الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

للغة العربية مكانة خاصة لدى كل العرب والمسلمين ، مهما اختلفت البلدان غير الناطقة بالعربية التي يقيمون فيها . فهي إلى جانب كونها وعاء الثقافة العربية ، التي تمثل عنصرًا أساسيًّا من عناصر الهوية العربية ، تعتبر أَيضًا مفتاحًا للمعارف الدينيّة والرّوحيّة لكونها لغة القرآن الكريم . وفوق ذلك هي إحدى أهم اللغات العالمية الحيَّة ، فهي اللغة الأم لما يقارب 300 مليون عربيّ ، يعيشون في منطقة جغرافية إستراتيجيّة من العالم .
وهي لغة حية وتدوم على مرور الأزمنة والعصور. إنها لغة القرآن والحديث والمعارف والأمة المسلمة السمحاء. إنها اللغة المشتركة الوحيدة بين دول العالم العربي والإسلامي والإفريقي التي يزيد عددها على ثمانين ( 80 ) دولة والتي تحتل مكانة اللغة الرسمية في جامعة الدول العربية( ( 22 دولة) ومنظمة المؤتمر الإسلامي (أكثر من( 55) دولة) ومنظمة الوحدة الإفريقية (أكثر من( (50دولة) وهيئة الأمم المتحدة (أكثر من( 180) دولة). وبالتالي إنها لغة الدين والثقافة والحضارة والتاريخ والأدب والعلوم المختلفة (عبد الرحيم،2006 )إنها تتميز بتنوع الأساليب والعبارة. بنظر إلى هذه المزايا الكثيرة فلا بد للأطفال غير الناطقين بها أن يدرسوها لمواجهة عصر العولمة.
ويهدف منهج اللغة العربيّة لتعليم الناطقين بغيرها توفير المادة التعليمية والطرق والأساليب التربوية التي تمكن التلاميذ من اكتساب مهارات اللغة الأربعة: الاستماع والقراءة والكتابة والتكلُّم ، ويهدف إلى تزويد الدّارسين بِالمفردات والعبارات والتراكيب اللغوية التي تتناسب مع تدرج أعمارهم وصفوفهم من ناحية ، وتمكنهم من القراءة والفهم والنطق بقدر مقبول من الصّحة والسلامة من العيوب والأخطاء وإعدادهم تدريجيًا للبحث العلمي والتعلُّم باستقلال عن المدرس ، وتشجيعهم على التَّفكير المنطقي السَّليم . وبقصد تحقيق هذه الأهداف ، يضمّ المنهج عددًا وافيًا من النصوص والتدريبات والأنشطة والألعاب اللغويّة .
ويعتمد سياق تعلُّم العربيّة على قواعد وأساليب اللغة العربية كلغة عالمية حيَّة وعلى ارتباط ذلك بالثقافة العربيّة والإسلامية بصفة خاصَّة ، مع مراعاة الجوانب الخاصة المتعلقة بتعليم وتعلُّم اللغات الحيّة في مجتمع ذي ثقافات متعدّدة ، كما هو الحال في أمريكا التي يُطوَّر فيها هذا المنهج ، وفيها يبدأ تطبيقة وتعميمه . وفي هذا الصَّدد يحاول المنهج – علاوة على أهدافه اللغوية والتربويّة – أن يفتح للتلاميذ نافذة واسعة على جوانب النشاطات والفكر والقيم الإنسانية العامّة التي من شأنها أن ترسخ في نفوس الدارسين قيم التّسامح وحبّ الأوطان وخدمة البشرية عامَّة ، كما يقدّم لهم صفحات مشرقة من الثقافة العربية الإسلاميّة ذات الصبغة الإنسانيّة العالميّة .
ومن بين المبادئ التى يقوم عليها تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها:
تعلُّم العربيّة فرض عين وفرض :
يكون تعلم اللغة العربية فرض كفاية بالنسبة للذين يدرسون العربية لأغراض دينيَّة وروحيَّة ، فإنّ تعلّم قدر محدّد من اللغة العربية يكفي لتلاوة القرآن الكريم وإقامة الصلاة التي هي فرض عين لا يُعفَى المسلم من عدم القيام به . أمَّا إتقان اللغة العربيّة ، قراءة وكتابة وحديثًا ،
أما التَّبحُّر في علومها ، فهو فرض كفاية لا يُرفَعُ عن المسلمين حتَّى يقوم به خاصَّةٌ منهم في كلِّ زمان ومكان . ومن هذا المنطلق ، فإنَّ منهج اقْرَأ لتعليم اللغة العربية يسعى إلى تزويد التلاميذ بالقدر الكافي من المعارف اللغويّة ، ليتعلّموا ما يسمح لهم بالقيام بفرض العين . كما يوفّر المنهج للّذين يرغبون في متابعة الدراسات العربية والإسلاميّة ، إمكانيَّة إتقان اللغة إتقاناً يسمح لهم بتقلُّد مسؤوليات الزعامة الدينيَّة الروحيّة والعلميّة في أوساط المجتمعات الإسلامية في بلاد المهجر .
دراسة اللغة العربيّة وسيلة وغاية:
تكمن أهميّة تعلُّم العربية بالنسبة للأقلِّيات المسلمة غير النّاطقة بـها في كونـها وسيلة إلى فهم أعمق للقرآن الكريم والحديث الشّريف وسائر مصادر الثّقافة الإسلاميّة . وفوق ذلك ، فإنّ تعلُّم العربيّة غاية في في حدّ ذاته ، لأنّ العربيّة جزء لا يتجزّأ من الهُويّة الإسلاميَّة ، ليس لكلّ فرد مسلم بالضّرورة ، وإنّما للمجتمع المسلم ككُلّ للضرورة الدينيّة والرّوحيّة .
ضرورة مراعاة التّكامل والشمول عند دراسة اللغة العربية:
إتقان اللغة رهين بتكامل المهارات اللغويّة الأربع (الاستماع ، القراءة ، الكتابة ، التكلّم) ، وبشمول المنهج لأساليب لغويّة متعدّدة . فهناك "لغات" داخل كلّ لغة ، لغات لا تختلف من حيث نحوها أو صرفها، ولكن من حيث مفرداتـها ومصطلحاتـها . فإذا توخّينا أن نمكّن الطلاب من إتقان اللغة بشكل مقبول، فعلينا أن نوفّر لهم نصوصًا على درجة كبيرة من التّنوّع ، تتردَّد فيها مفردات وتراكيب لغويّة من مُختلف ألوان الثقافة والأدب ، وسائر المعارف الأساسيّة ، ذات الصبغة العالميّة الإنسانية . وبطبيعة الحال ، تركز النصوص المختارة في المدارس الإسلاميّة على المفردات والاصطلاحات الدينيَّة ، لأنّ ذلك يلاءم الهدف العام من تعلّم اللغة العربيّة .
دراسة اللّغة العربيّة للأغراض الدنيوية :
عندما كانت اللغة العربيّة أهم لغات العالم في العصور الوسطى ، حرص كثير من غير المسلمين على تعلُّمها لأغراض دنيويّة بحتة ، حيث كان إتقان العربيّة يعني لمتقنها فتح مجالات واسعة للعمل والتقدّم الاقتصادي والاجتماعي . وقد حدث هذا بصفة خاصَّة في الأندلس ، حيث كان اليهود والنّصارى يقبلون إقبالاً كبيرًا على تعلُّم العربيَّة وإتقانـها . ورغم أنَّ اللغة العربيَّة لم تعد في العصر الحديث تحتكر الأهميّة الدولية التي كانت لها في عصورها الذهبيّة ، إلاَّ أنَّها لا تزال لها أهميّة إستراتيجيّة تغري كثيرًا من غير المسلمين
بتعلّمها لأغراض العمل والتوظيف ، خصوصًا بعد أحدات الحادي عشر من أيلول المؤسفة . وهناك أخبار مفادها أنّ هناك خططًا لإِدخال وتشجيع تعليم اللغة العربيَّة في المدارس الحكوميّة في أمريكا . وعلى أساس هذه الخلفيّة ، فإنَّ منهج اقرأ لتعليم اللغة العربيّة سوف يراعي هذه التطورات في منشوراته لتعليم اللغة العربيَّة لغير المسلمين .
دوافع الطلاب غير الناطقين في تعليم اللغة العربية :
يرتبط تعليم العربية لغير الناطقين بها بمجموعة من الظروف والمؤثرات التي تؤدي دورا مهما في إنجاح عملية التعلم التي تلبي حاجات الدارسين واتجاهاتهم وميولهم , ويتفق العلماء النفسيون على أمرين في تعليم اللغة الثانية يعودان إلى وجود الدافع والحافز لتعلم لغة ثانية .
وفي ضوء ما سبق يتضح أن كلمة الدافع تشير إلى حالة داخلية في الطالب تدفعه للانتباه إلى الموقف التعليمي والتعلمي , والقيام بنشاط موجه ومستمر حتى يحقق التعلم .
وتتعدد أهمية الدافعية من الوجهة التربوية في كونها تخدم غرضين في وقت واحد هما :
أن تكون هدفا في حد ذاتها , وأن تكون وسيلة يمكن استخدامها في سبيل إنجاز أهداف تعليمية معينة على نحو فعال , فمن حيث هي هدف في حد ذاتها , فاستثارة دافعية الطلبة وتوجيهها وتوليد اهتمامات معينة لديهم تجعلهم يقبلون على ممارسة نشاطات معرفية وعاطفية وحركية في خارج نطاق العمل المدرسي وفي حياتهم المستقبلية , هذه الاستثارة هي أحد الأهداف التربوية المهمة التي ينشدها أي نظام تربوي , وتعتبر وسيلة لتحقيق الأهداف التربوية فإنها أحد العوامل التي تساعد على تحصيل المعرفة والفهم والمهارة وغيرها من الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها , وذلك عن طريق توجيه انتباه الطلبة إلى بعض النشاطات دون أخرى , وجعل بعض المثيرات تؤثر في سلوكهم وتحثهم على المثابرة والعمل بشكل نسبي وفعال .
وقد تتعدد دوافع تعليم العربية لغير الناطقين بها , ويظهر ذلك في دوافع ثلاث فئات ممن يريدون تعلم اللغة العربية من الناطقين بغيرها:
الفئة الأولى : وهي التي تولي اهتمامها بالثقافة الإسلامية ودراستها .
الفئة الثانية : هي مجموعات ذات دوافع سياسية أو ثقافية أو اقتصادية .
الفئة الثالثة : هي مجموعات ذات دوافع خاصة مثل المستشرقين والمستغربين .
والحقيقة أن الاهتمام بالثقافة الإسلامية في مناهج اللغة العربية لغير الناطقين بها يبدو ضرورياً، حينما ندرك أن هؤلاء الدارسين مقبلين على تعلم اللغة العربية لغرض إسلامي، وهو التعرف على الإسلام ومصادره الأصلية المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وأن أكثرهم جاء من بلدان غير إسلامية وغير عربية كإفريقيا وجنوب شرق آسيا... وأقليات مسلمة من بلدان غير إسلامية تدين بالقوانين الوضعية، وتسود بها المعتقدات والثقافات المختلفة، ومنهم من هو حديث عهد بالإسلام، أولديه تصور خطأ عن الإسلام، أو غير المسلم الذي أثرت فيه الدعاية المغرضة ضد الإسلام، فهؤلاء جميعا بحاجة إلى فهم الإسلام فهما صحيحا متكاملا، وغرس العقيدة الإسلامية في نفوسهم، ومعرفة القيم والآداب والمثل العليا التي جاء بها الإسلام، وهذا لا يتحقق إلا من خلال دراستهم للغة العربية ضمن الثقافة الإسلامية.
فاللغة العربيّة خصوصيّات تميّزها عن اللغات التي تدرَّس على نطاق واسع . فهي لا تُستعمل إلاّ في سياقات محدّدة فهي لغة: تُتلَى في الصلاة ، يُخطب بـها في الجُمَع ، تُعدُّ في البلاد العربيّة لغة رسميّة في مجالات التعليم والكتابة والتأليف والإذاعة (المكتوبة عمومًا ، والمرئيّة والمسموعة غالبًا) ، بينما يتكلّم الناس لهجات مختلفة كلغة الشارع اليومية . بيد أنّ هذه الخصوصية لا تعني عدم قدرة المتعلّم على التحدّث مع النّاطقين بالعربيّة . فالواقع أنّ الأمر على عكس ذلك ، حيث شهد النصف الثاني من القرن العشرين تأثيرًا كبيرًا للعربيّة الفصحى على اللّهجات المحلّيّة ، خاصّة بين أوساط المتعلّمين ، وهذا التأثير لا شكّ سيستمرُّ مع تقدّم وانتشار وسائل التعليم والتقنية الحديثة ، ممّا سيؤدي إلى أن تصبح اللهجات المحلّيّة أكثر قربًا من العربيّة الفصحى ، وأقرب إلى بعضها البعض ممَّا كانت عليه في السَّابق .
وممّا يميّز العربيّة أيضًا كونها من بين أقدم اللغات الحيّة التي لم يطرأ تغيير يُذكَر على نحوها وصرفها وقواعدها العامّة . كما تتميّز العربيّة بكبر حجم معجمها وتعدّد مفرداتها تعدّدًا يجعل الإحاطة بها أمراً صعبًا . ولضخامة حجم المعجم العربي أسباب عدَّة: منها تاريخ العربيّة الطويل ، حيث يشتق أصحابها مفردات جديدة ، أو يستعملون مفردات معروفة للدلالة على معانٍ وأشياء جديدة ، وهو ما أثرى العربيّة ثراءًا هائلاً من حيث المفردات ومن حيث الأساليب . وممّا يفسّر كبر حجم المعجم العربيّ أيضًا عادة اللغويّين العرب في إلحاق مفردات من لهجات عربيَّة ، مثل : (لزج، لزق، لصق) كما لو كانت مترادفات . وعلاوة على ذلك ، فقد اكتسبت العربيّة عبر تاريخها الطويل دقّة في استعمال المفردات والمترادفات التي تدلّ على الفروق الوصفيّة أو الذّهنيَّة المختلفة .
أهميّة شمول البرنامج لألوان أدبيّة وأساليب لغوية متنوّعة :
جرت العادة بين واضعي الكتب المدرسية في السابق اختيار مجموعة من النصوص بسبب جمال أسلوبها أو شهرة كتابها دون أن يربط بينها رابط . ومع أنّ القائمين على وضع هذا البرنامج لمؤسسة اقرأ لا ينكرون أهميَّة قراءة ودراسة الطّلاب لعدد كبير من روائع الإنتاج الأدبي والفكري في اللغة العربية ، خصوصًا في المرحلة الثانويّة والجامعيّة ، إلاَّ أنهم يصرُّون ، خصوصًا في المرحلة الابتدائية ، أنَّ استعمال اللغة المباشرة البسيطة التي تقترب من لغة الشارع اليوميّة . فقد أدرك المتخصّصون في مجال وضع المناهج التربويّة أنَّ إتقان اللغة رهين بشمول البرنامج لمجالات لغوية متعددة . فهناك ما يُعرف بِـ "لغات داخل كل لغة" ، وهذه لغات تختلف ليس من حيث نحوها وصرفها ، ولكن من حيت مفرداتها ومصطلحاتها . فالناس عادة يشتركون في إتقان لغة الحياة اليومية ، ولكن يتميّو بعضهم عن بعض من حيث القدرة على التعامل مع لغات المجالات المتخصصة المختلفة . فكم من فقيه متبحّر في علم لغة الفقهاء ، تجده يعجز عن قراءة كتاب في علم الاقتصاد ، مثلاً ، وفهمه فهمًا تامًّا . غير أنّ الحياة في المجتمع الحديث ، وما عرفته البشريّة من انتشار للمعارف وازدياد في حصيلة المعلومات المتوفرّة للجميع ، قد فرضت على الناس وجوب معرفة الكثير من الأشياء التي كانت في السّابق من شأن المتخصصين . فإذا أردنا ، إذن ،
أن نمكّن الطلاب من إتقان اللغة بشكل مقبول ومتوازن ، علينا أن ندرسهم نصوصًا على درجة كبيرة من التتوع. وبطبيعة الحال ، تركز المدارس الإسلامية على "لغة العلوم الإسلامية " ، مع الحرص أن لا تتحوّل دروس اللغة العربية إلى دروس في الدين !

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1318 مشاهدة
نشرت فى 20 إبريل 2012 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,710,764