اللغة العربية لغير الناطقين بـها :
يقيم الباحثون في ميدان اللسانيات فرقًا بين اللغات حسب الوسط الذي تُدرّس فيه اللغة وخلفية الدارسين ، من أجل إعداد البرامج التعليميّة المناسبة . فهناك لغة أولى أو أمّ ، وهناك لغة ثانية ، وهي لغة المجتمع الخاص الذي يعيش فيه الطفل ، حيث يجيد التكلم بها في المحادثات الاجتماعية اليومية ، إضافة إلى لغته الأم . وهناك لغة أجنبيّة يتعلمها الدارس في مجتمع يندر أن يتكلم بها أحد ، باستثناء أقليت عرقية هنا وهناك . وبناء على هذا يصعب تصنيف العربية الفصحى بالنسبة للأقلية المسلمة في الغرب مثلاً .
فمن ناحية ، هناك أبناء العرب المهاجرين الذين يجيدون التكلم بلهجاتهم المحلية ، ممّا يساعدهم على التعامل مع العربيّة الفصحى بدرجات متفاوتة . وهناك أبناء المهاجرين العرب الذين يفهمون لهجاتهم المحلية ، لكنهم لا يتكلمون بها ، وذلك يساعدهم على فهم بعض المحادثات الاجتماعية والموضوعات البسيطة . والعربيّة بالنسبة لهاتين الفئتين ليست لغة ثانية بالمعنى الدقيق للكلمة ، وفي نفس الوقت ليست لغة أجنبية تمامًا .
وهناك أبناء المهاجرين غير العرب ، وأبناء المعتنقين للإسلام من أهل البلد الذين تعتبر العربية لغة أجنبيّة بالنسبة لهم . ولا جدال أنّ هذه الخلفيات المختلفة تؤثر على استعداد التلاميذ الدراسي وقدرتهم على التعلّم بدرجات متفاوته . وهذا الوضع يجعل إعداد برنامج مدرسي موحَّد ، صالح لكلّ التلاميذ ، مجرّد وهم . ورغم ذلك ، فإنّ التعرف على خلفيات الدارسين وأهدافهم من تعلّم العربية ، وما إذا كانت العربيّة شبه لغة أولى لهم أو لغة أجنبيّة ، لا شكَّ سيساعد على اختيار الأساليب المناسبة لكل فئة منهم . فعلى سبيل المثال ، يستطيع المدرس أن يوظّف الشبه بين اللهجات العربية والعربية الفصحى في تدريس تلاميذ يتكلمون أو يفهمون إحدى تلك اللهجات . بينما لا يكون هناك ضير على المدرس من اللجوء إلى الشرح أحيانًا بغير العربية لتلاميذ آخرين تعتبر العربية لغة أجنبيَّة بالنسبة لهم .
وبعد كل هذه التصنيفات السابقة ، نستطيع أن نقول مثلاً ، أنّ غالبية التلاميذ في أمريكا ، بما فيهم التلاميذ المولودون في أمريكا لآباء وأمهات ناطقين بالعربيّة ، يندرجون تحت الفئة التي يجب أن تدرّس العربية لهم على أنّها لغة أجنبية ذات اعتبارات خاصَّة . ولكي ندرك الصعوبات التي يواجهها طلبة اللغات الأجنبية ، علينا أن نتذكّر أنّ القدرة على استيعاب القواعد النحوية بشكل فطري وعفوي ، تنتهي بانتهاء سن الطفولة ، وهنا يكمن الفرق الأساسي بين اللغة الأم واللغة الأجنبية . فتدريس اللغة الأولى في أمريكا مثلاً ، يعني أنّ المتعلّم يبدأ دراسته الرسمية المنتظمة في مدرسته في روضة الأطفال أو الصّف الأوّل الابتدائي ، وهو يتكلّم الإنجليزيّة ، ويعرف عددًا كبيرًا من مفرداتها ، ونسبة عالية من قواعدها تطبيقيًّا . ولذلك فإنَّ ما يدرسه الطفل واقعيًّا في هذه الحالة لا يعدو أن يكون قواعد وضوابط للقراءة والكتابة ومعايير متقدّمة للصحة والخطأ (أي القواعد) .
وعلى النقيض من ذلك ، يحاول مدرّس اللغة الأجنبيّة القيام بدور الأبوين والأسرة والمجتمع في تزويد الطفل بمبادئ تخريج الأصوات ونطق الكلمات المفردة والجمل والتراكيب البسيطة ، وكتابتها بطريقة سليمة أوَّلا ، قبل أن يطمح في محاولة تعليمهم الكلام والمحادثة . وكيفما كان الحال ، فعلينا أن ندرك دائمًا أنَّ المتعلمين ليسوا سواسية كأسنان المشط عندما يتعلّق الأمر بتعلّم وإتقان اللغات ، وأن منهم من يتعلّم بسرعة ، ومنهم من يتعلّم ببطء ، ومنهم من لا يتعلّم إلاّ القراءة لنصوص بسيطة ورسم الحروف أو كتابتها . فمن المعروف عمليًّا أنَّ الإناث أسرع من الذّكور في تعلّم لغات أجنبيَّة ، رغم أنّه ليس هناك تفسير علميّ معروف لذلك .
ويلزم أن نلاحظ بهذا الصّدد أنّ ما ييسّر تعلّم لغة ما أو يعسّرها هو الهدف من وراء التعلّم والاستعداد النفسي والعاطفي ومدى الحاجة . فمثلاً يُعرَف السكندنافيون بسرعة تعلمهم للغات الأجنبية لأنّ لغاتههم محدودة الاستعمال ، ويرتبط نجاحهم في العمل وأمور الحياة بإتقان الإنجليزيّة أو الفرنسيّة . أمّا الأمريكيون فهم أقلّ الناس إتقانًا للغات الأجنبيّة بسبب انتشار الإنجليزيّة في كلّ الآفاق .
نشرت فى 20 إبريل 2012
بواسطة maiwagieh
الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية: ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م. دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م. ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,660,471
ساحة النقاش