في مجال دراسات علم النفس اللغوي يمكن التمييز بين نظريتين تختلف بينهما النظرة للخطأ. النظرية الأولى وتسمى بالنظرية السلوكية، ترى أن احتمال الخطأ يقلُّ، لأن التدريبات النمطية تُثَبِّت المهارة اللغوية، ومن ثم لا مجال لتوقع الخطأ. تَعلُّم اللغة في ضوء هذه النظرية أشبه بالعملية الآلية. أما النظرية الثانية، فتسمى بالنظرية العقلية، وترى أن تعلم اللغة عبارة عن نشاط عقلي يفترض المتعلم فيه فروضاً خاصة باللغة، ويختبرها إلى أن يثبت على وضع فيها. والمتعلم أثناء هذه العملية يخطئ، والخطأ هنا جزء من عملية التعلم.
لم يعد ينظر إلى متعلم اللغة الأجنبية على أنه إنسان يتخبط في استعمال اللغة، بل على أنه مخلوق ذكي يخطو نحو مراحل تعلم اللغة بذكاء وابتكارية، ومن خلال مراحل منطقية منظمة لاكتسابها.
إن الدارس يمر بعمليات من المحاولة والخطأ واختبار لفروض خاصة باللغة ويقترب من نظام اللغة كما يستخدمها الناطقون بها.
موقع تحليـل الأخطاء :
يعرض براون تصوراً لمدرستين تختلفان في وجهة النظر نحو تعلم اللغة الأجنبية وتعليمها.
أما المدرسة الأولى، فترى أن تعلم لغة أجنبية إن هو إلا عملية يكتسب الفرد من خلالها أنماط اللغة الجديدة مما لا يتوافر في لغته الأم، ومن ثم فللغة الأم تأثير على عملية تعلم اللغة الأجنبية. وفي ضوء هذه النظرية الضيقة لتعلم اللغة الأجنبية، شغل الباحثون أنفسهم بدراسة العلاقة بين اللغة الأم واللغة الأجنبية لبيان أوجه العلاقة بينهما، وقسمت العناصر اللغوية إلى عناصر متماثلة Identical بين اللغتين، وعناصر متشابهة Similar وعناصر مختلفة Different. وتوقع الباحثون أن يبدأ سلم الصعوبة من تلك العناصر المختلفة، منتهياً إلى العناصر المتماثلة، وهي تلك التي يتمثلها الدارس في فترة وجيزة ولا تمثل مشكلة عنده.
ولقد أثبت مجال تعليم اللغات الأجنبية أن نتائج دراسات التحليل التقابلي ظنية أكثر منها يقينية، وتنبئية أكثر منها وصفية تقريرية. وأمام هذه المدرسة تقف مدرسة أخرى ترى أن تعلم لغة أجنبية عملية إبداعية يبني الفرد من خلالها نظاماً يختبر فيه، بوعي وإدراك، مجموعة من الفروض حول اللغة الأجنبية، في ضوء عدة مصادر، منها ما يعرفه الفرد عن اللغة الأجنبية (الجديدة) وهو بالطبع محدود، ومنها ما يعرفه عن لغته الأم، ومنها ما يعرفه عن الوظيفة الاتصالية للغة، ومنها ما يعرفه عن اللغة بشكل عام، ومنها ما يعرفه عن الحياة ذاتها، وعن الطبيعة الإنسانية، بل وعن الكون كله.
والفرد في ضوء هذا كله، وفي ضوء الظروف البيئية المحيطة به يبني نظاماً يتصوره لهذه اللغة الجديدة، ويرجع إليه كلما عنَّ له استخدام اللغة فهماً أو إفهاماً... تلقياً أو إبداعاً، استقبالاً أو إرسالاً...
ولقد أَثْرت هذه المدرسة مجال تعليم اللغات الأجنبية بكثير من الأبحاث حول سيكولوجية تعلم اللغة الأجنبية، والفرق بين تعلمها واكتسابها، والعمليات العقلية التي تجري عند اتصال الفرد بلغة جديدة.
مفهوم الخطأ :
فيما يلي قائمة بعدد من التعريفات التي قدمها الباحثون لمفهوم الخطأ :
تعريف كوردر : أوضح كوردر في كتابه الفرق بين زلة اللسان، والأغلاط، والأخطاء. فزلة اللسان Lapse معناها الأخطاء الناتجة من تردد المتكلم، وما شابه ذلك، أما الأغلاط Mistakes فهي الناتجة عن إتيان المتكلم بكلام غير مناسب للموقف، أما الخطأ Error بالمعنى الذي يستعمله، فهو ذلك النوع من الأخطاء التي يخالف فيها المتحدث أو الكاتب قواعد اللغة.
وتعرفه سيرفرت : هو أي استعمال خاطئ للقواعد، أو سوء استخدام القواعد الصحيحة، أو الجهل بالشواذ (الاستثناءات) من القواعد، مما ينتج عنه ظهور أخطاء تتمثل في الحذف، والإضافة، والإبدال، وكذلك في تغيير أماكن الحروف. وهناك اختلاف بين الأخطاء والأغلاط، فالخطأ في التهجي أو الكتابة الذي يحدث بانتظام عبر الكتابة يسمى Error ربما يرجع إلى نقص في معرفة الدارس بطبيعة اللغة وقواعدها.
ويعرفه عبدالعزيز العصيلي : الأخطاء يقصد بها الأخطاء اللغوية ؛ أي الانحراف عما هو مقبول في اللغة العربية حســب المقاييس التي يتبعها الناطقون بالعربية الفصحى.
ومن هذه التعريفات تتضح لنا عدة مواصفات للاستجابة اللغوية حتى تعتبر خطأ، منها :
* مخالفة الاستجابة اللغوية الصادرة من الطالب لما ينبغي أن تكون عليه هذه الاستجابة.
* عدم مناسبة هذه الاستجابة في بعض المواقف.
* تكرار صدور هــذه الاستجابات، فما يصدر مرة واحدة لا يعتبر خطأ، وإنما يعتبر زلة أو هفوة.
وفي ضوء هذا كله يمكن تعريف الخطأ اللغوي كما يلي :
أي صيغة لغوية تصدر من الطالب بشكل لا يوافق عليه المعلم، وذلك لمخالفتها قواعد اللغة، وهذا النوع هو موضوع الدراسة الحالية.
أهمية دراسة الأخطاء :
لتحليل الأخطاء أهمية كبيرة في برامج تعليم اللغات الأجنبية. ومن أبرز مجالات الاستفادة من تحليل الأخطاء ما يلي :
* إن دراسة الأخطاء تزود الباحث بأدلة عن كيفية تعلم اللغة أو اكتسابها، وكذلك الاستراتيجيات والأساليب التي يستخدمها الفرد لاكتساب اللغة.
* إن دراسة الأخطاء تفيد في إعداد المواد التعليمية، إذ يمكن تصميم المواد التعليمية المناسبة للناطقين بكل لغة في ضوء ما تنتهي إليه دراسات الأخطاء الخاصة بهم.
* إن دراسة الأخطاء تساعد في وضع المناهج المناسبة للدارسين سواء من حيث تحديد الأهداف أو اختيار المحتوى أو طرق التدريس أو أساليب التقويم.
* إن دراسة الأخطاء تفتح الباب لدراسات أخرى نستكشف من خلالها أسباب ضعف الدارسين في برامج تعليم اللغة الثانية، واقتراح أساليب العلاج المناسبة.
وتسمى دراسة الأخطاء في أحاديث الطلاب أو كتاباتهم بالتحليل البعدي. إذ أنها تصف ما حدث وليس ما نتوقع حدوثه.
ولقد شهد ميدان تعليم العربية كلغة ثانية دراسات كثيرة حول الأخطاء اللغوية الشائعة عند الدارسين وهم يتعلمون العربية. ولقد كان تركيز هذه الدراسات على الأخطاء الشائعة وليس على الأخطاء الفردية لعدة اعتبارات منها :
* أن الأخطاء الشائعة هي التي تعبر عن ظاهرة تستحق الدراسة.
* أنها هي التي تلقي الضوء بسهولة على أسباب الأخطاء.
فإذا كانت الأخطاء عند مجموعة متجانسة من الدارسين دلَّ ذلك على وجود سبب مشترك تُعزى إليه الأخطاء.
فقــد تعزى إلى اللغة القومية عند الدارسين، أو إلى المستوى الدراسي الواحد الذي ينخرطون فيه، أو إلى المهنة التي ينتمون إليها، أو إلى المرحلة العمرية التي يشتركون فيها، أو إلى البرنامج الدراسي الواحد الذي ينتظمون فيه، وهكذا.
* كما أن الأخطاء الشائعة هي التي تستحق أن تبنى المناهج على أساسها، وتستأهل الجهد الذي يبذل في سبيل ذلك.
مراحل دراسـة الأخطاء :
وتمر دراسة الأخطاء بثلاث مراحل هي :
* تعريف الخطأ : ويقصد به تحديد المواطن التي تنحرف فيها استجابات الطلاب عن مقاييس الاستخدام اللغوي الصحيح.
* توصيف الخطأ : ويقصد به بيان أوجه الانحراف عن القاعدة، وتصنيفه للفئة التي ينتمي إليها تحديد موقع الأخطاء من المباحث اللغوية.
* تفسير الخطأ : ويقصد به بيان العوامل التي أدت إلى هذا الخطأ والمصادر التي يُعزى إليها.
وهناك مدخلان لتفسير الأخطاء : الأول ويهتم بمصادر الخطأ. وهناك مصدران أساسيان للأخطاء الشائعة. فالخطأ قد يكون نتيجة نقل الخبرة من اللغة الأولى إلى اللغة الثانية، وهذا النوع من الأخطاء يسمى بأخطاء ما بين اللغات. وقد يكون الخطأ ناتجاً عن عجز الدارس عن الاستخدام اللغوي الصحيح في مرحلة معينة من تعلمه هذه اللغة ؛ أي أن الخطأ لا يُعزى إلى عمليات النقل من لغة إلى أخرى بقدر ما يُعزى إلى الجهل بقواعد اللغة الجديدة، أو التداخل بينهما في عقل الدارس في مرحلة ما. وهذا النوع من الأخطاء يسمى الأخطاء التطورية أو أخطاء داخل اللغة ذاتها. أما المدخل الثاني لتفسير الأخطاء فيهتم بتأثير الخطأ. ويقصد بالتأثير هنا دور الخطأ في تشويه الرسالة التي يريد المرسِل إِبلاغها.
فعلى المستوى الصوتي، على سبيل المثال، يفرق الباحثون بين نوعين من الأخطاء : الخطأ الفونيمي وهـو الذي يُغيِّر محتوى الرسالــــة، كأن ينطق الدارس كلمة "طين" بدلاً من "تين". والنوع الثاني ويسمى الخطأ الصوتي الفوناتيكي، وهو الذي لا يُغير محتوى الرسالة ؛ كأن ينطق الدارس اللام مفخَّمة أو مرققة عند نطق لفظ الجلالة (الله).
وهناك تصنيفات أخرى للأخطاء لا محل لذكرها تفصيلاً هنا.
نقد تحليـل الأخطاء
مثل ما يوجه للتقابل اللغوي من نقد، فإن تحليل الأخطاء أيضاً لا يخلو من نقد. ويوجه إليه ما يلي :
1. يتـحاشى الـدارسون عـادة إظـهار ضـعفهم في الاستخدام اللغوي عند كتـابة أو نـطق لغـة أجنبية. ولنتصور دارساً يتكلم العربية كلغة أجنبية يكتـب مقالاً بالعربية، إنه بلا ريب سوف يركِّز على ما يعرفه من تراكيب مستعيناً بما يعرفه من مفردات، تاركاً بالطبع ما لا يعرفه أو يجيد استخدامه. ومن ثم لا يستطيع تحديد صعوبات تعلم اللغة بشكل قاطع في ضوء الأخطاء التي يرتكبها الدارسون. كم من الدارسين الأجانب مثلاً يحسن استخدام "لا سيما" أو صيغ الاستغاثة والندبة أو غيرها من موضوعات متعددة.
2. إن تحليل الأخطاء لا يعطينا صورة منظمة، وتصوراً واضحاً للغة الدارس. إن ما يكتبه الدارس من مفردات أو تراكيب إنما هو مؤشر لما استطاع أن يكتسبه من اللغة، وليس مؤشراً مطلقاً عن طريقته في استخدامها. إن ما يكتبه مجرد عيِّنة لما يستطيع أداءه والعينة بلغة الإحصاء قد تشوبها شوائب تقلِّل من قيمتها. فقد تكون غير ممثلة تمثيلاً صادقاً للمجتمع الأصلي الذي صدرت عنه.
من أجل هذا كله يقترج كوردر التفكير في أسلوب آخر يستثير الطالب لاستخدام اللغة ويكشف عن قدرته الفعلية في ذلك، ومن ثم يستطيع بدقة وبشكل منظم أن يستثيرأخطاءه. ويسمي كوردر هذا الأسلوب Elicitation Procedure.
أما موقف هذا الأسلوب من أخطاء الدارس فيعبر عنه كوردر أيضاً بقوله : مثير الأخطاء Error-Provoking، بينما يصف تكليف الدارس بالكلام المنطلق أو الكتابة الحرة بأنها تتفادى الأخطاء Error avoiding. ذلك لأن الدارس يتجنب عادة تعريض نفسه لموقف حرج يكشف عن ضعفه.
وعلى أية حال ينبغي أن ينظر لمزايا وعيوب كل أسلوب من هذه الأساليب. إن تحليل الأخطاء ما زال منهجاً صالحاً للمساعدة في استكشاف أخطاء الدارسين، ولعل المحظور الوحيد يكمن في الاعتماد عليه وحده عند تشخيص حالة الطلاب، أو إعداد مواد تعليمية لهم اعتماداً عليه فقط، لأن الانطلاق في مثل هذه الأمور من نتائج استخدام أسلوب تقويمي واحد يضر أكثر مما ينفع.
كما لا ينبغي أن يكون تحليل الأخطاء وحده سند المؤلفين في إعداد المواد التعليمية. إذ يقتصر الأمر في هذه الحالة على تقديم برامج بالبرامج العلاجية من أن تكون تنميةً ( لغوية ) حقيقية. وأخيراً لا ينبغي أن تعتبر الأخطاء التي يمكن جمعها بأنها ممثلة للمجتمع الأصلي الذي صدرت عنه.
نشرت فى 20 إبريل 2012
بواسطة maiwagieh
الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية: ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م. دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م. ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,653,373
ساحة النقاش