لما كانت الثقافة الإسلامية وثيقة الصلة باللغة العربية ،حيث تعد اللغة مكونا من مكوناتها فإن تعليم اللغة العربية بعيداً عن الثقافة الإسلامية يعد خروجا عن طبيعة تعليمها بوصفها وعاء للثقافة الإسلامية.
فمن المعلوم أن معلوم أن كل أمة ثقافة معينة تمتاز بها عن غيرها من الأمم، و أن ثقافة كل أمة تقوم أول ما تقوم على القيم السائدة في تلك الأمة، وهي في العادة وثيقة الصلة بعقيدتها وفكرها, وكذلك سلوكها ونمط حياتها، وما تريد تحقيقه من أهداف, وما تتطلع إليه من غايات، وهي وثيقة الصلة جدا بتراث الأمة الروحي والنفسي، كما هي محور تاريخ الأمة .
ولما كان الإسلام يعتنقه الأكثرية الغالبة من الأمة العربية فإن القيم السائدة على ثقافة الأمة العربية هي القيم الإسلامية، أو بعبارة أخرى أن الثقافة العربية هي الثقافة التي تغلب عليها القيم الإسلامية.
إن مفهوم الثقافة في ميزان الإسلام لا يختلف في قليل أو كثير عن نظيره في ميزان الأديان والمذاهب الأخرى، فهي في نظر الإسلام تشمل كذلك الأشياء المعنوية والمادية والأمور النظرية والتطبيقية والمسائل الدينية والدنيوية ... إلا أن الثقافة الإسلامية هي الثقافة الوحيدة التي تعد فيها العقيدة – أي عقيدة التوحيد – هي أساس كل شيء وقاعدة كل أمر ... وهذا يعني أن كافة العلوم والمعارف وسائر جوانب الثقافة لا بد أن تكون في إطار العقيدة ملتزمة بأركانها وقواعدها، غير متجاوزة حدودها .
وهذا هو جوهر الفرق بين الثقافة في ملة الإسلام وفي تصور ما عداها من الملل والنحل التي تجعل العقيدة عنصرا ومظهرا من مظاهر الثقافة، فتنزل بها إلى حضيض الجزئيات الضئيلة التي تؤلف مع بعضها البعض كيان الثقافة – الغير الإسلامية – الخاضعة لتغيرات المفاهيم والتصورات البشرية . وهذا المعنى متناف أشد التنافي مع سماوية العقيدة وألوهية الدين
أما مظاهر الثقافة الحديثة والمعاصرة والتي جاءت من الغرب فلا جناح أن يتناولها العرب وغيرهم من المسلمين بما فيهم دارسو اللغة العربية بشرط أن لا تتنافى مع أسس الإسلام ومبادئه الكلية. وهكذا تضم الثقافة العربية الإسلامية الجوانب الإسلامية من أصول العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات المالية والأحوال الشخصية والعقوبات والجهاد والعلاقات الدولية وعلاقات الإسلام بالتيارات المعاصرة .
ويقترح رشدي طعمية (1998: 105 -106 ) بعضا من موضوعات مجالات الثقافة التي ينبغي تضمينها في برامج وكتب تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها وهي كالآتي :
1- الإسلام عقيدة وشريعة .
2- القران الكريم .
3- الحديث النبوي .
4- مفكرون مسلمون .
5- مكانة المرأة في الإسلام .
6- الإسلام والعمل .
7- الاقتصاد الإسلامي .
8- من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه .
9- الحضارة الإسلامية ودورها في الحضارة العالمية .
10- الفتوحات الإسلامية .
11- عوامل انتشار الإسلام في أفريقيا .
12- الإسلام والعلم الحديث .
13- مشكلات العالم الإسلامي .
14- تاريخ التربية الإسلامية .
15- علماء المسلمين .
16- أسس الأخلاق في الإسلام .
17- العلاقة بين اللغة العربية والإسلام .
18- مشكلات تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها .
19- مواطن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم .
وهذا الطرح لموضوعات الثقافة الإسلامية في محتوى كتب تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها مهم جدا في هذا الباب، إلا أنه يحتاج إلى التحديد والترتيب لكي يسهل تطبيقه، فمجالات الثقافة الإسلامية واسعة جدا وتحتاج إلى رؤية شمولية متوازنة في صياغة محتوى برامج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.
مصادر الثقافة الإسلامية:
تتميّز الثقافة الإسلامية عن سائر الثقافات بأنّ مصدرها الأساسي هو الوحي الإلهي، وجميع فروع الثقافة الإسلامية من العلوم والمعارف تدور حول كتاب الله وسنته وما استنبطه علماء المسلمين، وفي تاريخها ولغتها التي تعتبر وسيلة للوصول إلى فهم مقاصد هذه الثقافة الإسلامية ويمكن أن تحصر مصادر الثقافة فيما يلي:
المصدر الأوّل: القرآن الكريم:
فالقرآن الكريم هو المصدر الأساسي للثقافة الإسلامية ، بكل عقائده وأحكامه وعاداته وآدابه وأخلاقه. قال تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) { سورة الأنعام ، آية : 38}.فهو حجة للرسول صلى الله عليه وسلم على أنه رسول الله ، ودستور للناس يهتدون به وقربه يتعبدون بتلاوته ، وهو المدون بين دفتي المصحف المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس المنقول إلينا بالتواتر كتابة ومشافهة ، جيلاً بعد جيل محفوظاً من أي تغيير أو تبديل )).
و يعد القرآن الكريم المصدر الأول للثقافة الإسلامية الذي نستقي من نبعه الطهور ، التوجيه الراشد والمنهج القديم ، وقد كان له الأثر الواضح في صياغة شخصية المسلمين ، وإعلاء كلمتهم وتنظيم حياتهم ، وتقويم أخلاقهم وضبط سلوكهم وتوحيد لهجاتهم ، وحل خلافاتهم .قال تعالى (( فإن تنزعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً )) { سورة النساء آية : 59} .
ويعتبر القرآن الكريم وثيقة صادقة تحفز هؤلاء الطلاب الناطقين بغير العربية إلى التأمل والتدبر في ملكوت السموات والأرض ، وترشدهم إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة ، وترغبهم في نعيم الآخرة ، وترهبهم من عذاب الجحيم ، وتزخر بالأدلة على وحدانية الله وقدرته وحكمته ، وتقدم منهجاً واضحاً للحياة الإنسانية وأهدافها ، ويعد القرآن الكريم الإطار المرجعي لكافة مجالات الثقافة الإسلامية .
نزل القرآن الكريم وقدم للبشرية تصوراً جديداً عن الوجود والحياة والقيم والنظم ، كما حقق لها واقعاً اجتماعياً فريداً ، كان يعز على خيالها تصوره مجرد تصور) ، قال تعالى (( إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم وبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً )) {سورة الإسراء آية : 9}.
ولقد اشتملت توجيهات القرآن الكريم الثقافية على أصول ومبادئ عامة ، صلحت لأن تكون منهجاً فكرياً سليماً حدد به المسلمون موقفهم من مشاكل الكون والحياة ، واستطاعت هذه التوجيهات أن تمكن المسلمين من الاستفادة من تلك الدرة الغالية ، التي منحها الله للإنسان ، وهي العقل فنمته ، وجعلته يمارس الوظيفة الأساسية التي خلق من أجلها ، حتى كانت للمسلمين ثقافة وعلوم ومخترعات وحضارة عالمية ، لن ينسى التاريخ دورها في تحويل مجرى الإنسانية ، ولن تنسى الإنسانية دور المسلمين في بناء الحضارة بأصالة وعمق ، لقد انطلقت الثقافة الإسلامية من هذا المصدر لتستوعب علوم المسلمين ، وغير المسلمين.
فالقرآن الكريم يحتوي على النسق الثقافي الإسلامي بأبعاده المتعددة، فهو جامع لكلّ ما يحتاج إليه البشر من الموعظة الحسنة لإصلاح أخلاقهم الظاهرة والباطنة، والمعارف الإيمانية، والمبادئ السامية، وينبغي أن يكون المحتوى الثقافي لكتب تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها منطلقاً من هذا المصدر لتحقيق الغاية من ذلك؛ حسن الصلة بالله.
المصدر الثاني: السنة النبوية:
تعد السنة النبوية المصدر الثاني من مصادر الثقافة الإسلامية ، وهي منهاج المسلم التفصيلي ، وبرنامج حياته ، وخطة عمله اليومية ، وما من نشاط في شئون المسلم مهما دق أو عظم نظمته السنة النبوية ، قال تعالى (( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى )) { سورة النجم : الآيتان ، 3 – 4 }.
والمراد بها ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتباره مبلغاً عن الله تعالى من قول أو تقرير أو صفة خلقية أو خلقية من مبدأ بعثته حتى وفاته ، و قد جاءت السنة النبوية مفصلة ومفسرة للأحكام المجملة في آيات عديدة من القرآن الكريم ، إما بحسب كيفيات العمل أو أسبابه أو شروطه أو موانعه أو لواحقه ، وما أشبه ذلك ، كبيانها للصلوات على اختلافها في أنواع مواقيتها ، وركوعها وسجودها وسائر أحكامها.
وتبرز القيمة الحقيقية للسنة النبوية في أنها ترسم لهؤلاء الطلاب الناطقين بغير العربية الطريق العملي للحياة الإنسانية ، فالقرآن هو قانون الإسلام ، والسنة هي تطبيقه ، والمسلم مكلف بتطبيقهما في كل مجالات .
ومن ثم كان لزاماً أن تكون السنة النبوية مصدراً رئيسياً للثقافة الإسلامية في محتوى كتب تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها حتى يتأسس الطالب على القيم الأخلاقية الإيجابية، ويعد التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في سيرته جزءاً من السنة النبوية ، وهي تبين حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بكل تفاصيلها ، وحركاته وسكناتها ، والدارس لهذه السيرة يرى الكم الهائل من القيم والأخلاق والمعاملات التي تحتويها ، حيث أن هؤلاء الطلاب الناطقين بغير العربية في هذا العصر أمس الحاجة إليها.
و الاعتماد على السنة أمر ضروري في بناء الثقافة الإسلامية؛ لأنّ القرآن الكريم جاء بالعموميات تاركاً التفصيل للسنة النبويّة.
ومن خلال ما سبق يتبيّن أنّ السنّة مصدر من مصادر الثقافة الإسلامية، وأنّه لا غنى لأحدهما عن الآخر، ومن ثمّ كان ضروريّاً أن يكون القرآن والسنّة المصدرين الرئيسيين للثقافة الإسلامية اللازمة لطلاب معاهد تعليم اللغة العربية كلغة ثانية حتّى يتأسّس الطالب على تلك المفاهيم والآداب والتقاليد الإيجابية.
المصدر الثالث: التاريخ الإسلامي:
يعد من المقوّمات المهمّة للثقافة الإسلامية، فهو ميدان شاسع مليء بالأحداث والمعطيات التي سجلتها ظروف الإنسان وأحواله الاجتماعية والاقتصادية والسلوكية وهو سجل لأعمال الأمّة الإسلامية، ويقول هندي (1408،ص20) وليس غريباً أن يكون هذا التاريخ وتراثه مصدراً أساسياً للثقافة الإسلامية يكسبها بعدا زمنيا ميزها من غيرها من الثقافات ، ومنحها الأصالة ، وغرس في نفوس الأجيال روح الإسلام بكل أبعادها النظرية والعملية. ولولا هذا التاريخ وتراثه لكانت هذه الثقافة عديمة الهوية ، ليس لها من ماضيها ما يربط حاضرها ، ويرسم مستقبلها.
ونظراً لأهميّة التاريخ الإسلامي فإنّ الأمم تبرز معالمها لشعوبها بأنّ وجود الأمّة في الحاضر إنّما هو استمرار لوجودها في الماضي، فليس غريباً أن يكون التاريخ مصدراً أساسياً للثقافة الإسلامية. وفي ضوء ذلك نروي تاريخ خلفائنا الراشدين، وعلمائنا الأبرار، ومقاتلينا الأخيار، كما نروي أخبار الجبابرة في تاريخنا وأخبار الزعماء الأشرار، وكيف حمل أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم الإسلام من بعده، وكيف بلغوه وأقاموا حياتهم عليه. (الأشقر، 2005، ص 57-58).
ويعد مصدر كبير للثقافة الإسلامية ؛لأنها ربانية التلقي ، نبوية التوجيه ، تاريخية النسب إذ أنها تنتمي إلى تاريخ أصيل جليل ، ذي أمثلة ونماذج رائعة في الحضارة الإنسانية يمكن أن تضمن في محتوى كتب تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها.
المصدر الرابع: اللغة العربية:
اللغة العربية مصدراً مهماً من مصادر الثقافة الإسلامية ، وعنصراً فاعلاً من عناصر وحدة الأمة الإسلامية وثقافتها ، ووسيلة من وسائل التخاطب والتفاهم بين الناس ولما كان لكل قوم لغتهم ، كان من المناسب أن يكون رسولهم المرسل بلسانهم ليبين لهم ، قال تعالى (( وما أرسنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم )) { سورة إبراهيم ، 4 } ، واختار الله سبحانه وتعالى للرسالة الخاتمة رسولاً عربياً ، وجعل رسالته باللغة العربية قال تعالى (( إنا أنزلنه قرءاناً عربياً لعلكم تعقون )) { سورة يوسف آية : 2}.
و اللغة العربية لغة العلم عند الأمّة العربية، فكلّ علومنا مصاغة بهذه اللغة، وميراثنا العلمي فيما يتعلّق بالشريعة وغيرها لا يمكن الوصول إليه من غير فقه وإتقان للعربية فإذا نبذنا العربية انقطعنا عن ديننا وتراثنا وتاريخنا.
فاللغة العربية فضلاً على أنها لغة القرآن الكريم والسنة النبوية فإنها اللغة التي كتبت بها العلوم والمعارف التي انبثقت من دراسة القرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك هي اللغة التي سجلت تاريخ الإسلام والمسلمين في شتى العصور الإسلامية، فاللغة العربية تستمد قوتها من القرآن الكريم الذي نزل بها ومن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أوتي جوامع الكلم، واللغة العربية مصدر لا غنى عنه للثقافة الإسلامية، فهي أداة لنشرها، وهي اللسان الناطق بها، والوعاء الجامع للشعوب التي اعتنقت الإسلام، فكانت هذه اللغة واحدة لأجناس مختلفة جمعتها راية الإسلام.
وبناءً على ذلك يمكن لمؤلفي كتب تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها أن يضمنوها أهمية تعليم اللغة العربية والحفاظ عليها لأنها لغة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية النافعة
نشرت فى 20 إبريل 2012
بواسطة maiwagieh
الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية: ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م. دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م. ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,659,615
ساحة النقاش