تقع الخدمات الإلكترونية ـ وفي مقدمتها خدمات الحكومة الإلكترونية والأعمال الإلكترونية والتعليم الإلكتروني ـ في منطقة القمة أو قرب خط النهاية الأعلي في مشروعات التحول إلي مجتمع المعلومات ذلك لأن المجتمع الذي يشهد انتشارا وتفعيلا حقيقيا لهذه الخدمات هو في الحقيقة مجتمع قطع شوطا طويلا ليس فقط في بناء المشروعات وتدريب الآلاف ومد الشبكات ونشر الأجهزة بالتقسيط وتقوية البنية الأساسية ولكنه مجتمع قام قبل ذلك بجهد كبير في تهيئة واقعه الاجتماعي لتقبل تكنولوجيا المعلومات وإعادة هندسة تضاريس هذا الواقع بما يهيئ المجال لتوظيف ما يتم بناؤه من مشروعات, ومن هنا بات انتشار الخدمات الإلكترونية ومدي تفعيلها واحدا من أهم المؤشرات التي يمكن من خلالها قياس جدوي كل الخطط والمشروعات التي تنفذ في مجال تكنولوجيا المعلومات, وهذا في تقديري أهم رسالة يمكن الخروج بها من الإحصاءات التي كشفت عنها دراسة للاتحاد الدولي للاتصالات حول واقع الخدمات الإلكترونية حول العالم والتي شملت60 دولة.. فماذا قالت الدراسة؟
أول ما يبعث علي التفاؤل أن الدراسة نفذت تحت إشراف خبير مصري هو الدكتور أحمد الشربيني مدير المعهد القومي للاتصالات بمعاونة فريق من الخبراء الدوليين من بينهم الدكتور تيوراهي من أوغندا نائبا للرئيس, وفنتياني من أندونيسيا, ومارياجيلا فيلمان من جمهورية الدومينيكان, وسارت الدراسة في مسارين: الأول يتعلق باحتياجات البلدان وخططها المستقبلية من الخدمات الإلكترونية والمشكلات التي تواجهها في التطبيق, والجزء الثاني يتعلق بدور الاتحاد الدولي للاتصالات في مساعدتها علي تحقيق أهدافها الخاصة بنشر هذه النوعية من الخدمات, وخلال الدراسة وجه الفريق مجموعة من الأسئلة حول هذه القضايا إلي جميع دول العالم وتلقي60 إجابة من56 دولة منها14 دولة إفريقية و18 دولة أوروبية و16 دولة آسيوية و6 من أمريكا اللاتينية.. وفيما يلي خلاصة للأسئلة والإجابات المتعلقة بالمسار الأول.
الخطط والقناعات
حاولت الدراسة في البداية استكشاف قناعات وخطط الدول فيما يتعلق بالخدمات الإلكترونية ووزن هذه الخدمات علي أجندتها الحالية والمستقبلية وذلك من خلال:
ـ سؤال خاص بأنشطة الخدمات الإلكترونية داخل البلدان المختلفة, كشفت إجاباته عن تنوع في الخدمات الإلكترونية إذ قالت63% من البلدان المشاركة أنها بدأت تقديم خدمات الأعمال الإلكترونية, وقال57.9% من الدول أنها تقدم خدمات حكومة الكترونية و50.9% تقدم خدمات تعليم الكتروني, و22.8% ذكرت أنها لا تقدم أيا من الخدمات الإلكترونية لمواطنيها.
ـ سؤال خاص بالخدمات الإلكترونية التي تري الدول أنها أكثر أهمية في التنفيذ حالا حتي لو لم تكن قد بدأت إجراءات تنفيذها قال557.9 من الدول أن الحكومة الالكترونية هي الأولي بالتنفيذ فيما اختار45% من الدول الأعمال الإلكترونية و اختار45% من الدول التعليم الإلكتروني, وكان لـ21% من الدول خيارات أخري, في حين كانت هناك دولة واحدة فقط تمثل2% من العينة ليس لديها اختيار محدد وغير مهتمة بالمرة بأي من الخدمات الإلكترونية.
ـ وكان السؤال التالي متعلقا بالخدمات الإلكترونية التي تخطط الدول لتقديمها والتوسع فيها خلال السنوات الخمس المقبلة, وهنا تساوت الخدمات الإلكترونية الرئيسية الثلاث من حيث الأهمية لدي أجندة الدول خلال السنوات الخمس المقبلة إذ قال70% من الدول أن لديهم خططا لتقديم الحكومة الإلكترونية والتعليم الالكتروني والأعمال الالكترونية وقال29% من الدول أن لديها خططا أخري بخلاف هذه المجالات الثلاث الرئيسية وبلد واحد ليس لديه خطط هو إريتريا.
مشكلات التطبيق والتنفيذ
انتقلت الدراسة بعد ذلك للإجابة علي التساؤلات الخاصة بالمشكلات والعقبات التي تواجه الدول, وهي تقوم بنشر وتفعيل الخدمات الالكترونية داخل مجتمعاتها, وبدأت هذه الأسئلة بسؤال عن المعوقات العامة التي تواجه جميع أشكال الخدمات الإلكترونية, وفي هذا الصدد قال71.9% من الدول أن لديه مشكلات في البنية الأساسية تعوق نشر هذه الخدمات تتبعها68% من البلدان تعاني من مشكلات لها علاقة بالوعي وهناك56% تحتاج الي تغيير وتحسين في الجوانب التنظيمية والقانونية لديها, و36%, من البلدان اشارت إلي وجود مشكلات متعلقة بالخبرات التقنية و20% من الدول عبروا عن وجود أنماط أخري من المشكلات.
بعد ذلك حاولت الدراسة الوقوف علي معوقات نشر وتفعيل كل خدمة من الخدمات الثلاث الرئيسية علي حدة فبالنسبة لخدمة الحكومة الإلكترونية كشفت الدراسة عن أن اكثر المشكلات التي تواجهها برامج الحكومة الإلكترونية أهمية ناتجة عن أشياء لها علاقة بالحكومات نفسها مثل البيروقراطية الحكومية ونقص الوعي داخل الأجهزة الحكومية, فهذين العاملين تعاني منهما59% من الدول, وأيضا مدي توافر الوثائق في شكل رقمي وهو أمر يشكل مشكلة أشارت إليها54% من الدول وهناك45% من الدول قالت أنها تعاني من أمية كمبيوترية تعوق تطبيق الحكومة الإلكترونية, فيما أشار20% من الدول إلي أنماط أخري من المشكلات.
وفيما يتعلق بالمشكلات التي تواجه تطبيق التعليم الالكتروني, أكدت الدراسة أن تكلفة الحاسبات ومحدودية إتاحتها مشكلة تواجه71% من الدول وإن61% من الدول عبرت عن معاناتها من مشكلة تنمية الموارد البشرية اللازمة لذلك, وفي المقابل هناك57% من الدول اعترفت بوجود مشكلة في وضع المناهج التعليمية في صيغة أو شكل الكتروني و49% قالت إنها تواجه مشكلات في البنية الأساسية المطلوبة لنشر التعليم الإلكتروني, فيما قالت20% من الدول أن لديها مشكلات أخري متنوعة في هذا الصدد.
تناولت الدراسة بعد ذلك عوائق نشر وتفعيل الأعمال الإلكترونية في البلدان المختلفة وكشفت الدراسة عن أن هناك مشكلة ملحة عبر عنها71.9% من الدول وهي نقص الاستعداد لدي الشركات وأصحاب الأعمال والمنظمات ويليها مباشرة عدم مواءمة الإطار القانوني المطلوب لتفعيل الأعمال الإلكترونية وهي مشكلة تعاني منها54.4% من الدول, وأكدت أنها في حاجة لتغيير أطرها القانونية والتنظيمية, أما مشكلة البنية الأساسية فتم تسجيلها في43% من الدول في حين أن38.6% من الدول فقط هي التي تعاني من مشكلة الوعي علي المستويات التنفيذية بالإضافة إلي15% من الدول عبرت عن وجود مشكلات أخري.
تطرقت الدراسة كذلك إلي المشكلات التي تعوق تطبيق المعاملات الإلكترونية والبنيكة باعتبارها شكلا مهما من أشكال الأعمال الإلكترونية ووجد في هذا الصدد أن:54.4% من الدول لديها مشكلات لها علاقة بالمعلومات وأمن الشبكات و47% لديها مشكلات ذات بضعف البنية الأساسية و35% من الدول لديها مشكلات في النظم البنكية في حين أن33% لديها مشكلات أخري.
معان ودلالات
ثمة ملاحظة مبدئية يمكن التقاطها من هذه الدراسة وهي أن القائمين عليها والاتحاد الدولي للاتصالات ـ باعتباره الجهة المصدرة لها ـ صاغوا الأسئلة بطريقة قد تبدو مفاجئة لمن يغرق طوال اليوم في الاستماع أو قراءة ما ينشر, ويذاع عن مدي التقدم صوب مجتمع المعلومات هنا أو هناك حول العالم فهي أسئلة تبحث في الأوليات لكنها في الحقيقة واقعية وصحيحة, فالدراسة سألت الدول المختلفة مثلا هل الخدمات الإلكترونية تقدم أم لا وعن الخدمات الأكثر أهمية في التنفيذ اليوم وأي منها يخطط لتقديمه خلال السنوات الخمس المقبلة, وحينما تأتي أسئلة من هذا النوع داخل دراسة دولية, فهذا يعني أن المجتمع العالمي ـ إجمالا ـ لا يزال في المراحل الأولي والمبكرة من تعامله مع هذه الخدمات, وذلك من منظور تفعيلها الحقيقي علي المستوي المجتمعي الشامل وليس من منظور ما يقال أو يعلن عن نوايا أو مشروعات وخطط تختلط فيها الطموحات بالواقع وتسقط فيها الفواصل بين الدعاية والترويج من ناحية والمنفذ فعليا من ناحية أخري, ومادامت هذه الاسئلة المبدئية لا تزال تطرح, فنحن مدعوون للتمهل وعدم الانجراف وراء كل ما يقال.
وكون الأمور في بداياتها المبكرة لا يجب أن يجعلنا نهمل ملاحظة مهمة أبرزتها الدراسة علي الجانب المقابل وهي أن الخدمات الإلكترونية تشكل قناعة ثابتة وقوية عالميا كفكرة وهدف وأسلوب رئيسي للحياة, إن لم يكن الآن فمستقبلا بدليل دولة واحدة من الـ56 الذين شملتهم الدراسة هي التي أبدت عدم اهتمام بالخدمات الإلكترونية حاليا أو خلال السنوات الخمس المقبلة, فيما أكدت بقية الدول علي أن لديها اهتماما وقناعة بأهمية وجدوي الخدمات الإلكترونية بغض النظر عما إذا كانت هذه القناعة قد تجسدت عمليا الآن أم جري فقط التخطيط لتفعيلها مستقبلا.
تكشف الدراسة أيضا عن أن تفعيل الخدمات الإلكترونية ليس مرهونا فقط بالجوانب التقنية كقضايا الأجهزة والمعدات والشبكات والبرمجيات والكوادر المدربة, ولكنه يرتبط بالكثير من الجوانب المجتمعية, ففي الحكومة الإلكترونية وجدنا الدول تشكو من عقبات غير تقنية علي الإطلاق كنقص الوعي والبيروقراطية الحكومية وهما العاملان اللذان احتلا المرتبة الأولي في قائمة عقبات تطبيق مفاهيم الحكومة الالكترونية لدي59% من الدول, وفي الأعمال الإلكترونية عبرت العديد من الدول عن معاناتها من قضايا غير تقنية من قبيل نقص الاستعداد لدي الشركات وأصحاب الأعمال وعدم توافر الإطار القانوني المناسب, ومثل هذا الأمر يعيدنا إلي ما قلناه في البداية من أن تهيئة الواقع المجتمعي لتقبل الخدمات الإلكترونية أمر يتفوق في الأهمية علي القضايا التقنية بل ويسبقها.
ساحة النقاش