواع من الألفاظ يمكن تعريفه على انه مفهوم ولذلك تعد العلاقة في المفاهيم متشابكة وينبغي أن تخلل المنهج كله وأن تقدم للمتعلم بشكل مناسب يناسب مستوى إدراكه الأمر الذي يساعده على استيعاب ما يقدمه المنهج من مفاهيم.
د- مستوى النظم الفكرية :
تعد المواد الأكاديمية نظما معرفية وفكرية إذ تحتوي في داخلها على تعليمات ومفاهيم أساسية توجه سير الدراسة والبحث في معالجة الظواهر التي تقع في نطاقها .
وثمة تصنيفات أخرى كثيرة للمعرفة نذكر منها بحكم الانتشار العلمي تصنيف بلوم bloom للمعرفة ، ذلك التصنيف الهرمي الذي وضع في قاعدته العريضة التي ينطلق منها ، مستوى المعلومات أو المعرفة knowledge ويتضمن هذا المستوى عدة فئات أو تقسيمات فرعية يتعامل معها المتعلم بشكل مباشر باعتبار أنها موجودة بالفعل في محتوى المادة الدراسية وعي على النحو الآتي :
<!--معرفة التفاصيل :
ويقصد بها الأجزاء المنفصلة أو الوحدات المستقلة عن بعضها في المعرفة مثل :
<!--المصطلحات :
وهي كلمات تنطق على أشياء محددة لذاتها فقط مثل : الذرة ، الشمس ، القمر ،الزاوية الحادة ، الفجوة الثقافية ، القصور الذاتي ، النار ، الاسترخاء العسكري ، الإنتاج الاقتصادي .
<!--المفاهيم :
هي مصطلحات لاتطلق على شيء واحد في ذاته ولكنها مصطلحات واسعة المدلول إذ تطلق على عدة أشياء بينها خصائص مشتركة مثل المعدن ، والوجود ، والاستعمار ، والاحتلال ، والثلث ، والمناخ ، والتغير ، والقضية ، والصراع وكل ما هو قابل للتقسيم إلى أنواع تندرج تحته .
<!-- الحقائق :
يمكن القول ببساطة شديدة أن مل ما لا يختلف عليه اثنان يعد حقيقة، وعموما هناك حقائق كونية ( في الكون ) وحقائق علمية في مجال العلوم وحقائق رياضية تتمثل في المسلمات الرياضية وحقائق تاريخية مرتبطة بالحوادث على مر العصور سواء كان انتصار جيش على جيش أو حملة على أخرى أو معاهدات صلح أو اتفاقيات ، ولكنها غالبا ما تكون مقرونة بتاريخ معين يحددها ويميزها عن غيرها في مجال الأحداث التاريخية .
<!--معرفة طرق ووسائل معالجة التفاصيل :
وهي معرفة تدور حول علاقات مثل :
<!--تقاليد وأعراف :
مثل الاستخدامات والأساليب والممارسات والأشكال التي يتفق عليها المتخصصون في نظام معرفي معين مثل :
<!--الخطوات التي يجب أن تتبع في حل مسألة رياضية معقدة .
<!--كيفية تحضير حمض أو محلول أو غاز معين .
<!--المراسم المتبعة في المناسبات الدينية والوطنية والشخصية .
<!--الرموز والأشكال المعبرة عن ظواهر أو مواقف أو أحداث معينة .
<!--اتجاهات وتتابعات :
مثل التطورات التي تطرأ على موضوع معين أو حركات الظواهر أول ما يطرأ على الأحداث من تغيرات .
<!--تصنيفات وفئات :
وهي تتعلق بالتقسيمات المختلفة مثل الأنواع والعائلات والفصائل والخلايا والقضايا وكل ما يتعلق بالأصول والفروع في مجال الكائنات الحية .
<!--المعايير :
وهي تتعلق بأدلة أو شروط في إثبات أو نفي أو إصدار حكم أو تقييم موقف ما مثل ( مذهب أو شخصية معينة أو أدوات إنتاج ... الخ ).
<!--المنهجية :
وهي تتعلق بكيفية اكتساب المعرفة أو الوصول إليها من خلال استخدام مناهج بحث معينة مثل طرق الوصول إلى الحقيقة عند عالم الرياضيات والفيلسوف والأديب والمؤرخ وعالم الطبيعة وغيرهم من المفكرين في مجال بحث ما.
<!--معرفة العموميات والمجردات :
ويقصد بها النظريات والقوانين التي تسيطر على المادة الدراسية أو التي تستخدم في دراسة الظواهر أو حل المشكلات ( نظرية وقوانين ومبادئ وأحكام عامة )
وهذا النوع من المعرفة يتسم بالتعميم بحيث يشمل كل ما يقع في مجاله، وإليك من الأمثلة:
<!--نظرية فيثاغورس في الهندسة .
<!--النظرية النسبية .
<!--النظرية الهندسية .
الخاتمة
في ضوء ما تقدم ، تتضح أهمية المعرفة بالنسبة للمنهج ، ومن ثم يجب على مخططي المناهج قبل اتخاذها قرارات تتعلق بالمحتوى المعرفي الذي يمكن تضمينه في المنهج أن يكونوا على بيئة من عدة أمور مثل أن يكون المحتوى المعرفي مصورا أو موضحا للأفكار الممثلة للنظام المعرفي بحيث يمكن للمتعلم – حسب تعبير وايتهيد – white head أن يرى غاية المعرفة عن طريق تسلق الأشجار فيها . كذلك ينبغي أن يحقق المحتوى المعرفي الفهم لدى المتعلمين للبنية الأساسية الخاصة بالنظام المعرفي ، وأن يوضع المحتوى طرق البحث المستخدمة في النظام المعرفي ،أو، تقدم المفاهيم والمبادئ المختارة نظرة واسعة وشاملة للعالم لدى المتعلم ؛ وهذا بالإضافة إلى ضرورة الوقوف على كيفية اكتساب المعرفة من حيث استخدام العقل أو الحواس أو هما معا بجانب العلم بكيفية تطويع المعرفة – في ضوء طبيعتها – لخدمة المتعلم ومجتمعه .
ساحة النقاش