الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

التعبير الشفوي(التحدث( وطبيعته:

تعددت تعريفات التعبير الشفوي(التحدث)، ولعل من أهم التعريفات تعريف أحمد زينهم أبو حجاج(1993: 15)بأنه:" القدرة على استخدام الأصوات اللغوية في نقل الأفكار والمشاعر وتحقيق مختلف الأغراض الاتصالية، ويتضمن القدرة علي التفكير واستخدام الإشارات المختلفة في توضيح المعنى"،  في حين عرفه فتحي يونس وآخرون(1981: 140)بأنه: " فن نقل الاعتقادات، والعواطف والاتجاهات، والأفكار، والأحداث. إلى الآخرين، وهو مزيج من العناصر التالية: التفكير بما يتضمنه من عمليات عقلية، واللغة بوصفها صياغة للأفكار والمشاعر، والصوت لحمل الكلمات والأفكار، والتعبير الملمحي.

أما محمود كامل الناقة(1994: 601) فقد عرفه بأنه: "فن نقل المعلومات والمعارف والخبرات والمشاعر والأحاسيس والآراء والرؤى، والحقائق والمبادئ والمفاهيم والنظريات من شخص إلى آخر، بحيث يقع كل هذا من المستمع موقع القبول والتفاعل".

وبتأمل التعريفات السابقة نجد أن كلا منها يكشف لنا جانبًا مهمًا من جوانب فن التحدث، حيث ركز التعريف الأول على أهمية المضمون في مهارة التعبير الشفوي، في حين ركز التعريف الثاني على أهمية استخدام الأصوات اللغوية والإرشادات الملحمية في تسهيل عملية الاتصال مع المستمعين. أما التعريف الثالث فقد جاء شاملا لعدد من الجوانب الأساسية لفن التحدث، حيث ركز على مضمون الحديث، واللغة المستخدمة، والأصوات والتعبيرات الملحمية. أما آخر التعريفات فقد ركز على جودة مضمون الحديث ودقه نقلة للمستمعين بالشكل الذي يضمن قوة التأثير فيهم وتأثرهم به وتفاعلهم معه.

واعتمادًا على التعريفات السابقة يمكن تعريف التعبير الشفوي(التحدث) في هذا البحث بأنه ذلك الفن اللغوي الذي يقوم فيه تلميذ المرحلة المتوسطة بنقل الأفكار والخبرات والمعلومات والحقائق والآراء، والمشاعر والأحاسيس.. وكل ما يجول بعقله وخاطرة، إلى المستمعين - نقلا يتسم بالصحة والدقة في التعبير، والسلامة في الأداء وقوة التأثير؛ بحيث يقع كل ما يريد نقلة، في نفوس المستمعين موقع القبول والتفاعل.

ويهدف التعبير الشفوي (التحدث) تحقيق عدة أهداف(إبراهيم محمد عطا،  1996،  108 – 109؛  على مدكور،  2008،  115) يمكن إجمالها فيما يلي:  

-  تعويد المتعلم إجادة النطق وطلاقة اللسان وتمثيل المعاني.  

-  تعويد المتعلم التفكير المنطقي،  وترتيب الأفكار،  وربط بعضها ببعض.

-  تنمية الثقة بالنفس من خلال مواجهة زملائه في الفصل أو المدرسة أو خارج المدرسة

- تمكين المتعلم من التعبير عما يدور حوله من موضوعات ملائمة تتصل بحياته وتجاربه وأعماله داخل المدرسة وخارجها في عبارات سليمة.

-  تشجيع المتعلم على التلقائية والطلاقة والتعبير من غير تكلف.

-  التغلب على بعض العيوب النفسية التي قد تصيب المتعلم وهو صغير كالخجل أو اللجلجة في الكلام أو الانطواء.

- زيادة نمو المهارات والقدرات التي بدأت تنمو عند المتعلم في فنون التعبير الوظيفي من مناقشة وعرض للأفكار والآراء وإلقاء الكلمات والخطب.

-  الكشف عن الموهوبين من التلاميذ في مجال الخطابة والارتجال وسرعة البيان في القول والسداد في الأداء.

- تعزيز الجانب الآخر من التعبير وهو التعبير التحريري مما يكتسبه التلميذ من ثروة لغوية وتركيبات بلاغية ومأثورات أدبية.

-  تهذيب الوجدان والشعور لدى المتعلم ليصبح فردًا في جماعته القومية والإنسانية.

-  دفع المتعلم إلى ممارسة التخيل والابتكار.

-  إكساب المتعلم القدرة على قص القصص والحكايات.

-  إكساب المتعلم القدرة على مجالسة الناس ومجاملتهم بالحديث.

-  إكساب المتعلم القدرة على التعليق على الأخبار والأحداث.

-  إكساب المتعلم القدرة على البحث عن الحقائق والمعلومات والمفاهيم في مصادرها المختلفة والمتاحة.

-  توفير الفرصة للمتعلم للتعبير عن ذاته وإثباتها واستقلال الشخصية،  والكشف عن الاستعدادات القيادية.

-  التغلب على بعض أمراض النطق كالفأفأة والثأثأة والهمهمة.

وتبدو أهمية التعبير الشفوي في أنه أداة الاتصال السريع بين الفرد وغيره، والنجاح فيه يحقق الكثير من الأغراض في شتى ميادين الحياة ودروبها. فالعصر الذي نعيشه يتسم بأنه عصر الانفجار المعرفي، فحجم المعرفة يتضاعف، كما يتسم بأنه عصر العلم وتطبيقاته التكنولوجية، كما يتسم بأنه عصر المد الديمقراطي، وكل هذا يتطلب من الإنسان أن يفكر فيما يقول، وأن ينتقى كلماته وأفكاره، ويعرض فكره بصورة منطقية معقولة، ويخطط لما سيقول، ولا يمكن أن يحدث كل هذا إلا بنوع من التعلم المنظم، ومن أجل هذا يوجد اهتمام بالغ في كثير من الدول المتقدمة بلغة الكلام، وبالشروط التي تساعد المتعلم على إتقان الحديث في المجالات الحيوية المختلفة(محمود عبد الحافظ، 2010: 82).

ويمر التعبير الشفوي بثلاث مراحل مهمة وضرورية لنجاح عملية التعبير الشفوي لضمان استيفاء كافة جوانبه؛ حتى لا يبدو الحديث ناقصا أو مبتورا، وتتمثل هذه المراحل فيما يلي:

الإعداد للحديث: بما يتطلبه ذلك من إعداد جيد يساعد علي خفض القلق، وبما يضمن عدم النسيان أو الخوض في حقائق لا تنتمي إلى الحديث.

مرحلة توجيه الحديث: وتتضمن حسن الاستهلال والعرض المنظم، واستخدام اللغة المناسبة للموضوع مع الاهتمام بالتواصل غير اللفظي مع المستمع، بالإضافة إلي الحرص على عدم الإطالة تجنبا للملل، وأخيرا الحرص على الخاتمة الجيدة التي توجز الموضوع.

مرحلة تقويم الحديث: وهذه المرحلة مهمة لوقوف المتحدث على مدى نجاح حديثه في تحقيق أهدافه، فهي توفر له تغذية مرتجعة تمكنه من تحسين حديثه(رانيا شاكر، 2004: 90). ويرى إبراهيم محمد عطا ( 1996:  113 ـ 114 ) أن تعبير المتعلم عما في نفسه تعبيرًا شفويًا سليمًا بلغة خالية من الغموض والتعقيد هدفًا رئيسًا من أهداف تعليم اللغة،  ولا يمكن أن يصل التعبير الشفوي إلى هذا المستوى إلا من خلال تحقيق عدة جوانب تسهم في تحقيق الهدف من تدريس هذا النوع من التعبير،  وتحقيق الهدف في جانب اللغة يتأتى  بكثرة التدريب،  والممارسة الفعلية للحديث.  وأبرز ما يحققه التعبير ما يلي:  

1.  الثقة في النفس:  وذلك من خلال المواقف المكررة المختلفة التي يقف فيها في مواجهة زملائه،  وحينما يعتاد هذه المواجهة وتصبح أمرًا مألوفًا يمكنه مواجهة مجموعة أخرى من الناس دون خوف أو تردد.

2.  التغلب على بعض أمراض النطق؛  خصوصًا وأن الكثير منها يعود لأسباب نفسية أو مواقف اجتماعية أُحبط فيها أثناء الكلام أو وُوجه بالحرج أو القمع سواء في البيت أو في غيره،  والتعبير الشفهي يساعد على تخطي ما يترتب على تلك المواقف.

3.  الرغبة في زيادة الخبرات الشخصية عن طريق منافذ المعرفة المختلفة؛  لأن هذه الخبرات تمنحه فرصة الحديث،  وتلفت نظر الآخرين إليه،  وتجعلهم ينظرون إليه نظرة احترام وتقدير.

4.  الجانب القيادي:  وينمو هذا الجانب لدى المتعلم من حيث أنه يشعر باستقلال شخصيته وقدرته على إثبات ذاته،  كما يشعر بكيانه الاجتماعي وسط جماعة الرفاق.

ب- نوعا التعبير الشفوي: ينقسم التعبير الشفوي إلى نوعين هما:

1:تعبير شفوي وظيفي: إذا كان الغرض من التعبير الشفوي اتصال الناس ببعضهم البعض لتنظيم حياتهم وقضاء حاجاتهم فهذا ما يسمى بالتعبير الوظيفي؛ مثل المحادثة والمناقشة، وقص الأخبار، وكتابة التقارير، وإلقاء التعليمات والإرشادات، وعمل الإعلانات، وإعداد قوائم الكتب والمراجع، وكتابة المذكرات والرسائل والنشرات، وما إلى ذلك(علي احمد مدكور، 1988: 34).

ويكن تعريفه في البحث الحالي بأنه: تعبير تلاميذ الصف الأول المتوسط شفويا عن المواقف الحياتية التي  يتصل بأمور تهتم بقضاء حاجاتهم العامة.

مجالات التعبير الشفوي الوظيفي: يمكن عرض هذه المجالات من خلال الدراسات والبحوث التي تناولت موضوع التعبير الشفوي فيما يلي(علي أحمد مدكور، 1988: 34؛ خالد النجار،2006: 23):

المناقشة: تعد المناقشة أهم مجالات التعبير الشفهي الحي الذي يحبه المتعلمون على مختلف مستوياتهم التعليمية ويميلون إليه. وينبغي أن تحظى المناقشة بمكانة كبيرة في المدرسة لما لها من أهمية كبيرة في حياتنا؛ حيث يرى البعض أن حياتنا الحديثة بما تقتضيه من تخطيط وانتخابات ومجالس إقليمية ونقابات وما إلى ذلك، تقتضي أن يكون كل فرد قادرًا على المناقشة كي يستطيع أن يؤدي واجبه كعضو في مجتمع ديمقراطي.

المحادثة: وهي النشاط اللغوي الشفهي الذي يستعمل بصورة أكثر تكرارًا في حياة الإنسان، كما أنها أعظم نشاط كلامي يمارسه الصغار والكبار على السواء.

الحوار: وهو حديث يجري بين شخصين أو أكثر في العمل القصصي. وقد يكون الحوار سلسلة من الأسئلة والأجوبة المختصرة بين فردين أو أكثر، ويختلف الحوار عن المناقشة في أن الهدف من المناقشة يكون أكثر تحديدًا وأكثر وضوحًا منذ البداية، والهدف في المحادثة يكون أقل تحديدًا منه في الحوار.

إلقاء الخطب والكلمات: تعد الخطابة فنًا من فنون اللغة الشفهية، حيث يحتاج إليها الإنسان في كثير من المواقف الحياتية، كإلقاء كلمة أو خطبة في مناسبة معينة كالمناسبات الدينية، أو الاحتفالات الوطنية، أو عرض تقرير عن مؤتمر أو رحلة.

القصص والنوادر: تمثل القصة عاملاً تربويًا مهمًا ليس فقط في تعليم اللغة، ولكن أيضًا في تهذيب الأحاسيس وترقية الوجدان؛ حيث تمد المتعلم بألوان من الأدب الراقي في تعبيره وفكره وألفاظه وأساليبه.والقصة بما تحويه من فكرة وخيال ومغزى وحوادث ولغة لها أثرها في تكوين الناشئة.

المقابلات الشخصية: وهى محادثة جادة موجهة نحو هدف محدد، ومنها مقابلات مع مدير المدرسة حول الأنشطة المدرسية مثلاً أو إمكانية خدمة البيئة من خلال المدرسة، أو مع مدير الإدارة التعليمية، أو أحد المسئولين لمناقشته حول إحدى المشكلات التعليمية.

إدارة الاجتماعات: تعد إدارة الاجتماعات صورة من صور النشاط الاجتماعي الذي تبدو فيه الحاجة ملحة إلى الاستعمال اللغوي شفهيًا. وهو نشاط يمارس باتساع وخاصة في المجتمعات التي أصبحت لها ركيزة من الديمقراطية واشتراك الشعب في تحمل المسئوليات الخاصة به.

الوصف: الحياة اليومية مليئة بالمواقف والأحداث التي تشكل مجالاً خصبًا للتحدث حولها، يمكن للمعلم استغلالها كموضوعات يتحدث فيعها المتعلمون لوصفها؛ مما يساعد على تنمية لغتهم الشفهية. ومواقف الوصف هي المواقف التي تتطلب من المتعلم أن يصف شيئًا معينًا أعجبه أو أثار انتباهه.

المناظرات: تؤدى المناظرات دورًا هامًا في تنمية اللغة الشفهية لدى المتعلمين، حيث إنها صورة من صور الجدل الحاد، تعتمد على العرض المثير للمزايا والعيوب لموضوعات علمية أو ثقافية أو فلسفية أو دينية أو اجتماعية أو غيرها.

التعارف والترحيب: وهى من الأمور التي يجب أن يُدرِّب المعلم متعلميه عليها، خاصة وأن مواقف التعارف والترحيب تتكرر في حياة المتعلم في البيت والمدرسة والنادي إلى آخره.

2: تعبير شفوي إبداعي: وهو التعبير الذي يعبر به التلميذ عن مشاعره وأحاسيسه النابعة من وجدانه بأسلوب واضح ومؤثر، بحيث يعكس هذا التعبير ذاتيته ويبرز شخصية في إطار أدبي يبرز كثيرا من خصائص الأسلوب الأدبي المؤثر في الآخرين. وهذا النوع من التعبير له أهميته، لأنه يمكن التلاميذ من التعبير عما يرونه من أحداث وشخصيات وأشياء تعبيرا يعكس شخصياتهم، وبه تتضح ذاتهم، كما يمكنهم من التأثير في الحياة العامة بأفكارهم.

جـ- مهارات التعبير الشفوي الوظيفي: هناك العديد من التصنيفات التي تتصل بتصنيف مهارات التعبير الشفوي الوظيفي؛ حيث قسمتها بعض الدراسات إلى مهارات رئيسة تندرج تحتها مهارات فرعية، وكانت أهم المهارات التي انتهت إليها تلك الدراسات كما حددها البعض في: المقدمة، النطق الصحيح، الطلاقة، الوقفة المناسبة، الصوت المعبر، الأسلوب، والخاتمة(عفت درويش، 1988: 34-36). وذكرها آخرون دون تصنيف لها (إبراهيم عطا، 1996: 112؛ فتحي يونس وآخرون، 1996: 136؛ مصطفي رسلان، 2002: 106–107؛ رشدي طعيمة ومحمد مناع، 2000: 103؛ محمود عبد الحافظ، 2010: 87).

ويرى كل من محمود كامل الناقة(2000: 599؛ وعبد الحميد عبد الله 2003: 210 -213؛  وحيد حافظ 2005: 9) أن التصنيف الأمثل لتلك المهارات هو ما يرتبط بطبيعة عملية التعبير وبمكوناتها، ومن ثم فإن المكونات الأساسية لعملية التواصل الشفوي هي:

الجانب الفكري، ويتضمن: الاستهلال بمقدمه مشوقة، تقديم حلول ومقترحات، التعبير عن الفكرة بوضوح، ترتيب الأفكار ترتيبا منطقيا، توليد فكرة من أخرى، واستخلاص النتائج.

الجانب اللغوي، ويتضمن: استخدام كلمات مناسبة للسياق، التعبير بكلمات محددة الدلالة، استخدام جمل صحيحة في تراكيبها، استخدام أنماط متنوعة للجمل، استخدام جمل تعبر عن المعنى، توظيف الصور البلاغية خدمة للمعنى.

الجانب الصوتي، ويتضمن: الحديث بصوت واضح، وبثقة في النفس ودون ارتباك، استخدام طبقة صوتية مناسبة، التحدث بالسرعة المناسبة، مراعاة مواطن الفصل والوصل، والتمييز بين الظواهر الصوتية.

الجانب الملمحي، ويتضمن: تحريك أعضاء جسمه وفق المعنى، استخدام تعبيرات وجهه وفق المعنى المعبر عنه، استخدام الإيماءات المناسبة، مواجهة المستمعين وتحريك النظر في جميع الأركان، استخدام حركات وإشارات تسهم في جذب انتباه المستمعين

 الجانب التفاعلي الإلقائي: وفيه يكون التركيز على احترام المستمعين ومجاملتهم واستثارتهم للمشاركة في الحديث والحرص علي التمتع بالثقة والحس الفكاهي.

د- أساليب تنمية التعبير الشفوي الوظيفي:

هناك العديد من الأساليب التي تساعد في تنمية هذه المهارات، منطلقًا من حقيقة لا يمكن إغفالها وهي أن المتعلمين لا يمكن أن يتعلموا الكلام دون أن يتكلموا، ومن هذه الأساليب: لعب الأدوار، الترجمة أو التفسير، مشاركة المتعلمين في التحدث حول بعض المثيرات الموجودة في حجرة الدراسة، الأنشطة خارج الفصل، استخدام القصص القصيرة، استغلال المواد الدراسية المختلفة وما فيها من مجالات متنوعة، نشاطات المجموعة، التعبير عن المواقف الحياتية، التعبير عن الدوافع، الحديث حول الاهتمامات، الحديث حول التصورات عن العالم، التعبير الشفوي الحر، التعبير الشفوي عقب القراءة، أسلوب المشاركة أو المقايضة(محمود رشدي خاطر، ومصطفي رسلان، 2000؛ رانيا شاكر).

هـ- أساليب تقويم التعبير الشفوي الوظيفي:

تشير العديد من الدراسات والبحوث السابقة في مجال تدريس التعبير الشفوي بشكل عام والتعبير الشفوي الوظيفي بشكل خاص إلى صعوبة تقويمه، ويرجع ذلك للعديد من الأسباب لعل أهمها: أن درجات اختبارات التعبير الشفوي من أقل درجات الاختبارات اللغوية مصداقية بسبب صعوبة تقدير القائم بالملاحظة لأداء عدد كبير من الطلاب في وقت واحد، طبيعة مهارات التعبير الشفوي  نفسها، فمن الصعب تحديدها وتعريفها بشكل دقيق، تأثر الحكم بالانطباعات الشخصية لدى من يقوم به(رانيا شاكر، 2004: 148).

وبشكل عام فإن أساليب تقويم التعبير الشفوي الوظيفي تتنوع لتشمل الاختبارات التحريرية، واختبارات التتمة، وأسلوب الملاحظة والذي يعد من أفضل أساليب التقويم للتعبير الشفوي، حيث يمكن من خلاله تقديم مواقف وظيفية طبيعية للطلاب، وملاحظة أدائهم الشفوي.

و-أسس اختيار طرائق تدريس التعبير الشفوي الوظيفي:

هناك عدة أسس يتم من خلالها اختيار الطرائق المناسبة لتدريس التعبير، ومنها: أن توفر الطريقة للتلميذ الأمن الذي يطلق حريته في التعبير دون خوف من السخرية أو النقد اللاذع، وأن يرتبط التخطيط فيها بنموه بمعنى أن تراعي خصائص المرحلة العمرية والفروق الفردية التي تجبر المعلم على التنويع في طرائق تدريسه؛ فمثلاً حينما يكون نمط المتعلم حسياً نتبع الطريقة المعتمدة على الحس-عبر الوسائل السمعية والبصرية-، حينما يكون نمطه حركياً يستهويه اللعب توظف الألعاب اللغوية في أنشطة التعبير، وأن تتيح الطريقة للتلميذ اختيار أفكاره في الموضوع المتناول كذلك اللغة التي يعبر عنها وألا نفرض عليه خطاً فكرياً معيناً، بالإضافة إلى مساعدة  الطريقة التلميذ على استثمار فرص التعبير المواتية في مختلف الأنشطة اللغوية، وأن تربط الطريقة بين تعبيره وقراءته؛ بحيث تكون الموضوعات المختارة موصولة بنشاط قرائي سابق أو حافزاً لنشاط قرائي جديد يهدف لتزويد المتعلم بالجديد من الخبرات والمهارات التعبيرية مع تنمية ما مرَّ منها، وأن يظهر المعلم فيها نموذجاً لتلاميذه في التزامه اللغة وترتيب أفكاره، وفي دقه استخدامه للغة(حسن جعفر الخليفة، 2004: 252)

وثمة أسس علمية أخرى تتعلق باختيار طريقة التدريس المناسبة لتدريس التعبير يري الباحث ضرورة مراعاتها، وهي أسس استمدها من تصور ينطلق فيه من إطار فكري يرى من خلاله أن نظريات تعلم اللغة تفرض على القائمين بتعليم اللغة بشكل عام والتعبير بشكل خاص اختيار طريقة التدريس التي تناسب تفسيرها لتعليم وتعلم التعبير، وهذه النظريات هي:

أولا: تبنى نظرية من نظريات التعلم عند اختيار طريقة التدريس المناسبة للتعبير:

شهدت الآونة الأخيرة تغيرات جذرية في تفكير الناس واتجاهاتهم نحو تعليم اللغة؛ حيث تؤكد العديد من البحوث والدراسات والتطبيقات الميدانية التي أجريت في هذا الميدان أهمية النظر إلى دروس تعليم اللغة كمدخل لتشكيل أو تنمية مهارات الاتصال اللغوي لدى الناشئة، وتبنت لتحقيق هذا الغرض العديد من نظريات التعلم التي فسرت من خلالها عملية تعليم وتعلم اللغة وبخاصة التعبير، ومنها:

1: النظرية السلوكية Behavioral Theory: يرى أصحاب هذه النظرية أن السلوك – بما في ذلك السلوك اللغوي – ارتباط بين مثير واستجابة، وبالتالي يكون المعنى هو الارتباط القائم بين المثير القادم من العالم الخارجي والاستجابة اللفظية للفرد، وهذه النظرية تتفق مع أصحاب النظريات البيئية التي تهتم بالجوانب البيئية في تفسير السلوك الإنساني(أحمد مختار، 1998: 61). ويذهب علي أحمد مدكور(2009: 957)إلى أن النظرية السلوكية لم تبدأ حديثا مع السلوكيين في القرن العشرين وإنما تمتد جذورها عبر التاريخ إلى ابن خلدون المتوفى سنة 727هـ وإلى نظريته المسماة "الملكة اللسانية".

2: النظرية المعرفية Cognitive Theory: تشير النظرية المعرفية إلى تصور نظري لتعليم اللغات يستند إلى الفهم الواعي لنظام اللغة كشرط لإتقانها، وأن الكفاية اللغوية سابقة على الأداء اللغوي وشرط لحدوثه(رشدي أحمد طعيمة، 2000: 398).

وتعد هذه النظرية التعليم عملية عقلية بنائية نشطة يقوم فيها المتعلم بدور إيجابي في اكتساب المعرفة بوجه عام والمعرفة اللغوية بشكل خاص، وكذلك في تذكرها وتوظيفها فهم مشاركون في خبرات التعلم ليسوا مستقبلين وحسب بل يبنون معرفتهم ويبذلون الجهد ويعيدون تنظيم معرفتهم السابقة لتحقيق استبصارات جديدة. والمتعلمون في ضوء هذه النظرية ليسوا صحفا بيضاء تسطر فيها ما تشاء لكن لديهم بنية معرفية ويقومون بدور إيجابي في عمليات بناء المعرفة وتحصيلها وتخزينها ومعالجتها(فايزة السيد، 2009: 35).

3: النظرية البنائية Constructivism: ينطلق أصحاب هذا الاتجاه من أن سلوك الفرد يكون محكوما ببنائه المعرفي، ويصبح ما لدى الفرد من معرفة مؤثرا بدرجة كبيرة على ما يمكن أن يضيفه المتعلم إلى بنيته المعرفية، وبالتالي على ما يمكن أن يكتسبه أو يتعلمه، أي أن ما يتعلمه الفرد يعتمد على ما يعرفه فعلا، والطريقة الرئيسة للحصول على معلومات جديدة تضاف إلى البناء المعرفي هي أن يقوم الفرد بتمثيل واستيعاب هذه المعلومات على أنها جزء من بنائه المعرفي في عملية احتواء أو دمج ينشأ عنها ما يمكن تسميته بالبناء الثانوي الذي يهتم بعملية ربط الفكرة الجديدة أو المعلومة الجديدة بما هو موجود لدى الفرد من معلومات وأفكار(أنور الشرقاوي، 1998: 138).

وقد انبثق عن البنائية عدة نماذج، وطرائق تدريس، واستراتيجيات تدريس قام بعض الباحثين بتجريبها في تدريس التعبير من أجل الوقوف على فعاليتها في تنمية الأداء اللغوي لدي الطلاب، ومن هذه الاستراتيجيات استراتيجية التعلم المتمركز حول المشكلة، التعارض المعرفي، استراتيجية المنظومات المفاهيمية، وطريقة المهام وغير ذلك.

ثانيا: تبني نموذج من نماذج تفسير التعبيرComposition Models: هناك عدة نماذج تعليمية قدمها التربويون عند تفسيرهم للتعبير، وقد انعكس تأثير هذه النماذج على اختيار طريقة التدريس المناسبة للتعبير وفق الرؤى المختلفة لعملية التعبير ذاتها، وطبيعته، وأنواعه، وأهداف تعليمه؛ فمنهم من ينظر إلى التعبير على أنه إنتاج للفرد، ومنهم من يرى أن التعبير عمليات عقلية وذهنية يقوم بها، وأخيراً يأتي التفسير التفاعلي للتعبير، وذلك علي النحو التالي:

1: التعبير كمنتج Product: ركزت هذه النماذج على المنتج النهائي للتعبير، ورأت أن تدريس التعبير يجب أن يتم التركيز فيه على هذا المنتج في شكله النهائي، أياً كان نوعه مقالاً أم تقريراً، أم قصة وكل ما يمكن إنتاجه تحدثا أو كتابةً، وقد كان التركيز على هذا المنهج من حيث: مقابلة النموذج الأصيل للغة، وانعكاس القواعد في موضوع التعبير، وتوافقاً مع بصيرة المستمعين والقراء. كما تركز هذه النماذج في تدريسها للكتابة على القواعد الإملائية، وجمال الخط، وصحة العبارات النحوية والصرفية، بشكل أكبر، وأهملت جوانب العمليات العقلية للكتابة(فايزة السيد،2009: 34).

2: التعبير كعملية  Process: تنتمي هذه النماذج إلى علماء النفس المعرفيين والبنائيين، وقد ظهرت نتيجة للتطور في بحوث التحدث والكتابة في مجال علم النفس، ويركز أصحاب هذه النماذج على المحتوى والرسالة، والدوافع الداخلية للمتحدث وللـــكتابة، وهو ما يسمى أو ما يصطلح عليه بعمليات التحدث Speaking Processes، وعمليات الكتابةWriting As a Process. لقد تحولت النظرة إلي التعبير من كونه منتجا نهائيا إلي كونه عملية عقلية، تتمثل في أن الفرد لا يسأل نفسه سؤالا واحدا عن الغرض والجمهور المستهدف من الموضوع، ولكنه يسأل نفسه كيف أتحدث كيف أكتب هذا؟ وكيف أبدأ، حيث يقوم كل من المتحدث أو الكاتب بإجراء مناقشات عن كيفية البدء وكيفية تنظيم المهمة على النحو التالي(علي مدكور، 2009: 111):

3: التعبير باعتباره عملية تفاعلية Interactive Process: ترى هذه النماذج أن اللغة نتاج تفاعل العوامل الفطرية مع العوامل البيئية، دون الفصل بينهما أو تفضيل عامل على آخر. ويمكن القول: بأن اللغة نتاج لكل ما سبق، مع الاهتمام بجانب التفاعل والتأثير والتأثر القائم بينها، فلا يمكن أن نصل إلى المعنى بواحدة منها دون الأخرى، مما يجعل تدريس التعبير يركز على تلك التفاعلية في جميع مكوناته، خاصة في الأنشطة التعليمية.

ثالثا: تبنى مدخل من مداخل تعليم اللغة: يعرف المدخل بأنه مجموعة من المسلمات أو المنطلقات والافتراضات المسلم بصحتها بين أهل الاختصاص في التدريس، والتي تترابط فيما بينها بعلاقات وثيقة، بعضها يرتبط بطبيعة المادة، وبعضها يرتبط بعمليتي التعليم والتعلم(فايزة السيد، 2009: 31). وهناك العديد من مداخل تعلم اللغة، يعتمد كل واحد منها على نظرية لغوية أو نفسية أو هما معا الأمر الذي ينعكس على اختيار طريقة التدريس المناسبة للتعبير ومن هذه المداخل المدخل الوظيفي، المدخل الإيحائي ، ومدخل الوعي الأدبي وغير ذلك .

المصدر: دكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 16/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 2825 مشاهدة
نشرت فى 25 يونيو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,446