(40) استِئمارَة
ويُسَمُّونَ المثالَ المطبوع الذي يَتَطَلَّبُ بياناتٍ خاصةً، لإجازةِ أمْرٍ من الأمور: استمارةً. والصواب: استئْمارة ( المعجم الوسيط، والمعجم الكبير ).
(41) أَمارَة ( عَلامة )
ويقولون: هي إمارةُ ما بيني وبينك. والصواب: أمارَةُ ما بيني وبينك. والأمارة هي: العلامةُ، قال الشاعر:
إذا طلعت شمس النهار فإنها ** أمارةُ تسليمي عليكِ فسلِّمي
وقيل: الأمارة والأمَرُ والأمارُ معناها العلامة. وقيل: الأَمارُ هو جمع الأمارة.
والأمارة والأمار: الموعدُ والوقتُ المحدودُ.
أما جمع الأمارة فهو: أَمارات.
وجاء في "المعجم الكبير" أنّ ( الأمارة و الإمارة ) هما مصدران للفعلين ( أَمِرَ و أَمُرَ ) أي: صار أميراً.
(42) أَمْسِ و بالأَمْسِ
ويخطئون من يقول: لقيتُهُ بالأمسِ في السوق. ويقولون إن الصواب هو: لقيتُه أَمْسِ في السوق. وكلتا الجملتين صحيحة؛ لأنّ أَمْسِ يُراد بها اليومُ الذي قبل يومنا الذي نحن فيه. و ( الأمس ) تشمل ( أمسِ ) أو أيّ يوم من الأيام التي قبلها. وجمع أمسِ هو: أُمُوسٌ وآمُسُ وآماسٌ.
وجاء في المعجم الكبير: " يٌقال: ما رأيته مُذْ أوَّلَ مِن أمْسِ، فإن لم تره يومين قبل ذلك، قُلتَ: ما رأيتُهُ مُذ أوّلَ مِن أوّلَ مِن أمسِ".
"ويُقال: رأيته أوَّلَ أمس، أي في مبدأ أمسِ، قال البُحتري في إيوان كسرى:
وكأنَّ اللقاءَ أوَّلَ مِن أمْـ ** ــسِ، ووشْكَ الفِراقِ أوَّلَ أمْسِ"
"وفيه ثلاث لغات – إذا أُريدَ به اليومُ الذي قبل يومِك - :
"أولاها: البناء على الكسر مُطلقاً، وهي لغة أهل الحجاز، فيقولون: ذهب أمْسِ بما فيه، واعتكفتُ أمسِ، وعجبتُ من أمسِ "بالكسر فيهن"، قال عمر بن أبي ربيعة:
إنَّ الخليط تَصَدَّعوا أمْسِ ** وتصدَّعَتْ لفراقهم نفسي"
"الثانية: إعرابه إعرابَ ما لا ينصرف في حالة الرفع خاصة، وبناؤه على الكسر في حالتي النصب والجر، وهي لغة جمهور بني تميم، يقولون: ذهب أمسُ بما فيه (يضمونه بغير تنوين)، واعتكفتُ أمسِ، وعجبتُ من أمسِ (بالكسر فيهما)".
"الثالثة: إعرابه إعرابَ ما لا ينصرف مطلقاً، وهي لغة بعض بني تميم، وعليها قول الراجز:
لقد رأيتُ عجباً مُذ أمْسا
عجائزاً مثل السعالي خَمْسا
يأكُلنَ ما في رحلِهنّ هَمْسا
لا ترك الله لهنّ ضِرْسا
[السَّعالي: جمع سِعْلاة وهي الغول].""
"وإذا أُريد بـ "أمْس" يومٌ من الأيام الماضية، أو دخلته "أل" أو أُضيفَ، أُعرِبَ بالإجماع. وفي الآية 82 من سورة القصص: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِر}.
وقال عمر بن أبي ربيعة:
يا صاحبَيَّ قِفا نستخبرِ الطَّللا ** عن بعض مَنْ حلَّهُ بالأمسِ ما فعلا"
(43) أمَلَهُ و أَمَّلَهُ
ويقولون: أمَلَ بفلانٍ وفي فلانٍ. والصواب: أمَلَ فلاناً يأمُلُهُ أمْلاً وأَمَّلَهُ تأميلاً: رجاه وترقَّبهُ.
وقد نقلت المعاجم المصدر (أمْل) عن ابن جِنِّي.
قال عَدِيُّ بن زيد العبادي:
خَطِفَتْهُ منيّةٌ فتردَّى ** وَهْوَ في المُلكِ يأْمُلُ التعميرا
وأمَلَ فلاناً: رجا عوْنَهُ، قال كعب بن زهير:
وقال كُلُّ خليلٍ كنتُ آمُلُهُ ** لا أُلْهِينَّكَ إني عنك مشغولُ
وأمَّلَ أكثرُ استعمالاً من أَمَلَ، قال الفرزدق:
تقولُ أراهُ واحداً طاح أهْلُهُ ** يُؤَمِّلُهُ في الوارثين الأباعدُ
(44) وقف تِـَـُجاهي أو قُبالتي أو إزائي لا أمامي
ويقولون: حدَّثتُهُ عندما وقف أمامي. والصواب: حدَّثته عندما وقف تِـَـُجاهي أو قُبالتي أو إزائي؛ لأن المرء يحدِّث غيره وهو يواجهه. و (وقف أمامي) تعني: وقف مديراً لي ظهره، كما يدير الإمام ظهره للمصلين. ولا يُحدِّث إنسانٌ آخر – عادة – إلا إذا كان أحدهما يرى وجه الآخر.
(45) عَلِمَ أنْ ستعودُ فلسطين
ويقولون: عَلِمَ أن ستعودَ فلسطين إلى العرب. والصواب: عَلِمَ أنْ ستعودُ فلسطينُ إلى العرب؛ لأنّ (أنْ) هنا ليست الحرف الذي ينصب الفعل المضارع، بل هي الحرف المُشَبَّه بالفعل (أنَّ) مُخففاً. فالحرف الناصب والمصدري (أنْ) يجب أن لا تفصِل بينه وبين مضارعه السين أو سوف أو قد أو ما أو لو. فإذا فصلت هذه الحروف الخمسة بين أنْ والفعل المضارع، كانت أنْ هي أنْ المخففة. وقد جاء في الآية 20 من سورة المُزَّمِّل قوله تعالى: { عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى}.
(46) أرادَ ألّا يتكلمَ
ويقولون: أرادَ أنْ لا يتكلمَ. والصواب: أرادَ ألّا يتكلمَ. قال ابن قتيبةَ: إنّ الإدغام واجب، إذا كانت (أنْ) عاملةً في الفعل، أي ناصبةً. فإنْ لم تكنْ (أنْ) عاملة في الفعل، لم تُدغم. نحو: علمتُ أن لا تقولُ (بضم لام "تقول")، لأنها تكون مخففة من الثقيلة، والتقدير: علمتُ أنك لا تقولُ.
(47) أنانيَّة
ويقولون: هذا رجل ذو أنانِيَة (بتخفيف الياء). والصواب: هذا رجلٌ ذو أنانِيَّة (بتضعيف الياء)، أي: رجل أنانيٌّ. (دوزي ومحيط المحيط وأقرب الموارد).
وللأنانِيَّة ثلاثة معانٍ:
(1) تَمَدُّح الإنسان بما ليس عنده، إعجاباً بنفسه وتكبّراً.
(2) حب النفس المُفرِط، مع عدم التفكير في الآخرين.
(3) الصَّلَفُ والكِبْرِياء.
أما قول شوقي في مسرحيته "مصرع كليوبترة":
زنبقةٌ في الآنيهْ ** ضحية الأنانِيَهْ
فقد عَثر فيه مرتين، أولاهما: عندما جعل "الآنية" مفردة، وهي جمع (إناء)، ولو قال: زنابقٌ في الآنيهْ لنجا من الخطأ، وظلَّ محافظاً على الوزن.
أما ثانيتهما فهي: تخفيف ياء (الأنانِيَهْ)، وهي ضرورة شعرية، ذكرها الآلوسي في كتابه "الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر". وأنا – مع ذلك – أربأُ بأمير الشعراء الخالد أحمد شوقي أن يلجأ إليها؛ لأنّ الشاعر الكبير يستطيع الاستغناء عن جميع الضرورات الشعرية.
(48) إنسانٌ وإنسانة
ويقولون: فلانةُ إنسانةٌ صالحةٌ. ويقول ابن سيده صاحب المُخصَّص، وابن منظور صاحب لسان العرب: فلانةُ إنسانٌ طيب [طيِّب: صفة للفظ إنسان].
ويقولُ الفيُّومي صاحب المصباح المنير: الإنسانُ يقعُ على الذكر والأنثى والواحد والجمع.
ويقول الجوهري في الصِّحاح: ويُقال للمرأة أيضاً إنسانٌ، ولا يُقال إنسانة، والعامة تقوله.
ويقول أحمد رضا في متن اللغة: الإنسانُ للمذكر والمؤنث، وقولهم (إنسانة) عامي، عن ابن سيده. وقال غيره: إنها صحيحة.
ويقول الفيروزأبادي في القاموس المحيط: والمرأة إنسانٌ، وبالهاء عامّيّة. وسُمِع في شعر كأنه مُوَلَّدُ:
لقد كَسَتني في الهوى ** ملابسَ الصَّبِّ الغَزِلْ
إنســانـــةٌ فـتَّـــانــــةٌ ** بدر الدجى منها خَجِلْ
إذا زَنَتْ عــيـني بـها ** فبــالـدمــوعِ تـغـتسِلْ
ولكنّ الزبيدي صاحب تاج العروس يُخالفهم في ذلك، ويقول: "إنّ العرب استعملت (إنسانة) قليلاً. والقلة لا تقتضي إنكارَها، والقول إنها عامِّيَّة". وأورَدَ قول كاهنٍ الثقفي:
إنسانةُ الحَيِّ، أمْ نَدْمانةُ السَّمَرِ ** بالنِّهْي رَقَّصَها لحنٌ مِنَ الوَتَرِ
والنِّهْيُ: اسم مكانٍ.
وحكى الصَّفَدي في شرح لامية العَجَم، أنّ ابن المستكفي اجتمع بالمتنبي في مِصْرَ، وروى عنه قوْلَه:
لاعبْتُ بالخاتَـِـم إنسانةً ** كمثل بدرٍ في الدجى الناجمِ
وكلما حاولتُ أخذي له ** مِنَ البَنانِ المُتْرَفِ الناعمِ
ألقتْهُ في فيها، فقلتُ انظروا ** قد أخْفَتِ الخاتمَ في الخاتمِ
فإذا صحَّت نسبة هذه الأبيات إلى أبي الطَّيب. فإنّ صدر البيت الثاني لا يُعقل أن يكونَ مِن نظمِ المتنبي لركاكته.
وتُنسب الأبيات التي ذكرها القاموس المحيط إلى أبي منصورٍ الثعالبي. صاحب يتيمة الدهر.
ويُذكر قول ابن سُكَّرَة الهاشمي، أحدِ شعراء يتيمة الدهر:
في وجهِ إنسانةٍ كَلِفْتُ بها ** أربعةٌ ما اجْتَمَعْنَ في أحَدِ
فالخد وردٌ، والصُّدْغُ غاليةٌ ** والرِّيقُ خمْرٌ، والثَّغرُ مِنْ بَرَدِ
لكل جزء مِن حسنها بِدَعٌ ** تُودِعُ قلبي ودائعَ الكَمَدِ
وروى اللسانُ والمعجمُ الكبيرُ قول الشاعر:
تَمْري بإنسانها إنسانَ مُقْلَتِها ** إنسانةٌ في سوادِ الليل عُطْبُولُ
الإنسان الأول: الأنملة، الإنسان الثاني: إنسان العين (ناظرها)، العُطبول: المرأة الفتيّة الجميلة الممتلئة الطويلة العُنُق.
وأنا من رأي صاحب التاج، من حيثُ جوازُ استعمال كلمة إنسانة؛ لأنني أحب القياس، ولا أميل إلى الشُّذوذ.
(49) استأنَفَ التدريسَ
ويخطِّئون من يقول: استأنف الأستاذ فلانٌ التدريسَ بعد أنِ انقطع عنه عامين. ويقولون إن الصواب هو: عاد إلى التدريسِ بعد أنِ انقطع عنه عامين؛ لأن المعاجم كلها تقول إن معنى: استأنف الشيءَ وأْتَنَفَهُ: ابتدأَهُ، أو أخذ أوَّلَهُ، وقيل: استقبَلَهُ.
أما استأنفه بوعدٍ، فيقولون إن معناه: ابتدأه مِن غير أنْ يسأله إياه.
وعندما أصدر مجمع اللغة العربية بالقاهرة الطبعة الأولى من "المعجم الوسيط" عام 1960 ، قال: "استأنف الشيءّ: أخَذَ أوَّلَهُ. ابتدأه. استقبله". ثم قال: "استأنف الحُكم (في القانون): طَلَبَ إعادة النظر فيه (مُحْدَثة)".
ولكنّ المجمع نفسه أصدر الجزء الأول من "المعجم الكبير" عام 1970 ، قائلاً فيه: "استأنف العملَ: عاد إليه بعد انقطاع". ثم قال: "استأنَفَ الحُكْمَ (في القانون): طَلَبَ إعادة نظر موضوع الدَّعوى أمام هيئة أعلى".
وهذا يحملنا على قبول:
(1) استأنف العملَ: (أ) ابتدأه. (ب) أخَذَ أوَّلَه. (ج) استقبله. (د) عاد إليه بعد انقطاع.
(2) استأنف الحُكْمَ: طلب إعادة نظر موضوع الدعوى أمام هيئة أعلى.
(50) أَنِفَ من الذُّلِّ و أَنِفَ الذُّلَّ
ويخطِّئون من يقول: أنِفَ الذُّلَّ، ويقولون إن الصواب هو: أَنِفَ مِن الذُّلِّ، اعتماداً على ما جاء في كثير من المعاجم، وعلى قول المتنبي:
أَنَفُ الكريمِ من الدَّنيئةِ تاركٌ ** في عَيْنِهِ العَدَدَ الكثيرَ قليلا
ولكنّ لسان الدين ابن الخطيب قال:
قالوا لخدْمتِهِ دعاك مُحمَّدٌ ** فأنِفْتُها، وزَهِدْتُ في التَّنْويهِ
وجاء في القاموس: يأْنَفُ أن يُضامَ.
وقال ابن الأعرابي والأزهري: أَنِفَ البعيرُ الكلأَ.
وجاء في تهذيب الأزهري: أَنِفَ الطعامَ وغيرَهُ.
وجاء في المُحكم لابن سيده: أَنِفَتْ فَرَسي هذه هذا البلد.
وجاء في المخصَّص لابن سيده أيضاً: أنِفْتُ الشيءّ: كَرِهْتُهُ.
وقال الزَّجاج في كتاب ( فَعَلْتُ وأفْعَلْتُ ).: يُقال: أَنِفْتُ الشيءَ، إذا تَنَزَّهْتُ عنه.
وقال وهب بن الحارث القُرشي:
لا تَحْسَبَنِّي كأقوامٍ عَبِثْتَ بهم ** لَنْ يأْنَفُوا الذُّلَّ حتى يأْنَفَ الحُمُرُ
وقال الثقفي:
تنبو يداهُ إذا ما قلَّ ناصِرُهُ ** ويأْنَفُ الضَّيمَ إنْ أثرى له عَدَدُ
وقال حسّان بن ثابت:
قسامةُ أُمُّكُمْ، إنْ تنْسِبوها ** إلى نَسَبِ فَتَأْنَفُهُ الكرامُ
وجاء في المعجم الكبير لمجمع اللغة العربية بالقاهرة: أَنِفَ من الشيء أو أَنِفَ الشيء: كَرِهَهُ وعافَتْهُ نفسُهُ.
فمن هذا كله نرى أنه يجوز أن نقول: أَنِفَ من الذُّلِّ، وَأَنِفَ الذُّلَّ.
أما فعلُهُ فهو: أَنِفَ يَأْنَفُ أَنَفَةً وأَنَفاً: استَنْكَفَ واستكْبَرَ.
(51) هو أهلٌ للاحترامِ، يَسْتَأْهِلُ الاحترامَ
ويخطِّئون من يقول: فلانٌ يَسْتأهِلُ الاحترامَ، أي: يَسْتَحِقُّهُ، ويقولون: إن الصواب هو: فلانٌ أهلٌ للاحترامِ، اعتماداً:
(1) الصِّحاح الذي قال: " فلانٌ أهلٌ لكذا، ولا تُقل: مُسْتأْهلٌ؛ والعامةُ تقوله".
(2) ثم قول الحريري في دُرّة الغواص: "يقولون فلانٌ يسْتأْهِلُ الإكرام، وهو مُسْتأْهلٌ للإنعامِ، ولم تُسمع هاتان اللفظتان في كلام العرب، ولا صوَّبهما أحد من أهل الأدب، ووجهُ الكلام أن يُقال: فلانٌ يستحق التَّكرِمةَ. وهو أهلٌ للمكْرُمَة، فأما قول الشاعر:
لا بل كُلي أُمِّيَ، واستأْهلي ** إنَّ الذي أنْفَقْتِ مِن مالِيَهْ
فإنه عنى بلفظة (استأهلي): اتخدي الإهالة، وهي ما يُؤْتَدَمُ به من السَّمْنِ والوَدَك".
(3) ثم قولِ المِصباح: "لا يُقال (استأْهَلَ) بمعنى: استحقَّ".
ولكنَّ:
( أ ) الأزهري أجاز لنا أن نقول: " فلانٌ يَسْتأْهِلُ أنْ يُكرمَ أو يُهانَ".
( ب ) ثم قال الزمخشري: "اسْتأْهَلَ فلانٌ لذلك، وهو مُسْتأْهِلٌ له، سمعتُ أهل الحجاز يستعملونه استعمالاً واسعاً".
( ج ) ثم أجاز الصَّاغاني استعمال (اسْتأْهَلَ) بمعنى: استحقَّ.
( د ) ثم أوردَ اللسان قول الأزهري، وذكر أن المازنيّ خطّأ من يستعمل (استأهل) بمعنى: استحقَّ، ثم قال: "اسْتأْهله: استوجَبَهُ. وكرِهها بعضهم".
( ه ) ثم قال القاموس: "استأْهلهُ: استوجبه لغةٌ جيدة، وإنكار الجوهري باطل".
( و ) وتلاه التاج فقال: "سمعتُ مِن فصحاء أعراب الصَّفراء واحداً يقول لآخر: أنت تسْتأْهلُ يا فلان الخير، وكذا سمعتُ أيضاً من فصحاء أعراب اليمن".
قال ابن بَرّي: ذكر أبو القاسم الزَّجّاجي في أماليه لأبي الهيثم خالد الكاتب، يخاطب إبراهيم بن المهدي لما بويع بالخلافة:
كُنْ أنْتَ للرحمةِ مستأهلاً ** إن لم أكُنْ منك بمُسْتأْهِلِ
ثم روى التاج عن الأزهري قوله: "سمعتُ أعرابياً فصيحاً من بني أسد يقول لرجلٍ شَكَرَ عنده يداً أُولِيَها: تستأهِلُ يا أبا حازم ما أُولِيتَ، وحضر ذلك جماعةٌ من الأعراب فما أنكروا قوله".
( ز ) ثمّ أبَّد هؤلاء كلٌّ من المدِّ والمتْنِ والوسيط والمعجم الكبير.
لذا يجوز لنا أن نقول: أنت أهلٌ للاحترامِ، أو تستأْهِلُ الاحترام.
(52) حافلة لا أوتوبوس
ويُطلقون كلمة أوتوبوس على السيارة الكبيرة، التي تنقل الناس من مكان إلى آخر، وأنا أرى أن نسمي تلك السيارة الكبيرة بـ (السيارة الحافلة أو الحافلة)؛ لأنها تَحفِلُ بالناس، أي: يحتشدون فيها، فما رأي مجامعنا؟
(53) عالَهُ لا قام بِأَوَدِه
ويقولون: قام بِأَوَدِه، أي: كفاهُ معاشه. والصواب: عالهُ أو أعالَه. أما إذا أردنا أن نقول: أزال اعوجاجه، فإننا نقول: قوَّمَ أَوَدَهُ أو أقام أَوَدَهُ؛ لأنّ كلمة الأَوَد معناها الاعوجاج. وفي الحديث: "إنَّ المرأةَ خُلِقتْ من ضِلع، فإن تُقِمْها كسرْتَها، فدارِها فإن فيها أَوَداً وبُلْغةً". (البُلغَة): ما يكفي لسدِّ الحاجة، ولا يَفْضُلُ عنها.
(54) ألُو بأسٍ أو أولو بأْسٍ
ويقولون: العربُ قوم أولو بأسٍ. وأولو جمع بمعنى ذوو، لا واحدَ له، وقيل: هو اسمُ جمعٍ، واحدُهُ: ذو بمعنى صاحب، كالغنمِ واحدُهُ شاة. وإعرابه بالواو رفعاً، وبالياء نصباً وجراً.
ويُؤثرُ معظمُ كُتُب الإملاء، وبعْضُ المعجمات، كتابة هذا الجمع (أولو وأولي) بالواو بعد الهمزة. ولمّا:
(1) كانت (الواو) هنا هي مثل واو (عمرٍو)، تُكتبُ ولا تُلفظ.
(2) ولمّا لم يكن لدينا مُسَوِّغٌ إملائي، لوَضع الواو بعد الهمزة في (أولو و أولي)، مثلُ مُسوِّغ وضع الواو في آخر (عمرٍو)، للتفريق بين هذا الاسم و (عُمَرَ).
(3) ولمّا كان الصَّحابة: زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام (رضي الله عنهم)، الذين كتبوا القرآن الكريم في عهد عثمان بن عفان (رضي الله عنه)، وكتبوا (أولو) بالواو بعد الهمزة؛ لمّا كان هؤلاء بشراً مثلنا يُخطِئون ويُصيبون، ولمّا كانت عقول أبناء الأمة العربية في نموِّ مطَّرد، حَسَبَ سنَّة النشوء والارتقاء، فإنني أرى – دون أن أخطِّئ من يضع الواو بعد الهمزة – أن نكتبَ هذا الجمع في حالات الرفع والنصب والجر، دون واو بعد الهمزة، فنقول: أُلُو بأسٍ وأُلِي بأْسٍ، لكي نحولَ دون أن يلفظهما بعضُ القراء كما يلفظون (كونوا وكوني).
فما هو رأي مجامعنا اللغوية في القاهرة ودمشق وبغداد وعمّان والمكتب الدائم لتنسيق التعريب في الرّباط؟
(55) أَيُّما أفضل الصناعة أم التجارة؟
ويقولون: أيهما أفضل الصناعة أم التجارة؟ والصواب: أيُّما أفضل الصناعة أم التجارة؛ لأن الضمير يجب أن يعود إلى اسم قبله، لا إلى اسم بعده. والضمير (هما) جاء هنا قبل الاسمين اللذين يعود إليهما. وهذا لا يجوز؛ لأن الاستفهام يكون عن الظاهر أول مرة، فإذا كُرِّر الظاهر، جاز لنا أن نستفهمَ عن ضميره، لذا وجب أن نضعَ (ما) مكان الظاهر، ونبدأ الجملة بـ (أيُّما) بدلا من (أيّهما).
56) بئرٌ عميقةٌ
ويقولون: هذا البئر عميقٌ. والصواب: هذه البئرُ عميقةٌ؛ لأن كلمة (بئر) مؤنثة. وقد جاء في الآية 45 من سورة الحج: {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ}.
وتُجمع (البِئرُ) على آبار و أبآر و أُبْؤُر و آبُر و بِئار وتُصغّر على بُؤَيْرة.
وُيجيز المصباح أن نقول (بير) ونجمعها (أبيار).
وفي العربية كلمات مؤنثة كثيرة، يُذَكِّرها عدد كبير من الكُتّاب، مثل: أرنب و ضبغ و كَرِش ويمين [قسم].
(57) بُؤسٌ وبائسون
ويجمعون (بائس) على (بؤساء). والصواب: بُؤْسٌ.
قال تأَبَّطَ شرّاً:
قد ضِقْتُ من حبها ما لا يُضيّقُني ** حتى عُدِدْتُ من البُؤْسِ المساكينِ
وقد أوردها اللسان والتاج غير مهموزة (البوس). وقد أخطأ حافظ إبراهيم عندما ترجم كتاب فيكتور هوجو، ووضع (البؤساء) عنواناً له.
وما على مَن يُفلت من جمع التكسير (بؤس) مِن ذاكرته، إلا أن يجمع اسم الفاعل (بائس) جمعَ مذكرٍ سالماً (بائسون أو بائسين).
وجاء في اللسان في مادة (أسف) جمع (بائس) على (بُؤَّس)، في بيت أنشده ابن بَرّي:
ترى صُواهُ قُيَّماً وجُلَّسا ** كما رأيتَ الأُسفاءَ البُؤَّسا
والصُّوى، مفردها: صُوّة، وهي القبر. الأرجح أن الصُّوى تعني الحجارة المنصوبة على جانبي الطريق. والأُسفاء، مفردها: أسِيف، وهو الشيخ الفاني، أو العبد ، أو الأسير، أو الأجير.
أما (البؤساء) فهي جمع (بئيس). والبئيس هو: الشجاع القوي.
وقد روى الصِّحاح واللسان والتاج عن أبي زيد، في كتابه "الهَمْز" قوله: "فهو بَئِيس على فَعِيل، أي: شجاع".
وجاء في الصفحة 98 من الجزء الثاني من ديوان الهُذَلِيَّيْن، قول أبي كثير عامر بن حُلَيْس الهُذَليّ:
ومعي لبُوسٌ للبئيس كأنه ** رَوْقٌ بجبهةِ ذي نِعاجٍ مُحْفِلِ
وقال المرزوقي في المجلد الأول من شرح الحماسة، صفحة 254: "البئيس: هو الرجل الشجاع ذو البأس". و(فعيل) إذا جاء وصفاً لمذكر عاقل يُجمع على (فُعلاء). لذا يُجمع (بئيس) على (بُؤَساء).
أما في القرآن الكريم فقد وردت (بئيس) مرة واحدة في الآية 165 من سورة الأعراف: {وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ}. أي: بعذاب شديد.
(58) أَلْبَتَّةَ أو البَتَّةَ أو بَتَّةً
ويخطئون من يقول: لا أفعله بَتَّةً. ويقولون إن الصواب هو: أَلْبَتَّةَ و البَتَّةَ (تُقطع الهمزة وتوصل). ويُقال ".... أَلْبَتَّةَ" لكل أمر لا رجعة فيه. وتُنصب على المصدر.
ويعتمد الذين يُخطئون التنكير (بَتَّةً)، ويوجبون التعريف (البتَّةَ):
(1) على قول ابن بَرّي: إن سيبويه وأصحابه (البصريين) لا يُجيزون إلا: (لا أفعله البتة).
(2) وعلى ما جاء في تهذيب الألفاظ لابن السِّكيت: "وقولهم "لا أفعله البتة" أي: قَطْعاً".
(3) وعلى استعمال الخليل بن أحمد (البتة) وحدها.
ولكنْ:
(1) جاء في اللسان والتاج: قال ابن بَرّي: أجاز الفرّاء وحده التنكير (بتة). وهو كوفي.
(2) قال ابن فارس في المجمل: يُقال لما لا رجعة فيه: لا أفعله بتَّةً.
(3) نقل المصباح المنير قول ابن فارس. دون أن يُجيز تعريف (بتَّةً).
أما الذين أجازوا كلتيهما (البتّةَ . بتَّةً) فهم أصحاب: (1) التاج (2) واللسان (3) والصِّحاج (4) والمُختار (5) والمُحكم (6) والقاموس (7) ومدِّ القاموس (8) ومتن اللغة (9) وكشف الطُّرَّة.
وقد اختلفوا في همزة (البتَّة)؛ فمنهم من يقول إنها همزة قطع، ومنهم من يقول إنها همزة وصل. ومنهم من يجيز همزتي القطع والوصل كلتيهما؛ فالذين أيّدوا همزة القطع (ألبتة): (1) قال الدَّماميني في شرح التسهيل: زَعم في اللُّباب أنه سمع في (ألبتة) قطع الهمزة (2) أوردها القاموس همزة قطع (ألبتة). والذين أيدوا همزة الوصل (البتة)، هم أصحاب: (1) الصِّحاح (2) والمختار (3) ومد القاموس. والأعلام: (4) سيبويه (5) وابن السِّكِّيت (6) والخليل بن أحمد. والذين أجازوا الهمزتين (ألبتة والبتة) هم أصحاب: (1) التاج (2) وكشف الطُّرّة (3) ومتن اللغة.
لذا قل: ألبتَّةَ أو البتَّةَ أو بتَّةً.
(59) بَتَّ الأمرَ
ويقولون: بتَّ فلان في الأمر. والصواب: بَتَّ فلان الأمر، أي: نواه وجزم به.
وجاء في الأساس: بتَّ عليه القضاء وبتَّ النية: جزمها.
وجاء في المحكم: بَتَّ الشيءَ يَبُتُّهُ ويَبِتُّهُ: قَطَعَهُ قَطْعاً مُسْتأصِلاً.
ويقولون: بَتَّهُ السفر: جَهَدَهُ وأضناه (مجاز).
بَتَّ طلاقَ امرأتِه: جعله باتّاً لا رجعة فيه (مجاز).
بَتَّ الحُكمَ: أصدرهُ بلا تردُّد.
(60) قضية سياسية بحتٌ أو بحتةٌ
ويخطِّئون من يقول: قضية سياسية بحتةٌ. ويقولون إنّ علينا أنْ نتقيَّد بكلمة (بَحْت) في المذكر والمؤنث، والمثنى بنوعيه، والجمع بنوعيه، وقد أيَّد الصّحاح هذا القول، لكنه عاد فقال: "وإن شئت قلت: امرأةٌ عربيةٌ بحتةٌ، وثنَّيتَ وجمعتَ".
لا شك في أن هذا الرأي هو الأقوى؛ لأن فيه حذفاً لعلامات التأنيث والتثنية والجمع، وفي الاختصار بلاغة أي بلاغة.
ولكن ما دام كثير من أصحاب المعجمات كابن منظور، والفيروزأبادي، والزبيدي، وادوارد لاين، وبطرس البستاني، ومجمع القاهرة (المعجم الوسيط) يجيزون لنا تأنيث كلمة (بَحْت)، وتثنيتها، وجمعها، وما دام ذلك يتفق وقاعدة التأنيث والتثنية والجمع، ويجنبنا سلوك سبيل شاذ. فما علينا إلا أن نسمح للكاتب – إذا شاء – أن يقول:
(1) قضية سياسية بَحْتٌ، أو قضيتان بَحْتٌ، أو قضايا بَحْتٌ.
أو: (2) قضية سياسية بَحْتةٌ.
أو: (3) قضيتان سياسيتان بحتتان.
أو: (4) موضوعان سياسيان بحتان.
أو: (5) قضايا سياسية بحتة.
أو: (6) أمور سياسية بحتة.
ساحة النقاش