تعليم العربية للناطقين بغيرها : النشأة، الدوافع ، والأهمية
بداية الاهتمام بتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها قديما وحديثا:
يرجع الاهتمام بتعليم اللغة العربية إلى جهود العلماء القدامى في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها ، فمنذ أنْ نزلَ القرآن الكريم، واللُّغة العربية قد اكتسبَتْ قدسيَّتَها أوَّلاً، وضمنَتْ حفْظَها ثانيًا؛ إذْ حملَتْ بألفاظها، وضَمَّت بمعانيها كلامَ ربِّ العالَمين الذي نزلَ بِها الرُّوحُ الأمين على قلب سيِّد المرسلين: ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) [الشعراء: 192 - 195]؛ ف- حفظها الله - تعالى -بِحِفْظه لكتابه المَجيد الذي لا يأتيه الباطلُ من بين يدَيْه ولا من خلفه، تَنْزيل من حكيمٍ حميد؛ ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) [الحجر: 9 ].
ولَم يكتفِ أثَرُ القرآن الكريم بإِضْفاء القدسيَّة على اللُّغة العربيَّة، وحفظ لسانِها فحَسْب، بل كان مفجِّرًا لعلوم العربية قاطبة، تدور في فلَكِه تِبْيانًا لأحكامه، وضَبطًا لألفاظه، "وقد كان القرآنُ الكريم صاحبَ الفضل في نشأة الدِّراسات اللُّغوية في التراث الإسلامي، فالقرآن نصٌّ لُغوي اقتضَتِ العنايةُ به الخوضَ في دراساتٍ لغويَّة وأدبيَّة، تطوَّرَت بِمُرور الزَّمن إلى ما نَراها عليه الآن".
ولقد كان إقبال الفرنسيين على تعلم اللغة العربية أو تعليمها كان استجابة لظروف الاحتكاك بين فرنسا والمنطقة العربية خلال فترة طويلة من الزمان تمتد من مطلع القرن الثامن عشر الميلادي إلى اليوم تلبية للحاجة والمصالح والمطامع المختلفة , وقد أسهم كل هذا مع مرور الوقت في ترسيخ تعليم العربية وفي تقرير المؤسسات الأهلية والحكومية القائمة على هذا التعليم في فرنسا .
وقد قامت فرنسا بإنشاء العديد من المعاهد لتعليم اللغة العربية منها :
1- معهد فرنسا .
2-مدرسة فنبان اللغات .
3-المدرسة الوطنية .
4- مؤسسات علمية أخرى للبحث في الدراسات العربية وتعليم اللغة العربية .
5-المدرسة الوطنية للغات الشرقية .
6- المركز الوطني للبحث العلمي بباريس .
7- المدرسة الاستعمارية التي تحولت إلى مدرسة ما وراء البحار وذلك بهدف تعليم مواطنيها اللغة العربية كي يكونوا على علم بها وبحضارتها وتراثها.
وقد كان الناس ينظرون إلى اللغة العربية إلى عهد قريب بأنها من اللغات المهملة التي لا تحظى بالتقدير , مما ترتب على ذلك عدم إقبال الأجانب على تعلمها لأغراض خاصة ومحددة جدا , الاستشراق والتجارة أو غير ذلك من الأسباب الوظيفية .
وقد بدت المحاولة الجادة الأولى في أمريكا سنة 1947م , ومنذ ذلك الوقت حدث اهتمام متزايد باللغة العربية , كما أشارت الدلائل إلى أن الدراسات العربية قد أخذت جانبا كبيرا من الاهتمام ونظر إليها على أنها حقل مهم في الدراسات الإنسانية ينبغي أن تهتم بها مؤسسات التعليم الأمريكية .
ويعد تعليم اللغة العربية في هذه الآونة الأخيرة في أمريكا شيئا ضروريا لفهم القران الكريم , وللقدرة على تعلم الإسلام , نظرا للإقبال على دراستها لغة وثقافة بشكل ملحوظ مما أدى إلى إسلام بعض الطلبة عبر هذه الدراسات , نظرا لما تبدي لهم من جوانب كانوا يجهلونها عن الإسلام .
كما أن هناك نشاطا ملحوظا للعرب في السنوات الأخيرة في ميدان تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها, سواء بنشرها خارج حدودها التقليدية في أوروبا وأمريكا أو لتقوية ما لديها من جذور طال عليها العهد خارج بيئتها الأولى كما هو الحال في البلاد الإسلامية في إفريقيا وآسيا , وقد أذكى هذه الروح رغبة عربية في تأكيد ذاتهم المستقلة , ووضع التعامل على أسس المساواة فيما يتعلق بصلاتهم بالعالم العربي من جهة أخرى , وقد تمثل هذا النشاط ليس فقط افتتاح مراكز عديدة لتعليم اللغة العربية داخل العالم العربي أو في إيفاد المدرسين وإنفاق الأموال لتعليمها خارج حدود العالم العربي بل تمثل أيضا وبصورة أخص في إنشاء مراكز لتخريج المدرس المختص وتقديم المادة الدراسية الصالحة , وذلك في ثلاث عواصم عربية هي الخرطوم / الرياض / القاهرة .
وزادت عناية الحكومات العربية في تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها , بإعطاء آلاف المنح الدراسية لأبناء المسلمين . وفتح المعاهد والجامعات لهم , كما هو الحال في السعودية ومصر وماليزيا وغيرها من البلدان العربية .
واستمر الحال حتى القرن السابع عشر ميلادي حينما دخلت اللغة العربية إلى جامعة كمبردج, وفي ذلك الوقت كانت الناحية الدينية والاقتصادية الهدفين الأولين، وقد أسهم توماس آدمز كثيرا في إدخال العربية إلى كمبردج حيث كتب نائب الرئيس إليه في 9 من مايو سنة 1636م يقول : « هذا العمل الذي قمنا به ليس منه – فقط – خلق أدب جيد بإلقاء الضوء على أدب تلك اللغة , بل الهدف أيضا هو الخدمة الجيدة للملك والدولة من الناحية الاقتصادية التي ينتظر أن تروج مع هذه الأمم الشرقية ,هذا علاوة على الخدمة الطيبة للإله , وذلك بتوسيع حدود الملكية والدعاية للدين المسيحي بين هؤلاء الذين يعيشون الآن في الظلام (عبد العاطي،1997 :90)
لقد عرف المسلمون في شتّى البقاع نظام التّعليم الإسلاميّ الأصيل الذي ورثه الخلف عن السّلف واحدًا عن واحد إلى جيل الصّحابة رضوان الله عليهم . وهذا التعليم الأصيل يجعل من تدريس العلوم الدّينيّة (القرآن وعلومه وتفسيره ، الحديث وعلومه ومصطلحاته ، التّوحيد والعقائد ، السّيرة وتاريخ الإسلام ، الفقه المقارن أو المقتصر على مذهب شائع في بلد ما ، الأدب العربيّ والبلاغة والمنطق وعلوم اللغة) محور البرامج الدراسيّة . وكان على الطّالب ، حتّى يتقن العلوم التي كانت تقدّمها تلك المدارس ، أن يقضي سنوات طويلة من الدراسة ، مخصّصًا أوقاتًا طويلة للحفظ والمطالعة ، دون أن تشغله شواغل أخرى عن ذلك .
وبحلول القرن العشرين ، واحتكاك المسلمين بغيرهم من الأمم ، وانخراطهم في الحياة العصريّة التي تفرض على النّاس التّمرّس على مجموعة من المعارف والعلوم الجديدة ، ظهرت المدارس الحديثة ، وغلب التّخصص في طلب العلم . فمن متخصص في اللغات ، إلى متفرغ إلى علم من العلوم ، أو مقبل على الآداب ، أو منشغلٍ بالاقتصاد أو الكمبيوتر . وهكذا لم تلبث الأمور أن تغيّرت بتطور العلوم والتّقنية منذ الخمسينات من القرن العشرين ، فازدادت الحاجة إلى تخصص أكبر ، وتفرغ يكاد يكون تامًّا . وهنا تتنازع الأقليّات المسلمة رغبات ثلاث :
• الحفاظ على المدارس الإسلاميّة التقليديّة الأصيلة ، وتزويد التلاميذ بشتّى المعارف الإسلامية .
• النزوع إلى الانخراط في النظام التعليمي الحكومي الذي لا يُلقي للتعليم الإسلامي بالاً ، ولا يبدي به اهتمامًا .
• إنشاء المدارس الإسلاميّة التي تسعى جاهدة إلى بلوغ توازن مقبول بين التعليم العصري والعلوم الإسلاميّة .
وقد لقي نـموذج المدارس الإسلامية الحديثة الكثير من الذيوع والشّيوع ، بسبب استجابته لمتطلبات التعليم العصري من جهة ، وحاجات تكوين الهويّة الإسلامية من جهة أخرى . ولكن لم تلاق مادّة دراسيّة مثل ما لاقته اللغة العربيّة من العناية والتركيز ، وفي نفس الوقت ، لم تواجَه مادّة من المواد الدراسيّة بمثل ما ووجِهَت به العربية من صعوبات وتحدّيات .
فكثيرًا ما كان يشغل تدريس اللغة العربيّة مكان الصّدارة في برامج المدارس الإسلاميّة في مختلف البلدان ذات الأقليّات المسلمة . ولقد شهدت السنوات العشرون الأواخر حركة دائبة لا تفتر في إعداد البرامج واستحداث المناهج وتأليف الكتب الخاصة بتدريس لغة الضَّاد لغير النّاطقين بـها . وعادةً ما يعترف القائمون على المؤسّسات الإسلاميّة التّعليميّة بالتّقصير في هذا المجال . وليس من داعٍ إلى ذلك الشّعور سوى التّحدّيات التي يلاقيها التّلاميذ في التّعلُّم ، والتي يواجهها الأساتذة في التّعليم .
نشرت فى 20 إبريل 2012
بواسطة maiwagieh
الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية: ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م. دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م. ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »
أقسام الموقع
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
2,661,923
ساحة النقاش