يعد الكتاب المدرسي أهمّ موادّ التعليم؛ ومن هنا فإنّ المربّين يوصون بالعناية بإعداده ، ولاسيّما تلك الموادّ التي تعنى بتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بـها.
ويظـل التسليم بأهمية الكتاب المدرسي أمرا لا يحـتاج إلى تقرير ، فبالرغم مما قيل ويقال عن تكنولوجيا التعليم وأدواته وآلاته الجديدة ، يبقى للكتاب المدرسي مكانته المتفردة في العملية التعليمية. فعملية التدريس أياً كان نوعها أو نمطها أو مادتـها ومحتواها تعتمـد اعتماداً كبيراً على الكتاب المدرسي، فهو يمثل بالنسـبة للمتعلّم أساساً باقياً لعملية تعلّم منظمـة ، وأساساً دائمـاً لتعزيز هذه العملية ، ومرافقاً لا يغيب للاطـلاع السابق والمراجعـة التالية . وهو بـهذا ركـن مهم من أركان عملية التعلم، ومصـدر تعليمي يلتقي عنده المعلّم والمتعلّم ، وترجمـة حية لما يسمى بالمحتوى الأكاديمي للمنهـج ، ولذلك تعتبر نوعية وجـودة الكتاب المدرسيّ من أهم الأمور التي تشغل بال المهتمين بالمحتوى والمـادة التعليمية وطريقة التدريس .
وفي الحالات التي لا يتوافر فيها المعلم الكفء, تزداد أهمية الكتاب في سـد هذا النقص ، ولعـلنا لا نكـرر أننا نفتقر الآن وفي ميــدان تعليم العربية للناطقين بغيرها إلى ذلك المعلم الكفء، مما يجعـل حاجتنا إلى كتب أساسية لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها حاجـة ضرورية وملحـة, يقودنا لتحقيقها تطـلع إلى إنجــاز هذه الكتب على أسس علمية مدروسـة ، ذلك أن الكتاب في حالتنا هذه ( ليس مجرد وسيلة معينة على التدريس فقط ، وإنما هو صلب التدريس وأساسه لأنه هو الذي يحدّد للتلميذ ما يدرسـه من موضوعات ، وهو الذي يبقي عملية التعليم مستمـرة بينه وبين نفسـه ، إلى أن يصل منـها إلى ما.
وتزداد أهمية الكتاب الأساسي لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها, المبني على أسس لغـوية وتربوية سليمـة ، وتزداد معها حاجتنا إليه, عندمـا ننظـر فيما قدم للمـيدان من كتب سـواء منـها ما قدمـته أو أشرفت عليه جهات خارجية ، أو جهات عربية إسـلامية ، وتزداد عندما نسمع الشكـوى صارخـة من هذه الكتب في كثير من الدراسات العلمية وكتابات المتخصصين في هذا المـيدان .
ومن الجوانب التي يجب أن نهتم بها في كتب تعليم اللغات للناطقين بغيرها ما يلي:
صحــة اللغـة :
يقصـد بصحة اللغة هنا التزام المؤلـف بقواعـد النحـو والصـرف والإمـلاء وسلامـة الصياغـة اللغوية . ومن الأسـئلة التي يمكن طرحها عند تحليل كتاب أو تقويمه ما يلي : ما مدى صحة اللغة المستعملة في الكتاب ؟ وإذا كانت بالكتاب أخطـاء لغوية فما نسـبة كل فيها ؟ أي ما نسبة الأخطـاء النحوية ؟ وما نسبة التراكيب غير الصحيحة ؟ وإلى أي مدى يمكن تمييز الأخطاء النحوية ؟ وإلى أي مدى تمييز الأخطاء المطبعية من بين الأخطـاء الشائعة في الكتاب ؟
وجوب تعليم الفصحى للدارس:
مرت اللغة العربية بدور من أخطر أدوارها, حين أراد الاستعمار أن ينحيها عن ميدان الفكر ، والحياة، وأن يفرض لغته في مجـال التعليم . وأقلّ تأمل يقنعنا بأنّ هدمهم اللغة العربية يحمل في طياته تقويضاً لمفاهيم الإسـلام ، لأنّ العربية لغة القـرآن ، والقـرآن – كما هو معلوم – لا سبيل إلى ترجمته ترجمة صحيحة إلى أيّ لغة أجنبية .
لذلك رأيناهم في السنين الأخيرة يبثون العمـلاء هنا وهناك؛ للدعـوة بالقلم واللسـان إلى طـرح اللغة العربية ، والعناية باللغات العامـية واللهجات الإقليمية .
فإذا تم لهم ما يريدون, حققـوا في الوقت نفسه ما يرمون إليه ، من تفويض وحدة العرب ، وتفريقهم، وهم يدركون دور اللغـة العربية الفصحـى في وحدتهم .
المستوى اللغوي والتعليمي :
ينبغي أن يكون الكتاب المدرسي لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بـها ,ملائمـاً للمستوى الذي بلغه الطـالب في تعلّم اللغة العربية ، ومستوى الطالب الحقيقي في اللغة العربية لا يحدده الصـفّ الذي ينتمي إليه أو الدرجـة التي حاز عليها في آخر امتحان له . فقد ينهي الطالب برنامجاً لغوياً معيناً ,ويدرس الكتاب المقرر ,ويجتاز الامتحـان النـهائي بنجـاح, ولكنّه لم يستوعب المـادة اللغوية جيّداً ولا يستطيع استخدامها، وليس مستعداً فعـلاً لبدء المرحـلة التي تليها .
ولهذا ننصـح بأن تحتوي مقدمـة الكتاب المدرسي المخصص لتعليم العربية لغير الناطقين بـها على اختبار أوّلي ، يستطيع من يجتازه أن يشـرع في استعمال الكتاب. هذا إذا لم يكن الكتاب المذكور مخصصاً للمبتدئين ، حيث تنتفي الحاجـة إلى الاختبار الذي أشرنا إليه ولا يوضـع المستوى الذي بلغه الطالب في اللغة العربية في وقت سابق في الحسبان ، وإنمـا يعتدّ فقط بمستواه الفعلي عند تقديم المـادة له ، فقد بلغ الفـرد مستـوى جـيداً في اللغة الأجنبية في وقـت ما ، ولكنه ربمـا ينسى الكثير منـها أو ينساها تمـاماً لعدم استخدامها أو ممارستـها بصـورة منتظمـة .
كما ينبغي أن تكون مـادة الكتاب المدرسي ملائمـة في مضمونـها وطريقـة عرضها لمستوى الطالب التعليمي العام ، فنحن لا نستطيع أن نضمّـن الكتاب نصوصاً في السياسة الدولية, إذا كان الكتاب مخصصاً لتلاميذ المرحلة الأولية الابتدائية حتى لو كـان مستواهم في اللغـة العربية متقدمـاً إذ أن الموضـوع لا يتناسب وقتئذٍ ومستواهم التعليمي والذهني العـام .
النصــوص المختارة :
لا يقصد بالنصوص في معرض الحديث عن تأليف كتب تعليم اللغة العربية النصوص الأدبية شعـراً أو نثـراً إنما يقصد بها ما يشمل المحتوى اللغوي للموضوعات التي تدور حولـها دروس الكتاب . كلمة النصوص إذاً يقصد بـها هنا أوسع من مجرد دلالتـها على المختارات الأدبية والشعرية.
وتناول نصوص الكتاب بالتحليل أمر في غاية الأهمية ، إذ يمكن عن طريقه تعرف موطن الاهتمام في الكتاب والوقوف على الوزن النسبي الذي يحتله كل نوع من أنواع النصوص. نقترح تصميم جدول نحدد فيه العدد والنسبة المئوية لكل نوع من أنواع النصوص الواردة في دروس الكتاب. هذه النصوص قـد تكون : نصـاً قرآنياً أو حديثاً نبوياً شريفاً ، أو نصاً مختاراً من المطبوعات العربية ، أو نصاً متكاملاً ألف خصيصاً للدرس أو محادثة وحـوارا ، أو جمـلاً متفرقـات ، أو رسـالة إلى شخص مـا ، أو أبياتاً من الشعر ، أو غير ذلك من نصوص .
ومن الأسئلة التي يمكن طرحها عند تحليل الكتاب أو تقويمه ما يلي :
ما نـوع النصوص التي اختارها مؤلف الكتاب ؟
وما المصـادر التي رجع إليها لانتقاء هذه النصـوص ؟
هل هي نصوص مأخوذة من مصادر كتابات عربية منشـورة ؟ أم أنـها نصوص معدلة من مصادر كتابات عربية منشورة ؟
هل هي نصـوص مترجمـة عن مصادر وكتابات غير عربية ؟ أم أنـها مؤلفة خصيصاً للكتاب ؟ أم أنـها منقولة من كتب أخرى لتعليم اللغة العربية ؟
اللغة الوسيطة :
يقصد باللغة الوسيطة : استعمال لغة أخرى وسيلة لتدريس اللغة العربية ، سواء أكانت هذه اللغـة من اللغات الأم عند الدارسين, أم كانت لغـة مشتركة يفهمونـها مع اختلاف لغاتهم الأم .
ومن الأسئلة التي يمكن طرحها عند تحليل الكتاب أو تقويمه ما يلي :
هل يستعين المؤلف بلغة وسيطة في تعليم العربية ؟
وما هذه اللغة ؟ هل هي اللغة الأم للدارسين ؟ أو لغـة أجنبية أخرى يشتركون في فهمها؟
ومتى تستعمل اللغة الوسيطة ؟ هل يستعملـها المؤلف في شرح المفردات فقط ؟ أو في ترجمـة التراكيب أيضاً أو فيهما معاً ؟ أو في إعطاء التعليمات والتوجيهات في التدريبات اللغوية وغيرها ؟ أو في شـرح القواعد النحوية ؟ أو في تقديم الملاحظـات الثقافية ؟ أو في مجالات أخرى بالكتاب ؟
ثم ما نسبة الاستعانة باللغة الوسيطة ؟ هل هي الغالبية في الكتاب ؟ أو أنـها تستعمل بشكل معتدل ولغـرض محـدد ؟ أو أن العربية هي الغالبية في الكتاب ؟
أمـا عن رأينا في الاستعانة بلغة وسيطـة عند تأليف كتاب لتعليم العربية, فيتلخص في رفض استعمال لغة وسيطة في مثل هذا الكتاب, وبذلك يصبح محتواه صالحاً لدارسين مختلفي اللغات متبايني الجنسيات . ومبررات هذا الرأي كثيرة لعـل من أهمها تثبيت الكلمة العربية في ذهن الدارس، وتدريبه على بذل الجهد في تعلم اللغـة ، وتمكينه من أن يفكـر باللغـة ذاتـها وبطريق مباشر ومن خـلال عملية عقلية واحـدة وليس عـدة عمليات. وهذا الاتجاه تأخذ به كثير من اللغات العالمية، بل يعتمده مَن هم أكثر منّا خبرة في تعليم اللغات لغير أهلها. ونضيف هنا أنّ أكثر من يميل إلى استعمال اللغة الوسيطة والإكثار منها, هم في الغالب يرون أنّ العربية أضعف من أن تستقل بنفسها، وإن لم يصرّحوا بذلك فلسان حالهم ينبئ عنه.
المتعلم ورغباته :
إن الاهتمام بولـوع التلامـيذ ورغباتهم في الكتاب المدرسـي هو غاية ووسيلة في آن واحـد؛ فهو غاية لأنّنا نعـنى بتطـوير قـدرات التلامـيذ وقابليتهم . وهو وسـيلة لأننا نحصـل عن طريقه على انتباه التلامـيذ واهتمامهم ، ولا يمكن لهم أن يتعلّمـوا المـادة اللغوية في الكتاب المدرسـي ما لم يوجّهوا انتباههم ويبدوا اهتماماً بـها .
نشرت فى 20 إبريل 2012
بواسطة maiwagieh
الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية: ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م. دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م. ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,660,107
ساحة النقاش