الإيمان والخروج عن دائرته
في
ضوء القرآن والسنة
{ 1 }
بسم الله الرحمن الرحيم
هدف البحث :
إن المسلم الذين يدين لله بالوحدانية ، ويعترف برسالة سيدنا محمد r ، ويعلن عن ذلك بقوله : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .
هذا المسلم ما موقف الإسلام منه ؟ هل يعتبره مؤمناً لا يتزلزل الإيمان في قلبه ، مهما عمل من سيئات وارتكب من آثام ؟
وهل يكون الإيمان بهذه الصورة كاملاً ؟
وهل ينفعه هذا الإيمان في الآخرة ؟
إن البحث محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات وأمثالها .
******
ونبدأ بيان معنى الإيمان في اللغة ، ومعناه في المذاهب الكلامية .
{ 2 }
معنى الإيمـان :
يقول أستاذنا الدكتور محمد عبد الله دراز في بيان معنى الإيمان من الناحية اللغوية :
( لفظ الإيمان يستعمل متعدياً بنفسه كقولك : آمنت فلاناً أي أعطيته الأمان ، ومنه قوله تعالى : ] وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [ ويستعمل لازماً يتعدى بالباء واللام ، فيكون معناه التصديق ومنه قوله تعالى : ] قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ [ ، وقوله تعالى : ] أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [ .
ومعنى الإيمان لازماً يرجع إلى معناه متعدياً ، لأن من صدَقّك فقد آمّنك من التكذيب والمخالفة من ناحية ، وأمِن هو عاقبة التكذيب والمخالفة من ناحية أخرى ) ( 1 ) .
وعلى هذا : فلفظ الإيمان له إطلاقان في اللغة :
الإطلاق الأول : إعطاء الأمان .
الإطلاق الثاني : التصديق ( 2 ) .
وإذا كان الإيمان في اللغة يأتي بمعنى التصديق ، فليس المراد بالتصديق : التصديق بما هو حق ، بل المراد مطلق التصديق بأي حق أو باطل .
وذلك لأن التصديق عند علماء اللغة معناه : الإذعان لحكم المخْبِر ، أي قبوله والاعتراف بصدقه .
ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما يصدق به حق أو باطل( 3 ) صِدْق أو كذب
{ 3 }
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا فقال سبحانه : ] وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [ وقال : ] وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [ .
فالآية الأولى تفيد : أن ما آمن به الكفرة أي ما صدّقوا به باطل .
والآية الثانية تفيد : أن يعقوب u لم يؤمن أي لم يصدق بما أخبره به أبناؤه
فالقرآن إذن عندما استعمل الإيمان في أحد إطلاقيه في اللغة وهو التصديق لم يرد به التصديق بما هو حق ، وإنما أراد مطلق التصديق ، أي بصرف النظر عن كون ما يؤمَن به حق أو باطل صدق أو كذب .
******
أما حقيقة الإيمان الشرعية فقد اختلفت فيها الأنظار وتعددت فيها الآراء ، وسوف نعرض هنا بعض وجهات النظر .
{ 4 }
مذهب الأشاعرة والماتريدية :
ذهب جمهور الأشاعرة والماتريدية إلى أن الإيمان في عرف الشرع : هو تصديق النبي r في كل ما علم مجيئه به من الدين بالضرورة ( 1 ) أي في كل ما اشتهر بين أهل الإسلام وصار العلم به يشبه العلم الحاصل بالضرورة ، الذي يعلمه كل أحد بلا حاجة إلى نظر واستدلال .
{ 5 }
ثم قالـوا :
والمراد من تصديق النبي r فيما ذكر : أن يقبله الإنسان ولا يرفضه ، وأن لا ينكر شيئاً منه عندما يسأل عنه .
فمفهوم الإيمان عند الأشاعرة والماتريدية هو التصديق ، ولكنه ليس التصديق اللغوي ، وإنما هو تصديق خاص .
*******
موقف هؤلاء من النطق بالشهادتين :
فالنطق بالشهادتين ليس داخلاً في حقيقة الإيمان ، وإنما هو شرط خارج عن الماهية ، ومعنى كونه شرطاً خارجاً عن الماهية : أنه شرط لإجراء أحكام المؤمنين على الناطق ، مثل النكاح والميراث والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين .
( وذلك لأن التصديق وإن كان إيماناً إلا أنه باطن خفي ، فلابد له من علامة ظاهرة تدل عليه ، لتناط به تلك الأحكام وأمثالها .
وعلى هذا : فمن صدّق ولم يقر بلسانه لا لعذر منعه ولا لإباء ، بل اتفق له ذلك فهو مؤمن عند الله غير مؤمن في أحكام الشرع الدنيوية .
أما المعذور إذا قامت قريبة على إسلامه بغير النطق كالإشارة ، فهو مؤمن فيهما ، حتى ولو أذعن بقلبه .
ومن أقر بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق ، فهو مؤمن في الأحكام الدنيوية ، غير مؤمن عند الله تعالى ، ويظل مؤمناً في الأحكام الدنيوية ، مادام لم يظهر منه فعل يدل على كفره ، كالسجود لصنم ، فإن ظهر منه ذلك أجريت عليه أحكام الكفر) ( 1 ) .
{ 6 }
وهذا النص يفيد : أن جمهور الأشاعرة والماتريدية وإن كانوا يعتبرون الإقرار من مفهوم الإيمان ، إلا أنهم اتفقوا جميعاً على تكفير المصدق الذي لم يقر ، عندما يطلب منه الإقرار ، فيرفضه إباء .
وفي ذلك يقول صاحب المسايرة ( 1 ) :
( واتفق القائلون بعدم اعتبار الإقرار على أن يُعتقد أن المصدّق متى طولب بالإقرار أتى به ، فإن طولب به فلم يقر فهو كافر ) .
مذهب الإمام أبي حنيفة ( 2 ) :
ذهب الإمام أبو حنيفة : إلى أن الإيمان في عرف الشرع هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان ، أي بالقلب .
ونتساءل : أين المصدّق به عند الإمام أبي حنيفة ؟ إن المصدق به عنده هو : النبي r في كل ما علم بالضرورة مجيئه به من عند الله ( 3 ) .
وإذا علمنا أن الإيمان عند أبي حنيفة إقرار وتصديق فهمنا أنه اسم لفعل القلب وفعل اللسان عنده .
علاقة الإقرار بالإيمان عند أبي حنيفة :
الإقرار جزء أو ركن من مفهوم الإيمان عند أبي حنيفة .
وعلى هذا : فمن صدق بفلبه ولم يقر بلسانه ولو مرة واحدة طول عمره مع قدرته على الإقرار وتمكنه منه ، لا يكون مؤمناً في الدنيا ولا في الآخرة أي لا تجري عليه أحكام المؤمنين ، ويستحق الخلود في النار .
{ 7 }
ويرى أبو حنيفة – كما رأى أصحاب المذهب الأول – أن الأخرس الذي لا يستطيع النطق يسقط عنه الإقرار ، ويكتفي منه بالإشارة التي تدل على إيمانه أو على تصديقه .
فالإقرار وإن كان ركناً عند أبي حنيفة ، إلا أنه ركن يحتمل السقوط أحياناً ، أما التصديق فإنه ركن لا يحتمل السقوط في حال من الأحوال .
******
ونتساءل : أي خلاف بين مذهب أبي حنيفة الذي يجعل الإقرار ركناً في حقيقة الإيمان ، ومذهب جمهور الأشاعرة الماتريدية الذي يجعل حقيقة الإيمان هو التصديق وحده ؟
والجواب : أن الخلاف إنما هو في المصدّق القادر على الإقرار الذي لم يقر لا على وجه الإباء .
فأصحاب المذهب الأول يقولون : إنه مؤمن عند الله أي تجري عليه أحكام المؤمنين في الآخرة .
وأبو حنيفة يقول : إنه ليس مؤمناً عند الله ، أي لا تجري عليه أحكام المؤمنين في الآخرة .
يقول صاحب شرح المقاصد :
( ثم الخلاف فيما إذا كان قادراً وترك التكلم لا على وجه الإباء ، إذ العاجز كالأخرس مؤمن وفاقاً ، والمصر على عدم الإقرار مع المطالبة به كافر وفاقاً ، لكون ذلك من أمارات عدم التصديق ) .
ويزيد صاحب شرح المقاصد الأمر وضوحاً فيبين أن العاجز والآبي لا خلاف في الحكم عليهما بين المذهبين ، فيقول بعد كلامه السابق عنهما :
{ 8 }
( هذا ما عليه كثير من المحققين وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى) ( 1 ) .
ويفهم ما سبق أن الذين لا يدخلون الإقرار في مفهوم الإيمان لا يستطيعون أن يستغنوا عنه كلية ، بل يجعلونه في بعض الحالات شرطاً .
مذهب الفقهاء والمحدثين :
ذهب الفقهاء والمحدثون إلى أن الإيمان : هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان والعمل بالأركان .. وكثيراً ما نقرأ في تعريف الإيمان عندهم : أنه قول وعمل ولا فرق بين التعبيرين .
فالمراد بالقول : النطق بالشهادتين .
والمراد بالعمل : ما هو أعم من عمل القلب والجوارح ، ليدخل الاعتقاد والعبادات ( 2 ) .
******
علاقة الإيمان بالإقرار في مذهب السلف :
الإقرار عند السلف جزء من مفهوم الإيمان .
وعلى هذا : فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر ، إلا إذا ظهر منه فعل يدل على كفر كالسجود لصنم .
ومن لم يقر فهو كافر تجري عليه أحكام الكفار في الدنيا والآخرة .
{ 9 }
مذهب المعتزلة والخوارج :
ذهب المعتزلة والخوارج إلى ما ذهب إليه السلف ، فالإقرار عندهم جزء من مفهوم الإيمان .
نتيجة مستخلصة :
من عرض المذاهب السابقة نفهم أن أصحابها يكادون يتفقون على أن التصديق والإقرار لابد منها في تحقيق الإيمان .
وأن من قال : إن الإقرار ليس جزءاً من مفهوم الإيمان ، وإنما هو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية ، لم يستطع أن يلغيه مطلقاً ، فذهب إلى تكفير من لم يقر ، إذا طولب بالإقرار فأبى .
*******
تساؤلات حول التصديق والإقرار :
هل المعرفة وحدها تحقق مفهوم الإيمان وتقوم مقام التصديق ؟
إن المعرفة وحدها بدون إذعان وقبول لا تحقق مفهوم الإيمان ، فكثير من الناس يعرف أن محمداً رسول الله ، وأن ما جاء به حق ، ولكنه لم يقبل ذلك ولم يرض به ، ولم يعلن عن قبوله ورضاه بالإقرار .
هؤلاء جميعاً كفار عند الله وعند الناس ، فالمعرفة ولو بلغت حد القطع والجزم بدون إذعان وقبول لا قيمة لها ، ولا يمكن أن تقوم مقام التصديق ، فالتصديق معناه الإذعان والقبول كما علمنا .
ولو كانت المعرفة تحقق مفهوم الإيمان وتقوم مقام التصديق ، لكان كثير من الكفرة مؤمنين : فأبو طالب مثلاً كان يعلم أن محمداً صادق ، وأن ما جاء به من عند الله حق ، بل كان يعتقد ذلك بقلبه اعتقاداً جازماً لا يتخلله شك ، ولكنه لم يقبله ولم يرض به ، ولم يعلق قبوله ورضاه بالإقرار بالشهادتين ، وقال في ذلك :
{ 10 }
ولقد علمت أن دين محمـد من خير أديان البرية دينـا
لولا الملامة أو حذار مسبّة أوجدتني سمحاً بذلك كريماً
فهل يقول أحد : إنه مؤمن ؟
وأهل الكتاب كانوا يعرفون النبي r ويعرفون أنه صادق ، وأن ما جاء به حق ، ولكنهم لم يذعنوا ولم ينقادوا فهل يقول أحد إنهم مؤمنون ؟
إن القرآن قال في حقهم : ] الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [ ( 1 )
ويبين القرآن أيضاً : أن المعرفة وحدها لا تكفي في الإيمان بأي رسول ، ففرعون كان يعلم أن الآيات التي جاء بها موسى u من عند الله حق ، وأنه صادق في ذلك ، وقد أفصح موسى عن هذا في دعوته له فقال ( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض ) .
ولا يمكن أن يكذب موسى في قوله ، فهو نبي والأنبياء لا يجوز عليهم الكذب ، ومع هذا فقد سجل القرآن كفره لا لعدم علمه ( 2 ) ، بل لعدم الإذعان الذي لم يخالط قلبه فقال : ] وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ . آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [ ( 3 ) .
وعلى هذا : فقول من قال : إن الإيمان هو المعرفة قول مرفوض : وقد ذهب الجهم بن صفوان إلى هذا فقال : الإيمان معرفة قلبية بالله ورسله وبجميع ما جاء من عند الله .
{ 11 }
فمن حصلت عنده المعرفة لا يكفر عند الله بالجحد باللسان ولا بالأفعال ، وإن كفر عند الناس لأن هذه المعرفة ، لا تزول بالجحد باللسان ولا بالأفعال .
وقد رفض هذا المذهب من قبل كل العلماء من السلف وأهل السنة ..
يقول الإمام ابن تيمية وهو يناقش مذهبهم : إن هؤلاء يظنون أن الإنسان يكون مؤمناً كامل الإيمان بقلبه وهو مع هذا يسب الله ورسوله ، ويعادي الله ورسوله ، ويعادي أولياء الله ، ويوالي أعداء الله ، ويقتل الأنبياء ، ويهدم المساجد ، ويهين المصاحف ، ويكرم الكفار غاية الكرامة ، ويهين المؤمنين غاية الإهانة ، فهذه كلها عندهم معاصي لا تنافي الإيمان الذي في قلبه ، بل يفعل هذا وهو في الباطن عند الله مؤمن ، وإن كان كافراً في الدنيا لا تجري عليه أحكام المؤمنين فيها ، لأن الحكم بالظاهر قد يخالف ما في الباطن .
ثم ساق ابن تيمية الآيات التي تبطل مذهبهم ، والتي تدل على أن المعرفة لا تكفي في الإيمان في الآخرة أو عند الله كما ادعوا .
*******
ونتساءل :
أي فريق بين المعرفة القلبية التي تحدثنا عنها والتي قال بها الجهمية ، وبين التصديق الذي قال به علماء السلف وأهل السنة ؟
والجواب :
أن المعرفة القلبية تساوي العلم والإدراك ، أو تساوي التصديق ( 1 ) المنطقي الذي هو إدراك النسبة بين شيئين .
أما التصديق الإيماني فيساوي الإذعان والقبول كما سبق أو يساوي التسليم بكل ما جاء به النبي r وعدم إنكار شيء منه ، أو التكذيب به .
{ 12 }
وإن شئت فقل إن التصديق الإيماني : ضد الإنكار والتكذيب ، والمعرفة والتصديق المنطقي : ضد الجهل والجهالة .
وعلى هذا : فالتصديق الإيماني لا يكون مع الإنكار والاستكبار والتكذيب ، والتصديق المنطقي يكون معهما ( 1 ) .
*******
ما معنى الشهادتين ؟
هل يشترط في الإقرار فهم معناهما ؟
إن الشهادة تطلق في اللغة على الحضور والمعاينة ، وتطلق أيضاً على ما يتلفظ به المرء للإخبار بما علم .
فقول المسلم : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله إخبار بما وقع في نفسه من التصديق بوجود الله سبحانه ، وأنه واحد لا إله سواه ، والتصديق بكل ما جاء به محمد r ، وأنه إنما يبلغ عن ربه ، لأنه رسول الله .
والنطق بالشهادتين يسمى شهادة سواء أكان المخبر صادقاً فيما أخبر به عن نفسه أم غير صادق ، فقد قال الرسول r في الحديث الصحيح : " ألا وشهادة الزور" فسمى عليه الصلاة والسلام الإخبار بما لا يطابق الحقيقة شهادة .
أما اشتراط فهم الناطق بالمعنى ، فليس في الشرع ما يدل على ذلك ، فلم يرد عن رسول الله r اشتراط الربط بين فهم معنى الشهادتين ، وبين قبول النطق أو الإقرار بهما .
فقد قبل الرسول r إسلام الناس الذين دخلوا في دين الله أفواجاً من العرب وغيرهم ، دون إجراء يفيد ضرورة التأكد من أن كل فرد منهم قد فهم من الشهادتين اللتين شهد بهما معلناً إسلامه معنى محدداً معيناً .
{ 13 }
بل ثبت لديه عليه الصلاة والسلام أن بعض العرب ما كانوا يعلمون كل المعاني التي تتعلق بالعبادة والألوهية .
فقد أخرج الترمذي عن عدي بن حاتم قال : أتيت النبي r وفي عنقي صليب من ذهب فقال : " يا ابن حاتم ألق هذا الوثن عن عنقك " فألقيته ، ثم افتتح سورة براءة حتى بلغ : ] اتخذوا أحباهم ورهبانهم أرباباً من دون الله [ فقلت : يا رسول الله ، ما كنا نعبدهم فقال : " كانوا يحلون لكم الحرام فتستحلونه ، ويحرمون عليكم الحلال فتحرمونه " فقلت : بلى ، قال : " فتلك عبادتهم " .
فهذا الحديث يوضح لنا : أن عدي بن حاتم غفل عن المعنى الحقيقي للعبادة ، فظن أن العبادة هي مجرد إقامة الشعائر والنسك ، فبين له الرسول r ما فاته .
وأورد الشاطبي في كتابه الاعتصام : أنه ورد في الصحيح عن أبي واقد الليثي t قال : " خرجنا مع رسول الله r قِبلَ خيبر ونحن حديثو عهد بكفر ، وللمشركين سدرة يعكفون حولها ، وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط ، فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال r : الله أكبر، كما قالت بنو إسرائيل اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، لتركبن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم .
قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : " فمن " ؟ ( 1 ) .
أفؤلاء الذين طلبوا من رسولهم أن يجعل لهم إلهاً من دون الله ، يصدق في حقهم أنهم حين شهدوا أن لا إله إلا الله ولا رب سواه ، قد أدركوا تماماً ما دعوا إليه
وعلى هذا : فجعل المسلم بكل معاني الألوهية والعبادة والشهادتين ، وغير ذلك من الأحكام الشرعية ، لا يضر إسلامه شيئاً ، ولا يمنع ذلك من الحكم بإسلامه وإذا كان الرسول r لم يلزم الداخلين في الإسلام بغير النطق بالشهادتين بصـرف
{ 14 }
النظر عن كونها مفهومة لديهم بكل أبعادها أو لا فإن الصحابة والتابعين أيضاً قد ساروا على هذا المنهج .
فقد فتح المسلمون على عهد الصحابة والتابعين بلاد الشام وفارس والعراق ومصر وشمال إفريقيا والأندلس وغيرها ، وكلها بلاد لم تكن تعرف العربية ، وكان إجماع الصحابة والتابعين – المنقول إلينا نقل الكافة عن الكافة – على قبول أهل تلك البلاد في الإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، دليلاً على عدم اشتراط أي شرط غير النطق بالشهادتين ( 1 ) .
ويقول ابن حزم في ذلك :
( ومن اعتقد الإيمان بقلبه ونطق بلسانه ، فقد وُفق ، سواء استدل أم لم يستدل فهو مؤمن عند الله وعند المسلمين .
قال الله تعالى : ] فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [ ، ولم يشترط عز وجل في ذلك استدلالاً .
ولم يزل رسول الله r منذ بعثه الله عز وجل إلى أن قبضه يقاتل حتى يقروا بالإسلام ويلتزموه ، ولم يكلفهم قد استدلالاً ، ولا سألهم هل استدلوا أم لا ؟ وعلى هذا جرى جميع الإسلام إلى اليوم ) .
*********
وننتقل بعد ذلك إلى بيان علاقة الإيمان بالعمل .
{ 15 }
علاقة الإيمان بالعمل في مذهب جمهور الأشاعرة والماتريدية :
ذهب جمهور الأشاعرة والماتريدية : إلى أن العمل ليس من مفهوم الإيمان وإنما هو شرط كمال له ، فمن ترك الأعمال أو بعضها من غير استحلال ولا عناد ولاشك فهو مؤمن فوّت على نفسه الكمال ، لأن مفهوم الإيمان هو التصديق فقط .
ودليلهـم :
1 – أن القرآن الكريم والسنة النبوية قد أضافا الإيمان إلى القلب ، والقلب لا يكون فيه إلا التصديق .
ففي سورة المجادلة يقول سبحانه وتعالى : ] لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ [ ( 1 ) .
وفي سورة الحجرات يقول سبحانه : ] قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [ ( 2 ).
وفي سورة النحل يقول عز وجل : ] مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [ ( 3 ) .
وأخرج البخاري عن أسامة بن زيد قال : بعثنا رسول الله r إلى الحُرَقة من جهنية فصبحنا القوم فهزمناهم ، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم قال : فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله ، فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي فقتلته ، فلما قدمنا بلغ ذلك النبي r فقال لي : يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ قلت : يا رسول الله إنما كان متعوذاً قال : " أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ " فما زال
{ 16 }
يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك .
وفي رواية : هلا شققت قلبه فنظرت أصادق هو أم كاذب .
فالحديث يشهد بأن الإيمان ليس لأحد الاطلاع عليه لأنه في القلب ، ولهذا كان يجب على أسامة أن يمسك عن قتل من قال : لا إله إلا الله ، وأن لا يحكم بعدم إيمانه وبأنه نطق بالشهادتين تعوذاً من السيف فالإيمان لا يطلع عليه إلا الله .
وأخرج البخاري أيضاً عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله r أعطى رجالاً ولم يعط رجلاً منهم شيئاً فقلت يا رسول الله أعطيت فلانا وفلاناً ولم تعط فلاناً وهو مؤمن ؟ فقال رسول الله r " أو مسلم " أعادها ثلاثاً ، والنبي r يقول : " أو مسلم " ثم قال : إني لأعطي رجالاً وأمنع آخرين هم أحب إلي منهم مخافة أن يكبوا على وجوههم في النار .
فالحديث يشهد بأن الإيمان في القلب ولا يمكن لأحد أن يطلع عليه ، ولهذا لم يقبل الرسول r من سعد أن يحكم بإيمان الرجل ، وإنما يمكنه أن يحكم بإسلامه.
2 – عطف الله سبحانه العمل على الإيمان في كثير من الآيات ، فلو كان العمل جزءاً من الإيمان ، لما حدث هذا العطف : فإن الجزء لا يعطف على كله .
ومن هذه الآيات ، قوله سبحانه في سورة الكهف : ] إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [ ( 1 ) .
وقوله في سورة يونس : ] إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [ ( 2 ) .
3 – أثبت سبحانه وتعالى الإيمان لمن ترك بعض الأعمال في مثل قوله سبحانه : ] وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [ فلو كانت الأعمال
{ 17 }
جزءاً من حقيقة الأعمال ، لانتفت الحقيقة لانتفاء جزء منها .
4 – الإيمان في اللغة هو التصديق ، فكيف ينقل إلى التصديق والعمل ؟ فإن قيل : إن الشرع قد نقله من معناه اللغوي إلى تصديق مخصوص هو تصديق النبي r في كل ما علم مجيئه به من الدين بالضرورة ، والعمل بذلك ؟
أجيب بأنه لا دليل على ذلك ، بل إن النصوص الشرعية تدل على أن الإيمان قد نقل من معناه اللغوي وهو مطلق التصديق إلى تصديق مخصوص هو تصديق النبي بما ذكر .
فإذا ورد نص شرعي يحمل لفظ الإيمان ، فإن المراد به هذا التصديق المخصوص وحده ، لا التصديق والعمل ولا التصديق والإقرار والعمل ( 1 ) .
علاقة العمل بالإيمان في مذهب أبي حنيفة :
ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن العمل ليس داخلاً في مفهوم الإيمان فقال في الفقه الأكبر : ( ثم العمل غير الإيمان ، والإيمان غير العمل ، بدليل أن كثيراً من الأوقات يرتفع العمل عن المؤمن ، ولا يجوز أن يقال : يرتفع عنه الإيمان ، فإن الحائض ترتفع عنها الصلاة ، ولا يجوز أن يقال : يرتفع عنها الإيمان ، أو أمر لها بترك الإيمان ، وقد قال لها الشارع : دعى الصوم ثم اقضيه ، ولا يصح أن يقال : دعي الإيمان ثم اقضيه ) ( 2 ) .
ونرى شارح كتاب الفقه الأكبر يدلل على أن العمل ليس من مفهوم الإيمان بما لا يخرج عما ذكرناه في المذهب السابق .
{ 18 }
علاقة العمل بالإيمان في مذهب السلف :
علمنا أن الإيمان عند السلف المحدثين مؤلف من أجزاء ثلاثة هي : التصديق والإقرار والعمل .
فالعمل جزء من الإيمان عندهم لكن هل هذه الأجزاء متساوية ، فيكون فقدان أي جزء فقدان للإيمان ؟
يقول المحدثون :
" إن هذه الأجزاء ليست في مرتبة واحدة ، فإذا انعدم التصديق انعدم الإيمان المستتبع للنجاة في الآخرة ، وإذا انعدم الإقرار انعدم الإيمان المبني عليه الأحكام الدنيوية ، وإذا انعدم العمل انعدم كمال الإيمان ، لأن فقد العمل كفقد اليد من الإنسان فكما أن اليد لا ينعدم الإنسان بانعدامها بل يكون مشوهاً ، فكذلك العمل .
فالعمل عند هؤلاء ليس ركناً من حقيقة الإيمان ، وإنما هو ركن من الإيمان الكامل ، فلا يخرج تاركه عن حقيقة الإيمان .
وعلى هذا : فمن ترك العمل يكون قد ترك جزءاً من الإيمان ، لكن ذلك لا يرفع الإيمان ، وإنما يرفع كمال الإيمان .
ونتساءل : ما هو العمل الذي يؤثر تركه في كمال الإيمان ؟
يقول المحدثون : إن الطاعات على ثلاثة أقسام :
1 – قسم يكفر المرء بتركه ، وهو اعتقاد ما يجب اعتقاده ، والإقرار بما اعتقده ( 1 ) .
2 – قسم يفسق المرء بتركه أو يعصي ولا يكفر به إذا لم يجحده وهو مفروض الطاعات كالصلاة والزكاة والصيام والحج .
{ 19 }
3 – قسم يكون بتركه مخطئاً للأفضل غير فاسق ولا كافر ، وهو ما يكون من العبادات تطوعاً ( 1 ) .
وعلى هذا فالعمل الذي يؤثر تركه في كمال الإيمان هو ما يندرج تحت القسم الثاني .
أما ما يندرج تحت القسم الثالث فإنه يحول دون زيادة الإيمان ، فلاشك أن من يؤدي النوافل مع الفرائض ومن يتطوع بالعبادات معها يكون إيمانه أقوى من إيمان من يترك ذلك ويقتصر على الفرائض .
ودليل المحدثين على أن العمل من الإيمان :
أن الطاعات تسمى إيماناً في النصوص الشرعية ، وهذا يدل على أنها جزء من الإيمان ( 2 ) .
ومن أمثلة ذلك :
ما روي عن ابن عباس قال : قيل للنبي r : أرأيت الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله عز وجل : ] وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [ ( 3 ) .
ووجه الاستدلال :
أن الله سبحانه سمى الصلاة إيماناً ، وهذا يدل على أنها من الإيمان ، وإذا ثبت ذلك في الصلاة ثبت في سائر الطاعات .
وما روي عن ابن عباس أيضاً قال : قدم وفد عبد القيس على النبي r فقال: " مرحبا بالوفد غير الخزايا قالوا : يا رسول الله إن بيننا وبينك كفار مضر ، وإنـا
{ 20 }
لا نصل إليك إلا في شهر حرام ، فمرنا بأمر نعمل به وندعوا إليه من ورائنا ؟ قال : " آمركم بالإيمان ، تدرون ما الإيمان ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتحجوا البيت " .
قال : وأحسبه قال : " وتعطوا الخمس من الغنائم " .
ووجه الاستدلال : أن الرسول r سمى كلمتي الشهادة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وإعطاء الخمس إيماناً ، فدل ذلك على أنها من الإيمان ( 1 ) .
وما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله r : " الإيمان يضع وستون ، أو بضع وسبعون شعبة ، أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان " ( 2 ) .
ووجه الاستدلال : أن الرسول r سمى شعب الإيمان إيماناً ، وهذا يدل على أنها من الإيمان .
وما روي عن أبي سعيد الخدري قال : سئل النبي r : أي المؤمنين أكمل إيماناً ؟ قال : " رجل يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ، ورجل يعبد الله في شعب من الشعاب ، قد كفى الناس شره " ( 3 ) .
ووجه الاستدلال : أن الرسول r جعل الجهاد والعبادة في شعب من الشعاب من كمال الإيمان ، فهما جزء من الإيمان يكمل بهما الإيمان .
وهذا يتمشى مع مذهب المحدثين في أن العمل جزء من الإيمان يكمل به الإيمان .
ومثله قوله r : " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً " فقد جعل الرسول r
{ 21 }
حسن الخلق من كمال الإيمان ، فهو جزء من الإيمان يكمل به الإيمان " ( 1 ) .
********
علاقة العمل بالإيمان في مذهب المعتزلة :
ذهب المعتزلة إلى أن العمل جزء من الإيمان ، فمن ترك العمل فليس بمؤمن لأنه فقد جزءاً من الإيمان ، وليس بكافر ، لوجود التصديق في قلبه ، بل هو في منزلة بين المنزلتين ، أي بين المؤمن والكافر ، ويخلد في النار ويعذب بأقل من عذاب الكافر .
واستدلوا على أن العمل من الإيمان :
قوله تعالى : ] وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [ .
ووجه الاستدلال : أن الله سبحانه بعد أن ذكر الصلاة والزكاة بين أن ذلك من الدين فقال : ] وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [ .
والمراد بالدين في الآية : الإسلام لقوله تعالى : ] إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [ .
والإسلام هو الإيمان ، لأنه لو كان الإيمان غير الإسلام ، لما قُبل الإيمان ممن يطلبه ويبتغيه . فقد قال سبحانه : ] وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [ وإذا كان الإيمان مقبولاً عند الله ، فهو والإسلام سواء ، وإذا كان الإسلام هو الإيمان فالعمل من الإيمان ( 2 ) .
{ 22 }
ولكن ما هي الأعمال التي لابد منها لكي يتحقق الإيمان ؟
قال بعضهم : إن هذه الأعمال هي الواجبات .
وقال بعض آخر : إنها الطاعة مطلقاً فرضها ونفلها ( 1 ) .
ومع ذلك فمن الأعمال ما تركه كفر ، ومنها ما تركه فسق ، ومنها ما ليس كذلك كالنوافل .
******
علاقة العمل بالإيمان في مذهب الخوارج :
ذهب الخوارج إلى أن العمل جزء من الإيمان ، فمن ترك العمل فليس بمؤمن ولكنه كافر مخلد في النار .
لكن ما هو العمل الذي لابد منه لتحقق الإيمان ؟
قال الخوارج : إنه الطاعات المفروضة .
ويستدلون على أن العمل من الإيمان .
يقول سبحانه : ] وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [ فالآية نزلت عندما سئل رسول الله r فيمن كان يصلي إلى بيت المقدس ثم مات قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة هل صلاته مقبولة أم لا ؟ ( 2 ) .
ووجه الاستدلال : أن الله سبحانه سمى الصلاة إلى بيت المقدس إيماناً ، وإذا ثبت ذلك في الصلاة ثبت في سائر الطاعات ( 3 ) .
{ 23 }
مرتكب الكبيرة وموقف المعتزلة منه :
علمنا : أن من ترك الواجبات عند المعتزلة لا يكون مؤمناً ولا كافراً ، ولكنه يكون في منزلة بين المنزلتين ، وحكمه في الآخرة : أنه يخلد في النار ويعذب بأقل من عذاب الكافر .
وقد ذهب المعتزلة أيضاً : إلى أن من يرتكب المحظورات يكون في تلك المنزلة ، ويخلد في النار إن مات على غير توبة .
والمحظورات التي تخرج عن دائرة الإيمان عندهم هي الكبائر .
يقول القاضي عبد الجبار : ( إن صاحب الكبيرة ( 1 ) له اسم بين الاسمين ، وحكم بين الحكمين ، لا يكون اسمه اسم الكافر ، ولا اسمه اسم المؤمن ، وإنما يسمى فاسقاً .
وكذلك فلا يكون حكمه حكم الكافر ، ولا حكم المؤمن بل يفرد له حكم ثالث وهذا الحكم الذي ذكرناه سبب تلقيب المسألة بالمنزلة بين المنزلتين ، فإن صاحب الكبيرة له منزلة تنحاد بها هاتان المنزلتان ، فليست منزلة الكافر ولا منزلة المؤمن
{ 2
ساحة النقاش