سلبيات تطبيقات الخدمات الإلكترونية في التعليم
أ.طلال محمد الأسمري
إن المنطقية والعلميّة تحتّم علينا قبل البدء في أي عملية نقد لمجال ما هو رسم الحدود الموضوعية لذلك المجال من خلال تحديد جامع ومانع للمفهوم وصياغة تعريف واضح ومحدد له حينها يمكن الانطلاق في دراسة المجال وإيجابياته وسلبياته ولذلك فإنني سأبدأ بصياغة مفهوم وواضح للخدمات الإلكترونية وتطبيقاتها في التعليم .
تعرف الخدمات الإلكترونية في التعليم بأنها تقديم خدمات محوسبة تتعلق بالقضايا التعليمية سواءً في الجوانب الإدارية أو الجوانب التعليمية التعلمية عن طريق الخط المباشر أو عن طريق البرامج التعليمية التي يتم تخزينها على أقراص صلبة أو متحركة.
وقد دخلت الخدمات الإلكترونية في التعليم مع ظهور الحاسب الآلي في ستينيات القرن الماضي وكانت في الجوانب الإدارية فقط من تنظيم للوثائق والسجلات وإجراء العمليات الحسابية لدرجات التلاميذ ثم تطور ذلك إلى دخوله في صلب العملية التعليمية من خلال نظرية سكينر في التعليم المبرمج وتنفيذها في برمجيات تعليمية .
وحينما ظهرت الشبكات أعاد التاريخ نفسه فبدأت الاستفادة منها في التعليم في الجوانب الإدارية فقط ثم بدأت موجتي التعليم المتزامن وغير المتزامن من خلال الخط المباشر ( الإنترنت ) .
ونحن الآن نقف على أبواب مرحلة جديدة في تقنيات التعليم وهي الانتقال من التعلم الإلكتروني إلى التعلم الجوال أو المحمول مندفعين وراء سحر الحرف ( e ) والذي يعني إلكتروني متجاهلين أسئلة ملحةً حول الآثار الجانبية والإفرازات التي تنتج جرّاء الجري خلف تلك الصرعات التقنية واكتفينا فقط بدراسة أثرها الإيجابي على التحصيل والاتجاهات في أغلب بحوثنا التربوية .
إن تأثير تطبيقات الخدمات الإلكترونية في التعليم لا يقتصر على المواقف التعليمية فقط وإنما يتعداها إلى التأثير في الكثير من الجوانب سلباً وإيجاباً ويمكن أن تتلخص كالتالي :
· الجانب التعليمي .
· الجانب التربوي .
· الجانب الأخلاقي .
· الجانب التشريعي القانوني .
· الجانب الاجتماعي .
· الجانب الثقافي .
أولاً : الجانب التعليمي :
إن التحول من الخدمات البشرية البحتة إلى الآلية وشبه الآلية عن طريق تطبيقات الخدمات الإلكترونية جعل التعليم مُؤَتْمَتَاً ومُمَكْنَنَاً يسير وفق آلية ميكانيكية مرسومة مسبقاً – أشبه بخطوط الإنتاج في القطاع الصناعي – وأهمل قضايا تعليمية مهمة مثل قضية الإبداع والابتكار فالآلة الصماء لا تساعد الطالب على الابتكار المعرفي أو التشعب المعرفي ما لم تكن معدة مسبقاً بمواد إضافية وغالباً ما تكون محدودة في محتواها مما يجعلها قاصرة عن إشباع النهم المعرفي للطالب كما أنها لا تتمتع بالذكاء الذي يجعلها تعيد المحتوى في أشكال مختلفة تتناسب مع ظروف الطالب نفسه أو حتى تجيب على أسئلته غير المتوقّعة أثناء التعلّم كما يفعل المعلم داخل حجرة الدراسة .
وتبرز مشكلة أخرى وهي الموثوقية بالمعرفة التي تقدمها الخدمات الإلكترونية ؛ فالطالب لا يثق بها حجم ثقته بمعلميه فبالرغم من كون الخبراء هم من أشرفوا على وضع هذه المعارف والمعلومات لكن يظل الطالب يحتمل نسبة خطأ أكبر في الآلة ولا يمكنه الإشارة إليها مستقبلاً أثناء نقل خبرته لآخرين إذ لا يسعه القول علّمني الحاسوب كذا وكذا ، وذلك يرجع إلى أسباب ثقافية نشير إليها في الجانب الثقافي .
وتعتبر المعيارية الموحّدة شبه مفقودة في التعلم عبر تطبيقات الخدمات الإلكترونية وذلك لاختلاف مقدمي هذه الخدمات سواء كانوا معلمين أو مؤسسات فهي متباينة في معايير بناء المحتويات المعرفية ؛ فلا زلنا اليوم نتناقش حول جودة أو رداءة البرمجيات التعليمية ومعايير التصميم التعليمي التي يجب مراعاتها عند بناء محتويات تعليمية إلكترونية .
الجانب التربوي :
تعرّف التربية بأنها مجموعة من الخبرات تنقل للأفراد لتنشئتهم كمواطنين صالحين ، وإذا ما كانت الخدمات الإلكترونية هي التي تقوم بالدور الأكبر في هذه التنشئة فإنها لا تضمن لنا الشرط الأخير وهو صلاح المواطن فالتربية عملية تفاعلية تقوم على ملاحظة السلوك والتوجيه والخدمات التعليمية الإلكترونية عاجزة في هذا المجال فأقصى ما يمكن أن تقدمه هنا هو تقديم النموذج المُمَكْنَن للمواطن الصالح وللطالب الالتزام من عدمه فضلاً عن كونها حرمته من التجربة الحقيقة للخبرة في الحياة اليومية ، والحياة مدرسة كما قيل .
إن أكبر ما تقضي عليه تطبيقات الخدمات الإلكترونية في التربية هي المواجهة البشرية في مواقف التعلم وقراءة الأفكار والاستنتاج وتعبيرات الوجه التي تقدّم تغذية راجعة للطالب لا يمكن التساهل بأثرها في نقل الخبرة .
كما أنها غير قادرة على مراعاة الجوانب النفسية والاجتماعية للطلاب فهي تفترض أنهم بمستوى واحد قبل البدء في الموقف التعليمي فقد تَعْرِض مواد تعليمية جارحة لبعض الطلاب كالطلاب الأيتام مثلاً أو مجهولي الآباء والمعلم داخل الفصل يستطيع مراعاة ذلك وتدارك بعض المواقف في حال حدوثها .
الجانب الأخلاقي :
منذ بداية التطور التقني والمجتمع السعودي يحارب كل تقنية جديدة بوصفها هادماً للفضيلة وخادشاً للحياء ، والحق أنها لا تستحق تلك المعاداة ولكن يجب أن تخضع للتقنين وفق المعايير المحلية فمثلاً تقدم الخدمات الإلكترونية فرصة كبيرة لنمو السلوكيات الخاطئة أو غير المقبولة اجتماعياً كالسلوكيات الجنسية لغير البالغين والشذوذ والثقافة الفضائحية التي بدأ المجتمع السعودي يمارسها عبر تقنية البلوتوث والخدمات الإلكترونية التعليمية تقدم تسهيلاً لنقلها عبر القوائم البريدية أو حتى البريد الشخصي والرسائل الخاصة ، ويمكن أن تتوسّع لتشمل دوائر أوسع لم يكن الطالب ليعرفها .
كما أنها تهيئ مجالا خصباً للنيل من البناء القيمي للمجتمع عبر شريحة قابلة للتشكُّل وهم طلاب المدارس وهم في مراحل عمرية من سماتها التمرد والهروب من كل التزام قيَمي وأخلاقي ، والثقافة الأقوى باتت تعصف بكل الثقافات المحلية ما لم تكن قابلة للتطور .
وهناك قضية أخلاقية أكثر خطورة تجلبها الخدمات الإلكترونية التعليمية وهو تلاشي التقدير والاحترام للمعلمين لكونه تحول إلى لاعب ثانوي في العملية التعليمية أو على الأقل هناك من يشاركه هذا الدور بكفاءة .
الجانب القانوني والتشريعي :
تُقَدّر نسبة قرصنة البرامج المحوسبة في السعودية من المؤسسات بـ 52% ومن الأفراد بنسبة 80 -90 % من البرامج المستخدمة ، ومع دخول ثقافة الحوسبة للمدارس فإنها تغرس ثقافة القرصنة في الطلاب وخصوصاً وهم يتعلمون ذلك في مراكز تعليمية وتربوية تهدف لإعداد مواطن صالح !
وفي حال قررت المؤسسات التعليمية استخدام تطبيقات برمجية مرخصة فإنها تضيف على عاتقها تكاليف اقتصادية كبيرة والتزام بأنظمة مراقبة دقيقة لضمان تنفيذ تلك التعهدات بالإضافة إلى أن أي خروق فردية يجعلها تحت طائلة المساءلة القانونية ولكن ذلك في مجتمع آخر فالسعودية على الرغم من انضمامها لمنظّمة الملكية الفكرية (الريبو) فهي تسجّل نسباً عالية في القرصنة الإلكترونية .
والسؤال الأكثر أهمية هنا هل تضمن تطبيقات الخدمات الإلكترونية التعليمية أمناً فكرياً لطلابنا ؟ فالمدارس التقليدية في يومٍ ما كانت مرتعاً لترويج الفتاوى التكفيرية والإرهاب الفكري فكيف إذا ضمنت لهم هذه التطبيقات غطاءً ساتراً لممارسة إرهابهم ، إن الأمن الفكري الإلكتروني أمرٌ يهدد العالم الآن على الرغم من التقدم في أجهزة المتابعة والتجسس فكيف بإمكانات مؤسساتنا التعليمية ؟
لا أتوقع أنها قادرة على ذلك .
الجانب الاجتماعي :
إن طالباً يؤدي واجباته عبر البريد الإلكتروني ويحضر دروسه عبر شبكة الإنترنت ويناقش زملاءه من خلال غرف الدردشة ويستعين بمكتبات عالمية يختلف تمام الاختلاف عن طالب الأمس الذي كان يؤدي تلك المهام داخل الجو المدرسي ، إن الطالب الأول يفتقد الكثير من مهارات التواصل الاجتماعي والثقة بالنفس في المواجهة وكل ذلك سيؤثر حتماً على هدف التربية وهو ( المواطن الصالح ) .
من غير المنطقي أن نطالبه ببراعة في الأداء الجماهير والثقة أثناء التواصل مع الآخرين والتزام حدود اللياقة العامة فهو لم يمارسها ولم يتعلمها أثناء تعامله مع التطبيقات المحوسبة ، ولي تجربة مسبقة في ذلك فقد تعاملت مع طالب في الصف السادس الابتدائي لا يستطيع السكوت لدقيقة كاملة فضلاً عدم معرفته لكثير من حدود الأدب واللياقة مع الآخرين ، وعند سؤاله عن برنامجه الأسبوعي قال بأنه يقضي معظم وقته على ألعاب الفيديو والانترنت ويلتقي بعائلته في جلسة جماعية يوم الخميس فقط ويكون أكثر الوقت خلال هذا اليوم لمشاهدة التلفاز جماعياً .
فهل ننتظر من أبنائنا أن يكونوا كذلك ؟
وبالنسبة للمجتمع فإن التعلم من خلال تطبيقات الخدمات الإلكترونية يُنظر لها على أنها تسطيح لرسالة التعليم وقلة اهتمام بالإنسان في أهم مرحلة من حياته وهي مرحلة التكوين والبناء .
الجانب الثقافي :
بذلنا جهوداً مضنية في محاربة أمية القلم والورقة وما أوشكنا أن نقطع شوطاً مقبولاً حتى ظهرت لنا أمية الحاسب الآلي ، ولنا مُبرّرنا في ذلك فالتخلف لدينا هو بنية كاملة انضم إليها التخلف التقني ، وثقافتنا ليست ثقافة منتجة وإنما مستهلكة فقط فثقافة الاستهلاك تعتمد على الرغبة والاختيار أما ثقافة الإنتاج فهي تعتمد على الاحتياج وهذا الفرق الجوهري بين الدول النامية ودول العالم الأول .
إننا لا نزال ننظر إلى التقنية بوصفها رفاهية واختياراً وليست ضرورة واحتياجاً ولذلك فنحن لا نثق بالتطبيقات الإلكترونية ومخرجاتها التعليمية لأنها ليست أكثر من مجرد رفاهية .
إن تغيير هذا التصور عن الخدمات التقنية لدى الطلاب وأولياء أمورهم أمرٌ بالغ الصعوبة وهم لا يلامون في ذلك إذا كانت الجهات المسؤولة تتبنى هذا الاتجاه كوزارة التعليم العالي التي لا تعترف بمخرجات التعلم عن بعد ومع ذلك تطالب الجامعات بإقامة برامج للتعليم عن بعد .
ولعلي هنا وقفت شيئًا ما للتقنية ولكني لا أزال أنظر إلى ما يكرّسه الاعتماد الكلي على التطبيقات الإلكترونية التعليمية من ثقافة الاستهلاك فالطالب يقرأ على الشاشة ويجيب على الشاشة ولا يرى أي أثر محسوس لما يحققه من نجاحات ؛ فلا يمكن أن تطالبه تلك التطبيقات بكتابة الآراء والأفكار و حتى لا يمكنها أن تقيس الجوانب المهارية لديه فهي تكتفي بالإجابات التفاعلية ( إجابة الزر ) ولذلك فهي تركز على الجوانب المعرفية أكثر من غيرها .
خاتمة :
إن كل الانتقادات والتعليقات لا تعني بأي حالٍ من الأحوال رفض تطبيقات الخدمات الإلكترونية ولكنها سلبيات ومحاذير يجب علينا أن نضعها على رأس اعتباراتنا عند اعتماد تطبيقات الخدمات الإلكترونية في مؤسساتنا التعليمية
أطلقت وزارة التعليم العالي مؤخراً النسخة الثانية من تطبيقاتها الإلكترونية المخصصة للهواتف الذكية المحولة بنظامي الأندرويد والآيفون , واحتوت هذه النسخة على حزمة جديدة من الخدمات والتطبيقات أبرزها : أخبار الوزارة , والمنح الداخلية , وبرنامج خادم الحرمين الشريفين , والملحقيات الثقافية التي تتضمن معلومات الاتصال الخاصة بها والعناوين وجميع المعلومات اللازمة عنها.
كما احتوت النسخة الجديدة على تطبيقات الجامعات الموصى بها , ومتابعة المعاملات عن طريق نظام المراسلات الإلكترونية للتسهيل على الطلبة المبتعثين وتيسير إجراءاتهم ، إضافة إلى احتوائها على تطبيقات لعرض الوثائق وتحديثها ، وعرض الإنذارات والتنبيهات الخاصة بالطالب , وعرض تاريخ الاستحقاق للتذكرة للسنة المقبلة , وأمر الإركاب , بالإضافة لتطبيق يستطيع الطالب من خلاله عرض معلومات وبيانات المشرف الدراسي الخاص به , ومتابعة جميع ما يتعلق من معلومات حول المنح الحالية المتوفرة , ومتابعة الطلبات المقدمة في نظام سفير العمل والعديد من المعلومات عن الوزارة وطرق الاتصال بها من خلال تلك الأجهزة.
وأوضح وكيل الوزارة للتخطيط والمعلومات الدكتورعبد القادر بن عبد الله الفنتوخ أن الوزارة حرصت على الوصول لأكبر شريحة من مستخدمي الهواتف الذكية من خلال إضافة خدمات إلكترونية جديدة خاصة بمنظومة سفير للتعاملات الإلكترونية ، إضافة إلى أن تطوير تطبيقات الوزارة للهواتف الذكية لن يتوقف , بل سيكون هناك مزيد من الإصدارات والنسخ المحسنة في المستقبل , لتوفير خدمات شاملة كجزء من منظومة سفير الإلكترونية.
يذكر أن تطبيق الوزارة الخاص بنظام الأندرويد متوفر في سوق الأندرويد للتطبيقات (Android play Market ) ومتجر آبل للتطبيقات (I phone AppStore) , ويمكن الحصول علية عبر محركات البحث الخاصة بالنظامين من خلال كتابة (وزارة التعليم العالي) .
ساحة النقاش