الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

authentication required

اللغة العربية لغير الناطقين بـها :
يقيم الباحثون في ميدان اللسانيات فرقًا بين اللغات حسب الوسط الذي تُدرّس فيه اللغة وخلفية الدارسين ، من أجل إعداد البرامج التعليميّة المناسبة . فهناك لغة أولى أو أمّ ، وهناك لغة ثانية ، وهي لغة المجتمع الخاص الذي يعيش فيه الطفل ، حيث يجيد التكلم بها في المحادثات الاجتماعية اليومية ، إضافة إلى لغته الأم . وهناك لغة أجنبيّة يتعلمها الدارس في مجتمع يندر أن يتكلم بها أحد ، باستثناء أقليت عرقية هنا وهناك . وبناء على هذا يصعب تصنيف العربية الفصحى بالنسبة للأقلية المسلمة في الغرب مثلاً .
فمن ناحية ، هناك أبناء العرب المهاجرين الذين يجيدون التكلم بلهجاتهم المحلية ، ممّا يساعدهم على التعامل مع العربيّة الفصحى بدرجات متفاوتة . وهناك أبناء المهاجرين العرب الذين يفهمون لهجاتهم المحلية ، لكنهم لا يتكلمون بها ، وذلك يساعدهم على فهم بعض المحادثات الاجتماعية والموضوعات البسيطة . والعربيّة بالنسبة لهاتين الفئتين ليست لغة ثانية بالمعنى الدقيق للكلمة ، وفي نفس الوقت ليست لغة أجنبية تمامًا .
وهناك أبناء المهاجرين غير العرب ، وأبناء المعتنقين للإسلام من أهل البلد الذين تعتبر العربية لغة أجنبيّة بالنسبة لهم . ولا جدال أنّ هذه الخلفيات المختلفة تؤثر على استعداد التلاميذ الدراسي وقدرتهم على التعلّم بدرجات متفاوته . وهذا الوضع يجعل إعداد برنامج مدرسي موحَّد ، صالح لكلّ التلاميذ ، مجرّد وهم . ورغم ذلك ، فإنّ التعرف على خلفيات الدارسين وأهدافهم من تعلّم العربية ، وما إذا كانت العربيّة شبه لغة أولى لهم أو لغة أجنبيّة ، لا شكَّ سيساعد على اختيار الأساليب المناسبة لكل فئة منهم . فعلى سبيل المثال ، يستطيع المدرس أن يوظّف الشبه بين اللهجات العربية والعربية الفصحى في تدريس تلاميذ يتكلمون أو يفهمون إحدى تلك اللهجات . بينما لا يكون هناك ضير على المدرس من اللجوء إلى الشرح أحيانًا بغير العربية لتلاميذ آخرين تعتبر العربية لغة أجنبيَّة بالنسبة لهم .
وبعد كل هذه التصنيفات السابقة ، نستطيع أن نقول مثلاً ، أنّ غالبية التلاميذ في أمريكا ، بما فيهم التلاميذ المولودون في أمريكا لآباء وأمهات ناطقين بالعربيّة ، يندرجون تحت الفئة التي يجب أن تدرّس العربية لهم على أنّها لغة أجنبية ذات اعتبارات خاصَّة . ولكي ندرك الصعوبات التي يواجهها طلبة اللغات الأجنبية ، علينا أن نتذكّر أنّ القدرة على استيعاب القواعد النحوية بشكل فطري وعفوي ، تنتهي بانتهاء سن الطفولة ، وهنا يكمن الفرق الأساسي بين اللغة الأم واللغة الأجنبية . فتدريس اللغة الأولى في أمريكا مثلاً ، يعني أنّ المتعلّم يبدأ دراسته الرسمية المنتظمة في مدرسته في روضة الأطفال أو الصّف الأوّل الابتدائي ، وهو يتكلّم الإنجليزيّة ، ويعرف عددًا كبيرًا من مفرداتها ، ونسبة عالية من قواعدها تطبيقيًّا . ولذلك فإنَّ ما يدرسه الطفل واقعيًّا في هذه الحالة لا يعدو أن يكون قواعد وضوابط للقراءة والكتابة ومعايير متقدّمة للصحة والخطأ (أي القواعد) .
وعلى النقيض من ذلك ، يحاول مدرّس اللغة الأجنبيّة القيام بدور الأبوين والأسرة والمجتمع في تزويد الطفل بمبادئ تخريج الأصوات ونطق الكلمات المفردة والجمل والتراكيب البسيطة ، وكتابتها بطريقة سليمة أوَّلا ، قبل أن يطمح في محاولة تعليمهم الكلام والمحادثة . وكيفما كان الحال ، فعلينا أن ندرك دائمًا أنَّ المتعلمين ليسوا سواسية كأسنان المشط عندما يتعلّق الأمر بتعلّم وإتقان اللغات ، وأن منهم من يتعلّم بسرعة ، ومنهم من يتعلّم ببطء ، ومنهم من لا يتعلّم إلاّ القراءة لنصوص بسيطة ورسم الحروف أو كتابتها . فمن المعروف عمليًّا أنَّ الإناث أسرع من الذّكور في تعلّم لغات أجنبيَّة ، رغم أنّه ليس هناك تفسير علميّ معروف لذلك .
ويلزم أن نلاحظ بهذا الصّدد أنّ ما ييسّر تعلّم لغة ما أو يعسّرها هو الهدف من وراء التعلّم والاستعداد النفسي والعاطفي ومدى الحاجة . فمثلاً يُعرَف السكندنافيون بسرعة تعلمهم للغات الأجنبية لأنّ لغاتههم محدودة الاستعمال ، ويرتبط نجاحهم في العمل وأمور الحياة بإتقان الإنجليزيّة أو الفرنسيّة . أمّا الأمريكيون فهم أقلّ الناس إتقانًا للغات الأجنبيّة بسبب انتشار الإنجليزيّة في كلّ الآفاق .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 112 مشاهدة
نشرت فى 20 إبريل 2012 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,660,471