الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

من الجلسات أو الموائد المهمة والجديدة التي عقدت في ملتقى القاهرة الرابع للإبداع الروائي العربي، مائدة مستديرة عن الرواية الرقمية، تحدث فيها عدد من أعضاء اتحاد كتاب الإنترنت العرب، وعدد من غير الأعضاء، وأدارتها المستشرقة الأميركية د. مارلين بوث بقاعة الفنون بالمجلس الأعلى للثقافة، ووصفت الكاتبة المغربية د. زهور كرام هذه المائدة بأنها الجديد والمتغير في هذا الملتقى.
في البداية تحدث د. سعيد يقطين (المغرب) وتساءل هل الرواية الرقمية تجريب جديد أم تجربة جديدة؟ وقال إننا لم نصل بعد إلى تحديد نهائي للإجابة عن هذا السؤال.
فإذا كانت "تجريب جديد" فنحن ننطلق بهذا من الامتداد للرواية الجديدة خصوصا، وأن الرواية الرقمية تطوير لها بتجاوز البعد الورقي، وتختلف عن الرواية المطبوعة لأنها تستخدم الأدوات المتفاعلة.
ويعرف سعيد يقطين الرواية الرقمية بأنها نص متعدد العلاقات لا يقف فقط عند البعد اللفظي، فهو نص الصوت والصورة، كما أنها لا يمكن أن تُنتج إلا من خلال الحاسوب، وبالتالي فإنها نوع جديد لا صلة له بالرواية الجديدة.
وقال يقطين إن الرواية الرقمية نتاج لصيرورة في تاريخ الرواية، والرواية مرت بأربع مراحل هي:
1 ـ من البدايات وحتى الحرب العالمية الثانية.
2 ـ ثم الانتقال من السرد إلى الشعر إلى النص، ومن الشفوي إلى الكتابي، وهنا الرواية تميزت بأنها تقوم على القصة المحكمة البناء التي لها بداية ونهاية وبعد خطي.
3 ـ من الرواية إلى اللارواية في الخمسينيات والستينيات، حيث انتقلنا من التجربة إلى التجريب، وتكسير بناء القصة.
3 ـ الميتارواية، حيث الوعي من داخل الرواية.
4 ـ المرحلة الرابعة وهي الخاصة بالرواية الرقمية التي كتبها مايكل جويس عام 1985 وبها تم تسجيل تاريخ هذا النمط الجديد.
ويوضح يقطين أننا سننتقل من النص المكتوب إلى النص المعاين بسبب استعمال وسيط جديد للإنتاج والتلقي، يربط بين شذرات النص والبنيات المختلفة، وهو تجربة جديدة، فالوسائط المتعددة تلعب دورا مهما على مستوى إنتاج السرد وتلقيه، والرواية الرقمية هي التي يتم إنتاجها بالوسيط الجديد، وتتميز بعنصرين اثنين هما: البعد الدينامي أو الحركي، فالنص متحرك، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الحاسوب، والعنصر الثاني هو البرمجة.
ويضيف أن زمن الإبداع لا ينتهي مع انتهاء الرواية كما هو الحال في الرواية العادية، وفي زمن المعاينة.
وعن أصول الرواية الرقمية قال يقطين إن للرواية الرقمية أصولا في الميتارواية، وفي الآداب الموازية مثل الرواية المصورة والرواية ذات القارئ البطل، وفي الوسائط المتعددة، وبخاصة ألعاب الفيديو، فالقارئ أو اللاعب هو الذي يؤسس الرواية الرقمية.
وعن أنواع الرواية الرقمية أوضح أن هناك عدة أنواع منها:
1 ـ الرواية المترابطة: ولها مواصفات خاصة، لأنها تنتج من خلال برنامج مخصص يستجيب لخصوصيات إنتاج الرواية مثل "السرد"، وكأنه آلة من خلالها يخلق فضاء للكتابة والصورة، وهذا البرنامج أداة مساعدة أسهم فيه مهندسون أو مبرمجون وروائيون.
2 ـ الرواية المشتركة (الجماعية).
ويرى سعيد يقطين أن الرواية الرقمية تجريب جديد لتجربة جديدة، وأوضح أن إنتاج هذه الرواية تأخر عندنا في الوطن العربي، ولكن لا محالة من وجوده، فنحن أمام تحول حقيقي، وأضاف أن الفرنسيين مثلا متأخرون في هذا المجال.
ويختم د. سعيد يقطين مداخلته في مائدة "الرواية الرقمية" المستديرة بأن النقد الأدبي سيصبح مختلفا أيضا، فالناقد سيعرف أننا أمام صناعات جديدة للكتابة، وسيصبح منخرطا في هذا المجال، ويؤكد أنه سيكون هناك ارتقاء بالوسائط البصرية، وأن كل شئ سيتغير وهذا التغير مؤسس على تراث إنساني.
بعد ذلك تحدث محمد سناجلة (الأردن) عن "ما بعد الكلاسيكية الرقمية نحو نظرية أدبية جديدة"، وأشار إلى رواية الواقعية الرقمية، وأن العصر الرقمي يحتاج إلى إنسان جديد، وأن لكل عصر وسائله وأسلوبه وطريقته في قول المعنى، وأننا بحاجة إلى جنس أدبي جديد، وكتابة جديدة عابرة للأجناس الأدبية السابقة.
ثم قدم سناجلة عرضا لروايته "شات" وقال إننا أمام مجتمع جديد يتشكل.

خطوات مرتبكة

وأوضح أشرف الخريبي (مصر) أن الرواية الرقمية تحتمل عدة مفاهيم يمكن تلخيصها في الرواية الإلكترونية، والرواية الرقمية، والرواية التفاعلية، وكلها في النهاية لها تربة ومنبت أصيل وأساسي، لا يمكن وجودها بدونه ألا وهو الكمبيوتر.
وأشار إلى أن الثورة الفكرية التي قد تقدمها الرواية الرقمية، هي انقطاع الصلة بما سبق من كتابات سواء من حيث التشكل أو الصياغة أو حتى الشخصيات، لأنها تتعامل مع عالم شديد الخصوصية.
وأكد الخريبي أن الرواية الرقمية لم تقدم بعد إجابات منهجية عن كثير من التساؤلات إذ تخطو خطوات مرتبكة لافتقادها شروط العمل الجماعي وافتقارها لروح الفن الروائي، رغم محاولاتها الجادة والطموحة.
***
تحدث بعد ذلك أحمد فضل شبلول (مصر) وأشار إلى حادثة انقطاع كابلات الإنترنت في البحر المتوسط خلال الأسابيع الماضية الذي يكشف عن مدى تغلغل شبكة الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات في حياتنا، ومدى الارتباك والشكاوى والإزعاج الشديد الذي انتشر بين المتعاملين مع الشبكة في مصر بكل فئاتهم وأعمارهم المختلفة والذين بلغ عددهم أكثر من 8 ملايين مواطن، من بين حوالي 30 مليون مواطن في الوطن العربي، يزداد عددهم يوما بعد يوم.
وأشار إلى بعض الأدباء الجدد الذين استخدموا أدوات شبكة الإنترنت وتقنياتها كوسيلة للنشر الأدبي الإلكتروني، واتضح هذا جليا فيما يسمى بالرواية الرقمية التي استطاعت بجدارة أن تقتحم الشبكة العنكبوتية.
وقال إذا تأملنا الصورة الآن سنرى أن هناك عدة أنواع أو أشكال من الممكن أن تحيا الرواية في عصر الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات الآن من خلالها:
1 ـ الروايات المرسلة بالبريد الإلكتروني: وضرب مثلا على ذلك برواية "بنات الرياض" للكاتبة السعودية رجاء عبدالله الصانع، التي استخدمت المجموعات البريدية مثل ياهو وهوتميل في إرسال روايتها فصلا فصلا لمن تعرفهم أو لا تعرفهم.
2 ـ الروايات المنشورة بالمواقع والمنتديات والمدونات: وهي رواية مكتوبة بطريقة عادية، ولكن بدلا من إرسالها بالبريد الإلكتروني في ملفات وورد يتم نشرها على أحد المواقع أو المنتديات أو المدونات عن طريق النسخ واللصق.
3 ـ الرواية الرقمية: وهي درجة أعلى من المثالين السابقين، ومنها روايات الكاتب الأردني محمد سناجلة الرقمية "ظلال الواحد"، و"شات"، و"صقيع"، حيث وظَّف الكاتب تقنيات وروابط الإنترنت في الإبداع الروائي.
4 ـ الرواية كليب: بقليل من الاحتراف، أو بمساعدة فنيين أو تقنيين، وبتكرار المحاولات الجادة ربما نصل إلى ما يسمى بالرواية كليب التي تجمع بين الكلمة والصورة والحركة ولقطة الفيديو .. إلى آخر تقنيات الوسائط المتعددة (الملتيميديا)، ولكن من خلال روابط تفاعلية بين موقع الرواية على الإنترنت ومواقع أخرى على الشبكة لها جذر واحد أو مدخل مشترك أو عبارات مفتاحية معينة.
5 ـ رواية الويكي أو الرواية الويكية: هي رواية تستفيد من خاصية الويكي (وهو نوع من مواقع الويب التي يتم تحريرها جماعياً) أو تأتي على غرار الويكيبيديا (الموسوعة الحرة التي يحررها قراؤها تحريرا جماعيا ويضيفون إليها باستمرار)، وهذا الأمر غير موجود مثلا في أعمال سناجلة الرقمية التي ضربنا بها أمثلة من قبل، ولا في الرواية كليب.
ويختم شبلول ورقته بأن الجيل الذي تربى على الألعاب الإلكترونية أو ألعاب الفيديو (الفيديو جيمز) والمحادثات الإلكترونية (الشات) وغرف الدردشة والمنتديات والمدونات والأفلام والموسيقى .. الخ، من الصعب عليه أن يفهم جمود الفن والأدب والثقافة وتوقفها عند مرحلة معينة لا تناسب أذواقه وحياته المتجددة دوما.

الواقع الخُلَّبي

وتساءل د. نبيل سليمان (سوريا) لماذا نطلق على هذا الشكل "رواية"، وقال إنها أسئلة ساذجة تبدو ماكرة، وأشار إلى عدد من الروايات الورقية المتميزة مثل "بيت على نهر دجلة"، و"بريد عاجل"، وغيرهما. واقترح مصطلح "الواقع الخُلَّبي" بدلا من "الواقع الافتراضي"، ورأى أن يسمى هذا النوع الجديد من الأدب أي اسم إلا رواية.
وأوضح نبيل سليمان أن زمن الرواية العربية الآن يتلاطم بالأمية والرقابة ومعوقات النشر والترجمة، لذا نتساءل عن الرواية العربية التي تنحو نحو الافتراضي والواقعي، والتي تنحو نحو العاطفة، أو عن الضوء الذي يمنح العين أيادي، واللمس البصري، ثم تساءل عن مصير الكاتب الأعمى الذي هيأت له التكنولوجيا من رؤية عبر تشكيلات الضوء وتحولاته.
***
وفي حديثها أوضحت د. عبير سلامة (مصر) أن الرواية الرقمية ليست نوعا واحدا، فهناك أطياف للرواية الرقمية، فهي مظلة عريضة يندرج تحتها أنواع عدة، فهناك الرواية الرقمية الخطية، والرواية التفاعلية وهو المصطلح الأكثر قربا، ويمكن أن تكون الرواية الرقمية نصية.
وأشارت عبير سلامة إلى أن تجربة سناجلة ليست الوحيدة عربيا، ولكنها تجربة مكرَّسة، وأنه يخلص لهذا النوع من الكتابة. وقالت إن هناك تجارب أخرى لمحمد الفخراني، وأعمالا أخرى مثل "على قد لحافك"، و"الكنبة الماضية" لشباب من أدباء الإسكندرية، وأن هذا شكل جديد من التأليف.
وأكدت سلامة على أن هذا الشكل كان نظرية وأصبح الآن عمليا.
وهي تعترف أن تقسيم الرواية الرقمية يكون متعسفا إن لم نضع في حسابنا النص المتشعب.
وتساءلت كيف تتحقق التفاعلية، وما حدودها؟
وأوضحت أن ما نشاهده الآن هو إعادة توزيع مستمرة لألحان مستمرة ومتعددة، وأننا نشاهد إعادة التوزيع هذه. فهل نستطيع التمييز بين أنواع مختلفة من الجماليات الموزعة من خلال الإنترنت.
وختمت عبير سلامة مداخلتها بأنه يوجد الآن حساسية ثقافية مختلفة لدى جيل جديد لا يعنيه الأنظمة السائدة.
***
وفي بداية مداخلته أوضح السيد نجم (مصر) أنه سيثير أسئلة أكثر مما يطرح من إجابات، وقال إننا أمام تجربة جديدة، وهذه التجربة لم تولد إلا لأن لها ضرورة لأن تولد.
وأوضح أن الإبداع دائما يسبق النقد، غير أن النقد في التجربة الجديدة أعلى من الإبداع مما يحدث فجوة تصل بنا إلى حد التوقف، وأشار إلى حاجتنا إلى النقد التطبيقي وليس التنظيري.
وأشار إلى أهمية دور الناقد الرقمي، وأن دوره يعد من أهم الأدوار الرائدة الآن في إطار تعامله مع الكاتب ومع الحلول الموجودة. كما أشار إلى أهمية تحويل المعلومة إلى معرفة وأنها قضية جوهرية خطيرة يجب الانتباه لها.
الكاتبة سميحة خريس (الأردن) نبهت إلى ضرورة التواضع، وقالت "قليلا من التواضع" وتساءلت عن الأدب المنشور على صفحات الإنترنت كم فيه من الفن وكم فيه من العلم؟ وأشارت إلى أن الرواية التفاعلية تذكرها بلعبة الكلمات في الصغر، حيث يطلق أحد الصغار كلمة وأفراد المجموعة تكمل اللعبة.
وأوضحت خريس أن الموقف خطير لأن كتاب هذا النوع من الرواية الرقمية يطرحون فكرة جديدة وكيف يتعاملون معها بالأسئلة وليس بالتنظير.
د. زهور كرام (المغرب) أوضحت أن أهم شئ هو طرح الأسئلة التي تشكل تحولات في شكل تفكيرنا وتطور وعينا نحن. وأشارت إلى أن الجديد والمتغير في هذا الملتقى هو هذه الورشة أو المائدة المستديرة، وأن مفهوم التخيل بدأ يطرح من جديد.
وقالت كرام إننا عندما نفكر بهذا الصوت ننتج تطورا جديدا لنظرية الأدب، ونعرف من أين يجئ هذا الأدب. وأكدت أن محمد سناجلة كمبدع من حقه أن يحلم، وأن مشكلة النقد الآن هو متابعة مثل هذه الأعمال، وأن الأجناس تتوالى وتتوالد وليس هناك قطيعة بل هناك تواصل.
وذكرت زهور كرام أنه لابد من تحصين هذه التجربة ويجب طرح المزيد من الأسئلة، وأن هناك مسائل ثقافية لا ينبغي المتاجرة بها.
الروائي علي بدر (العراق) تساءل: هل يمكننا الانتقال من فكرة إلى فكرة بدون مراجعات، وإلى متى يتم ذلك، فمن البنيوية إلى الرقمية إلى .. الخ.
ويعود سعيد يقطين إلى الحديث موضحا أن النص الرقمي تجاوز فيه الإنسان الإكراهات الموجودة في "ألف ليلة وليلة" بعد طباعتها في الكتب، وأن في النص الجديد خطية متعددة وليس خطية واحدة.

المصدر: www.esgmarkets.com
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 1256 مشاهدة
نشرت فى 30 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,659,725