(30) لنا أسوةٌ حسنةٌ فيه
ويخطِّئ المنذر من يقول: لنا أسوةٌ حسنةٌ في كثير من النقاد، ويرى أنَّ الصواب هو: لنا أسوة حسنة بكثير من النقاد.
ولكنْ جاء في:
( أ ) الآية 21 من سورة الأحزاب: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
( ب ) والآية 4 من سورة الممتحنة: {إَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ}.
( ج ) والآية 6 من سورة الممتحنة أيضاً: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ}.
فقطعَتْ جهيزة بذلك قول كل خطيب، (هذا مثلٌ عربيٌّ أصله: أنَّ قوماً اجتمعوا يخطبون في صلح بين حيَّيْن، قَتَل أحدُهما من الآخرِ رجلاً، ويسألون أي يرضى أهل القتيل بالدِّية. فبينما هم في ذلك، ذ جاءت أمَةٌ يُقال لها جهيزةُ، فقالت: إنّ القاتلَ قد ظَفِر به بعض أولياء القتيل فقتله. فقالوا عند ذلك: قطعَتْ جَهيزَةٌ قول كل خطيب، أي: لم يبقَ مجال للكلام ).
وقال الكميت:
ولكنّ لي في آلِ أحمدَ أسوةً ** وما قد مضى في سالف الدهر أطولُ
ومعنى الأُسْوة: القُدْوَة. ويجوز أن نقول: الإسْوة أيضاً.
جاء في الأساس: في فلانٍ أُسْوَةٌ وإسْوَةٌ. وجاء في اللسان والتاج: لي في فلان أُسْوَةٌ، أي: قُدْوةٌ.
و "في" هنا ليست للتعدية، ولم تخرج عن معنى الظرفية. وجاء في المعجم الكبير: "الأُسْوَةُ، والأًسْوَة، والإسْوَةُ: القُدْوَةُ".
(31) بالأصالة عن نفسي
ويقولون: أُرحِّبُ بكم بالإصالة عن نفسي والنيابة عن زملائي. والصواب: أرحب بكم بالأصالة عن نفسي.
و( الأصالة ) مصدر الفعل: أَصُلَ يأصُلُ أصَالةً:
(1) ثَبَتَ وقَوِيَ.
(2) أَصُلَ الرأيُ: جاد واستحكم.
(3) أَصُلَ الأسلوبُ: كان مبتكراً مُتميزاً.
(4) أَصُلَ النَّسبُ: شَرُفَ فهو أصيلٌ.
والأصالة:
( أ ) في الرأي: جودتُه. ( ب ) في الأسلوب: ابتكارُه. ( ج ) في النسب: عراقتُه.
(32) أُطُرٌ و إطارٌ و أَطَرٌ و إطاراتٌ
ويجمعون كلمة ( إطار ) على ( إطارات ). وتفضيلنا هو: ( أُطُرٌ )؛ والتاج يقول: إنّ الأُطرَةَ هي كل ما أحاط بشيء، وجمعها: أُطَرٌ و إطارٌ. ويقول كاللسان في مكان آخر: وكل شيء أحاط بشيء فهو إطارٌ له. وهذا يعني أنّ كلمة ( إطار ) عندهما مفردة وجمع في آنٍ واحد.
ولكن مجمع اللغة العربية بالقاهرة وافق على جمع الإطار على إطارات في دورة عام 1973 .
(33) أيقنتُ جُبنَهُ لا تأكَّدتُهُ
ويقولون: تأكدتُ جُبْنَ عدوِّنا. والصواب: أيقنتُ، أو استيقنتُ، أو تبيَّنْتُ، أو تحققتُ جُبنَ عدونا؛ لأنّ ( تأكدَ ) كالفعل ( توكَّدَ ): فعل لازم، معناه: اشتدَّ وتوثَّقَ، كما جاء في اللسان والتاج والوسيط والمعجم الكبير.
ويرى الدكتور مصطفى جواد في بحث طويل أن نُجيزَ: تأكَّدَ الأمرَ. ولا نستطيع الموافقة على رأيه ما دام الفعلُ ( تأكدَ ) لم يرِدْ في المعاجم إلا لازماً، دون أن تجيز المجامع تعديته.
(34) هذا ألْفٌ أو هذه ألْفٌ
ويقولون: هذه ألْفٌ. والصواب: هذا ألْفٌ، لأنّ ( الألْف ) عدد مذكر كما يقول الصِّحاح ومفردات الراغب ومختار الصِّحاح والمصباح المنير والتاج ومتن اللغة والوسيط.
وقال الحريري في دُرَّة الغواص:
فإنّ كلاباً هذه عَشْرُ أبطُنٍ ** وأنت بريءٌ مِنْ قبائلها العَشْرِ
فإنه عنى بالبطن القبيلة فأنَّثه على معنى تأنيثها، كما ورد في القرآن: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ( الآية 160 من سورة الأنعام )، فأنَّث المثل وهو مذكَّر، لمّا كان بمعنى الحسنة. ونظير تأنيثهم البطن، وهو مذكر، تأنيثهم أيضاً الألْف في العدد، فيقولون: قبضتُ ألْفاً تامة، والصواب أن يُذكّر، فيقال: ألْفٌ تامٌّ، كما قالت العرب في معناه: ألْفٌ صَتْمٌ (تامٌّ)، وألْفٌ أقرعُ (تامٌّ). والدليل على تذكير الألْف قوله تعالى في الآية 125 من سورة آل عمران: {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ}. والهاء في باب العدد (من 3-10) تُلحق بالمذكر، وتُحذف من المؤنث. وأما قولهم: "هذه ألفُ درهم"، فلا يشهد ذلك بتأنيث الألْف؛ لأنّ الإشارة وقعت على الدراهم، فكان تقديرُ الكلام: هذه الدراهم ألْفٌ.
وقال ابنُ السِّكِّيت:"لو قلتَ هذه ألْفٌ، بمعنى: هذه الدراهمُ ألْفٌ؛ لجاز".
وقال الفرّاء والزَّجّاج: قولهم هذه ألْفُ درهم، التأنيث لمعنى الدراهم، لا لمعنى الألف، والدليل على تذكير الألْف قوله تعالى: ذكرا الآية التي أوردها الحريري".
وقال تعالى أيضاً في الآية 124 من سورة آل عمران: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ}.
وقال اللِّسانُ: "يُقال ألْفٌ أقرع ( تامٌّ )؛ لأنّ العرب تُذكِّر الألْفَ، وإنْ أُنِّث على أنَّه جمعٌ فهو جائز، وكلام العرب فيه التذكير. قال الأزهري: وهذا قول جميع النحويين، ويُقال هذا ألْفٌ واحدٌ ولا يُقال واحدة". ثم ذكر قول ابن السِّكِّيت، كما فعل معظم المعاجم.
وأنشد ابنُ برِّي في تذكير الألْف:
فإنْ يَكُ حقي صادقاً، وهو صادقي ** نقُد نحوكم ألْفاً من الخيل أقرعا
وأنشدَ لشاعر آخر:
ولو طلبوني بالعقوق أتيتهم ** بألْفٍ أؤديه إلى القومِ أقْرعا
وجاء في الأساس: "وهذه ألفٌ مُؤَّلفة، أي: مُكمَّلة". وأُرجِّح أنه يريد الألْف صفة لمعدود مؤنث، أو لجمع تكسير كالدراهم مثلا.
أما المعجم الكبير فيقول: الألْفُ: مذكر، ويجوز تأنيثه. فمِن هذا كله نرى أنَّ الألْفَ مذكر، ويجوز تأنيثه على أنَّه جمعٌ، أو صفة لموصوف مؤنث أو لجمع تكسير محذوفين.
ورأيي أن التذكير أسلمُ عاقبة.
أما جمعُ الألْفِ فهو:
(1) آلُفُ، ومنه قول بُكير أصمّ بني الحرث بن عبّاد:
عَرَباً ثلاثةَ آلُفٍ، وكتيبةً ** ألْفينِ أعجمَ من بني الفدّامِ
(2) وأُلوفُ، قال تعالى في الآية 243 من سورة البقرة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ}، وألوف هو جمع الجمع.
(3) وآلاف ( جمع قلِّة من ثلاثة آلاف إلى عشرة. وهذا الجمع ذُكر في الآيتين المذكورتين آنفاً.
(35) ما مِنْ أحَدٍ إلا جزِعَ أو إلا وجَزِعَ
ويخطِّئون من يقول: ما مِن أحدٍ إلا وجَزِع. ويقولون إنّ الصواب هو: ما مِنْ أحَدٍ إلا جَزِع. ولكن جاء في ( المغني ) أنَّ ( الواو ) تُزادُ بعدَ ( إلا ) لتأكيد الحكم المطلوب إثباته، إذا كان في محل الرد والإنكار. فهنا لا نقول: ما مِنْ أحدٍ إلا وجَزِع، إلا إذا شككنا في تسرُّب الجزع في كل قلب.
(36) جاءني القومُ إلا إياك أو إلاك
ويخطئون من يقول: جاءني القومُ إلاك، ويقولون إنَّ الصواب هو: جاءني القومُ إلا إياك، ويرون أنَّ الضمير المنفصل هو الذي يجب أن يأتي بعد ( إلا )، لا الضمير المتصل.
واستشهدوا بقوله تعالى في الآية 23 من سورة الإسراء: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ}.
واستشهدوا بقول عمرو بن معدي كَرِب:
قد عَلِمتْ سلمى وجاراتها ** ما قَنْطَرَ الفارسَ إلا أنا
ولكن جاء في شرح التسهيل أنَّ ابن الأنباري قال: "إنَّ وقوع المتصل بعد إلا مسموعٌ مقيسٌ عليه، فيُقال عنده قياساً: إلاك وحتَّاك".
ومن شواهد وقوع الضمير متصلاً بعد ( إلا ) قول المتنبي:
ليس إلاك يا عليُّ هُمامٌ ** سيفُهُ دونَ عِرْضِهِ مسلولُ
وقول الشاعر:
فما نُبالي إذا ما كُنتِ جارتنا ** ألَا يُجاوِرَنا إلاكِ ديّارُ
وقول الآخر:
أعوذُ بربِّ العرشِ مِنْ فِتيةٍ بَغَتْ ** عليَّ فمالي عَوْضُ إلاهُ ناصرُ
وزعم الحريري أنَّ ذاك نادر، لا يُعتد به ولا يُقاسُ عليه. وجاء في كشف الطُّرَّة: "قال بعضهم هو ضرورة، ونفاها ابنُ مالكٍ، لِتَمَكُّنِ الأول مِنْ أن يقول: أنْ لا يُجاورَنا خِلٌّ ولا جارُ؛ والثاني أن يقول: فما في غيره عَوْضُ ناصِرُ".
لذا يجوزُ أن نقول: جاءني القومُ إلا إياك، أو جاءني القومُ إلاك.
(37) الأَلْيَةُ
ويقولون: أصابتْ شظِيّةٌ إلْيَتَهُ. والصواب: أَلْيَتَهُ، وجمعها: أَلْيٌ وأَلَياتٌ وأَلايا ( والأخير على غير قياس ).
ومثنّاها: أَلْيانِ، دون تاءٍ، على غيْرِ قياس، وأَلْيَتانِ ( على القياس في لغةٍ ).
والأَلْيَةُ هي: العجيزةُ، أو ما رَكِبَ العَجُزَ وتدلَّى من لحمٍ وشحمٍ.
(38) الأَمْر
ويقولون: الأمْرُ الذي حَمَلَنا على نقل فلانٍ إلى المستشفى هو إصابتُهُ بالحُمَّى. والصواب: ما حَمَلَنا على نقل فلانٍ إلى المستشفى هو إصابتُهُ بالحمى. أو إصابة فلانٍ بالحمى حَمَلَتنا على نقلِهِ إلى المستشفى؛ لأن استعمال كلمة ( الأمر ) هنا، ركيكٌ جداً، وليس عربيَّ الأصولِ والسَّبكِ، وربما دخل الضاد بأقلامِ ضُعفاءِ المُتَرْجمين.
(39) هو مُؤامِر وهما متآمِران وهم متآمرون
ويقولون: فلانٌ مُتآمرٌ. والصواب: هو مُؤامِرٌ وهما متآمِران وهم متآمِرون؛ لأنّ وزن ( تَفاعَلَ ) يَتَطَلَّبُ التشاركَ بين اثنين أو أكثر في أمرٍ من الأمور.
أما معنى آمَرَهُ في الأمر مؤامَرَةً فهو: شاوَرَه فيه، ومنهُ الحديث: "آمِروا النساءَ في أنفسِهِن"، أي: شاوِرُوهُنّ في تَزْويجِهِنَّ.
ومعنى تآمروا: تشاوروا. وزاد المعجم الوسيط والمعجم الكبير: تآمروا عليه: تشاوروا في إيذائه ( مُوَلَّد ).
ومعنى ائتَمَرُوا به: شاورَ بعضُهم بعضاً للفَتْكِ به وإيذائه. قال تعالى في الآية 20 من سورة القصص: {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ}. أي: يُؤامِرُ بعضُهم بعضاً في قتلِك.
ساحة النقاش