لا بد أن نأخذ في الاعتبار عند وضع منهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها واختيار المواد المطلوبة ونوعيتها، أهداف هؤلاء المتعلمين وأغراضهم من تعلم هذه اللغة،فهم يرغبون في تعلمها بدافع ديني يتمثل فيما يلي:
تلاوة القران الكريم وحفظه، ومعرفة أحكامه العقدية والعملية التي تدلهم على الطريق المستقيم كما قال تعالى (إن هذا القران يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا).سورة الإسراء. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب القرآن ( اقرأ وأرقا ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها ) (رواه أحمد، 2، 92).
وفي تلاوة القرآن الكريم تحقّق مجموعة من الأهداف اللغوية , ومنها : " إجادة النطق باللغة العربية، وزيادة الثروة المعنوية والفكرية، والتدريب على مهارات لغوية كثيرة، وتذوق جمال الأسلوب القرآني وبلاغته".( الشافعي،1409،ص164)، وهذا ما تؤكده توصيات مؤتمر الخبراء العرب حول محتوى الثقافي لكتب تعليم اللغة العربية والذي عقد في الخرطوم عام 1980م، ويتفق كذلك مع ما دعا إليه الناقة وطعيمة (1983) في دراستهما حول إعداد وتحليل وتقويم الكتاب الأساسي لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.
والناطقون بغير العربية يرغبون في معرفة الأحكام الشرعية من صلاة وحج وصوم وزكاة ومعاملات مالية الخ لتطبيقها تطبيقا صحيحا كما جاء به نبي هذه الأمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يقف الحد عند هذا، بل تؤثر هذه الشعائر على سلوكهم ومعاملاتهم في شتى مجالات الحياة قال تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)سورة العنكبوت،والناطقون بغير العربية في حاجة ماسة لمعرفة العقيدة الصحيحة ؛لأنها الدافع القوي لصيانتها وتنقيتها من الشكوك والشبهات والبدع التي قد تنتشر في بلادهم، وما لها من الأثر الواضح في إصلاح الفرد والمجتمعات الإنسانية، وهذا ما يؤكده الناقة(1406،ص 63) في دراسته التي قام بـها في جامعة أم القرى بمكة حول دوافع الدارسين للغة العربية من غير أهلـها في البرنامج الصباحي ، بينت النتائج أنّ الدوافع القوية هي الرغـبة في دراسـة أحكام الدين الإسـلامي والتمسك بالعقيدة الصحيحة، وقـراءة الثقافـة الإسـلامية .
كما يحتاج الطلاب الناطقون بغير العربية التعرف على السنة النبوية من خلال فهم عدد من الأحاديث بقصد الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في بيته وتعامله مع أصحابه ومع غير المسلمين، كذلك هم في حاجة لدراسة الجانب الخلقي وهذا ما تؤكده السنة النبوية حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن من خياركم أحاسنكم أخلاقًا". ) رواه مسلم ، ج ٤ ، ص ١٨١٠)
ويقول الدوسري(1424،ص47)إن السنة النبوية اهتمت بالتوجيه إلى تقوية الميل الفطري إلى القيم والمبادئ والمثل العليا، وذلك بالتربية الواعية السليمة وغرسها في النفس حتى يصبح مراقبا لله في كل شئونه،
كما يحتاج إلى معرفة الآداب الإسلامية مثل آداب طالب العلم، وآداب الحديث، وآداب الجمعة، وآداب قراءة القران الكريم، وآداب الزيارة، آداب النوم، وآداب الضيافة، وآداب الدعاء الخ، ليسترشد بها الإنسان إلى طريق الخير وإبعاده عن الشر وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة، ويؤكد هذاالغزالي(1413،ص7) حيث أشار أن الرسالة التي خطت مجراها في تاريخ الحياة، وبذل صاحبها جهدًا كبيرًا في مد شعاعها، جمع الناس حولها ، لا تنشد أكثر من تدعيم فضائلهم ، وإثارة آفاق الكمال ، أمام أعينهم ، حتى يسعوا إليها على بصيرة .
كما يلزمه أن يعرف بعضا من السير والتراجم مثل صور من حياة الصحابة، وصور من حياة التابعين، وصور من حياة المسلمين، ودورهم في تغير الحياة ومساهماتهم في الرقي بهذه الأمة في مختلف جوانب الحياة، فضلا عن كونهم النماذج التي تمثل الدين ، وكانوا المعلمين والمربين والحكام الذين اختارهم الله ليرفع بهم صرح الإسلام عاليا، كما يمثل هذا التاريخ الإسلامي نماذج للثقافات التي تفاعلت مع الإسلام عبر الأزمان.
ومن الأمور المهمة التي ينبغي أن يعرفها الطالب الناطق بغير العربية الحضارة الإسلامية ومعالمها المتمثلة مثلا في الأماكن المقدسة من المسجد الحرام والمسجد النبوي وغيرها مما له مكانة مقدسة في قلوب هؤلاء باعتباره بيت الله فيه تشيع القيم الروحية والإمام هو الذي يتولى حماية الثقافة الإسلامية الأصيلة،وهؤلاء الطلاب يقطنون في المدينة المنورة فهذا يساهم في بناء شعور عاطفي بهذه الأماكن المقدسة، مما يحقق الأهداف العامة لما تريدها الثقافة الإسلامية في هذا المجال.
كما أن التاريخ بدوره لا يعرف حضارة تتسم بالسمو الشمولي والاستمرار كالحضارة الإسلامية التي تحتويها اللغة العربية ، فالحضارات الإنسانية المختلفة قد تبرز وتتفوق في ناحية من نواحي الحياة فترة زمنية محددة ، ثم تغيب عن الوجود، كحضارة اليونان والرومان، وغيرها من حضارات قديمة أو حديثة، أو شرقية أو غربية فكل منها عالج ناحية من نواحي الحياة على حساب نواحي أخرى، على خلاف الحضارة الإسلامية التي حملتها وحوتها اللغة العربية، حيث اعتنت هذه الحضارة المميزة بنواحي الحياة كلها ، فهي روحية ، وأخلاقية، وتشريعية، وفلسفية، وعلمية، وأدبية، وفنية، وصناعية، وتجارية، فاللغة العربية تحمل ثروة هائلة من الثقافة الإسلامية التي لا تنضب.(الجمالي، د.ت، ص ص201-202)
أما التقاليد الإسلامية فلقد اهتم الإسلام بها فلم يترك الإنسان تعبث به العادات بل نظمها وفق أسس تتسم بالرؤية لما ينبغي أن يعيشه الإنسان في حياته الدنيا، وتتضح رؤية الثقافة الإسلامية في ذلك من خلال تلك الخطوط العريضة التي يتجلى فيها التناسق والانضباط مع ما أقره الإسلام من عبادات ومعاملات لتأتي التقاليد الإسلامية مكملة وفق النسق الثقافي، ولذا نعرف الطالب المسلم الناطق بغير العربية العادات والتقاليد الإسلامية التي يجب أن يتبعها في حياته وتتمثل في التحية والمأكل والمشرب والملبس والنكاح.
فللإسلام تحيته الخاصة وعاداته المتميزة قال تعالى : " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها" ( النساء86)،وله تقاليده في المأكل والمشرب فلا يجوز له أكل لحم الخنزير والميتة والدم، وله آدابه الصحية فعليه أن يغسل يديه قبل الأكل لما قد يتعلق بها من الجراثيم الضارة، وللإسلام عاداته في الطعام فعليه التسمية والأكل باليد اليمنى وعليه أن يأكل ما يكون قريبا منه فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك)رواه البخاري 5/2056 ، أما الآداب المتعلقة بالشرب فعلى المسلم ألا يشرب من فم السقاء وعدم النفخ في الشراب لما فيها من أضرار صحية.،و أما في الزواج فالعادات الإسلامية التي يجب أن تراعى، انظر إلى المخطوبة بآداب متبعة، وعقد الزواج، والإيجاب والقبول، وحضور شاهدين، وإعلان النكاح وإشهاره والضرب بالدفء للنساء وغيره من التقاليد الاسلامية ، وهناك قاعدة فقهية متبعة في ذلك فالقاعدة تقول العادة محكمة مالم تخالف نصا صريحا،ومن التقاليد الإسلامية في البيع والشراء عدم رفع الأسعار، وعدم استقبال الركبان ومنع الإسلام التحايل في البيع والشراء بشتى صوره، وحث الإسلام على نشر التسامح في التعامل فالمؤمن سمح إذا باع سمح إذا اشترى، أما في العزاء فعلى المؤمن أن يؤدي الصلاة على الميت أولا والسير في جنازته وحضور دفنه والدعاء له، ومن ثم مواساة أهل بيته بألفاظ أقره الإسلام مثل ( لله ما أعطى وله مأخذ) (6/199) ، وفي وداع من أراد أن يرحل الدعاء له مثل قوله صلى الله عليه وسلم( نستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتم أعمالكم.
نشرت فى 20 إبريل 2012
بواسطة maiwagieh
الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية: ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م. دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م. ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,659,730
ساحة النقاش