الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

 ولما سمعت ما نزل فيها وفى زوجها من القرآن أتت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو جالس فى المسجد عند الكعبة ، ومعه أبو بكر الصديق ، وفى يدها فهر (أى بمقدار ملء الكف) من حجارة ، فلما وقفت عليهما أخذ الله يبصرها عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، فلم ترى إلا أبا بكر ، فقالت : يا أبا بكر ! أين صاحبك ؟ قد بلغنى أنه يهجونى ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه ، أما والله إنى لشاعرة ، ثم قالت :

مذمماً عصينا * وآمره أبينا * ودينه قلينا

ثم انصرفت ، فقال أبو بكر : يا رسول الله أما تراها رأتك ؟ فقال : ما رأتنى ، لقد أخذ الله بصرها عنى .

وكانت كثيراً ما تسب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتتكلم فيه بالنمائم وخصوصاً بعد أن نزل فيها وفى زوجها سورة أبى لهب . (ومن المستهزئين) عقبة بن أبى معيط كان الجار الثانى لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكان يعمل معه كأبى لهب .

وكما أوذى الرسول (صلى الله عليه وسلم) أوذى أصحابه لإتباعهم له خصوصاً من ليس له عشيرة تحميه وترد كيد عدوه عنه ، فلم يفتنوا عن دينهم بل ثبتهم الله . ومن الذين أوذوا فى الله بلال بن رباح كان مملوكاً لأمية بن خلف الجمحى القرشى فكان يجعل فى عنقه حبلاً أو يدفعه إلى الصبيان يلعبون به وهو يقول : أحد ، أحد لم يشغله ما هو فيه عن توحيد الله . وكان أمية يخرج به فى وقت الظهيرة فى الرمضاء – وهى الرمل الشديد الحرارة الذى لو وضعت عليه قطعة لحم لنضجت – ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ثم يقول لاه لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى فيقول : أحد ، أحد . مرَّ به أبو بكر يوماً فقال يا أمية أما تتقى الله فى هذا المسكين حتى متى تعذبه ؟ قال أنت أفسدته فأنقذه مما ترى . فاشتراه منه وأعتقه فنزل الله فيه وفى أمية فى سورة الليل : )فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لاَ يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى( أمية بن خلف )الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى( الصديق )الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى( بما يعطيه الله فى الآخرة جزاء أعماله . وقد نبه الله جل ذكره على أن بذل الصديق ماله فى شراء بلال وعتقه لم يكن إلا ابتغاء وجه ربه وكفى شرفاً وفضلاً (t) . وقد أعتق غير بلال جماعة من الأرقاء أسلموا فعابهم مواليهم (ومنهم) حمامة أم بلال وعامر بن فهيرة كان يعذب حتى لا يدرى ما يقول ، وأبو فكيهة كان عبداً لصفوان بن أمية بن خلف (ومنهم) امرأة تسمى زنيرة عذبت فى الله حتى عميت فلم يزدها ذلك إلا إيماناً .

) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلّ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلآخِرَةَ وَالأُولَى فَأَنذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لاَ يَصْلاهَا إِلاَّ الأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى( [الليل :5 - 12] .

(وممن) عذب فى الله عمار بن ياسر وأبوه وأمه ، كانوا يعذبون بالنار فمر بهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال صبراً آل ياسر فموعدكم الجنة ، اللهم اغفر لآل ياسر ، أما أبو عمار وأمه فماتا تحت العذاب رحمهما الله . وأما هو فثقل عليه العذاب فقال بلسانه كلمة الكفر ، فإن أبا جهل كان يجعل له دروعاً من الحديد فى اليوم الصائف ويلبسه إياها ، فقال المسلمون : كفر عمار فقال (صلى الله عليه وسلم) : عمار ملئ إيماناً من فوقه إلى قدمه ، وأنزل الله فى شأنه استثناء فى حكم المرتد فقال جلَّ ذكره فى سورة النحل : )مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ( [النحل : 106] .

(وممن أذوى فى الله) خباب بن الأرت سبى فى الجاهلية فاشترته أم أنمار وكانا حداداً وكان النبى (صلى الله عليه وسلم) يألفه قبل النبوة فلما شرفه الله بها أسلم خباب فكانت مولاته تعذبه بالنار فتأتى بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره ليكفر فلا يزيده إلا إيماناً .

إسلام حمزة :

كان عدد المسلمين آخذاً فى النمو على مر الأيام ، وكان لإسلام بعض ذوى المكانة العالية من أشراف قريش ، أثره فى اشتداد ساعد الفئة القليلة . وكان من أبرز هؤلاء حمزة ، عم النبى وأخوه فى الرضاعة . كان رجلاً شديد المراس ، صاحب صيد ، وكان القوم يحترمونه ويبجلونه ، لأخلاقه العالية ؛ وكان أعز فتى فى قريش ، وأشدهم شكيمة ، وكان يحب النبى (صلى الله عليه وسلم) ، وينظر إليه نظرة إكبار ، وقد م إسلامه على الوجه الآتى :

مر أبو جهل يوماً برسول الله ، فآذاه وشتمه ، وعاب دينه ، فأعرض النبى عنه وانصرف ، ولكن مولاه لحمزة شهدت ما حدث ، فأفزعها ما رأت من قسوة أبى جهل ، وكان حمزة فى قنص له ، فلما عاد منه ، قصت مولاته عليه ما جرى ، وكان حمزة يحب أبن أخيه ويعظمه ، فلما عرف ما ناله من الإهانة والأذى ، هاجت هائجته ، وشعر بأنه الخزى والمهانة التى لا تنمحى . فتوجه إلى ذلك الشقى ، حتى إذا بلغه رفع القوس فضربه بها فشجه شجة منكرة . وغاضبه وسبه وقال كيف تسب محمداً وأنا على دينه ؟ ثار أنار الله بصيرته بنور اليقين حتى صار من أحسن الناس إسلاماً وأشدهم غيرة على المسلمين وأقواهم شكيمة على أعداء الدذين حتى سمى أسد الله .

سفارة عتبة بن ربيعة :

ضاقت قريش ذرعاً بمحمد وأصحابه إذ رأتهم يزدادون كل يوم قوة ، ثم لا يثنيهم الأذى ولا يصرفهم العذاب عن إيمانهم والجهر به ، وعن صلواتهم وأداء فرضها ؛ فخُيِّل إليهم أن يتخلصوا من محمد بما توهموا من إرضاء مطامعه ، فاعتقدوا أنهم قد ينجوا عن طريق الإغراء المباشر . وعلى هذا تألف وفد لمفاوضة النبى . فقصدوا داره ، وعرضوا عليه أمل الأمانى ، وأكثرها إغراء . وكان الوفد بزعامة عتبة بن ربيعة وكان من سادات العرب وكلم عتبة محمداً فقال : " يا ابن أخى " إنك منّا حيث قد علمت من المكان فى النسب . وقد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعاتهم . فاسمع منى أعرض عليك أموراً لعلك تقبل بعضها .. إن كنت إنما تريد بهذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً . وإن كنت تريد تشريفاً سودناك علينا ، فلا نقطع أمراً دونك . وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا . وإن كان هذا يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ " . فلما فرغ من قوله تلا النبى (صلى الله عليه وسلم) سورة فصلت : )حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِياًّ لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ( [فصلت : 1 – 5] . وعتبة منصت يستمع إلى أحسن القول ، ويرى أمامه رجلاً لا مطمع له فى مال ولا تشريف ولا فى مُلك وى هو بالمريض ، وإنما يُدلى بالحق ، ويدعو إل الخير ، ويدفع بالتى هى أحسن ، مع الإعجاز فى العبارة . فلما انتهى النبى (صلى الله عليه وسلم) انصرف عتبة إلى قريش مأخوذاً بجمال ما رأى وسمع ، مأخوذاً بعظمة هذا الرجل وسحر بيانه ، ولم يرق قريشاً أمر عتبة ولا راقها رأيه أن تترك للعرب محمداً ، فإن تغلبت عليه استراحت قريش ، وإن اتبعته فلها فخاره ، فعادت تناوئ النبى وتناؤى أصحابه وتصيبهم من البلاء مما كان هو فى منجاة منه بمكانته من قومه ومنعته بأبى طالب بنى هاشم وبنى المطلب .

وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إذا جلس فى المسجد ، فجلس إليه المستضعفون من أصحابه : خباب ، وعمار ، وصهيب الرومى ، وبلال الحبشى ، وأبو فكهية يسار مولى صفوان بن أمية ، وسلمان الفارسى ، استهزأ بهم المشركون ، وقال بعضهم لبعض : هؤلاء أصحابه كما ترون ! أهؤلاء الذين من الله عليهم من بيننا بالهدى والحق ؟! ولو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقنا هؤلاء إليه ، وما خصهم الله به دوننا .

وقد رد الله عليهم مبيناً فضلهم ومنزلتهم فقال سبحانه : )وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ( [الأنعام : 53] .

)وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ( [الأحقاف : 11] .

ثم سعى رؤساء المشركين إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن ينحى هؤلاء الضعفاء عن مجلسه ؛ كى يجلسوا إليه ، فقال سبحانه : )وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مَنَ الظَّالِمِينَ( [الأنعام : 52] .

وأتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عبد الله بن مكتوم وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) منهمكاً فى إقناع بعض أشراف مكة : عتبة ، وشيبة أبناء ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، والعباس بن عبد المطلب وأمية بن خلف ، والوليد بن المغيرة ، فإذا بابن أم مكتوم ، ذلك المسكين الأعمى ، قد أتى يطلب ، فى تواضع ، بعض العلم الذى أنزله الله على رسوله . وكان الرسول منهمكاً مع هؤلاء الأشراف رجاء أن يسلم بإسلامهم كثيرون ، فقال : يا رسول الله أقرئنى ، وعلمنى مما علمك الله ، وكرر ذلك ، وهو لا يعلم تشاغله بالقوم ، فكره رسول الله قطعه لكلامه ، فلما أكثر عليه انصرف عنه عابساً وتركه ، فأنزل الله تعالى : ) عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جَاءَهُ الأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرَامٍ بَرَرَةٍ( [عبس : 1-16] .

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 83 مشاهدة
نشرت فى 26 أكتوبر 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,660,418