استراتيجيات الذكاءات المتعددة
أولا: نشأة الذكاءات المتعددة:
نعيش اليوم في بداية الألفية الثالثة بما تفرضه علينا من تحديات كأمة إنسانية وعربية وإسلامية، ومن هنا كان علينا الاهتمام بتنمية قدرات المتعلمين العقلية ؛ للتعامل مع المواقف والمشكلات الحياتية والأكاديمية ؛ وليكونوا في مستوى تطلعات مجتمعاتهم وبنائها.
ولتحقيق ذلك تتجه الجهود نحو تطوير المناهج الدراسية، وطرق تدريسها، وبنائهما على أسس نتائج معطيات الدراسات السيكولوجية خاصة فى مجال علم النفس المعرفي(رشدي طعيمة 2000: 25).
وقد واكب البحث في تطوير المناهج الدراسية، تحليل ودراسة آليات التعلم، حيث اشتهرت نظريتان سيكولوجيتان اهتمتا بتفسير أسباب الاختلاف بين الطلاب في طرق التعلم، وهما: نظرية أسلوب التعلم "Learning - style theory"، ونظرية الذكاءات المتعددة، وإذا كانت النظرية الأولى ترتبط جذورها بمجال التحليل النفسي، فإن النظرية الثانية تعد نتاج البحث في علوم الذهن Cognitive science.
لقد أرتبط مفهوم الذكاء بالعمليات العقلية المتعلقة بالذاكرة والمعرفة والإدراك والطلاقة والاستدلال والقدرة العددية والانتباه والاستيعاب وهناك العديد من النظريات التي حاولت تفسير الذكاء، ومن أوائل النظريات التي بحثت في الذكاء نظرية(سبيرمان) والتي تنظر إلى الذكاء بصورة بسيطة حيث أعتقد هذا الباحث أن الناس يختلفون فى مدى ما يمتلكون من طاقة عقلية.
ثم أتى آخرون بعد (سبيرمان) أمثال(ثيرستون) و(جلفورد)و(كاتل) والذين حددوا أبنية القدرات العقلية بتفصيل أكثر. ثم جاء ( ستيرنبرج) والذي أقترح نظرية تقوم على تحليل مكونات الذكاء وتحليل للأساليب التي يستخدمها الإنسان عندما يقوم بحل المشكلات وقد أعتبر أن هناك مظاهر أساسية للذكاء يجب أن تقوم عليها النظرية المكتملة في الذكاء العملي والذي يستخدم في مواقف الحياة اليومية وليس من السهل قياسه لعدم سهولة حصر مواقف الحياة، والذكاء الإبداعي والذي يتجلى في اكتشاف حلول جديدة للمشكلات الجديدة أو اكتشاف حلول مختلفة غير مألوفة.
وقد وسعت هذه النظرية مفهوم الذكاء لتغطى مجالات لم تؤكدها نظريات الذكاء الأخرى. ثم جاء العالم (جاردنر) واضع نظرية الذكاءات المتعددة والذي نحا نحواً مختلفاً عن بقية الباحثين في محاولته تفسير طبيعة الذكاء. وقد أستمد(جاردنر) نظريته من ملاحظاته للأفراد الذين يتمتعون بقدرات خارقة في بعض القدرات العقلية ولا يحصلون في اختبار الذكاء إلا على درجات متوسطة أو دونها مما جعله يعتقد أن الذكاء مؤلف من كثير من القدرات المنفصلة والتي يقوم كل منها بعمله مستقلاً استقلالاً نسبياً عن الأخر. وتتحدث نظرية الذكاءات المتعددة عن أبعاد متعددة.
وترى النظرية أن الناس يملكون أنماطاً فريدة من نقاط القوة والضعف في القدرة العقلية؛ وعليه يصبح من الضروري فهم وتطوير أدوات مناسبة لكل شخص حيث يعتمد(جاردنر) فى نظريته على افتراض مهمتين ألا وهما: -
كما ترى أن للبشر اختلافات في القدرات والاهتمامات والميول ولذا فهم لا يتعلمون بنفس الطريقة مما يؤدى إلى اختلاف التلاميذ في مختلف المهارات ومنها مهارات القراءة والكتابة - لا يمكن لأحد أن يتعلم كل شيء يمكن تعلمه وعليه فإن هذه النظرية تساعد على أن يوجه كل فرد لنوعية الدراسة التي تناسبه والتي تلائم قدراته ويتوقع أن ينجح فيها، فإذا أستخدم نوع الذكاء المناسب وبشكل جيد قد يساعد ذلك على حل كثير من المشاكل.
وتحث نظرية الذكاءات المتعددة المعلمين على:
(1) فهم قدرات واهتمامات وميول التلاميذ وتوظيفها في تنمية مهارات القراءة بأنواعها والكتابة وعلاج أوجه الضعف فيهما.
(2) استخدام أدوات تعظم هذه القدرات وتنميها.
(3) اختيار طرائق التدريس المناسبة للتلاميذ.
(4) النظر إلى قدرات ومواهب التلميذ على أنها كل متكامل والاهتمام باكتشافها واستخدامها بالأسلوب الملائم الذي يتوافق مع اهتماماته وميوله وقدراته وتحديد نقاط القوة والضعف والعمل على تنمية نقاط القوة والتخفيف من نقاط الضعف.
(5) النظر إلى قدرات ومواهب التلميذ على أنها كل متكامل والاهتمام باكتشافها واستخدامها بالأسلوب الملائم الذي يتوافق مع اهتماماته وميوله وقدراته وتحديد نقاط القوة والضعف والعمل على تنمية نقاط القوة والتخفيف من نقاط الضعف.
وتنطلق نظرية الذكاءات المتعددة من مسلمة هي: أن كل الأطفال يولدون ولديهم كفاءات ذهنية متعددة منها ما هو ضعيف ومنها ما هو قوي ومن شأن التربية الفعالة أن تنمي ما لدى المتعلم من كفاءات ضعيفة وتعمل في الوقت نفسه على زيادة تنمية ما هو قوي لديه. أي تبتعد هذه النظرية عن ربط الكفاءات الذهنية بالوراثة الميكانيكية التي تسلب كل إرادة للتربية. وترفض هذه النظرية الاختبارات التقليدية للذكاء لأنها لا تنصف ذكاء الشخص فهي تركز على جوانب معينة فقط من الذكاء. كما أن ليس هناك طالب أفضل من آخر وكل ما هنالك اختلاف في الذكاءات.
وقد قدمت نظرية الذكاءات المتعددة تفسيرا جديدا لإعادة النظر في قياس الذكاء الذي تجسده نظرية العامل العقلي QI، كما اهتمت بمحاولة فهم الكيفية التي تتشكل بها الإمكانات الذهنية للإنسان والطرق التي تهتم بها سيرورات التعلم؛ في حين ركزت نظرية "أسلوب التعلم" على دراسة مضامين التعلم ذاته. وكانت لأفكار(جاردنرGardener, H,1983 ) والتى حملها كتابيه ( أشكال العقل البشرى )و(إطارات العقل) ورفضه فكرة أن الإنسان يمتلك ذكاء واحداً، بل ذكاءات مستقلة، يشغل كل منها حيزاً معيناً فى دماغه، ولكل منها نموذج واضح في العقل، ونظام مختلف في الأداء.
وقد استند جاردنر( (Gardener, H, 1995 في الوصول إلى نظريته إلى نتائج دراسته التي أجراها على عينات من الأطفال والبالغين الذين عانوا من حوادث أتلفت بعض قدراتهم العقلية، بالإضافة إلى نتائج الدراسات المتخصصة كالدراسات النفسية والثقافية والبيولوجية والأنثروبولوجية، ومنها جميعاً استطاع أن يحدد المعايير الواجب توافرها لاعتبار القدرة ذكاء ومنها:
- إمكانية تعطيل القدرة العقلية نتيجة تلف بالمخ بسبب حادث أو ضربة على الرأس.
- وجود ما يعرف بالطفل المعجزة ؛ حيث يمتلك بعض الأفراد قدرات عالية في مجال ما، بينما تنخفض قدراتهم في مجالات أخرى.
- أن يكون لهذه القدرة جذور في التاريخ التطوري للإنسان ؛ مثل الرسوم الموجودة بالكهوف في عصور مبكرة، والتى تدل على تطور الذكاء المكاني.
- مساندة النتائج السيكومترية، وذلك بتوفير المقاييس المقننة التي تستخدمها معظم نظريات الذكاء تأكيداً على صدق النموذج، ويرى، جاردنر" أن الاختبارات المقننة تساهم فى تقييم الذكاءات المتعددة، حيث يضم مقياس " وكسلر " لذكاء الأطفال اختبارات فرعية تتطلب الذكاء اللغوي، والمنطقي، والحركي.
- أن يتوفر لها مجموعة من العمليات التي تدفع الأنشطة الطبيعية المختلفة لذلك ففى الذكاء الحركى تتمثل هذه العمليات في القدرة على تقليد الحركات الجسمية للآخرين. (جابر عبد الحميد 2003: 12-20)
ثانيا: أنواع الذكاءات المتعددة:
ومن خلال هذه المعايير استطاع " جاردنر " أن يحدد قائمة الذكاءات المتعددة التى نادي بها وهى: -
الذكاء اللغوي: ويقصد به قدرة الفرد على استخدام الكلمات شفهياً وتحريرياً بكفاءة، وهذا يتضمن القدرة على إنتاج اللغة، واستخدام التعبيرات المناسبة، وإيجاد المترادفات، ومعرفة معاني الكلمات.
الذكاء المنطقي: ويعنى قدرة الفرد على استخدام الأرقام والرسوم البيانية، وإدراك علاقة السببية.
الذكاء المكاني: ويقصد به قدرة التلميذ على إدراك العالم البصري بدقة، ومعرفة الاتجاهات وتقدير المسافات والأحجام، ويتضمن ذلك الحساسية للألوان والخطوط والأشكال والعلاقات بين هذه العناصر.
الذكاء الجسمي، الحركي: ويقصد به قدرة الفرد على التحكم فى حركات جسده، وهذا يتضمن مهارات جسمية مثل المرونة والسرعة والتوازن والمهارات اليدوية.
الذكاء الموسيقى: يقصد به قدرة الفرد على التمييز بين النغمات، وجرس الأصوات، ويتضمن ذلك مهارات القدرة على نظم الأغنيات الصغيرة، والإيقاعات البسيطة.
الذكاء الاجتماعي: ويعنى قدر الفرد على فهم الآخرين، ومشاعرهم واهتماماتهم، وهذا يتضمن مهارات التفاعل الإيجابي مع الآخرين، والعمل معهم.
الذكاء الشخصي: يقصد به قدر الفرد على فهم نفسه وجوانب قوته وضعفه، وهذا مهارات القدرة على الضبط الذاتي، واحترام الذات.
الذكاء الطبيعي: يقصد به قدرة الفرد على معرفة وتصنيف الظواهر الجغرافية، كالنباتات، والحيوانات والمعادن والصخور. (Christian, M، 1998: 5-6)
والقائمة السابقة لأنواع الذكاء هي قائمة مبدئية ؛ لأن كل نوع من أنواع الذكاء السابق ذكره يمكن تقسيمه إلى أنواع فرعية، كما يمكن أن يختلف الأفراد فيما بينهم فى النوع الواحد من الذكاء كما يختلفون فى تاريخ ميلادهم. (محمد عبد الرءوف 1999: 286- 287)
حيث اقترح (جاردنر ( Gardener, H, 1995 شكلاً تاسعاً وهو الذكاء الوجودي، والذي يتضمن القدرة على التأمل فى مشكلات الحياة والموت وغير ذلك. (أحمد أوزى 2003)
وطبقا لهذه النظرية فإن وظيفة المدرسة والمنهج هى الكشف عن هذه الأنواع لدى الأفراد وتنميته، وبالتالي مساعدة المتعلمين فى الوصول إلى أهدافهم المهنية، وممارسة هواياتهم المناسبة للذكاء الذي يمتلكونه، مما يشعرهم بالقناعة والرضا، ومن ثم سيتكون لديهم الميل لخدمة المجتمع بطريقة بناءه. (Gardener,1994: 9)
ثالثا: الأسس التي قامت عليها نظرية الذكاءات المتعددة:
لقد دأب علماء النفس والتربية منذ مطلع القرن الماضي على الحديث عن الذكاء باعتباره شكلاً واحداً من أشكال القدرة العقلية، وذلك منذ جهود العالم بينة (Binet) ومعاونيه الذين وضعوا الشكل الأول للاختبارات التي تقيس الذكاء، والتي تفرض أننا نستطيع بكيفية موضوعية أن نقيس ما نسميه (ذكاء) وأن نعبر عنه بما يمسى معامل الذكاء Intelligence Quotient أو اختصار I. Q.، وقد تم الوصول إلى هذه النتيجة العلمية بهدف وضع وسيلة تساعد على تمييز الطلاب الذين يتعرضون للفشل الدراسي، حتى يعطي لهم اهتمام خاص خلال تعلمهم، غير أن هذا المقياس العقلي للذكاء تمت معارضته بعد حوالي ثمانين عاماً من ظهوره، وذلك من قبل العالم السيكولوجي الأمريكي هاورد جاردنر (H. Gardner) بدعوى أن هذا المقياس يشدد الخناق على مفهوم الذكاء واقترح بدلاً لذلك نظرية الذكاءات المتعددة (Multiple Intelligences) ومؤداها أن الذكاء يمثل قدرة فكرية معينة تستلزم وجود مجموعة من مهارات حل المشكلات وإيجاد تتابع فعال يمهد لاكتساب معارف جديدة. وأقام جاردنر نظرية الذكاءات المتعددة على عدة أسس، من أهمها:
• الذكاء مجموعة متعددة من الذكاءات قابلة للنمو والتغيير.
• لدى كل شخص تكوين متفرد من الذكاءات المتعددة المتنوعة.
• تختلف الذكاءات في نموها داخل الفرد الواحد أو بين الأفراد بعضهم البعض.
• يمكن تنمية الذكاءات المتعددة بدرجات متفاوتة إذا أتيحت الفرصة لذلك.
• يمكن تحديد وقياس الذكاءات المتعددة، والقدرات المعرفية العقلية التي تقف وراء كل نوع.
رابعا: نظرية الذكاءات المتعددة والممارسة الفعالة:
إن المشكلة التي يعاني منها التعلم المدرسي، في الجانب المتعلق بالتدريس وأساليبه، هو ما يلاحظ عليه من الابتعاد عن عالم المتعلمين؛ فالمواد التعليمية تقدم في أغلب الأحيان بطرق جافة ومملة، دون مراعاة بيئة المتعلمين وحاجاتهم، فضلاً عن أنها لا تعير اهتماماً لمداركهم وقدراتهم العقلية المختلفة، وما تقتضيه من تنوّع أساليب التدريس لمخاطبة كل فئة بما يناسب طريقتها في التعلم، الشيء الذي جعل أغلب المتعلمين يتعاملون مع المواد الدراسية دون تأثر أو انفعال وجداني، مما ولّد لدى بعضهم النفور والملل، وجعلهم يكوِّنون اتجاهات سلبية نحو المدرّسين والمدرسة بشكل عام، خاصة في وقت يتاح لهم فيه التعامل مع العديد من الوسائل التعليمية الحديثة والمتطورة، التي أنتجتها التكنولوجيا المعاصرة، كبرمجيات الحاسوب والإنترنت والتعليم المبرمج وغيرها، والتي تعمل على إشباع حاجاتهم المعرفية بطرق حية ومشوقة.
إن نظرية الذكاءات المتعددة تقدم فضاءً جديداً وحيّاً لعملية التعليم والتعلّم، فهي فضاء تتمحور فيه العملية التعليمية ـ التعلمية على المتعلم ذاته، بحيث يعمل وينتج ويتواصل بشكل يحقق فيه ذاته ويشبع رغباته. ومن ثم كان لها صدى كبير في الأوساط التربوية والتعليمية، لما حققته من تفعيل العملية التعليمية، ووضعها في مسارها الصحيح. ونعرض فيما يلي لأهمّ الجوانب التطويرية لهذه النظرية في مجال الممارسة التعليمية ـ التعلمية:
• تساعد على رفع مستوى أداء المدرسين.
• تراعي طبيعة كل المتعلمين في الفصل الدراسي.
• تنطلق من اهتمامات المتعلمين وتراعي ميولهم وقدراتهم.
• تساعد على تنمية قدرات المتعلمين وتطويرها.
• تنصف كل المتعلمين وتعتبر أن لكل واحد منهم قدرات معينة.
إن نظرية " الذكاءات المتعددة " بما أحدثته من ثورة في المجال التعليمي ترحب بالاختلاف بين الناس في أنواع ذكاءاتهم وأسلوب استخدامها، مما يقتضى إتباع مداخل تعليمية متنوعة لتحقيق التواصل مع كل المتعلمين، كما تقدم نظرية الذكاءات المتعددة مجالاً جديداً هو المتعلم ذاته، بحيث يعمل وينتج ويتواصل بشكل يحقق فيه ذاته ويشبع رغباته، ومن جوانب تطوير نظرية الذكاءات المتعددة في المجال التعليمي أنها تساعد على تحسين المرجعية التعليمية، ورفع مستوى أداء المدرسين، وتراعى طبيعة كل المتعلمين في الفصل الدراسي، وتنطلق من اهتمامات المتعلمين وتراعى ميولهم، وقدراتهم، والعمل على تنميتها.
ولقد أوضحت أدبيات البحث النفسي والتربوي أن أساليب التدريس القائمة على نظرية الذكاءات المتعددة تعد من الأساليب الفعالة في التعليم ؛ لأنها تجعل المعلمين ينوعون في الأنشطة والمواقف التعليمية التي يستخدمونها للوحدة الدراسية الواحدة مما يتيح لكل تلميذ داخل حجرة الصف أن يستفيد من الأنشطة التي تتوافق مع نوع الذكاء المرتفع لديه. ( Deing ,2004: 19 )
ويرى أنصار هذا الاتجاه ضرورة استخدام أساليب تدريس متنوعة بما يناسب ذكاءات التلاميذ؛ حيث ثبت أن النظام التعليمي في الدول المتعثرة علمياً وتكنولوجياً، ثنائي التوجه، أي يطور جانبين فقط من ذكاء الإنسان وهما الذكاء اللغوي والذكاء الرياضي ويهمل الأنواع الأخرى؛ لأن مناشطها مغيبة، مما يعرض التلاميذ للفشل ويدفعهم لمغادرة الدراسة، كما نجد أن مثل هذه الدول تخرج من مدارسها طلاباً إما ضامرين فكرياً أو معلبين ذوى طابع تقليدي واحد في العطاء والتفاعل.
وهذا يعنى أن استخدام طريقة تدريس واحدة لا يتناسب مع جميع التلاميذ ولا ينسجم مع أنماطهم المختلفة، وأنه قد حان الوقت لإيقاف سرب المقولبين الذين تلفظهم مدارسنا وجامعاتنا العربية كل عام، فالمجتمع الذي لا يتمتع أفراده وجماعاته بذكاء متعدد وفكر ملون، سيظل لدهور طويلة قابعاً في غياهب التخلف الموحش(وجيهة الحويدر 2002 م).
ولا يعنى تطبيق نظرية الذكاءات المتعددة من وجهة نظرهم تقديم الدرس الواحد بطرق متعددة، أو محاولة تنمية كل أنواع الذكاءات من خلال محتوى دراسي واحد؛ حيث يؤكد "جاردنر" أن هذا فهم خطأ لنظريته، ولا ينسجم مع روح النظرية؛ لأن كل نوع من هذه الذكاءات يستجيب لمحتوى معين، فهذه الذكاءات موجودة في عقل الإنسان استجابة لتعدد المحتوى المقدم للإنسان؛ حيث توجد الأصوات واللغات والموسيقى والطبيعة والأشخاص الآخرون والرموز والأشكال وغير ذلك، والمعلم الذكي هو الذي يختار المحتوى المناسب، و الذكاءات المناسبة لهذا المحتوى، ويمكن تنميتها من خلاله، ويختاره أساليب التدريس، والأنشطة التعليمية المناسبة(هوارد جاردنر 1997م، 401).
ويذكر جوزيف (Joseph,1992) أن النظريات التقليدية للذكاء تنظر إليه على أنه خاصية تختلف من فرد إلى آخر، فالفرد الأكثر ذكاءً هو الأكثر قدرة على حل المشكلات وإيجاد نتائج حديثة، ولاختبار هذه الخاصية لدى الأفراد وضع علماء النفس مجموعة كبيرة من الاختبارات وطلبوا من الناس أن يجيبوا عنها، ومن خلال هذه الحلول يقوم علماء النفس بتحديد الأفراد ذوى الكفاءة العالية، واعتمدت معظم هذه الاختبارات إما على كتابة مفردات أو القيام ببعض العمليات الحسابية أو إدراك العلاقة بين بعض الأشكال، ولكنها أهملت مواهب أخرى كالمواهب الرياضية والموسيقية التي يمتلكها كثير من الأفراد ولا يجدون ما يناسبهم في اختبارات الذكاء التقليدي: 1-2) Joseph,1992).
وترجع الأهمية التربوية لنظرية الذكاءات المتعدّدة فيما يلي:
• تعتبر نظرية الذكاءات المتعدّدة " نظرية معرفية " تحاول وصف كيف يستخدم الأفراد ذكاءهم المتعدّد لحل مشكلة ما، وتركز هذه النظرية على العمليات التي يتبعها العقل في تناول محتوى الموقف ليصل إلى الحل. وهكذا يعرف نمط التعلم عند الفرد بأنه مجموعة ذكاءات هذا الفرد في حالة عمل في موقف تعلم طبيعي.
• تساعد المعلمين على توسيع دائرة استراتيجياتهم التدريسية؛ ليصلوا لأكبر عدد من التلاميذ على اختلاف ذكاءاتهم.
• تقدم نظرية الذكاءات المتعدّدة نموذجاً للتعلم ليس له قواعد محددة، فيما عدا المتطلبات التي تفرضها المكونات المعرفية لكل ذكاء، فنظرية الذكاءات المتعدّدة تقترح حلولاً يمكن للمعلمين في ضوئها أن يصمموا مناهج جديدة، كما تمدنا بإطار يمكن للمعلمين من خلاله أن يتناولوا أي محتوى تعليمي ويقدمونه بعدة طرق مختلفة.
• تقدم النظرية طريقة تدعم العديد من الطرق التي يتعلم بها الأطفال.
• كما تتمثل أهمية نظرية الذكاءات المتعدّدة في أنها تقلل من نقل التلاميذ المنخفضين تحصيلياً والتلاميذ ذوو الحاجات الخاصة إلى فصول التربية الخاصة كما أنها تزيد من تقدير هؤلاء التلاميذ لأنفسهم وتحقق التكامل والتفاهم بين التلاميذ بعضهم البعض(1994: 142-144 Armstrong).
ومن أهم نقاط القوة في نظرية الذكاءات المتعددة أنه يمكن اعتبارها من الإستراتجيات التي تؤدي إلى التفعيل الأمثل لعمليتي التعليم والتعلم، وفيما يلي عرض لأهم الجوانب التطويرية لهذه الاستراتيجية في مجال التدريس:
• تكمن الأهمية العظمى لهذه الاستراتيجية في كونها محفزة Catalyst لتفعيل الإستراتيجيات الأخرى للتعلم المتمركز حول الطالب مثل استراتيجية التعلم التعاوني (تنمية المسئولية الفردية والجماعية)، حل المشكلات (تناول مواقف حياتية أصيلة للتعلم)، التعلم بالاكتشاف (الدمج النشط للطالب في عملية التعلم عن طريق الاستدلال الاستقرائي)، وغيرها.
• استراتيجية الذكاءات المتعددة في التعليم والتعلم تنقسم إلى ما يزيد على أربعين استراتيجية فرعية تتمركز جلها حول الطالب فالذكاء اللغوي مثلاً له إستراتيجيات فرعية منها العصف الذهني، وللذكاء الرياضي المنطقي إستراتيجيات فرعية منها التفكير الناقد والاكتشاف، وللذكاء المكاني إستراتيجيات فرعية مثل خرائط المفاهيم العقلية، وللذكاء الاجتماعي إستراتيجيات فرعية مثل المجموعات المتعاونة والمحاكاة وهكذا.
• يمكن تشكيل قاعات الدراسة والمختبرات والورش التعليمية كمناطق مولاتية للذكاءات المتعددة. Intelligence – Friendly أو مراكز نشاط تشبع حاجات واهتمامات الطلاب المختلفة.
• أنها تساعد على تحسين المر دودية التعليمية – التعلمية.
• أنها تكشف المداخل الحقيقية لأستاذ الجامعة في توجيه طلابه حسب أنماط ذكاءاتهم لتحقيق أفضل النتائج من خلال هذه المداخل المحببة للطلاب والتي توجه نشاطهم العلمي في اتجاهات التطور والنمو المرغوبة.
• أنها تساعد أعضاء هيئة التدريس على تقديم المحتوى العلمي من خلال أنشطة متعددة توائم ذكاءات طلابهم المختلفة وطرق تعلمهم. كما أنها تساعد أعضاء هيئة التدريس على تحديد خطط وأنشطة تدريس مرنة وشاملة تتركز حول قدرات الطلاب مما يزيد التفاعل بين الطلاب والمعلم والطلاب وزملائهم والطالب نفسه.
• تساعد المعلم – في أي مستوى دراسي – على إيجاد وسائل وأدوات تقييم مختلفة تستطيع الكشف عن نقاط القوة لدى طلابه وتطويرها والبناء عليها باتجاه النمو الشامل.
• أنها تساعد على تحقيق جودة التعليم والتعلم، ذلك لأنها من خلال استراتيجيها المتعددة تسعى للاستفادة القصوى من طاقات الطلاب وقدراتهم العقلية والجسمية والوجدانية.
• أنها تساعد أعضاء هيئة التدريس على تحديد خطط تدريس مرنة وشاملة وناجحة في التفاعل مع طلابه.
• أنها تنطلق من اهتمامات المتعلمين وتراعي ميولهم واتجاهاتهم ومهاراتهم.
• أنها تحدد نمط التعلم عند الفرد والمتمثل في مجموعة الذكاءات التي يستخدمها في موقف التعلم.
خامسا: مؤشرات اكتشاف الذكاءات المتعدّدة لدى المتعلمين:
إن الممارسة التربوية والتعليمية، والاحتكاك اليومي للمدرسين بطلابهم، في مختلف المستويات التعليمية، يساعدهم على التعرف على أنواع الذكاءات التي لديهم، هذا فضلاً عما تقدمه مختلف أنواع القياس وجميع المعطيات المختلفة عنهم، من مصادر مختلفة، وبخاصة لدى أفراد الأسرة على توضيح ميولهم واهتماماتهم، وفيما يلي نعرض لبعض المؤشرات السلوكية المساعدة على التعرف على أنواع الذكاءات لدى المتعلمين، بقصد مساعدتهم على التعلم المثمر والفعّال، وهى على النحو التالى:
الذكاء اللغوي: من الممكن التعرف على الذكاء اللغوي لدى تلميذ ما من خلال العديد من المؤشرات منها: القدرة على الحفظ بسرعة، وحب التحدث، والرغبة في سماع الأسطوانات، والألعاب اللغوية، وإظهار رصيد لغوي متنام.
الذكاء المنطقي (الرياضي): ويمكن التعرف على هذا الذكاء لدى المتعلمين من خلال العديد من المؤشرات منها: إبداء الرغبة في معرفة العلاقات بين الأسباب والمسببات، والقيام بتصنيف مختلف الأشياء ووضعها في فئات، والقيام بالاستدلال والتجريب، الرغبة في اكتشاف الأخطاء فيما يحيط بهم من أشياء، وتتميز مطالعتهم بالإقبال على كتب العلوم، أكثر من غيرها.
الذكاء التفاعلي: و يمكن التعرف على هذا الذكاء لدى التلميذ من خلال العديد من المؤشرات منها: إنه حساس لمشاعر الغير، ويكوِّن أصدقاءه بسرعة، ويسرع إلى التدخل كلما شعر بوجود مواقف صراع أو سوء تفاهم، كما يميل إلى إنجاز الأنشطة في جماعة، فهو يستوعب بشكل أفضل إذا ذاكر دروسه مع زملائه، وهو يطلب مساعدة الغير، عوض أن يحل مشاكله بمفرده، كما يختار الألعاب التي يشارك فيها الغير. وهو غير ضنين على غيره، بما يعرفه أو يتعلمه، وهو يحس بالاطمئنان داخل جماعته، كما قد يظهر سلوكه صفات الزعيم.
الذكاء الذاتي: ومن مؤشرات التعرف على هذا الذكاء لدى المتعلمين ما يلى، إنهم كثيراً ما يستغرقون في التأمل، ولديهم آراء محددة، تختلف في معظم الأحيان عن آراء الغير، ويبدون متأكدين مما يريدون من الحياة، ويعرفون نقاط القوة والضعف في شخصيتهم، ويفضلون الأنشطة الفردية، ولهم إرادة صلبة، ويحبون الاستقلال، ولهم مشاريع يسعون إلى تحقيقها.
الذكاء الحركي: من مؤشرات التعرف على الذكاء الجسمي الحركي: إن أصحابه قد مشوا في صغرهم مبكراً، فهم لم يحبوا طويلاً، إنهم ينجذبون نحو الرياضة والأنشطة الجسمية، إنهم لا يجلسون وقتاً طويلاً، فهم في نشاط مستمر، وهم يحبون الرقص والحركة الإبداعية، كما أنهم يحبون العمل باستخدام أيديهم في أنشطة مشخصة كالعجين والصباغة.. إلخ، ويحبون التواجد في الفضاء، ويحتاجون إلى الحركة حتى يفكروا، وكثيراً ما يستخدمون أيديهم وأرجلهم عندما يفكرون، كما يحتاجون إلى لمس الأشياء حتى يتعلموا، كما يفضلون خوض المغامرات الجسمية كتسلق الجبال والأشجار، ولديهم تآزر حركي جيد، ويصيبون الهدف في العديد من أفعالهم وحركاتهم، ويفضلون اختبار الأشياء وتجريبها عوض السماع عنها أو رؤيتها.
الذكاء الموسيقي: يمكن التعرف على الذكاء الموسيقي لدى المتعلمين من خلال العديد من المؤشرات منها: إنهم يغنون بشكل جيد، ويحفظون الأغاني بسرعة، ويحبون سماع الموسيقى والعزف على آلاتها، ولهم القدرة على تقليد أصوات الحيوانات أو غيرها.
الذكاء البصري الفضائي: يمكن التعرف على هذا الصنف من الذكاء لدى المتعلمين من خلال العديد من المؤشرات منها: إنهم يستجيبون بسرعة للألوان، وكثيراً ما يندهشون للأشياء التي تثيرهم، وقد يصفون الأشياء بطرق تنم عن خيال، ويتميزون بأحلام حية، والقدرة على تصور للأشياء والتأليف بينها وإنشاء بنيات. وقد يقال إنهم "يبنون قصوراً من الرمال"، وهم من صنف المتعلمين الذين يحبون الرسم والصباغة، ولهم حس فائق في إدراك الجهات، ويجدون أنفسهم بسرعة في بيئتهم، ويدركون الأشكال بدقة، ويحبون الكتب التي تحتوى على الصور.
الذكاء الطبيعي: يمكن التعرف على مؤشرات هذا الصنف من الذكاء لدى المتعلمين من خلال العديد من المظاهر منها: إنهم يهتمون بالنباتات والحيوانات، ويقومون برعايتها، كما يظهرون شغفاً بتتبع الحيوانات وتربيتها وتصنيفها في فئات، وهم يحبون التواجد باستمرار في الطبيعة، ويقارنون بين حياة مختلف الكائنات الحية، كما تستهويهم المطالعة في كتب الطبيعة. ( أحمد أوزى 2003)
ولأهمية استراتيجية التعليم الذكاءات المتعددة، فقد قامت على أساسها مشروعات عالمية ودراسات عديدة نذكر منها، ما يلي:
مشروع Project – Zero:
والذي تولت تنفيذه والإشراف عليه جامعة هارفارد بهدف تطوير عملية التعلم والتعليم بالمرحلة الابتدائية من خلال تفعيل الذكاءات المتعددة لدى المتعلمين عن طريق مجموعة من الإستراتيجيات المناسبة لكل نوع من أنواع الذكاء وإثراء البيئة التعليمية – التعلمية.
مشروع المدارس الذكية:
وبدأ عام (1985) وشاركت فيه 14 دولة على مستوى العالم، وتناول تحسين المدارس من حيث: الفرص التعليمية المتاحة للطلاب، القيمة المضافة للتعليم، خصائص المدارس الفعالة، القيادية الفعالة، الإدارة الناجحة (محمد عبد الهادي حسين، 2003، 297).
مشروع المدارس التي تقوم مناهجها والتدريس فيها على أساس نظرية الذكاءات المتعددة SUMIT:
وبدأ هذا المشروع عام 1997 بمدرسة Criaclife بنيويورك، عندما تبنت استخدام وتطبيق نظرية الذكاءات المتعددة في نشاطها التعليمي – التعلمي بهدف تحسين مخرجات تعلم طلابها والتي تشمل التحصيل المعرفي والأداء المهاري (Lazear, 1994, 201)، كما أورد ذلك خالد الباز (2006، 11)، وأضاف أن العديد من الدراسات أثبتت فاعلية استخدام استراتيجية الذكاءات المتعددة للتعلم والتدريس في عدة مناحي، منها:
• تحديد وتفسير أنماط التعلم لدى طلاب المرحلة الثانوية (Manner, 2001, 391).
• تدريب الأخصائيين النفسيين وتنمية مهاراتهم المهنية (Marshall, 2001, 27).
• تحسين الاستعداد الأكاديمي وعلاج صعوبات التعلم والمشكلات السلوكية بمرحلة المراهقة (Rubado, 2002, 233).
• الكشف عن الطلاب الموهوبين والمتفوقين، وتخطيط أساليب وطرق تعليمية تناسبهم (محمد عبدا لهادي حسين، 2003، 212).
• تخطيط مناهج العلوم لتنمية التنور العلمي لدى طلاب المرحلة الثانوية، وتحقيق مبدأ العلوم للجميع من خلال استخدام الأنشطة التدريسية والتعليمية التي تناسب ميول واهتمامات الطلاب لتحفزهم على تعلم مادة العلوم (Goodnough, 2001, 190).
• تحقيق مبدأ التكامل في تخطيط مناهج وخبرات التعلم بمرحلة ما قبل المدرسة (محمد عبد الهادي حسين، 2003، 115).
• إعداد برامج لتدريس مادة العلوم للتلاميذ المعاقين سمعياً بالمرحلة الإعدادية (سعيد حامد وأحلام الباز، 2004، 164).
• مساعدة الأطفال ذوي صعوبات التعلم (السيد على سيد أحمد، 2005).
• الكشف عن العلاقة بين التعلم بنظرية الذكاءات المتعددة ومستوى التحصيل الدراسي (Susan & Dale, 2004).
• تحسين الدافع للتعلم لدى طلاب المدارس بصفة عامة (Cluck & Hess, 2003).
• تنمية مهارات القراءة والكتابة (Busman & Evans, 2003).
• تحسين إستراتيجيات التدريس (Hearne & Stone, 1996).
ساحة النقاش