الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

ظهرت عدة مناهج في دراسة التذوق الأدبي ، وسوف نستعرضها بهدف معرفة المناهج التي تسهم في تنمية التذوق الأدبي .

المنهج التاريخي : ويقوم هذا المنهج علي الصلة الوثيقة بين الأدب والتاريخ ، فمن المسلم به . أن الأديب ابن عصره وبيئته، وأن الأدب مرآة تنعكس عليها أحداث العصر والبيئة .

ولكي نفهم العمل الأدبي لابد أن نستعين بالأحداث التاريخية ، والمؤثرات الخارجية التي نشأ في ظلها العمل الأدبي وكما يدرس هذا المنهج حياة الأدباء وعصرهم ، فإنه يدرس أيضا النصوص الأدبية بتحرير نسبتها إلي أصحابها اعتمادا علي تاريخ أصحابها ، وتاريخ عصورهم ، ولقد سبق تطبيق هذا المنهج عند كثير من نقاد العرب ، كابن سلام في ( طبقات فحول الشعراء ) ، وابن بسام في ( الذخيرة ) ، والثعالبي في ( يتيمة الدهر ) .

ويؤكد أصحاب هذا المنهج أن الدراسة التاريخية للعمل الأدبي وصاحبه تساعدنا علي أن نستمتع بآداب عصور مختلفة وحضارات ولت ؛ لأنها ترد إلي العمل الأدبي الحياة واللون ، الذي كان عليها عند مولده ، وتجعلنا نعايش هذا العمل ونفهمه في ضوء ظروفه المحيطة به ، بما يمكننا من الحكم عليه حكما موضوعيا .

 (سيد قطب  1983 ، 114 )

ويتضح مما سبق أن المنهج التاريخي يركز علي أمور خارجة عن العمل الأدبي كالعوامل البيئية والزمانية والمكانية المؤثرة في الأديب وأدبه ، وغيرها من الأمور الخاصة التي لا تفيد ويهمل إهمالا تاما الجوانب الفنية والجمالية والنفسية والاجتماعية الموجودة في العمل الأدبي نفسه ، الأمر الذي  يجعل الدراسة الأدبية – في ضوء هذا المنهج – دراسة هامشية أو وثيقة تاريخية نستدل منها علي الأديب وعصره ، والخصائص التي تميز بها .

المنهج النفسي : وهو المنهج الذي يربط بين العمل الأدبي ونفسية صاحبه ، ودلالة هذا العمل علي شخصية صاحبه ، وبيان ما عاناه من عقد ومواقف أثرت في توجه مزاجه الشخصي .والعمل الأدبي وفق هذا المنهج تعبير عن تجربة شعورية عاطفية واستجابة لمجموعة من المؤثرات الخاصة والقوي النفسية ، فالأديب متأثر بحالته النفسية التي يمر بها في حياته ، والربط بين عناصر التجربة وأعماق النفس ، والمؤثرات النفسية ليست حكراً علي الشاعر بل تمتد للمتذوق الذي تؤثر حالته في الحكم علي النص كما يتأثر بالآخرين في تلقيه للعمل . إذن المنهج النفسي يركز علي علاقة العمل الأدبي بصاحبه ، ودراسة الأدب من وجهه نظر علم النفس، وذلك لمعرفة أسرار بنية العمل الأدبي ، وأبعاد معانيه ، من هنا نجد حرص بعض النقاد والدارسين للأدب علي تحليل النصوص الأدبية ، وتفسيرها في ضوء مفاهيم وأسس جديدة مستوحاة من نظرية في التحليل النفسي . وبذلك يتضح لنا أن المنهج النفسي يهتم بالأديب أو الشاعر أكثر من اهتمامه بالنص الأدبي نفسه كفن جميل ، حيث يركز في دراسته للنصوص وفي تذوقها علي تحليل شخصية الأديب ، وعلي استبطان تجاربه الشعرية ، وعلي تقصي دفقات اللاوعي أو اللاشعور التي تصدر عنها تجربته الفنية من خلال عواطفه ، وأفكاره ، وصوره ، وأخيلته ، وألفاظه المتضمنة في النص الأدبي . وكذلك البحث عن الدوافع الكامنة وراء إبداع العمل الفني ، كل ذلك بعيدا عن الاهتمام بالنص الأدبي ذاته ، مع إهمال للجوانب الفنية والجمالية والفكرية الموجودة فيه.

(ماهر شعبان  2002 ، 84 ) 

المنهج الاجتماعي : وهو منهج يدعو إلي اتصال الأدب بالحياة كما هي عليه ، لا كما ينبغي أن تكون عليه وينادي بمشاركة الأديب في قضايا مجتمعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية . ويسعي إلي العمل علي تقدمه ورقيه ، ويطالب بالعيش بكرامة لكل فرد من أفراده .

وأصحاب هذا المنهج يرون أن مهمة الأديب هي توجيه الجماهير ، وتنويرها ، والنهوض بها إلي مستوي أعلي من التفكير ، وتبصيرها بواقعها ، وتبني قضاياها المصيرية ، ومساعدتها في التغلب علي مشكلات التخلف والأمية والجهل والمرض والصراع بين الطبقات الاجتماعية ، وعدم الكذب عليها وتضليلها ، وإقناع الإنسان بأن يكون إنسانا ينعم بإنسانيته ، في مجتمع تسوده الحرية والمساواة والعدالة  .

 (العربي درويش 1989 ، 128)

وبهذا يتضح أن المنهج الاجتماعي ينظر للأدب والأديب علي حد سواء نظرة خاصة ؛ فهو ينظر للأديب علي أن وظيفته اجتماعية ، وأن وظيفته هي الوظيفة نفسها التي يقوم بها الكاهن أو الإمام .

فالأديب الحق في نظر هذا المنهج هو الذي يربي الضمائر ، ويوجه الأخلاق ، وتنسحب النظرة نفسها علي الأدب ؛ فالأدب الحق هو الذي تتوفر فيه ميزة الإرشاد والوعظ ، ويكون موضوعه المجتمع .

وعلي هذا الأساس فالمنهج الاجتماعي في دراسة النص الأدبي يهتم بإبراز المضامين الاجتماعية للنص الأدبي ، وإلي أي مدي يتمكن الأديب من تشخيص الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية التي عاشها ، فهو لا يقوم البناء الفني للعمل الأدبي بقدر ما يقوم المضمون الاجتماعي .

وهذه بالطبع نظرة ضيقة للعمل الأدبي ، فليس المضمون الاجتماعي هو كل ما في العمل الأدبي ، بل جانب نتلمسه بين أبيات وسطور العمل الأدبي في أثناء دراستنا له وتحليله وليس هو الغاية من الدراسة . فهناك الجوانب الجمالية والفنية والفكرية.

 ( بدر العمر  2006 ، 45 )

المنهج الفني :يركز هذا المنهج علي العمل الأدبي نفسه ؛ حيث يهتم بما فيه من مواطن الجمال ، والمظاهر الفنية ، وألوانها وأنواعها ، ومدى إجادة المبدع فيها ، ومدى اختيار اللفظ المناسب ، وحسن التنسيق ، وتركيب الجملة بطريقة فنية تبرز المضمون ، واختيار الصورة الحقيقية والمجازية ، وموسيقى الشعر ، وتأثير كل ذلك في المضمون والأفكار ، وصلة كل هذا بالعواطف والمشاعر .

وهكذا انصرف الجماليون إلي العناية بالشكل ، والصيغ اللغوية ، دون الالتفات إلي المضامين الفكرية والخلقية في النصوص الأدبية التي يدرسونها.

ورغم تعدد ميزات هذا المنهج  والتي ترقي به ، وتضعه في مقدمة المناهج الأدبية النقدية ، إلا أن إهماله للظروف التاريخية والاجتماعية والنفسية المحيط بالعمل الأدبي ، تجعل الدراسة الأدبية فيها نوع من القصور .

(محمد جاد  2003 ، 35 )

المنهج اللغوي : وهو المنهج الذي يركز علي العمل الأدبي من حيث إنه لغوي وشكل فني قائم بذاته ، مستقل عن شخصية مبدعة ، وعن الظروف التي أحاطت بعملية الإبداع .

    فأصبحت اللغة في ظل هذا المنهج هي جوهر الأدب ، وهي عالمه الحقيقي ، والكلمات هي اللبنات التي تكون البناء اللغوي ، والتي تنتظم في عبارات . 

(ثريا محجوب  1991 ، 85 )

وينطلق المنهج اللغوي من الرؤية النصية في دراسة العمل الأدبي فهو يهتم بالعمل الأدبي عامة ، وبتراكيبه اللغوية ( اللفظية والنحوية والصرفية والصوتية ) خاصة ، وذلك للوصول إلي أبعاد الدلالات التي تكمن في تركيبه اللغوي .

وهكذا يتضح أن أصحاب المنهج اللغوي لا يقفون في تذوقهم للنص الأدبي عند المعاني المباشرة ، وإنما يتعدون هذه المعاني لسبر أغوار النص ، واستخلاص المعاني والدلالات الخفية .

والأديب عند أصحاب هذا المنهج لا يكتب أفكارا ، إنما يكتب ألفاظا تحمل في طياتها أفكارا أكثر مما أراد الأديب  التعبير عنه .

غير أن حماس بعضهم ، واندفاع البعض الأخر إلي العناية بالقالب اللغوي في الأدب  والبحث عن المعاني الخفية ، والإمعان في تأويلها ، أدي إلي تحميل العمل الأدبي بتأويلات كثيرة لا توجد فيه ، ولا يتحملها العمل الأدبي نفسه .

المنهج التأثيري : يعتمد هذا المنهج  في دراسة النص الأدبي وتذوقه وتحليله علي الانطباع الفوري الذي يتركه العمل في النفس ، وعلي الانفعالات المباشرة ، دون أن يتجه إلي التحليل ، وإلي الرؤية المنهجية ، والتجارب النقدية التي توصل إليها العلم  .

 (بدر العمر  2006 ، 45 )

ويري البعض أن أصحاب هذا المنهج ينظرون إلي العمل الأدبي نظرة مزاجية ؛ فحكمهم علي العمل الأدبي بالجودة أو الرداءة يتوقف علي مقدار ما يحدثه هذا العمل من تأثيرات ومشاعر وانفعالات في نفس القارئ .( رشدي طعيمة 1971 ، 111 )

وتتضح نظرة أصحاب هذا المنهج من قول ( هو سمان )  بأنه يتعرف الشعر ، ويحكم عليه من خلال العلامات الحسية التي يحدثها الشعر في نفسه مثل : علامة مصحوبة بقشعريرة ، وأخري تكون في الإحساس بغصة في الحنجرة ، وتبدأ بالدموع تراق من العين . (حسن جعفر 2005 ، 107 ) .

فالعمل الأدبي إذا ما أحدث هذه التأثيرات في القارئ فهو عمل جيد في نظر أصحاب هذا المنهج ، حيث إنهم يسلمون أنفسهم للعمل الأدبي ، ويسجلون كل ما أثاره هذا العمل في أنفسهم ، ويعتبرون هذه الإثارة جزءا من النص ، يصلح حكما عليه ، ومعيارا يقاس به .

المنهج المتكامل : إذا كان المنهج النفسي يركز علي سيرة الأديب لبيان العوامل النفسية التي أثرت في أدبه وفنه ، وإذا كان المنهج الأسلوبي يهتم بالكشف عن القيم الجمالية والبلاغية في النص الأدبي .

وإذا كان المنهج التاريخي يدرس النص الأدبي بوصفة وثيقة تاريخية تدل علي النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي عاش فيها الأديب ، وإذا كان المنهج الفني يبدأ من النص وينتهي به دون النظر إلي قائله وحياته وبيئته ، فإن المنهج المتكامل هو المنهج الذي يلم بأطراف هذه المناهج ويستعين بنتائج كل منها في دراسة الأثر الأدبي وتذوقه. (على مدكور 2002 ، 85)

وهو أقرب المناهج إلي طبيعة العمل الأدبي . ويتناول المنهج التكاملي العمل الأدبي من جميع زواياه ، فيتناول صاحبه وبيئته ، وتاريخه . ولا يغفل القيم الفنية الخالصة ، ولا يغرقها في غمار البحوث التاريخية، أو الدراسات النفسية .

كما يعترف هذا المنهج بذاتية الشاعر ، والمؤثرات العامة التي توجه العمل وتصبغه بصبغه خاصة من خلال إحساس الشاعر بالحياة ، ومواهبه الأدبية . 

(سلوى شاهين  1999 ، 48 )

وتري الباحثة أن هذا المنهج هو أقرب المناهج إلي هذه الدراسة بحيث يستفاد من المناهج كلها في تذوق النص الأدبي ، وذلك بصورة تكاملية . 

ويمكن تحديد خصائص وسمات المنهج التكاملي أو التوليفي لدراسة النص في الدراسة الحالية كما يلي :

·       دراسة النص الأدبي نفسه ، فلا ينشغل الدارس بأمور خارجة عن النص ، ويترك العمل الأدبي ذاته.

·   الدراسة الفنية للنص الأدبي ، ويتطلب هذا دراسة مقومات بنائه الداخلي وصوره ، وهذا ما يركز عليه المنهج التكاملي حيث يركز علي مقومات النص الأدبي وتتمثل فى الأفكار والمعاني ، والعاطفة والخيال ، والألفاظ والتراكيب والأساليب اللغوية ، والقيم الاجتماعية والإنسانية ...إلخ وإظهار دور كل منها في بناء النص الأدبي .

·   دراسة النص الأدبي وتفسيره في ضوء عصره وظروفه الحضارية والتاريخية ، وفي ضوء حياة صاحبه ، وأحواله الشخصية ؛ لأن هذه الأمور المتعلقة بالنص الأدبي من شأنها أن تساعد في تفسير وتحليل العمل الأدبي نفسه .

لذا لابد من دراسة النص في ضوئها بشرط ألا تأخذ حيزا من الاهتمام مما يجعلها تطغي علي الاهتمام بالعمل الأدبي ذاته ؛ لأن دورها الحقيقي فى أنها المساعدة في فهم العمل الأدبي وتحليله وتفسيره .

·       إظهار القيم الخلقية والاجتماعية والإنسانية المتضمنة في النص الأدبي .

·   الحكم علي قيمة النص الأدبي يكون بمقدار ما في صياغته ، ومضمونه من فن ، وبمقدار ما يتركه النص من تأثير في مشاعر المتلقي وأحاسيسه بعد قراءته أو سماعه لذلك النص .

وهكذا يكون لدينا منهج متكامل في نظرته للنص الأدبي يتسم بالشمولية ، ويتفادي ما وقعت فيه المناهج الأدبية المختلفة من سلبيات ، ويجعل من النص الأدبي أساسا للدراسة الأدبية ، أما دراسة كل ما دونه فتكون عوامل مساعدة في تحليل النص الأدبي وتفسيره.

  • Currently 16/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 5038 مشاهدة
نشرت فى 1 يونيو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,660,115