للثقافة الإسلامية خصائص تميزها عن غيرها من الثقافات الأخرى،لأنها تستمد قوتها من القران والسنة، وهما المصدران اللذان يجد فيهما المسلم ما يصلح شأنه كله في جميع المجالات، وبالتالي ترسم له حياته العقدية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية فيكون مسلما متفاعلا مع الكون والإنسان والحياة، وكل هذا يساهم في رفع الثقة لدى الدارس فتتحول المعرفة من جانب نظري إلى جانب سلوكي يمارسه المسلم في حياته العامة والخاصة، ومن هنا نذكر هذه الخصائص المتمثلة فيما يلي:
1- ربانية المصدر:
تعد الربانية أهم خصائص الثقافة الإسلامية، وتبني عليها وفي إطارها جميع الخصائص الأخرى ، فهو رباني المصدر والغاية ، وإن أبرز ما تنفرد بها الثقافة الإسلامية عن غيرها من الثقافات أنها ثقافة تستقي مفاهيمها وحقائقها ومضامينها ومبادئها وطرقها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما غيرها من الثقافات فمن صنع البشر" ذوي العقل المحدود ، والتفكير القاصر ، وذوي النزاعات والأهواء المتباينة ، وينعكس ذلك على ما صنعوه من مناهج لا تستطيع أن تغذي مشاعر الإنسان، ، أو تنهض بحاجته ، كما لا تستطيع أن تقود خطاه على درب الحياة.(سبع،1971،ص80)
بل ودعا الإسلام إلى توجيه الإنسان ليكون ربانيا في كل أفعاله وأقواله الظاهرة والباطنة إخلاصا لله تعالى ، يقول سبحانه وتعالى ((قل إن صلاتي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت أن أكون أول المسلمين )) (سورة الأنعام آية: 162-163)
وربانية الثقافة الإسلامية يقصد بها أمران :
ربانية المصدر والمنبع ، وربانية الوجهة والغاية.
فكونها ربانية المصدر والمنبع ؛ لأنها أول مقومات النظام الإسلام ، إنه نظام رباني (( صادر من الله للإنسان ، وعمل الإنسان فيه هو تلقيه وإدراكه والتكيف به،وتطبق مقتضاته في الحياة البشرية )) (قطب،1402هـ، ص44)
أما كونها ربانية الوجهة والغاية ( ( فلأن الإسلام يجعل غاية الإنسان الأخيرة وهدفه البعيد، هو حسن الصلة بالله تبارك وتعالى، والحصول على مرضاته، فهذي غاية الإنسان ووجهة الإنسان ومنتهى أمله وسعيه وكدحه في الحياة (القرضاوي،1401هـ، ص 7 )
وتبدو هذه الربانية في قوله تعالى: ((وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون (51) وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون )) (سورة النحل، آية: 51-52)
وربانية الثقافة الإسلامية تتمثل في الغاية من وجود الإنسان وهي عبادة الله عز وجل، هذه الغاية التي تسند إليها مجالات الثقافة الإسلامية التي من شأنها أن تزرع في نفوس هؤلاء الدارسين دافعا فطريا داخليا نحو الاستقامة، من غير الحاجة إلى رقابة خارجية من سلطان أو قانون.
ولتضمين هذه الخاصية في محتوى كتب تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها آثار تربوية منها:
1. أن هذه الخاصية لمنهج العلوم الشرعية هي التي أعطته قوته وقيمته الكبرى، إذ جعلت له مكانة عظيمة في نفوس المسلمين،إذ يتلقونه بالقبول والطاعة وسرعة الانقياد ، مما يوجب العناية بها لمواجهة الانحرافات الفكرية والعقدية والسلوكية التي يعاني منها المجتمع، فمهما استخدمنا من أسلحة متقدمة ، وتقنيات متطورة لمواجهة أي انحراف فكري فإنها لا يمكن أن تقارن بأثر النص الديني المعظم في النفوس.
2. كما أن هذه الخاصية تعطي تصورا واضحا لحقائق الوجود الكبرى الكون والحياة والإنسان، ولحقيقتي الإلوهية والعبودية؛ مما يثمر سلامة الفرد المسلم من الصراع والتمزق النفسي والفكري ، خلافا للمناهج الأرضية التي تعاني من آراء غامضة ومتعارضة في تفسير قضايا الوجود الكبرى .
3. موافقة منهج العلوم الشرعية للفطرة الإنسانية، فهو منهج إلهي، يتجاوب مع الفطرة الإنسانية ،ويلبي حاجات الطلاب، ويتابع قضايا العصر، ويعطي الحياة أنبل العطاء، يؤمن بالعقل ومقدرته علا الاستنباط والاجتهاد .
ولقد تميزت الثقافة الإسلامية بالأساس الرباني فمصدره الأول هو الوحي الإلهي الذي وضع الأصول والقواعد ووضع الأهداف والمقاصد وبين الطريق وهدى إلى الصراط المستقيم ولهذا المعنى كان للثقافة الإسلامية القبول والاحترام، ولذلك نجد أن كثيرا من الثقافات لم تحظى بالقبول لاعتمادها على القوانين البشرية التي يعتريها كثير من النقص.
فهذا المصدر – ألا وهو القرآن – أسلوب حياة الأمّة لما احتواه من مبادئ وقيم وأحكام وعقيدة من شأنها تنظيم حركة الفرد والمجتمع وضبطها في شتّى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والعمرانية وغير ذلك، وهذا يمثل مفهوم الثقافة الإسلامية، ومن خلال هذه الخاصية يدرس الدارسون اللغة العربية كلغة ثانية تعاليم هذا الإسلام وآدابه وأخلاقه وشرائعه.
2- عالمية الثقافة.
هذه الثقافة رسالة إنسانية عامّة لا تفرق بين إنسان وآخر من أجل لون أو دم أو موطن، فالإسلام يحارب كلّ دعوة عنصرية تقوّض وحدة الأمّة، وجعل معيار التفاضل بين الناس بالتقوى قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله اتقاكم) سورة الحجرات: 13.
والثقافة الإسلامية ليست ثقافة العرب ولا الفرس إنّها ثقافة البشر كلهم على اختلاف أجناسهم وألوانهم، لأنّها صالحة لكلّ زمان ومكان لما تحتويها من المبادئ السامية والقيم الرفيعة التي جاء بها الإسلام لإسعاد البشرية جمعاء.
3.التوازن
الثقافة الإسلامية ثقافة متوازنة بين مطالب الروح والجسد، والفرد والمجتمع، والدنيا والآخرة، فهي متوسطة ومعتدلة، بلا إفراط ولا تفريط، ولا مغالاة ولا تقصير، ولم تغلب جانب على حساب جانب آخر، بل وازنت بين جميع جوانب الإنسان، وأعطت كل جانب حقه . قال تعالى ((وابتغ فيما ءاتك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا)) (سورةالقصص:الآية:77)
ويقول الجلاد (1425،ص61)أن تحقيق التوازن في الفكر والسلوك، وفي التفاعل مع مظاهر الحياة ومجرياتها وشواهدها، قضية بالغة الأهمية ترتبط حقيقة الحياة ومعناها، وهي ضابط لا يمكن إهماله أو إنكاره أو التقليل من شأنه في رسم منهج حياة لأفراد والجماعات فالتوازن والوسطية والاعتدال أساس الاستقرار النفسي والسلوكي للأفراد، وضمان لسلامة الأنماط والتفاعلات الاجتماعية والسلوكية بينهم، ومعيار للحضارة الإنسانية وما بينها من تبادلات فكرية وثقافية وحضارية .
ومما يدل عل التوازن في هذا الأمرما رواه البخاري في صحيحه بسنده عن حميد بن أبي حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول : ((جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم له من ذنبه وما تأخر : قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدا ، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدا ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أنتم قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصًوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني )) (البخاري،
وهكذا علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم أن تقوى الله وخشيته لا تكون ترك الدنيا والانقطاع للعبادة، فهو عليه الصلاة والسلام أحسن الناس وأتقاهم له، وفي ذات الوقت لم يهدر حقه من الدنيا، (القرضاوي ،1995،ص184-185) .
ولتضمين هذه الخاصية في محتوى كتب تعليم اللغة العربية لغير الناطقين لغيرها آثار تربوية منها:
1- تكوين الشخصية المتوازنة التي تراعي حق الجسد والروح، الدنيا والآخرة، والفردية والاجتماعية.
2- تحقيق سعادة الفرد والمجتمع ورقيهما.
3- الابتعاد عن السلوكيات السلبية المغالية التي تميل لجانب على آخر، والقضاء على أسباب الإفراط والتفريط ومعالجتها. (الجلاد، 1425، ص61).
وينبغي على القائمين في إعداد برامج تعليم اللغة العربية كلغة ثانية توظيف هذه الخاصية في عناصر المنهج من حيث اختيار الأهداف التي تتعلق بجوانب الشخصية، واختيار محتويات المناهج؛ بحيث تتضمن هذه المناهج أفضل ما في مجالات الثقافة الإسلامية وأنفع ما حققه التقدم الحضاري الإسلامي ممّا يقدم لهؤلاء الدارسين الرؤية الصحيحة لهذا الإسلام.
4 ــ الشمول والتكامل:
يتصف الدين الإسلامي الذي تقوم عليه ثقافتنا بالشمول والتكامل وتنطلق هذه الشمولية من الأمور التالية:-
الأول:العقيدة التي تعطي المسلم تصورا كاملا عن الإنسان والكون والحياة.
الثاني:إحاطة الشريعة بالإنسان فهي تصاحبه طفلا وشابا وشيخا بل إنها تعتني به قبل ميلاده.
الثالث: الشريعة الإسلامية قانون شامل يضم كل القوانين التي سماها البشر بأسماء مختلفة.(الأشقر،1425،ص73،74).
تعتبر هذه الخاصية مهمة جدا في بناء المنهج وذلك لأن شمولية الثقافة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان كما أنها لم تترك صغيرة ولا كبيرة إلا بينتها فحينما تتعدد مفردات المنهج لتشمل العقيدة و مبادئ الشريعة والآداب النبوية والتقاليد الإسلامية فإنها تساهم في إمداد الطالب بما يحتاجه من تصورات سليمة نحو الكون والإنسان والحياة، لاسيما في هذا العصر الذي اتسم بالمادية التي أفرزتها الفلسفات غير الإسلامية، والتي بنى عليها العلم مفاهيمه ونتائجه، ومن بذور هذه الفلسفات ذلك النموذج الذي تمثله التربية الحديثة وهو"إشباع رغبات الفرد وإعداده للحصول على ما فيه مصلحة"ضاربة بذلك عرض الحائط بالقيم الخلقية والروحية التي تمثل الركيزة الأساسية في بناء الشخصية الإنسانية كما فطرها الله عزوجل.
5- الاستمرارية:
فهي ثابتة ومستمرة لأنها تقوم على العقيدة،و العقيدة ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ولا تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة ،ومع هذا فهي مرنة لا تقف جامدة أمام الحوادث والمستجدات بل تتعامل مع القضايا الطارئة في كل عصر،لهذا تبعث الطمأنينة في حياة الفرد والمجتمع بأنه لا يعايش ثقافة تتأرجح وتتغير حسب الأهواء والأجواء والمصالح،فقد ختم الله تعالى بالإسلام الشرائع والرسالات السماوية كلها وأودع فيه عنصر الثبات والخلود والمرونة والتطور معا وهذا دليل على صلاح هذه الثقافة لكل زمان ومكان (القرضاوي،1999،ص203)
وينبغي أن تتجلى هذه الخاصية في المحتوى الثقافي الإسلامي لكتب تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها؛ حيث ثبات الحقائق والمعارف والقيم والمبادئ الإسلامية التي من دورها ضبط الفكر الإنساني، فلا يتأثر بالبدع والأهواء والشهوات ولا سيما بأنّهم طلاب وافدون من بلاد مختلفة ربما يحملون شيئا من ثقافة مجتمعاتهم التي يعيشون فيها، وهي بالطبع مجتمعات غير إسلامية أو أن الإسلام يمثل فيها أقلية، وهذا لا يمنع الدارس بأن يجتهد وأن يرتقي في أسباب الكمال والتقدم مع المحافظة على هويته الإسلامية.
6- بثها روح التميز في الأمة:
في هذه الظروف يواجه العالم المعاصر تكتلات وهيمنة كان من إفرازاتها مفهوم العولمة الذي يريد أن يصهر العالم كله في بوتقة واحدة ركيزتها الأساسية هي المبادئ التي تتبناها الدول الكبرى بغرض فرض لغتها وثقافتها وسيطرتها على ما تملكه الشعوب وبخاصة الشعوب الإسلامية والعربية من ثروات، ولذا يقول جوهر()أن العولمة اللغوية لا تقل خطورة من ذلك بل إنها أخطر ألوان العولمة لأنها لا تعني عولمة اللغة الإنجليزية (وهي اللغة التي تتسلح بها الدول الكبرى في شن هجوم العولمة على العالم) وهيمنتها على سائر اللغات فقط وإنما تعني أيضا عولمة ثقافة هذه اللغة وسيادتها على ثقافات العالم كلها. واللغة العربية تعد أكثر ما يتعرض من اللغات لهذه النوع من العولمة. ذلك لكونها لغة أجنبية ولغة دينية في آن واحد مما يعني أن المواجهة بين الإنجليزية والعربية في ضوء العولمة تعني المواجهة بين الثقافة الغربية والثقافة الإسلامية –الأمر الذي قد أشعل غزوا فكريا منذ قرون.
إن الشعور بالتميز يصون في الأمة مقومات وجودها، وينشئ لها كيانا راسخا صلبا، لا يعتريه التصدع،أو ينفذ إليه الخلل ،مادام هذا الشعور مستندا إلى الحق والخير والفضيلة منبثقا من جوهر العقيدة وأصولها الثابتة متصلا بالشريعة وأحكامها بأوثق سبب.(الخطيب،1979 ،ص 79)
إذا كانت الثقافة الإسلامية بهذا الثراء ، لاتصافها بكل ما يحقق لها البقاء والاستمرار،فضلا عن كونها ترتبط بالواقع بكل ما فيه من متغيرات وتراعى طبيعة الإنسان أينما وكيفما كان،وفوق ذلك كله تعتمد على مصدرين أساسيين ،هما كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ،فإذا كانت كذلك فإنه من المفيد لمن يريدون تعليم اللغة العربية بوصفها السبيل لتعلم الثقافة الإسلامية أن تكون هذه الثقافة هي المحتوى الذي تعلم من خلاله اللغة العربية ،وبناء على ذلك يكون قد تحقق للمتعلم هدفان في موقف تعليمي واحد ،هما تعلم اللغة العربية والثقافة الإسلامية.
ساحة النقاش