الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

authentication required

أما علم فقه الواقع فيحتاج إلى شيئين مهمين:

أ- سعة الاطلاع: نظرا لتشعب هذا العلم وشموله، فيحتاج المتخصص فيه إلى كثير من الفنون، سواء العلوم الشرعية كالعقيدة والفقه، أو العلوم الاجتماعية كالتاريخ، أو العلوم المعاصرة كالسياسية والإعلام، وهلم جرا. وإذا قصر في أي علم من هذه العلوم أو غيرها مما يحتاج إليه، فسينعكس ذلك سلبا على قدرته على فقه الواقع، وتقويم الأحداث، والحكم عليها.

ب- التجدد والاستمرار: فهذا العلم يحتاج إلى قدرة فائقة على المتابعة، والبحث في كل جديد، فهو يختلف عن كثير من العلوم - كما بينت آنفا -، لذا يلزم المتخصص أن يكون لديه دأب لا يكل في متابعة الأحداث، ودراسة أحوال الأمم والشعوب، فلو انقطع عنه فترة من الزمن أثر على تحصيله، وقدرته في فهم مجريات الأحداث وتقويمها. فهو أشبه بالطبيب الذي يلزمه أن يتابع كل جديد في مهنته، فلو أن طبيبا تخرج في الجامعة منذ عشر سنوات، بقي يعالج الناس من خلال دراسته الماضية، دون النظر لما استجد من مخترعات في وسائل العلاج، وما اكتشف من أدوية، لأصبح طبيبا متخلفا عن الركب، فجديد اليوم يصبح قديما في الغد وهكذا.

ولا أبالغ إذا قلت: إن الذي ينقطع عن متابعة الأحداث بضعة أشهر يحتاج إلى فترة مكثفة ليتمكن من ملاحقة الأحداث من جديد، وبخاصة في عصرنا الحاضر، الذي أصبح فيه العالم كقرية، ما يقع فيه شرقه يؤثر يوميا في غربه، وإذا وقع حادث ذو بال في أمريكا أثر على أسواق اليابان في اليوم نفسه، وارتفاع الأسهم في (وول ستريت) بلندن، يؤثر على قيمة الفول في البرازيل.

ومن هنا أصبح لزاما على طالب هذا العلم أن يعي هاتين الحقيقتين، وهما سعة الاطلاع وتنوعه، والتجديد والاستمرار فيه، وإلا:

إذا لم تستطع شيئا شيئا فدعه

 

وجاوزه إلى ما تستطيع

  رابعا: القدرة على الربط والمقارنة والتحليل

هناك عناصر أساسية للوصول إلى حقائق الواقع وتوقع المستقبل، وهي:

1- جمع الأخبار والمعلومات.

2- المقارنة والربط بين الأحداث.

3- تحليل المعلومات والوصول إلى نتائجها.

أما الأول فمسألة آلية يستطيعها كثير من العامة.

وأما الثاني والثالث فتحتاج إلى عاملين أساسيين:

الأول: الموهبة.

ثانيا: الاكتساب.

فلو ضعف أحد العاملين أمكن تداركه بالثاني.

ومن هنا فإن قضية المقارنة والربط ثم التحليل مسألة مهمة وأساسية، وبدونهما تكون النتائج خاطئة، وهذان العنصران لا بد أن يبنيا على أساس متين من التأصيل العلمي والتجربة العملية، مع قدر من الموهبة والذكاء يساهم في تحقيق المناط وتخريجه وتنقيحه.

وبهذا ندرك سر الاضطراب في نتائج كثير ممن يتولون تقويم الأحداث وتحليلها، حيث إنهم يفتقدون القدرة الجبلّية أو المكتسبة للخوض في غمار هذا العلم والغوص في أعماقه. وكثير من الناس يلتبس لديهم الأمر بين من لديه قدرة على جمع المعلومات ومتابعة الأخبار، وبين من يستطيع المقارنة والربط والتحليل والتمحيص.

فيجب ألا نخلط بين العامل في المختبر الذي يستقبل العينات من المرضى، وبين المتخصص الذي يتولى فحصها وتحليلها، والوصول إلى النتيجة من خلالها.

وموضوع الربط والمقارنة والتحليل عملية معقدة متشابكة، تخضع لعدة اعتبارات ومجموعة عوامل، تختلف من واقع لواقع، ومن حدث لحدث، ومن زمن لزمن.

ولست هنا في سبيل بيان ذلك وشرحه، وإنما أردت أن أؤكد على أهمية هذا المقوم، وعدم الغفلة عنه، ومدى تأثيره سلبا أو إيجابا على فقه الحاضر، ورؤية المستقبل، و " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "  (<!--).

  خامسا: التفاعل الإيجابي مع الواقع

من أجل أن تفقه الواقع لا بد أن تعيش هذا الواقع، أن تكون عنصرا متأثرا ومؤثرا فيه.

والذي يعيش على هامش الحياة لا يستطيع أن يدرك أبعاد هذا العالم وما يجري فيه.

ولهذا فمن لوازم هذا العلم أن تتفاعل مع الأحداث تفاعلا إيجابيا، تفرح لكل خبر مفرح، وتحزن لمآسي المسلمين ومصائبهم، ولا تتوقف عند مجرد التأثر فرحا أو حزنا، وإنما يجب أن تكون مؤثرا في هذا الواقع، أي عنصرا عاملا متحركا، متجاوبا مع الأحداث، حسب الحاجة والطاقة.

ولذا فالطبيب الذي يقبع في بيته بعد تخرجه في كلية الطب، لا يفتح عيادة، ولا يكشف على المرضى، ولا يجري العمليات، ولا يتابع المستجدات في علم الطب، ويعالج الناس بالهاتف أو بالمراسلة لا يمكن أن يكون طبيبا ناجحا، وإن أصاب مرة أخطأ مرات، وقد يكون علاجه مهلكا للمريض.

فكذلك المعتزل لحياة المسلمين، البعيد عن شئونهم وشجونهم، لا يتأثر ولا يؤثر، هذا مهما كتب وحلل وناقش فسيبقى تحليله باردا ساذجا، غير واقعي في كثير من مضامينه:

مـن يهـن يسهـل الهـوان عليـه
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى


مـا لجـرح بميت إيـلام
كيما يصح به وأنت سقيم

  سادسا: حسن اختيار المصادر

مشكلة فقه الواقع تباين مصادره، وتعارضها، فمصادر الفقه كتب الفقه وأصوله، ومصادر اللغة كتب اللغة، أما مصادر فقه الواقع - سيأتي بيانها في آخر هذه الرسالة - فإنها متعددة متنوعة متباينة، فمن مصادر إسلامية، إلى مصادر مادية، ومن مراجع قديمة، إلى مراجع معاصرة، ومن أخبار المسلمين، إلى أخبار الكفار والملحدين، وهكذا دواليك.

وبهذا يعيش المتخصص في هذا العلم في حيرة من أمره، كيف يختار هذه المصادر ويتعامل معها؟

والذي يرعى الغنم يكتسب بعض طباعها، وراعي الإبل تظهر عليه بعض صفاتها، فكيف بمن يتلقى الأفكار ويعايش العقول؟ فقد يكون ضحية لمصادره التي اختارها، وبالتالي سينعكس ذلك على فقهه للواقع، وتقويمه لمجريات الأحداث، ولذا أصبح حسن اختيار المصادر مهمة صعبة وأساسية، بل هو مقوم من مقومات هذا العلم، فتحتاج إلى دقة وعناية، فكم رأينا بعض المتأثرين ببعض وسائل الإعلام الغربية، حتى أصبح بوقا لها، يبث أفكارها ويردد أهدافها، دون وعي منه أو شعور.

ثم إن هناك أمرا آخر وهو: نظرا لكثرة مصادر هذا العلم وتنوعها لا يستطيع المتخصص الإحاطة بها، فيحتاج إلى حسن الاختيار توفيرا للجهد، واكتفاء بالأحسن عن الحسن، والفاضل عن المفضول، والأهم عن المهم.

وبعد:

فهذه هي مقومات فقه الواقع، من أقامها انقاد له هذا العلم وتمكن منه، ومن قصر فيها انعكس ذلك على علمه وإدراكه، وهذه المقومات للمتخصص وغيره. أما المتخصص فمن أجل أن تساعده على إتقان هذا الباب والتضلع فيه. وأما غيره فحتى يعرف من أين يلتقى هذا العلم، ويميز بين الجيد والرديء، والخطأ والصواب، فما كل بيضاء شحمة، ولا كل سوداء تمرة، وكم مدع لهذا العلم وهو لا يحسنه:

والدعاوى إن لم يقيموا عليها

 

بينات فأصحابها بها أدعياء

 

الآثار الإيجابية لفقه الواقع

هناك آثار إيجابية عظيمة لفقه الواقع، فمن الخطأ تصور القضية مجرد مزيد من الثقافة، أو إشباع غريزة حب الاستطلاع، فالموضوع أهم من ذلك وأخطر، بل لا أعدو الحقيقة إذا قلت: إن مستقبل الأمة قد يتوقف على مدى فقه الواقع والتعامل معه، فقد تتخذ مواقف مصيرية - لم تبن على أسس علمية - تؤدي بحياة الأمة إلى مهاوي الردى، وكم من موقف اتخذ في حياة أمتنا المعاصرة، لم يستمد من شريعتنا أذاقنا الذل والهوان.

وهذه الآثار التي سأذكرها تبين لنا أهمية هذا العلم، وضرورة عناية طلاب العلم به والتعمق فيه.

  أولا: إحكام الفتوى وإتقانها

أشار ابن القيم -رحمه الله- إلى أهمية فقه الواقع للمفتي، (<!--) والحكم على الشيء فرع عن تصوره، كما قرر العلماء.

والمفتي يجب أن يعنى بهذه المسألة عناية خاصة، وبالذات في الفتاوي المتعلقة بالمسائل المستجدة المعاصرة، ولذا نجد عدم ثقة كثير من الناس في بعض الفتاوى الصادرة من بعض طلاب العلم، لأنها لم تبن على فقه دقيق للواقع المعاصر.

بينما نجد أن الفتاوى التي تصدر من علمائنا مبنية على تصور تام للأوضاع الجارية، وفقه عميق للمستجدات، تكتسب أهمية قصوى، ولا تدع مجالا لطاعن أو مخالف.

ولذا فإن الفتوى تحتاج - في كثير المسائل - إلى فقه الأصول، وفقه الفروع، وفقه الواقع، وإذا اختل ركن من هذه الأركان تداعت الفتوى، وانهدّ جانبها.

ولا شك أن الفتوى إذا كانت محكمة ومتقنة لها أثر إيجابي في حياة الأمة حاضرا ومستقبلا، ولن يتم ذلك إلا باستكمال شروط الفتوى التي حددها العلماء، ومنها اكتمال التصور عن المسألة، وهو فقه الواقع في المسائل المعاصرة.

  ثانيا: الدعوة إلى الله بحكمة وعلى بصيرة

من الملفت للنظر في عصرنا الحاضر وقوع بعض الجماعات الإسلامية والدعاة إلى الله في أخطاء أساسية في منهجهم، وأسلوب دعوتهم.

وإذا تأملنا في أسباب ذلك نلمس أن أغلب هؤلاء على صنفين:

إما دعاة لديهم إدراك لواقعهم، ولكنه لم يبن على أصول شرعية متكاملة، نظرا لتقصير هؤلاء الدعاة في بناء دعوتهم على منهج أهل السنة والجماعة، فوقعوا في أخطاء فادحة، دفع أتباعهم ثمنها غاليا، ولم يحققوا أهدافهم التي أعلنوها، وهي إقامة حكم الله في الأرض، نظرا للخلل في المنهج.

وآخرون لديهم علم شرعي، ومنهجهم سليم في الجملة، ولكنهم لا يفقهون الواقع، ولا يتعاملون مع المرحلة التي يعيشونها، فتخبطوا في أسلوب دعوتهم، وتعجلوا الشيء قبل أوانه، ولا يفرقون بين المنهج والأسلوب، وإن كان الأسلوب فرعا عن المنهج، فكانت النتيجة سلبية، وذات أثر محدود.

ومن أجل التخلص من هذه السلبيات والأخطاء، لا بد أن تكون الدعوة إلى الله مبينة على أسس شرعية، مستمدة من الكتاب والسنة وفقه سلف الأمة، ومن ذلك فقه الواقع ضمن المقومات التي ذكرتها، وبهذا نجنب الدعوة وأتباعها المزالق والمخاطر والانحراف، ونحقق قول ربنا (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(<!--) [سورة النحل، الآية: (125)].

  ثالثا: الوصول إلى النتائج السليمة واتخاذ المواقف الصحيحة

المواقف التي لا تبنى على النتائج السليمة المستمدة من المقومات الصحيحة، آثارها خطيرة على الفرد والمجتمع، والمجتمع الإسلامي يتخبط في مواقفه منذ سنوات طويلة ولا يزال، ومن أسباب هذا التخبط المقدمات التي بنيت عليها هذه المواقف، فأكثرها مواقف انفعالية أو وقتية، تفتقر إلى الدراسة والتحليل، وأحيانا تكون مبنية على دراسة قاصرة، تكون نتائجها غير سليمة، فيتخذ القرار الخاطئ.

وفقه الواقع يحول دون الفوضى والتخبط، ويصبح لدى من يملك القرار تصورا متكاملا عن القضية، مما يمكنه من اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، دون قصور أو ارتجال.

  رابعا: التربية الشاملة المتكاملة

مما يلحظ على كثير من الجماعات المعاصرة عدم شموليتها واهتماماتها الجزئية، فهذه جماعة تعني بالتربية الروحية، وأخرى بالتربية الفكرية، وثالثة تربي أفرادها تربية عسكرية، والرابعة تعني بالتربية الإسلامية السياسية، وهلم جرا.

وقد تأملت في أسباب ذلك فاتضح لي أن أهم سبب لهذا الواقع: تصور كل جماعة أن الخلل في الأمة سببه قصورها في هذا الجانب دون غيره، فجعلت هدفها الأساسي: استكمال هذا النقص وسد الخلل، وكما ذكرت في الأثر الثالث: ما بني على مقدمة خاطئة فنتيجته خاطئة.

والمتأمل لواقع الأمة الإسلامية المعاصرة يدرك أن سبب تأخر أمتنا وتخلفها ناتج من عوامل عدة: روحية، وعلمية، وسياسية، وجهادية، وعقدية، واقتصادية، وهذا التصور الشمولي للواقع يجعل الدعاة يرسمون منهج دعوتهم بشمولية متكاملة، بعيدا عن التجزئة والفردية.

وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي صحابته، ويبني المجتمع المسلم، مجتمعا متكاملا، بعيدا عن روحية الصوفية، وسياسة العلمانيين: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)(<!--) [سورة المائدة: آية: (3)].

  خامسا: بعد النظر وحسن التخطيط

إن أمتنا بأمس الحاجة إلى التخطيط الدقيق، الذي يبني مجدها، ويقيها - بإذن الله - مصارع السوء، وكل تخطيط لا يبنى على فهم عميق لمجريات الأحداث، وتصور متكامل للواقع في جميع جوانبه، سيكون تخبطا لا تخطيطا.

والأوضاع التي مرت بها بلاد المسلمين، والمحن التي نعيشها كشفت عن تأخرنا عن أعدائنا في كثير من أمورنا، حتى أصبحنا عالة عليهم في كثير من شئون حياتنا.

وفي الوقت الذي يخطط فيه أعداؤنا لما بعد مائة سنة أو تزيد، نجد الفشل الذريع في تخطيط المسلمين لعشر سنوات أو أقل من ذلك.

وفقه الواقع في جوانبه المتعددة يعطي تكاملا في الرؤية، وبعدا في النظر، وهي من بدهيات التخطيط الدقيق لمستقبل الأمة، وتطلعات الأجيال.

وهذا التخطيط يشمل جميع مناحي الحياة: الدعوية، والعلمية، والاقتصادية، والعسكرية، وغيرها، حتى نكون كما أراد لنا ربنا (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(<!--) [سورة آل عمران، الآية: (110)] أمة قوية البنيان مرهوبة الجانب، تخضع لها الأمم والممالك، وتذل لها الجبابرة والملوك (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)(<!--) [سورة المنافقون، آية: (8)].

وبهذا نحمي المسلمين، ونوجد المهابة لهم في نفوس أعدائهم، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم " نصرت بالرعب مسيرة شهر "  (<!--) وصدق الله العظيم: (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ)(<!--) [سورة الأنفال، آية: (60)].

  سادسا: إبطال كيد الأعداء، وفضح خططهم

لقد فضح القرآن الكريم خطط المشركين (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً)(<!--) [سورة الطارق، الآيات: (15 - 17)]. وكشف عن مكائد اليهود والنصارى (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)(<!--) [سورة البقرة، آية: (120)]. (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ)(<!--) [سورة البقرة، آية: (76)].

وأماط اللثام عن دسائس المنافقين: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)(<!--) [سورة النساء، الآية: (142)]. (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ)(<!--) [سورة البقرة، الآية: (11-12)].

ومن ثمرات فقه الواقع كشف سبل المجرمين بشتى أشكالهم وأنواعهم، وكشف خططهم مؤذن بإبطال كيدهم، ورد تدبيرهم إلى نحورهم، والعناية بهذا الجانب حماية للمسلمين، ورد لكيد الظالمين (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)(<!--) [سورة الأنعام، آية: (55)].

  سابعا: حماية العلماء

وفقه الواقع حماية للعلماء من وجهين:

1- فالعلمانيون يكيدون لعلماء الأمة، ويسعون لتشويه صورتهم أمام العامة، بما يثيرونه من قضايا، وما يطرحونه من خلافات في مسائل علمية، مما يظهر أمام العامة وكأنه تناقض في الفتوى، وضعف في العلم، وهم يراهنون على إبعاد العامة عن علماء الأمة، لأنهم يدركون أن العلماء هم السد المنيع ضد مؤامراتهم ومخططاتهم، فإذا ظفروا بالعامة كسبوا الرهان، ففقه الواقع كشف لهؤلاء، وفضح لمآربهم، وحماية بالتالي لعلماء الإسلام ودرع الأمة.

2- وفقه الواقع حماية للعلماء من الخاصة، فعندما تكون الفتوى مبنية على تصور للواقع، وعلم بفروع المسألة وأصولها، لا يدع مجالا لطاعن أو مخالف، مما يكسب الفتوى احترامها وقوتها، وتتلقى بالقبول من لدن طلاب العلم والعامة، وهذا ولا شك يقوي صلة طلاب العلم بعلمائهم، ويقطع الطريق على من يستغل الأخطاء والعثرات لإبعاد شباب الأمة عن علمائها، وبهذا نحمي جانب العلماء، ونـزيد من مكانتهم في نفوس العامة والخاصة، لتكون لهم الريادة والقيادة العلمية في توجيه الأمة، وتبصيرها في شئون دينها ودنياها، كما كانوا - وسيظلون بإذن الله - على مر الأجيال وتعاقب العصور.

  ثامنا: الشعور بالمسئولية والتغلب على المعوقات

عندما نغفل عن واقعنا، ونكتفي بتلمس ظواهر الأمور دونما إدراك لحقائقها، قد نغفل عما يكاد لهذه الأمة ويحاك لها، وبالتالي سننشغل عن العمل الإيجابي الجاد، وقد ينصرف طالب العلم إلى أمور جانبية ظنا منه أن الأمور تسير على خير، وأن ليس هناك ما يكدر صفوها، أو يهدد كيان الأمة ومستقبلها.

ولكن عندما نفقه الواقع على حقيقته، دون إفراط أو تفريط، سندرك جهود الأعداء في الداخل والخارج لضرب الأمة في أعز ما تملكه، وهو دينها، وهنا نكون على مستوى المسئولية، وتزول الغشاوة التي تضعف رؤيتنا، وتنتهي المعاذير التي يرددها كثير من الناس، بدعوى أن الأمور بخير، وأننا أحسن من غيرنا، ونحن -ولا شك- بحمد الله وفضله أحسن من غيرنا، ولكن استمرار هذا القول، دون عمل أي جهد للمحافظة على هذا "الخير" و"الحسن" قد يؤدي إلى فقدانه وزواله (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)(<!--) [سورة إبراهيم، آية: (7)]

وفقه الواقع بالتالي عامل مساعد للتغلب على المعوقات التي تواجهنا عندما نقوم بما أوجب الله علينا، فإدراكنا لقوله تعالى: (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(<!--) [سورة العنكبوت، الآيتان: (1-2)] وفقهنا لقوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ)(<!--) [سورة التوبة، آية: (16)]. ومعرفتنا بما لاقاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام من عقبات في طريق دعوتهم، كل ذلك سيزيد من إيماننا بأن العاقبة للمتقين، مهما طال الطريق وتعددت المعوقات.

وفي الوقت نفسه ففقهنا لما عليه أعداؤنا، وما يكابدونه من مشاق في تحقيق أهدافهم الباطلة ومآربهم الخبيثة، يزيد من تحملنا في سبيل أهدافنا السامية، وغاياتنا النبيلة (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)(<!--) [سورة آل عمران، آية: (140)]. (وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ)(<!--) [سورة النساء، آية: (104)].

وبهذا تتحول المشاق والعقبات إلى لذة تتنعم بها، بدل العنت والشقاء، كما تلذذ أسلافنا بالجهاد في سبيل الله، وبهذا نكون أو لا نكون.

ومن يتهيب صعود الجبال

 

يعش أبد الدهر بين الحفر

  تاسعا: رفع مستوى الأمة ثقافيا وسياسيا

أمتنا كانت هي الأمة الرائدة والقائدة، هي أمة الحضارة التي أخرج الله بها الناس من الظلمات إلى النور، كانوا رعاة غنم فأصبحوا قادة الأمم، وهذا منطق القرآن الكريم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(<!--) [سورة آل عمران، آية: (110‏)].

أما اليوم فإننا " غثاء كغثاء السيل " تداعى علينا الأعداء من كل جانب كتداعي الأكلة إلى قصعتها، ونحن في قاموس الأمم: العالم المتخلف، والعالم النامي، والعالم الثالث، إلى غير ذلك من التسميات التي يندى لها الجبين.

وإدراكنا لهذا الأمر، والعمل الإيجابي للخروج منه بداية الطريق للعودة إلى أصالتنا ومكانتنا، وهو الخطوة الأولى للخروج من أزمتنا، ونحن نملك -ولله الحمد- مقومات العز والسؤدد، ومقاليد القيادة، والسيادة، والريادة.

وما زلنا عالة على غيرنا في ثقافتنا، وسياسيتنا، وكثير من شئون حياتنا.  (<!--)

ونحن بأمس الحاجة إلى إعادة ثقتنا بأنفسنا، ومن ثم تعود ثقة الناس بنا، في مجالات عدة: ثقافية، واجتماعية، وسياسية، واقتصادية، وبالتالي ترتفع مكانتنا، ويعلو شأننا، ونصبح كما أراد الله لنا (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(<!--) [سورة آل عمران، آية: (110)].

 

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

<!-- - متفق عليه، البخاري 1/150، 151 ومسلم (1037).

<!-- - انظر كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين.

<!-- - سورة النحل آية: 125.

<!-- - سورة المائدة آية: 3.

<!-- - سورة آل عمران آية: 110.

<!-- - سورة المنافقون آية: 8.

<!-- - صحيح الجامع 1/240 رقم 1056.

<!-- - سورة الأنفال آية: 60.

<!-- - سورة الطارق آية: 15-17.

<!-- - سورة البقرة آية: 120.

<!-- - سورة البقرة آية: 76.

<!-- - سورة النساء آية: 142.

<!-- - سورة البقرة آية: 11-12.

<!-- - سورة الأنعام آية: 55.

<!-- - سورة إبراهيم آية: 7.

<!-- - سورة العنكبوت آية: 1-2.

<!-- - سورة التوبة آية: 16.

<!-- - سورة آل عمران آية: 140.

<!-- - سورة النساء آية: 104.

<!-- - سورة آل عمران آية: 110.

<!-- - الذي ينظر إلى عدد المبتعثين من البلاد الإسلامية إلى بلاد الغرب والشرق حيث يعدون بمئات الآلاف أو يزيدون، يدرك ما أعنيه.

<!-- - سورة آل عمران آية: 110. 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 97 مشاهدة
نشرت فى 5 أغسطس 2012 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,660,490