الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

 

 

 

 

 

 

الإيمان والخروج عن دائرته

في

ضوء القرآن والسنة

 

 

 

 

 

 

{ 1 }

بسم الله الرحمن الرحيم

هدف البحث :         

       إن المسلم الذين يدين لله بالوحدانية ، ويعترف برسالة سيدنا محمد r ، ويعلن عن ذلك بقوله : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .

       هذا المسلم ما موقف الإسلام منه ؟ هل يعتبره مؤمناً لا يتزلزل الإيمان في قلبه ، مهما عمل من سيئات وارتكب من آثام ؟

وهل يكون الإيمان بهذه الصورة كاملاً ؟

وهل ينفعه هذا الإيمان في الآخرة ؟

       إن البحث محاولة للإجابة عن هذه التساؤلات وأمثالها .

******

       ونبدأ بيان معنى الإيمان في اللغة ، ومعناه في المذاهب الكلامية .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

{ 2 }

معنى الإيمـان :

       يقول أستاذنا الدكتور محمد عبد الله دراز في بيان معنى الإيمان من الناحية اللغوية :

       ( لفظ الإيمان يستعمل متعدياً بنفسه كقولك : آمنت فلاناً أي أعطيته الأمان ، ومنه قوله تعالى : ] وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ [ ويستعمل لازماً يتعدى بالباء واللام ، فيكون معناه التصديق ومنه قوله تعالى : ] قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ [ ، وقوله تعالى :      ] أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ [ .

       ومعنى الإيمان لازماً يرجع إلى معناه متعدياً ، لأن من صدَقّك فقد آمّنك من التكذيب والمخالفة من ناحية ، وأمِن هو عاقبة التكذيب والمخالفة من ناحية     أخرى ) ( 1 ) .

       وعلى هذا : فلفظ الإيمان له إطلاقان في اللغة :

الإطلاق الأول : إعطاء الأمان .

الإطلاق الثاني : التصديق ( 2 ) .

       وإذا كان الإيمان في اللغة يأتي بمعنى التصديق ، فليس المراد بالتصديق : التصديق بما هو حق ، بل المراد مطلق التصديق بأي حق أو باطل .

       وذلك لأن التصديق عند علماء اللغة معناه : الإذعان لحكم المخْبِر ، أي قبوله والاعتراف بصدقه .

       ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما يصدق به حق أو باطل( 3 ) صِدْق أو كذب

{ 3 }

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا فقال سبحانه : ] وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [  وقال : ] وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ [ .

       فالآية الأولى تفيد : أن ما آمن به الكفرة أي ما صدّقوا به باطل .

       والآية الثانية تفيد : أن يعقوب u لم يؤمن أي لم يصدق بما أخبره به أبناؤه

فالقرآن إذن عندما استعمل الإيمان في أحد إطلاقيه في اللغة وهو التصديق لم يرد به التصديق بما هو حق ، وإنما أراد مطلق التصديق ، أي بصرف النظر عن كون ما يؤمَن به حق أو باطل صدق أو كذب .

******

       أما حقيقة الإيمان الشرعية فقد اختلفت فيها الأنظار وتعددت فيها الآراء ، وسوف نعرض هنا بعض وجهات النظر .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

{ 4 }

مذهب الأشاعرة والماتريدية :

       ذهب جمهور الأشاعرة والماتريدية إلى أن الإيمان في عرف الشرع : هو تصديق النبي r في كل ما علم مجيئه به من الدين بالضرورة ( 1 ) أي في كل ما اشتهر بين أهل الإسلام وصار العلم به يشبه العلم الحاصل بالضرورة ، الذي يعلمه كل أحد بلا حاجة إلى نظر واستدلال .

 

 

{ 5 }

ثم قالـوا :

       والمراد من تصديق النبي r فيما ذكر : أن يقبله الإنسان ولا يرفضه ، وأن لا ينكر شيئاً منه عندما يسأل عنه .

       فمفهوم الإيمان عند الأشاعرة والماتريدية هو التصديق ، ولكنه ليس التصديق اللغوي ، وإنما هو تصديق خاص .

*******

موقف هؤلاء من النطق بالشهادتين :

       فالنطق بالشهادتين ليس داخلاً في حقيقة الإيمان ، وإنما هو شرط خارج عن الماهية ، ومعنى كونه شرطاً خارجاً عن الماهية : أنه شرط لإجراء أحكام المؤمنين على الناطق ، مثل النكاح والميراث والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين .

       ( وذلك لأن التصديق وإن كان إيماناً إلا أنه باطن خفي ، فلابد له من علامة ظاهرة تدل عليه ، لتناط به تلك الأحكام وأمثالها .

       وعلى هذا : فمن صدّق ولم يقر بلسانه لا لعذر منعه ولا لإباء ، بل اتفق له ذلك فهو مؤمن عند الله غير مؤمن في أحكام الشرع الدنيوية .

       أما المعذور إذا قامت قريبة على إسلامه بغير النطق كالإشارة ، فهو مؤمن فيهما ، حتى ولو أذعن بقلبه .

       ومن أقر بلسانه ولم يصدق بقلبه كالمنافق ، فهو مؤمن في الأحكام الدنيوية ، غير مؤمن عند الله تعالى ، ويظل مؤمناً في الأحكام الدنيوية ، مادام لم يظهر منه فعل يدل على كفره ، كالسجود لصنم ، فإن ظهر منه ذلك أجريت عليه أحكام   الكفر) ( 1 ) .

{ 6 }

       وهذا النص يفيد : أن جمهور الأشاعرة والماتريدية وإن كانوا يعتبرون الإقرار من مفهوم الإيمان ، إلا أنهم اتفقوا جميعاً على تكفير المصدق الذي لم يقر ، عندما يطلب منه الإقرار ، فيرفضه إباء .

وفي ذلك يقول صاحب المسايرة ( 1 ) :

       ( واتفق القائلون بعدم اعتبار الإقرار على أن يُعتقد أن المصدّق متى طولب بالإقرار أتى به ، فإن طولب به فلم يقر فهو كافر ) .

مذهب الإمام أبي حنيفة ( 2 ) :

       ذهب الإمام أبو حنيفة : إلى أن الإيمان في عرف الشرع هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان ، أي بالقلب .

ونتساءل : أين المصدّق به عند الإمام أبي حنيفة ؟ إن المصدق به عنده هو : النبي r في كل ما علم بالضرورة مجيئه به من عند الله ( 3 ) .

وإذا علمنا أن الإيمان عند أبي حنيفة إقرار وتصديق فهمنا أنه اسم لفعل القلب وفعل اللسان عنده .

علاقة الإقرار بالإيمان عند أبي حنيفة :

       الإقرار جزء أو ركن من مفهوم الإيمان عند أبي حنيفة .

وعلى هذا : فمن صدق بفلبه ولم يقر بلسانه ولو مرة واحدة طول عمره مع قدرته على الإقرار وتمكنه منه ، لا يكون مؤمناً في الدنيا ولا في الآخرة أي لا تجري عليه أحكام المؤمنين ، ويستحق الخلود في النار .

{ 7 }

       ويرى أبو حنيفة – كما رأى أصحاب المذهب الأول – أن الأخرس الذي    لا يستطيع النطق يسقط عنه الإقرار ، ويكتفي منه بالإشارة التي تدل على إيمانه أو على تصديقه .

       فالإقرار وإن كان ركناً عند أبي حنيفة ، إلا أنه ركن يحتمل السقوط أحياناً ، أما التصديق فإنه ركن لا يحتمل السقوط في حال من الأحوال .

******

ونتساءل : أي خلاف بين مذهب أبي حنيفة الذي يجعل الإقرار ركناً في حقيقة الإيمان ، ومذهب جمهور الأشاعرة الماتريدية الذي يجعل حقيقة الإيمان هو التصديق وحده ؟

       والجواب : أن الخلاف إنما هو في المصدّق القادر على الإقرار الذي لم يقر لا على وجه الإباء .

       فأصحاب المذهب الأول يقولون : إنه مؤمن عند الله أي تجري عليه أحكام المؤمنين في الآخرة .

       وأبو حنيفة يقول : إنه ليس مؤمناً عند الله ، أي لا تجري عليه أحكام المؤمنين في الآخرة .

يقول صاحب شرح المقاصد :

       ( ثم الخلاف فيما إذا كان قادراً وترك التكلم لا على وجه الإباء ، إذ العاجز كالأخرس مؤمن وفاقاً ، والمصر على عدم الإقرار مع المطالبة به كافر وفاقاً ، لكون ذلك من أمارات عدم التصديق ) .

       ويزيد صاحب شرح المقاصد الأمر وضوحاً فيبين أن العاجز والآبي لا خلاف في الحكم عليهما بين المذهبين ، فيقول بعد كلامه السابق عنهما :

 

{ 8 }

( هذا ما عليه كثير من المحققين وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى) ( 1 ) .

       ويفهم ما سبق أن الذين لا يدخلون الإقرار في مفهوم الإيمان لا يستطيعون أن يستغنوا عنه كلية ، بل يجعلونه في بعض الحالات شرطاً .

مذهب الفقهاء والمحدثين :

       ذهب الفقهاء والمحدثون إلى أن الإيمان : هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان والعمل بالأركان .. وكثيراً ما نقرأ في تعريف الإيمان عندهم : أنه قول وعمل ولا فرق بين التعبيرين .

       فالمراد بالقول : النطق بالشهادتين .

       والمراد بالعمل : ما هو أعم من عمل القلب والجوارح ، ليدخل الاعتقاد والعبادات ( 2 ) .

******

علاقة الإيمان بالإقرار في مذهب السلف :

       الإقرار عند السلف جزء من مفهوم الإيمان .

وعلى هذا : فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر ، إلا إذا ظهر منه فعل يدل على كفر كالسجود لصنم .

       ومن لم يقر فهو كافر تجري عليه أحكام الكفار في الدنيا والآخرة .

 

{ 9 }

مذهب المعتزلة والخوارج :

       ذهب المعتزلة والخوارج إلى ما ذهب إليه السلف ، فالإقرار عندهم جزء من مفهوم الإيمان .

نتيجة مستخلصة :

       من عرض المذاهب السابقة نفهم أن أصحابها يكادون يتفقون على أن التصديق والإقرار لابد منها في تحقيق الإيمان .

       وأن من قال : إن الإقرار ليس جزءاً من مفهوم الإيمان ، وإنما هو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية ، لم يستطع أن يلغيه مطلقاً ، فذهب إلى تكفير من لم يقر ، إذا طولب بالإقرار فأبى .

*******

تساؤلات حول التصديق والإقرار :

هل المعرفة وحدها تحقق مفهوم الإيمان وتقوم مقام التصديق ؟

       إن المعرفة وحدها بدون إذعان وقبول لا تحقق مفهوم الإيمان ، فكثير من الناس يعرف أن محمداً رسول الله ، وأن ما جاء به حق ، ولكنه لم يقبل ذلك ولم يرض به ، ولم يعلن عن قبوله ورضاه بالإقرار .

       هؤلاء جميعاً كفار عند الله وعند الناس ، فالمعرفة ولو بلغت حد القطع والجزم بدون إذعان وقبول لا قيمة لها ، ولا يمكن أن تقوم مقام التصديق ، فالتصديق معناه الإذعان والقبول كما علمنا .

       ولو كانت المعرفة تحقق مفهوم الإيمان وتقوم مقام التصديق ، لكان كثير من الكفرة مؤمنين : فأبو طالب مثلاً كان يعلم أن محمداً صادق ، وأن ما جاء به من عند الله حق ، بل كان يعتقد ذلك بقلبه اعتقاداً جازماً لا يتخلله شك ، ولكنه لم يقبله ولم يرض به ، ولم يعلق قبوله ورضاه بالإقرار بالشهادتين ، وقال في ذلك :

{ 10 }

       ولقد علمت أن دين محمـد     من خير أديان البرية دينـا

       لولا الملامة أو حذار مسبّة      أوجدتني سمحاً بذلك كريماً

فهل يقول أحد : إنه مؤمن ؟

       وأهل الكتاب كانوا يعرفون النبي r ويعرفون أنه صادق ، وأن ما جاء به حق ، ولكنهم لم يذعنوا ولم ينقادوا فهل يقول أحد إنهم مؤمنون ؟

       إن القرآن قال في حقهم : ] الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [ ( 1 )

       ويبين القرآن أيضاً : أن المعرفة وحدها لا تكفي في الإيمان بأي رسول ، ففرعون كان يعلم أن الآيات التي جاء بها موسى u من عند الله حق ، وأنه صادق في ذلك ، وقد أفصح موسى عن هذا في دعوته له فقال ( لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض ) .

       ولا يمكن أن يكذب موسى في قوله ، فهو نبي والأنبياء لا يجوز عليهم الكذب ، ومع هذا فقد سجل القرآن كفره لا لعدم علمه ( 2 ) ، بل لعدم الإذعان الذي لم يخالط قلبه فقال : ] وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ . آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [ ( 3 ) .

       وعلى هذا : فقول من قال : إن الإيمان هو المعرفة قول مرفوض : وقد ذهب الجهم بن صفوان إلى هذا فقال : الإيمان معرفة قلبية بالله ورسله وبجميع ما جاء من عند الله .

{ 11 }

       فمن حصلت عنده المعرفة لا يكفر عند الله بالجحد باللسان ولا بالأفعال ، وإن كفر عند الناس لأن هذه المعرفة ، لا تزول بالجحد باللسان ولا بالأفعال .

       وقد رفض هذا المذهب من قبل كل العلماء من السلف وأهل السنة ..

يقول الإمام ابن تيمية وهو يناقش مذهبهم : إن هؤلاء يظنون أن الإنسان يكون مؤمناً كامل الإيمان بقلبه وهو مع هذا يسب الله ورسوله ، ويعادي الله ورسوله ، ويعادي أولياء الله ، ويوالي أعداء الله ، ويقتل الأنبياء ، ويهدم المساجد ، ويهين المصاحف ، ويكرم الكفار غاية الكرامة ، ويهين المؤمنين غاية الإهانة ، فهذه كلها عندهم معاصي لا تنافي الإيمان الذي في قلبه ، بل يفعل هذا وهو في الباطن عند الله مؤمن ، وإن كان كافراً في الدنيا لا تجري عليه أحكام المؤمنين فيها ، لأن الحكم بالظاهر قد يخالف ما في الباطن .

       ثم ساق ابن تيمية الآيات التي تبطل مذهبهم ، والتي تدل على أن المعرفة لا تكفي في الإيمان في الآخرة أو عند الله كما ادعوا .

*******

ونتساءل :

أي فريق بين المعرفة القلبية التي تحدثنا عنها والتي قال بها الجهمية ، وبين التصديق الذي قال به علماء السلف وأهل السنة ؟

والجواب :

أن المعرفة القلبية تساوي العلم والإدراك ، أو تساوي التصديق ( 1 ) المنطقي الذي هو إدراك النسبة بين شيئين .

أما التصديق الإيماني فيساوي الإذعان والقبول كما سبق أو يساوي التسليم بكل ما جاء به النبي r وعدم إنكار شيء منه ، أو التكذيب به .

{ 12 }

       وإن شئت فقل إن التصديق الإيماني : ضد الإنكار والتكذيب ، والمعرفة والتصديق المنطقي : ضد الجهل والجهالة .

       وعلى هذا : فالتصديق الإيماني لا يكون مع الإنكار والاستكبار والتكذيب ، والتصديق المنطقي يكون معهما ( 1 ) .

*******

ما معنى الشهادتين ؟

       هل يشترط في الإقرار فهم معناهما ؟

إن الشهادة تطلق في اللغة على الحضور والمعاينة ، وتطلق أيضاً على ما يتلفظ به المرء للإخبار بما علم .

       فقول المسلم : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمداً رسول الله إخبار بما وقع في نفسه من التصديق بوجود الله سبحانه ، وأنه واحد لا إله سواه ، والتصديق بكل ما جاء به محمد r ، وأنه إنما يبلغ عن ربه ، لأنه رسول الله .

       والنطق بالشهادتين يسمى شهادة سواء أكان المخبر صادقاً فيما أخبر به عن نفسه أم غير صادق ، فقد قال الرسول r في الحديث الصحيح : " ألا وشهادة الزور" فسمى عليه الصلاة والسلام الإخبار بما لا يطابق الحقيقة شهادة .

       أما اشتراط فهم الناطق بالمعنى ، فليس في الشرع ما يدل على ذلك ، فلم يرد عن رسول الله r اشتراط الربط بين فهم معنى الشهادتين ، وبين قبول النطق أو الإقرار بهما .

       فقد قبل الرسول r إسلام الناس الذين دخلوا في دين الله أفواجاً من العرب وغيرهم ، دون إجراء يفيد ضرورة التأكد من أن كل فرد منهم قد فهم من الشهادتين اللتين شهد بهما معلناً إسلامه معنى محدداً معيناً .

{ 13 }

       بل ثبت لديه عليه الصلاة والسلام أن بعض العرب ما كانوا يعلمون كل المعاني التي تتعلق بالعبادة والألوهية .

       فقد أخرج الترمذي عن عدي بن حاتم قال : أتيت النبي r وفي عنقي صليب من ذهب فقال : " يا ابن حاتم ألق هذا الوثن عن عنقك " فألقيته ، ثم افتتح سورة براءة حتى بلغ : ] اتخذوا أحباهم ورهبانهم أرباباً من دون الله [ فقلت : يا رسول الله ، ما كنا نعبدهم فقال : " كانوا يحلون لكم الحرام فتستحلونه ، ويحرمون عليكم الحلال فتحرمونه " فقلت : بلى ، قال : " فتلك عبادتهم " .

       فهذا الحديث يوضح لنا : أن عدي بن حاتم غفل عن المعنى الحقيقي للعبادة ، فظن أن العبادة هي مجرد إقامة الشعائر والنسك ، فبين له الرسول r ما فاته .

       وأورد الشاطبي في كتابه الاعتصام : أنه ورد في الصحيح عن أبي واقد الليثي t قال : " خرجنا مع رسول الله r قِبلَ خيبر ونحن حديثو عهد بكفر ، وللمشركين سدرة يعكفون حولها ، وينوطون بها أسلحتهم يقال لها ذات أنواط ،  فقلنا : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال r : الله أكبر، كما قالت بنو إسرائيل اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، لتركبن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم .

قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : " فمن " ؟ ( 1 ) .

       أفؤلاء الذين طلبوا من رسولهم أن يجعل لهم إلهاً من دون الله ، يصدق في حقهم أنهم حين شهدوا أن لا إله إلا الله ولا رب سواه ، قد أدركوا تماماً ما دعوا إليه

       وعلى هذا : فجعل المسلم بكل معاني الألوهية والعبادة والشهادتين ، وغير ذلك من الأحكام الشرعية ، لا يضر إسلامه شيئاً ، ولا يمنع ذلك من الحكم بإسلامه وإذا كان الرسول r لم يلزم الداخلين في الإسلام بغير النطق بالشهادتين بصـرف

 

{ 14 }

النظر عن كونها مفهومة لديهم بكل أبعادها أو لا فإن الصحابة والتابعين أيضاً قد ساروا على هذا المنهج .

       فقد فتح المسلمون على عهد الصحابة والتابعين بلاد الشام وفارس والعراق ومصر وشمال إفريقيا والأندلس وغيرها ، وكلها بلاد لم تكن تعرف العربية ، وكان إجماع الصحابة والتابعين – المنقول إلينا نقل الكافة عن الكافة – على قبول أهل تلك البلاد في الإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، دليلاً على عدم اشتراط أي شرط غير النطق بالشهادتين ( 1 ) .

ويقول ابن حزم في ذلك :

       ( ومن اعتقد الإيمان بقلبه ونطق بلسانه ، فقد وُفق ، سواء استدل أم لم يستدل  فهو مؤمن عند الله وعند المسلمين .

قال الله تعالى : ] فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ [ ، ولم يشترط عز وجل في ذلك استدلالاً .

       ولم يزل رسول الله r منذ بعثه الله عز وجل إلى أن قبضه يقاتل حتى يقروا بالإسلام ويلتزموه ، ولم يكلفهم قد استدلالاً ، ولا سألهم هل استدلوا أم لا ؟ وعلى   هذا جرى جميع الإسلام إلى اليوم ) .

*********

       وننتقل بعد ذلك إلى بيان علاقة الإيمان بالعمل .

 

 

 

{ 15 }

علاقة الإيمان بالعمل في مذهب جمهور الأشاعرة والماتريدية :

       ذهب جمهور الأشاعرة والماتريدية : إلى أن العمل ليس من مفهوم الإيمان وإنما هو شرط كمال له ، فمن ترك الأعمال أو بعضها من غير استحلال ولا عناد ولاشك فهو مؤمن فوّت على نفسه الكمال ، لأن مفهوم الإيمان هو التصديق فقط .

ودليلهـم :

       1 – أن القرآن الكريم والسنة النبوية قد أضافا الإيمان إلى القلب ، والقلب لا يكون فيه إلا التصديق .

       ففي سورة المجادلة يقول سبحانه وتعالى : ] لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ [ ( 1 ) .

       وفي سورة الحجرات يقول سبحانه : ] قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [ ( 2 ).

       وفي سورة النحل يقول عز وجل : ] مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ [ ( 3 ) .

       وأخرج البخاري عن أسامة بن زيد قال : بعثنا رسول الله r إلى الحُرَقة من جهنية فصبحنا القوم فهزمناهم ، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم قال : فلما غشيناه قال : لا إله إلا الله ، فكف عنه الأنصاري فطعنته برمحي فقتلته ، فلما قدمنا بلغ ذلك النبي r فقال لي : يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ قلت :   يا رسول الله إنما كان متعوذاً قال : " أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ " فما زال

{ 16 }

يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك .

       وفي رواية : هلا شققت قلبه فنظرت أصادق هو أم كاذب .

       فالحديث يشهد بأن الإيمان ليس لأحد الاطلاع عليه لأنه في القلب ، ولهذا كان يجب على أسامة أن يمسك عن قتل من قال : لا إله إلا الله ، وأن لا يحكم بعدم إيمانه وبأنه نطق بالشهادتين تعوذاً من السيف فالإيمان لا يطلع عليه إلا الله .

       وأخرج البخاري أيضاً عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله r أعطى رجالاً ولم يعط رجلاً منهم شيئاً فقلت يا رسول الله أعطيت فلانا وفلاناً ولم تعط فلاناً وهو مؤمن ؟ فقال رسول الله r " أو مسلم " أعادها ثلاثاً ، والنبي r يقول :    " أو مسلم " ثم قال : إني لأعطي رجالاً وأمنع آخرين هم أحب إلي منهم مخافة أن يكبوا على وجوههم في النار .

       فالحديث يشهد بأن الإيمان في القلب ولا يمكن لأحد أن يطلع عليه ، ولهذا  لم يقبل الرسول r من سعد أن يحكم بإيمان الرجل ، وإنما يمكنه أن يحكم بإسلامه.

       2 – عطف الله سبحانه العمل على الإيمان في كثير من الآيات ، فلو كان العمل جزءاً من الإيمان ، لما حدث هذا العطف : فإن الجزء لا يعطف على كله .

       ومن هذه الآيات ، قوله سبحانه في سورة الكهف : ] إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [ ( 1 ) .

       وقوله في سورة يونس : ] إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [ ( 2 ) .

       3 – أثبت سبحانه وتعالى الإيمان لمن ترك بعض الأعمال في مثل قوله سبحانه : ] وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [ فلو كانت الأعمال

{ 17 }

جزءاً من حقيقة الأعمال ، لانتفت الحقيقة لانتفاء جزء منها .

       4 – الإيمان في اللغة هو التصديق ، فكيف ينقل إلى التصديق والعمل ؟ فإن قيل : إن الشرع قد نقله من معناه اللغوي إلى تصديق مخصوص هو تصديق    النبي r في كل ما علم مجيئه به من الدين بالضرورة ، والعمل بذلك ؟

       أجيب بأنه لا دليل على ذلك ، بل إن النصوص الشرعية تدل على أن الإيمان قد نقل من معناه اللغوي وهو مطلق التصديق إلى تصديق مخصوص هو تصديق النبي بما ذكر .

       فإذا ورد نص شرعي يحمل لفظ الإيمان ، فإن المراد به هذا التصديق المخصوص وحده ، لا التصديق والعمل ولا التصديق والإقرار والعمل ( 1 ) .

علاقة العمل بالإيمان في مذهب أبي حنيفة :

       ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن العمل ليس داخلاً في مفهوم الإيمان فقال في الفقه الأكبر : ( ثم العمل غير الإيمان ، والإيمان غير العمل ، بدليل أن كثيراً من الأوقات يرتفع العمل عن المؤمن ، ولا يجوز أن يقال : يرتفع عنه الإيمان ، فإن الحائض ترتفع عنها الصلاة ، ولا يجوز أن يقال : يرتفع عنها الإيمان ، أو أمر لها بترك الإيمان ، وقد قال لها الشارع : دعى الصوم ثم اقضيه ، ولا يصح أن يقال : دعي الإيمان ثم اقضيه ) ( 2 ) .

       ونرى شارح كتاب الفقه الأكبر يدلل على أن العمل ليس من مفهوم الإيمان بما لا يخرج عما ذكرناه في المذهب السابق .

 

 

{ 18 }

علاقة العمل بالإيمان في مذهب السلف :

       علمنا أن الإيمان عند السلف المحدثين مؤلف من أجزاء ثلاثة هي : التصديق والإقرار والعمل .

       فالعمل جزء من الإيمان عندهم لكن هل هذه الأجزاء متساوية ، فيكون فقدان أي جزء فقدان للإيمان ؟

يقول المحدثون :

       " إن هذه الأجزاء ليست في مرتبة واحدة ، فإذا انعدم التصديق انعدم الإيمان المستتبع للنجاة في الآخرة ، وإذا انعدم الإقرار انعدم الإيمان المبني عليه الأحكام الدنيوية ، وإذا انعدم العمل انعدم كمال الإيمان ، لأن فقد العمل كفقد اليد من الإنسان فكما أن اليد لا ينعدم الإنسان بانعدامها بل يكون مشوهاً ، فكذلك العمل .

       فالعمل عند هؤلاء ليس ركناً من حقيقة الإيمان ، وإنما هو ركن من الإيمان الكامل ، فلا يخرج تاركه عن حقيقة الإيمان .

       وعلى هذا : فمن ترك العمل يكون قد ترك جزءاً من الإيمان ، لكن ذلك    لا يرفع الإيمان ، وإنما يرفع كمال الإيمان .

       ونتساءل : ما هو العمل الذي يؤثر تركه في كمال الإيمان ؟

يقول المحدثون : إن الطاعات على ثلاثة أقسام :

       1 – قسم يكفر المرء بتركه ، وهو اعتقاد ما يجب اعتقاده ، والإقرار بما اعتقده ( 1 ) .

       2 – قسم يفسق المرء بتركه أو يعصي ولا يكفر به إذا لم يجحده وهو مفروض الطاعات كالصلاة والزكاة والصيام والحج .

{ 19 }

       3 – قسم يكون بتركه مخطئاً للأفضل غير فاسق ولا كافر ، وهو ما يكون من العبادات تطوعاً ( 1 ) .

       وعلى هذا فالعمل الذي يؤثر تركه في كمال الإيمان هو ما يندرج تحت القسم الثاني .

       أما ما يندرج تحت القسم الثالث فإنه يحول دون زيادة الإيمان ، فلاشك أن   من يؤدي النوافل مع الفرائض ومن يتطوع بالعبادات معها يكون إيمانه أقوى من إيمان من يترك ذلك ويقتصر على الفرائض .

ودليل المحدثين على أن العمل من الإيمان :

       أن الطاعات تسمى إيماناً في النصوص الشرعية ، وهذا يدل على أنها جزء من الإيمان ( 2 ) .

ومن أمثلة ذلك :

       ما روي عن ابن عباس قال : قيل للنبي r : أرأيت الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله عز وجل : ] وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [ ( 3 ) .

ووجه الاستدلال :

       أن الله سبحانه سمى الصلاة إيماناً ، وهذا يدل على أنها من الإيمان ، وإذا ثبت ذلك في الصلاة ثبت في سائر الطاعات .

       وما روي عن ابن عباس أيضاً قال : قدم وفد عبد القيس على النبي r فقال: " مرحبا بالوفد غير الخزايا قالوا : يا رسول الله إن بيننا وبينك كفار مضر ، وإنـا

{ 20 }

لا نصل إليك إلا في شهر حرام ، فمرنا بأمر نعمل به وندعوا إليه من ورائنا ؟   قال : " آمركم بالإيمان ، تدرون ما الإيمان ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وأن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتصوموا رمضان وتحجوا البيت " .

قال : وأحسبه قال : " وتعطوا الخمس من الغنائم " .

       ووجه الاستدلال : أن الرسول r سمى كلمتي الشهادة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وإعطاء الخمس إيماناً ، فدل ذلك على أنها من الإيمان ( 1 ) .

       وما روي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله r : " الإيمان يضع وستون ، أو بضع وسبعون شعبة ، أفضلها شهادة أن لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان " ( 2 ) .

       ووجه الاستدلال : أن الرسول r سمى شعب الإيمان إيماناً ، وهذا يدل على أنها من الإيمان .

       وما روي عن أبي سعيد الخدري قال : سئل النبي r : أي المؤمنين أكمل إيماناً ؟ قال : " رجل يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله ، ورجل يعبد الله في شعب من الشعاب ، قد كفى الناس شره " ( 3 ) .

       ووجه الاستدلال : أن الرسول r جعل الجهاد والعبادة في شعب من الشعاب من كمال الإيمان ، فهما جزء من الإيمان يكمل بهما الإيمان .

وهذا يتمشى مع مذهب المحدثين في أن العمل جزء من الإيمان يكمل به الإيمان .

ومثله قوله r : " أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً " فقد جعل الرسول r

{ 21 }

حسن الخلق من كمال الإيمان ، فهو جزء من الإيمان يكمل به الإيمان " ( 1 ) .

********

علاقة العمل بالإيمان في مذهب المعتزلة :

       ذهب المعتزلة إلى أن العمل جزء من الإيمان ، فمن ترك العمل فليس بمؤمن لأنه فقد جزءاً من الإيمان ، وليس بكافر ، لوجود التصديق في قلبه ، بل هو في منزلة بين المنزلتين ، أي بين المؤمن والكافر ، ويخلد في النار ويعذب بأقل من   عذاب الكافر .

واستدلوا على أن العمل من الإيمان :

       قوله تعالى : ] وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [ .

ووجه الاستدلال : أن الله سبحانه بعد أن ذكر الصلاة والزكاة بين أن ذلك من الدين فقال : ] وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [ .

والمراد بالدين في الآية : الإسلام لقوله تعالى : ] إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ [ .

       والإسلام هو الإيمان ، لأنه لو كان الإيمان غير الإسلام ، لما قُبل الإيمان ممن يطلبه ويبتغيه . فقد قال سبحانه : ] وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [  وإذا كان الإيمان مقبولاً عند الله ، فهو والإسلام سواء ، وإذا كان الإسلام هو الإيمان فالعمل من الإيمان ( 2 ) .

{ 22 }

ولكن ما هي الأعمال التي لابد منها لكي يتحقق الإيمان ؟

       قال بعضهم : إن هذه الأعمال هي الواجبات .

       وقال بعض آخر : إنها الطاعة مطلقاً فرضها ونفلها ( 1 ) .

ومع ذلك فمن الأعمال ما تركه كفر ، ومنها ما تركه فسق ، ومنها ما ليس كذلك كالنوافل .

******

علاقة العمل بالإيمان في مذهب الخوارج :

       ذهب الخوارج إلى أن العمل جزء من الإيمان ، فمن ترك العمل فليس بمؤمن  ولكنه كافر مخلد في النار .

لكن ما هو العمل الذي لابد منه لتحقق الإيمان ؟

       قال الخوارج : إنه الطاعات المفروضة .

ويستدلون على أن العمل من الإيمان .

       يقول سبحانه : ] وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [ فالآية نزلت عندما سئل رسول الله r فيمن كان يصلي إلى بيت المقدس ثم مات قبل أن تحول القبلة إلى الكعبة هل صلاته مقبولة أم لا ؟ ( 2 ) .

       ووجه الاستدلال : أن الله سبحانه سمى الصلاة إلى بيت المقدس إيماناً ، وإذا ثبت ذلك في الصلاة ثبت في سائر الطاعات ( 3 ) .

{ 23 }

مرتكب الكبيرة وموقف المعتزلة منه :

       علمنا : أن من ترك الواجبات عند المعتزلة لا يكون مؤمناً ولا كافراً ، ولكنه يكون في منزلة بين المنزلتين ، وحكمه في الآخرة : أنه يخلد في النار ويعذب بأقل من عذاب الكافر .

       وقد ذهب المعتزلة أيضاً : إلى أن من يرتكب المحظورات يكون في تلك المنزلة ، ويخلد في النار إن مات على غير توبة .

والمحظورات التي تخرج عن دائرة الإيمان عندهم هي الكبائر .

       يقول القاضي عبد الجبار : ( إن صاحب الكبيرة ( 1 ) له اسم بين الاسمين ، وحكم بين الحكمين ، لا يكون اسمه اسم الكافر ، ولا اسمه اسم المؤمن ، وإنما يسمى فاسقاً .

       وكذلك فلا يكون حكمه حكم الكافر ، ولا حكم المؤمن بل يفرد له حكم ثالث وهذا الحكم الذي ذكرناه سبب تلقيب المسألة بالمنزلة بين المنزلتين ، فإن صاحب الكبيرة له منزلة تنحاد بها هاتان المنزلتان ، فليست منزلة الكافر ولا منزلة المؤمن

{ 2

المصدر: أ د القصبي زلط
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 93 مشاهدة
نشرت فى 9 سبتمبر 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,659,807