صلح الحديبية عام (6هـ) :
الحديبية هى بئر فى قرية سميت هذه الغزوة بأسمها بينها وبين مكة حوالى 30 كيلو .
مضت ست سنوات سنوات منذ هجرة الرسول وأصحابه من مكة إلى المدينة وكان المسلمين يتحرقون شوقاً لزيارة مكة والطواف حول البيت الحرام ورأى النبى (صلى الله عليه وسلم) من رؤياه الصدقة أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام آمنين حالقين رؤوسهم ومقصرين فأخبر المسلمين أنه يريد العمرة واستنر الأعراب الذين حول المدينة ليكونوا معه حذراً من أن تردهم قريش عن عمرتهم ، ولكن هؤلاء الأعراب أبطأوا عليه خرج النبى ومعه ألف وأربعمائة من المسلمين قاصدين العمرة صوب مكة ، وأمر النبى ألا يحمل المسلمون سلاحاً ، حتى لا تظن قريش أنه ما خرج إلا لقتالها ، وأنه إنما خرج زائراً ، ولم يسمح النبى إلا بحمل السيوف فى القرب ، وكان حمل السيف فى تلك الأيام شيئاً معتاداً مهما كان الأمن مستتباً ، وساق الناس هديهم معهم ، كما هى العادة ، وانطلقوا إلى مكة .
وعلمت قريش أمر محمد وأصحابه فأقسمت ألا يدخل المسلمين عليهما مكة وتجهزت قريش للحرب وأرسلت خالد بن الوليد وعكرمة ابن أبى جل فى مائتى فارس ليصدوا المسلمين عن التقدم . فلما علم محمد (صلى الله عليه وسلم) بنية قريش فى منعه من دخول مكة قال هل رجل يأخذ بنا على غير طريقهم .
فقال رجل من أسلم : أنا يا رسول الله ، فصار بهم فى طريق وعرة خرج بهم إلى مستو سهل يملك مكة من أسفلها ، فلما رأى خالد ما فعل المسلمون رجع إلى قريش وأخبرهم الخبر.
ولما وصل الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الحديبية بركت ناقته فزجروها فلم تقم فقالواو أنها حزنت وبركت بلا سبب فقال (صلى الله عليه وسلم) : ولكن حسبها حابس الفيل ، والذى نفس محمد بيده لا تدعونى قريش لخصلة فيها تعظيم حرمات الله إلا أجبتهم إليها .
ثم أمرهم عليه السلام بالنزول أقصى الحديبية وهناك جاء بديل بن ورقاء الخزاعى رسولاً من قريش يسأل عن سبب مجئ المسلمين فأخبره عليه السلام بمقصده فلما رجع بديل إلى قريش وأخبرهم بذلك لم يثقوا به لأنه من خزاعة الموالية لرسول الله كما كانت كذلك لأجداده وقالوا : أيريد محمد أن يدخل علينا فى جنوده معتمراً تسمع العرب أنه قد دخل علينا عنوة وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا ؟ والله لا كان هذا أبداً ومنا عين تطوف ، ثم أرسلوا حليس ابن علقمة سيد الأحابيش وهم حلفاء قريش ، فلما رآه عليه السلام قال : هذا من قوم يعظمون الهدى ابعثوه فى وجهه حتى يراه ؛ ففعلوا واستقبله الناس يلبون ، فلما رأى ذلك حليس رجع وقال : سبحان الله ما ينبغى لهؤلاء أن يصدوا أتحج لخم وجذام وحمير ويمنع عن البيت ابن عبد المطلب ؟
لقد كانت قريش تؤثر الموت على أن يدخلها محمد عليهم عنوة .
وخرجت سرية من قريش لمباغتة المسلمين ، وأخذهم على غرة فاخذوا أخذاً وجئ بهم إلى النبى ، فعفا عنهم جميعاً تشبثاً منه بخطة السلم .
وأخيراً أرسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عثمان بن عفان رسولاً من عنده إلى قريش حتى يعملهم مقصده فتوجه إليها ثم أن قريش احتجزت عثمان وأشيع أن عثمان قتل فقال الرسول " لا نبرح حتى نناجز القوم " .
بيعة الرضوان :
دعا الرسول المسلمين للبيعة على القتال فبايعوه تحت الشجرة بايعوه جميعاً على ألا يفروا حتى الموت ، وبايعوه كلهم ثابت الجنان ، قوى الإيمان ، عازم على القتال حتى النفس الأخير ، وعرفت هذه المبايعة فى التاريخ الإسلامى ببيعة الرضوان ، وإنها لعمل مجيد ، ومثل فريد فى نكران الذات ، والتضحية بالنفس فى سبيل نصرة العقيدة ، وهى يوم مشهود فى التاريخ الإسلامى ، فخاف عمر فى خلافته ، أن يتطور الأمر إلى وثنية ، فأمر باقتلاعها ، وهذا دليل على غيرة المسلمين الأولين على مبدأ التوحيد ، علمت قريش بأمر بيعة الرضوان فداخلهم منها رعب لقد تأكد لدى قريش أن محمداً وأصحابه إنما جاءوا معتمرين معظمين للبيت وهم يقدرون أنهم لا يملكون منع أحد من العرب عن الحج والعمرة فى الأشهر الحرم ، وهم مع ذلك قد خرجوا من قبل تحت راية خالد بن الوليد لقتاله وصده عن دخول مكة ، وقعت بين بعض رجالهم وبعض رجاله مناوشات . فإذا هم بعد ذلك حدث تركوه يدخل مكة تحدث العرب بأنهم انهزموا أمامه ، فتضعضت فى نظر العرب مكانتهم وسقطت هيبتهم لذلك هم يصرون على موقفهم منه هذا العام إبقاء على الهيبة واستبقاء لتلك المكانة ، فليفكر وأياهم ، وهذا موقفه وموقفهم ، لعلهم جميعاً يجدون من هذا الموقف مخرجاً ، وإلا فليس إلا الحرب يدخلونها طوعاً أو كرهاً ، بل إنهم لها لكارهون فى هذه الأشهر ، تقديراً لحرمتها الدينية من ناحية ، ولأنها من ناحية أخرى ، إذ لم تحترم اليوم حرمتها ووقعت الحرب فيها ، لم يأمن العرب فى مستقبل أيامهم أن يجيئوا إلى مكة وأسواقها مخالفة انتهاك الأشهر الحرم مرة أخرى ، فيجنى ذلك على تجارة مكة وعلى أرزاق أهلها .
واتصل الحديث وعادت المفاوضات بين الفريقين مرة أخرى . وأوفدت قريش سهيل بن عمرو وقالوا له : أئت محمداً فصالحه ، ولا يكن فى صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا . قو الله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً فلما انتهى سهيل إلى الرسول جرت محادثات طويلة للصلح وشروطه كانت تكاد تنقطع فى بعض الأحيان ، ثم يعيد اتصالها حرص الجانبين على النجاح . وكان المسلمون من حول النبى يسمعون أمر هذه المحادثات ويضيق بعضهم بأمرها صبراً ، لتشدد سهيل فى مسائل يتساهل النبى فى قبولها . ولولا ثقة المسلمين بنبيهم ، ولولا إيمانهم به ، لما ارتضوا ما تم الاتفاق عليه ، ولقاتلوا ليدخلوا مكة .
صلح الحديبية (6هـ) :
أرسلت قريش سهيل بن عمرو للتفاوض من أجل الصلح وأهم بنوده :
1- أن تكون هناك هدنة بين الطرفين مدتها عشر سنوات .
2- يرد المسلمون من يأتيهم من قريش مسلماً بدون إذن وليه .
3- لا ترد قريش من يعود لها من المسلمين .
4- من أراد أن يدخل فى عهد قريش دخل فيه ، ومن أراد أن يدخل فى عهد محمد من غير قريش دخل فيه .
5- ألا تتم عمرة المسلمين هذا العام ، بل تؤجل إلى العام القادم ويدخل المسلمون مكة فى العام القادم بعد أن تخرج منها قريش ، وليس مع المسلمين من السلاح إلا السيوف فى القرب ، ويبقى المسلمون بمكة ثلاثة أيام بلياليها .
ثم كتبت شروط الصلح بين الطرفين وكان الكاتب على بن أبى طالب فأملاه عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل : اكتب باسمك اللهم فمره الرسول بذلك . ثم قال هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقال سهيل : لو نعلم أنك رسول الله ما خالفناك اكتب محمد بن عبد الله فأمر عليه السلام بمحو ذلك وكتابة محمد بن عبد الله وكتب نسختان ك نسخة لقريش ونسخة للمسلمين . وبعد كتابة الشروط جاءهم أبو جندل بن هسيل يحجل فى قيوده وكان من المسلمين الممنوعين من الهجرة فهرب للمسلمين هذه المرة ليحموه ، فقال عليه السلام : اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ، ومخرجاً ، إنا قد عقدنا بين القوم صلحاً وأعطيناهم وأعطونا على ذلك عهداً فلا نغدر بهم . هذا ، وقد دخلت قبيلة خزاع فى عهد رسول الله ودخل بنو بكر فى عهد قريش .
ولما انتهى الأمر ، أمر عليه السلام أصحابه أن يحلقوا رؤوسهم وينحروا الهدى ليتحللوا من عمرتهم فاحتمل المسلمون من ذلك هماً عظيماً حتى إنهم لم يبادروا بالامتثال فدخل عليه السلام على أم المؤمنين أم سلمة وقال لها : هلك المسلمون أمرتهم فلم يمتثلوا فقالت يا رسول الله اعذرهم فقد حملت نفسك أمراً عظيماً فى الصلح ، ورجع المسلمون من غير فتح لذلك مكروبون ، ولكن أخرج يا رسول الله وابدأهم بما تريد فإذا رأوك فعلت اتبعوك ، فتقدم عليه السلام إلى هديه فنحره ودعا بالحلاق فحلق رأسه ، فلما رآه المسلمون تواثبوا على الهدى فنحروه وحلقوا . ثم رجع المسلمون إلى المدينة وقد أمن كل فريق الآخر .
وقد تمكن أبو بصير ، عتبة بن أسيد الثقفى رضى الله عنه ، من الفرار إلى رسول الله فأرسلت فى أثره رجلين يطلبان تسليمه فأمره عليه السلام بالرجوع معهما فقال : يا رسول الله أتردنى إلى الكفار يفتتونى فى دينى بعد أن خلصنى الله منهم ؟ فقال : إن الله عاجل لك ولإخوانك فرجاً ، فلم يجد بداً من إتباعه فرجع مع صاحبيه . ولما قرب ذا الحليفة عدا على احدهما فقتله وهرب من الآخر فرجع إلى المدينة وقال : يا رسول الله وفت ذمتك أما أنا فنجوت ، فقال له أذهب حيث شئت ولا تقم بالمدينة فذهب إلى محل بطريق الشام تمر به تجارة قريش فأقام به واجتمع معه جمع ممن كانوا مسلمين بمكة ونجوا ، وسار إليه أبو جندل بن سهيل واجتمع إليه جمع من الأعراب وقطعوا الطريق على تجارة قريش حتى قطعوا عنهم الأمداد فأرسل رجال قريش لرسول الله يستغيثون به فى إبطال هذا الشرط ويعطونه الحق فى إمساك من جاءه مسلما فقيل منهم وأزاح الله عن المسلمين هذه الغمة التى لم يتمكنوا من تحملها فى الحديبية حينما أمرهم عليه السلام برد أبى جندل ، وعلموا أن رأى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأحسن من رأيهم .
نتائج صلح الحديبية :
1- اعترفت قريش فى هذه المعاهدة بكيان المسلمين ، فالمعاهدة دائماً – تكون بين ندين ، ولم يعد محمد (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه ثائرين ، وإنما أصبحوا هيئة لها وجود حقوق .
2- أعطت هذه الهدنة فرصة لنشر الدعوة والتفرغ لتعريف الناس بها ، وعندما مشت الدعوة مرتبطة باستسلام قريش دخلها الناس وحداناً وجماعات ، حتى قال المؤرخون إن من دخلوا الإسلام من تاريخ المعاهد إلى فتح مكة أى فى أقل من سنتين أكثر ممن دخلوا الإسلام فى جميع السنين التى سبقت ذلك الصلح ، وقد عبر القرآن الكريم عن ذلك الصلح بكلمة " الفتح " فى قوله تعالى : )إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً( [سورة الفتح : 1 – 3] .
وقد نزلت هذه الآيات عقب صلح الحديبية ، ويقول المفسرون وإن المقصود بالفتح هو الانتصارات التى تلت هذا الصلح وجعلت خلقاً عظيماً يدخلون الإسلام .
وقد طمأنت هذه السورة جماعة المسلمين ووعدتهم بتحقيق ما رآه الرسول (صلى الله عليه وسلم) فى رؤياه ، قال تعالى : )لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً( [سورة الفتح ك 27] .
3- وفى فترات النضال بين قريش وبين المسلمين لم يدع النضال للناس وقتاً للتفكير ، ولذلك نرى أنه عندما تمت الهدنة ، وعندما أخذ الإسلام فى أثناء هذه الهدنة ينتصر وينتشر ، بدأ كثيرون من أبطال قريش يفكرون فى الإسلام ومبادئه ، فأسرعوا إلى المدينة معلنين إسلامهم ، ومن هؤلاء خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة ، وقد كان ذلك نذير باستسلام مكة .
4- أعطت هذه المعاهدة للمسلمين فرصة ليفرغوا لليهود وليتخلصوا منهم بعد أن فرقت هذه المعاهدة بين قريش وبين اليهود ، ولذلك غزا الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعدها خير (سنة 7هـ) وانتصر ، وبقول بعض المفسرين إن المقصود بالفتح فى الآية السابقة هو فتح خيبر وفدك.
5- أن دخول المسلمين مكة لعمرة فى العام القادم بعد خروج قريش منها إنما هو مزيد من الانتصار لا يعدله أن يدخلوا مكة والحذر بملأ قلوبهم ، لقد دخلوا مكة آمنين ، وانطلقت جموعهم تهتف بقوة الإيمان : لا إله إلا الله وحده ، نصر عبده ، وأعز جنده ، وهزم الأحزاب وحده ، وقد رأت قريش من شعاب الجبال حول مكة جموع المسلمين ، وسمعت أصواتهم التى تحمل التكبير والإيمان ، فاهتزت قريش لما رأت ، ووصل هتاف المؤمنين إلى قلوب الكثيرين .
مكاتبة الملوك والأمراء :
بعد رجوع المسلمين من الحديبية فى أواخر سنة ست وأمن الطريق من قريش كاتب عليه السلام ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام ، واتخذ إذ ذاك خاتماً من فضى يختم به خطاباته وكان نقشه (محمد رسول الله) ، فوجه دحية الكلبى بكات إلى قيصر ملك الروم . وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليوصله إلى الملك .
كتاب قيصر :
وكان الكتاب (بسم الله الرحمن الرحيم) من محمد بن عبد الله لى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى أما بعد فإنى أدعوك بدعاية الإسلام ، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإنما عليك إثم الإريسيين ، )قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ( [آل عمران : 64] .
وأرسل (صلى الله عليه وسلم) الحارث بن عمير الأذرى بكتب إلى أمير بصرى فلما بلغ مؤتة ، وهى قرية من عمل البلقاء بالشام ؛ تعرض له شرحبيل بن عمرو الغسانى فقال له أين تريد ؟ قال الشام ، قال لعلك من رسل محمد ؟ قال : نعم فأمر به فضربت عنقه . ولم يقتل لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) رسول غيره وقد وجد لذلك وجداً شديداً .
كتاب المقوقس :
ووجه عليه السلام حاطب بن أبى للتعة إلى المقوقس أمير مصر من جهة قيصر ، وكان فيه (بسم الله الرحمن الرحيم . من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط . سلام على ما اتبع الهدى . أما بعد فإنى أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت فإنما عليك إثم القبط ، )قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ( الآية ، فأوصله له حاطب بالإسكندرية فلما قرأه قال : ما منعه إن كل نبياً أن يدعو على من خالفه وأخرجه من بلده ؟ فقال حاطب ألست تشهد أن عيسى بن مريم رسول الله فما له حيث أخذ قومه فأرادوا أن يقتلوه ألا يكون دعا عليهم أن يهلكم الله حتى رفعه الله إليه ؟ قال أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم . ثم قال إنى قد نظرت فى أمر هذا النبى أنه لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى عن مرغوب فيه ، ولم أجد بالساحر الضال ولا الكاهن الكذاب ، ووجدت معه آلة النبوة : إخراج الغائب المستور ، والإخبار بالنجوى ، وسأنظر . ثم كتب رد الجواب يقول فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط ، سلام عليك . أما بعد فقد فقرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه أكرمت رسولك وبعثت لك بتجاريتين لهما مكان عظيم فى القبط وبثياب ، وأهديت إليك بغلة تركبها . والسلام) . وإحدى الجاريتين مارية التى تسرى بها عليه الصلاة والسلام وجاء منها بولده إبراهيم والأخرى أعطاها لحان ابن ثابت . ولم يسلم المقوقس .
كتاب النجاشى :
ووجه عليه السلام عمرو بن أمية الضمرى بكتاب إلى النجاشى ملك الحبشة وفيه : (بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى النجاشى عظيم الحبشة سلام ، أما فإنى أحمد الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى ونفخه كما خلق آدم بيده . وإنى أدعوك إلى لله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وأن تتبعنى وتوقن بالذى جاءنى فإنى رسول الله وإنى أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل . وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصيحتى والسلام على من اتبع الهدى) ولما وصله الكتاب احترمه غاية الاحترام .
كتاب كسرى :
ووجه عليه السلام عبد الله بن حذافة السهمى بكتاب إلى كسرى ملك الفرس وفيه (بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم الفرس سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، أدعوك بدعاية الله فإنى أنا رسول الله إلى النا كافة لا نذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين أسلم تسلم فإن أبيت فإنما عليك إثم المجوس) فلما وصل الكتاب مزقه استكباراً ، ولما بلغه عليه السلام ذلك قال : " مزق الله ملكه كل ممزق" . وقد فعل ، فكانت مملكته أقرب الممالك سقوطاً وقد بدأ هذا الشقى بالعدوان فأرسل لعامله على اليمن أن يوجه إلى الرسول من يأتى به إليه فعاجله الله بقيام ابنه شيرويه عليه وقتله ثم أرسل لعامله باليمن عما أمره به أبوه.
غزوة خيبر (7هـ) :
خشى الرسول (صلى الله عليه وسلم) من التجمعات اليهودية التى كانت تقيم فى خيبر وفدك وتيماء وكانت خيبر على بعد ستة وتسعين ميلاً شمال المدينة وهى واحة كبيرة حصينة بها نخل كثير ومزارع واسعة وحصون عالية عندها ثمانية ، فيها نحو عشرة آلاف مقاتل ، وكانوا فى عهد مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولكنهم نقوا عهدهم بالتحلف مع أعدائه من قريش ، ومع غطفان وقائدهم عيينة بن حصن ، فكانوا شوكة فى ظهر المسلمين ، وتحين إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) للقضاء على خطرهم عند أول فرصة تمكنه .
لما رجع النبى من الحديبية فى ذى الحجة ومكث المحرم إلا بعضه ، خرج فيه إلى خيبر وحاصرها ، وكان أول حصن وقع فى أيدى المؤمنين ، حصن ناعم وكان خط الداع الأول لليهود لمكانه الاستراتيجى ، خرج على ابن أبى طالب (صلى الله عليه وسلم) بالمسلمين إلى هذا الحصن ، ودعا اليهود إلى الإسلام فرفضوا هذه الدعوة ، وبرزوا إلى المسلمين ومعم ملكهم مرحب ، فقتله لى ابن أبى طالب .
ودار القتال المرير حول حصن ناعم ، قتل فيه عدة من اليهود ، وانهارت لأجله مقاومة اليهود ، وعجزوا عن صد هجوم المسلمين ، إلا أن اليهود يئسوا من مقاومة المسلمين ، فتسللوا من هذا الحصن إلى حصن الصعب ، واقتحم المسلمون حصن ناعم .
فتح قلعة الزبير :
وبعد فتح حصن ناعم والصعب تحو اليهود من كل حصون النطاة إلى قلعة الزبير ، وهو حصن منيع لا تقدر عليه الخيل والرجال لصعوبته وامتناعه ، ففرض عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الحصار ، وأقام محاصراً ثلاثة أيام . فجاء رجل من اليهود ؟، وقال : يا ابا القاسم إنك لو أقمت شهراً ما بالوا ، إن لهم شراباً وعيوناً تحت الأرض ، يخرجون بالليل ويشربون منها ، ثم يرجعون إلى قلعتهم فيمتنعون منك ، فإن قطعت مشربهم عليهم أصحروا لك فقطع ماءهم عليهم ، فخرجوا فقاتلوا أشد القتال ، قتل فيه نفر من المسلمين ، وأصيب نحو العشرة من اليهود ، وافتتحه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . وقاتل أهلها حصناً حصناً فاستولى عليها عنوة إلا حسنين فتحا صلحاً وهما الوطيح والسلالم فى الكتيبة وأبارح النبى (صلى الله عليه وسلم) الطعام للمجاهدين دون أن ينقلوا منه خارج خيبر وأن يعلفوا دوابهم .
ووجد أسلحة كثيرة بالحصون ومنجنيقاً دلهم عليها أد اليهود على يؤمنوه وزوجه فأمنه النبى (صلى الله عليه وسلم) ونصب المسلمون المنجنيق لضرب الحصون لكنهم لم يستعملوه لعدم جاجتهم إلى ذلك . وصالح أهل الحصنين على دمائهم وألهم دون أموالهم ، ومن كتم شيئاً من المال فوجده أباح دمه فقتل بعض أبناء سلام بن الحقيق وغيره لما كتموه الجواهر التى أعدها ابن أبى الحقيق لرفع الأرض وخفضها وكان يعيره قريشاً فى أعراسهم ، وكشفه يوم الجلاء فى جلد بعير ، فوجدوه المسلمون فأمر بقتل من سألهم ممن كان عندهم فكتموه ، وسبى المسلمون كثيراً واصطفى النبى (صلى الله عليه وسلم) صفية بنت حيى فجعلها عند أنس بن مالك زوج أبى طلحة لتصلحها له وتزوجها بعد إسلامها وعتقها وكان عتقها مهرها .
ونزل جيش النبى (صلى الله عليه وسلم) بمكان أشار الحباب بن المنذر بالبعد عن أهل الحصن لخطرهم فإنه أعرف بهم فعقل النبى (صلى الله عليه وسلم) رأيه ونزل حيث أشار وقال اليهود : نحن اعلم بشئون الزروع والسقى منكم فأقرنا نعمرها لكم على الشطر فأقرهم على أن له أن يخرجه متى شاء ، ونزل بكان يمنع مدد غطفان إليهم فلم يعيونهم .
وكان اليهود وعدوهم بنصف ثمر خيبر إن نصروهم ، وقد خرج النبى (صلى الله عليه وسلم) بأهل الحديبية وأراد ناس كثير أن يتبعوه رجاء الغنيمة فأمر بالنداء ألا يتبعنا إلا من قصد الجهاد لا الغنيمة.
قسمت الغنائم على المسلمين كما تقسم فى سائر الغنائم ، ولم يقسم الحصنان المفتوحان صلحاً لأن أمرهما لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) لعدم فتحهما عنوة فكانا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ينفق منهما فى مصالح المسلمين ، وطلب اليهود كتبهم التى وجدها بالحصون فردها عليهم .
وأرسل أهل فدك لطلب الصلح فأجابم إلى ما أجاب إليه أهل خيبر فكانت فدك يعول منها النبى (صلى الله عليه وسلم) من احتاج من بنى هاشم وما يفيض فهو فى حاجة المسلمين وخرج إلى وادى القرى فقاتلوه فقاتلهم وفتح أرضهم عنوة وهم ناحية الشام وعاملهم معاملة خيبر فى السمى والمزارعة والمساقاة .
وطلب أهل تيماء المصالحة فصالحهم أيضاً على الجزية كأهل خيبر ، وكل ذلك فى السنة السابعة .
الشاة المسمومة :
بعد فتح خيبر أهدت زينب بنت الحارث – امرأة سلام بن مشكم – إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) شاة مصلية ، وقد سألت أى عضو أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟ فقيل لها : الذراع ، فأكثرت فيها من السم ، ثم سمت سائر الشاة ، ثم جاءت بها ، فلما وعتها بين يدى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تناول الذراع ، فلاك منها مضغ ، فلم يسغها ، ولفظها ، ثم قال : إن هذا العظم ليخبرنى أنه مسموم . ثم دعا بها فاعترفت ، فقال : ما حملك على ذلك ؟ قالت : قلت : إن كان ملكاً استرحت منه ، وإن كان نبياً فسيخبر ، فتجاوز عنها .
وكان معه بشر بن البراء بن معرور ، أخذ منها أكلة ، فأساغها ، فمات منها .
واختلفت الروايات فى التجاوز عن المرأة وقتلها ، وجمعوا بأنه تجاوز عنها أولاً ، فلما مات بشر قتلها قصاصاً .
عمرة القضاء :
لما عاد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من خيبر أقام بالمدينة ولما هل ذو القعدة أمر أصحابه أن يعتمروا قضاء عمرتهم ، وأن لا يختلف منهم أحد شهد الحديبية فخرجوا وخرج معه آخرون وساق معه آخرون وساق معه سبعين بدنة .
ولم يكد المؤمنون يقتربون من مكة حتى غادرها أشرافها ، وقد نال الغضب منهم منالاً ، لما رأوا من رجوع المهاجرين بالنصر المبين ، فراحوا يخفون سخطهم الذى لا جدوى منه فى مخيماتهم بالأدوية المجاورة ، أما سواد أهل ممكة ، الذين كانوا ، ككل الجماعات الشعبية ، مدفوعين بغريزة الفضول ، فقد احتشدت فئة منهم بجبل قينقاع ، وتجمعت فئة أخرى فوق سطح دار الندوة التى تشرف على الكعبة .
وكان يسود كل أحاديثهم الأمل فى أن يكون النبى (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه قد أوهنتهم حمى يثرب وأنهكهم صيفها الحار ، فيأتون مكة فى حالة من الضعف شديدة ، ولكن الله أطلع رسوله على أمرهم فقال لأصحابه : " رحم الله أمراً أراهم من نفسه قوة " .
فتقدم معتلياً القصواء مسلماً خطامها لعبد الله بن رواحة ، ومن حوله موكب الصحابة ؛ فاخترق فى جلال ضواحى مكة تحت بصر الأعداء .
فلما بلغ الموكب الكعبة نزل الرسول (صلى الله عليه وسلم) والتف بردائه ، ورفع أحد أطرافه كاشفاً كتفه وذراعه اليمنى ، ثم أقبل ، والمؤمنون يتبعونه ، على الحجر الأسود ، فقبله وقضى الطواف ، فهرول ثلاثاً ليرى المشركين أن له ولأصحابه قوة ، فهزَّ هؤلاء رءوسهم وقالواو : " أهؤلاء الذين زعمتهم أن الحمى قد أوهنتهم ! " واعترفوا فى أنفسهم أن مثل هؤلاء الرجال الذين تفوق صحة أخلاقهم صحة أبدانهم ، ليس لهم إلا الفوز المبين . وقضى الرسول ما تبقى من الأشواط السبعة بتؤدة وجلال رفقاً بالمؤمنين أن ينالهم التعب ، ومنذ ذلك اليوم والحجاج يؤدون الطواف دائما على مثل ذلك . ولما فرغ من الطواف سعى بين الصفا والمروة .
وأقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمكة ثلاثاً ، فلما أصبح من اليوم الرابع أتوا علياً ، فقالوا : قل لصاحبك : اخرج عنا ، فقد مضى الأجل ، فخرج النبى (صلى الله عليه وسلم) ، ونزل بسرف فأقام بها .
ولما أراد الخروج من مكة تبعتهم ابنة حمزة ، تنادى يا عم يا عم ، فتناولها على ّ ، واختصم فيها علىّ وجعفر وزيد ، فقضى النبى (صلى الله عليه وسلم) لجعفر ، لأن خالتها كانت تحته .
وفى هذه لعمرة تزوج النبى (صلى الله عليه وسلم) بميمونة بنت الحارث العامرية ، وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قبل الدخول فى مكة بعث جعفر بن أبى طالب بين يديه إلى ميمونة ، فجعلت أمرها إلى العباس ، وكانت أختها أم الفضل تحته ، فزوجها إيها ، فلما خرج من مكة خلف أبا رافع ليحمل ميمونة إليه حين يمشى ، فبنى بها بسرف .
غزوة مؤتة :
ويرجع السبب فيها أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان قد أرسل الحارث بن عمير الأزدى بكتابه إلى عظيم بصرى فاعترضه شرحبيل بن مرو الغسانى أحد أمراء الغساسنة وقتله فوجه النبى (صلى الله عليه وسلم) جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة مولاه زيد بن حارثة وأوصى فى حال موته أن يخلفه جعفر بن أبى طالب وإذا قتل فيتولى عبد الله بن رواحى بدلاً منه فإن أصيب بسوء فليتولى أمر المسلمين من يتفقون عليه .
فساروا وشيعهم (صلى الله عليه وسلم) وكان فيما وصاهم به : اغزوا باسم الله فقاتلوا عدوا الله وعدوكم بالشام ، وستجدون فيها رجالاً فى الصوامع معتزلين فلالا تتعرضوا لهم ولا تقتلوا امرأة ولا صغيراً ولا ولا بصيراً فانياً ولا تقطعوا سجراً ولا تهدموا بناء . ولم يزلوا سائرين حتى وصلوا مؤتة مقتل الحارث بن عمير ، وهناك وجدوا الروم قد جمعوا لهم جمعاً عظيماً ومن العرب المنتصرة فتفاوض رجال الجيش فيما يفعلونه : أيرسلون لرسول الله يطلبون منه مدداً أم يقدمون على الحرب ؟ فقال عبد الله بن رواحة : يا قوم والله إن الذى تكرهون هو ما خرجتم له – خرجتم تطلبون الشهادة ونحن ما نقاتل بقوة ولا كثرة ، ما نقاتل إلا بهذا الدين أكرمنا الله به فإنما هى إحدى الحسنيين إما الظهور وإما الشهادة ، فقال الناس صدق والله ابن رواحة ، ومضوا للقتال فلقوا هذه الجموع المتكاثرة فقاتل زيد بن حارثة رضى الله عنه حتى استشهد ، فأخذ الراية جعفر بن أبى طالب وهو يقول :
يـا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد نا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
على إذ لا قيتها ضرابها
وسار على رأس المسلمين كما أمره النبى (صلى الله عليه وسلم) .
وكان جعفر يمتطى صهوة جواد أشقر ، ولكنه حينما رأى خطورة الحال نزل على مطيته وعقرها خشية أن تقع بموته فى أيدى المشركين فينتفعوا بها ويقاتلوا عليها المسلمين .
ورفع جعفر الراية الإلامية ، فوق رءوس المؤمنين الذين كروا متحمسين فى آثاره . لكن سرعان ما هوى اللواء ، إذ قطعت اليد التى كانت تحملع بضربة سيف .
ولم يبال جعفر بألامه ، بل رفع اللواء ثانية بيده اليسرى ، فما لبثت إلا قليلاً حتى قدت بضربة أخرى . عندئذ مال جعفر إلى الأرض ، وقبض على الراية بذراعيه الداميتين ، واحتضتنها حتى لا تقع .
ولم يزل يقاتل حتى استشهد رضى الله عنه ، فأخذ الراية عبد الله بن رواحة فتقدم ثم تردد بعض التردد فقال يخاطب نفسه :
أقسمـت يـا نفتس لتنزلنه طــائعة أو لتكـــرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنة ما لى أراك تكرهين الجنة !
قد طــالما كـانت مطمئنة هل أنت إلا نطفة فى شنه ؟
ثم اقتحم بفرسه المعمعة ولم يزل يقاتل رضى الله عغنه حتى استشهد فهمَّ بعض المسلمين بالرجوع إلى الوراء فقال لهم عقبة بن عامر يا قوم : يقتل الإنسان مقبلاً خير من أن يقتل مدبراً فتراجعوا واتفقواا على تأمير خالد ابن الوليد ، وبهمته ومهارته الحربية حمى هذا الجيش من الضياع ، إذ ما تفعل ثلاثة آلاف بمائة وخمسين ألفاً ظ فإنه لما أخذ الراية قاتل يومه قتالاً شديداً ، وفى غده خالف ترتيب العسكر فجعل الساقة مقدمة والمقدمة ساقة والميمنة مسرة والميسرة ميمنة ، فظن الروم أن المدد جاء للمسلمين فرعبوا . ثم أخذ خالد الجيش وصار يرجع الوراء حتى انحاز إلى مؤتة ثم مكث يناوش الأعداء سبعة أيام ثم تحاجز الفريقان لأن الكفار ظنوا أن الأمداد تتوالى للمسلمين وخافوا أنيجروهم إلى وسط الصحارى حيث لا يمكنهم التخلص ، وبذلك انقطع القتال . وقد نى النبى (صلى الله عليه وسلم) زيداً وجعفراً وابن رواحة للناس قبل أن يأتبهم خبرهم فقال : أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها ابن رواحة فأصيب ، وكانت عينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تذرفان ، ثم قال : حتى أخذ الراية سيف من سيوف الله . حتى فتح الله عليهم وجاءه رجل وقال يا رسول الله إن نساء جعفر يبكين ، فأمره أن ينهاهن فذهب الرجل ثم أتى فقال : قد نهيتهن فلم يطعن . فأمره فذهب ثانياً ، ثم جاء فقال والله قد غلبتنا ، فقال (صلى الله عليه وسلم) : أحث فى أفواههن التراب ، ولما أقبل الجيش إلى المدينة قابلهم المسلمون يقولون لهم يا فرار ، فقال (صلى الله عليه وسلم) بل هم الكرار ! ظن المقيمون بالمدينة أن انحياز خالد بالجيش هزيمة ، ولكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أراهم أن ذلك من مكايد الحرب وأثنى على خالد فى مهارته .
ساحة النقاش