الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

يشتق المنهج فى اللغة من النهج ، ومعناه الطريق أو المسار ، وعليه فالمنهج لغة يعنى : وسيلة محددة توصل إلى غاية معينة . فالمنهج العلمى مثلا هو خطة منظمة لعدة عمليات ذهنية أو حسية بغية الوصول الى كشف حقيقة أو التحقق من افتراضات معينة .

وفى مجال المناهج لا يختلف معنى المنهج فى جوهرة عن المعنى السابق من حيث كونه وسيلة منظمة ومحددة تساعد فى الوصول إلى غاية أو غايات محددة .

وبالرجوع إلى الكتابات فى هذا المجال نجد أن هناك مفهوما قديما للمنهج ومفهوما حديثا ، الأول وهو المفهوم التقليدى للمنهج نبع من التربية التقليدية التى تعتبر أن الهدف الأسمى للتربية هو تزويد المتعلم بأكبر قدر من المعلومات وذلك تمشيا مع اعتقادهم بأن للمعرفة قيمة فى حد ذاتها ، وبأن تزويد المتعلم بهذه المعرفة يكفى لتوجيه سلوكه بما يتفق مع مضمون هذه المعرفة .

ولما كان المنهج بمعناه العام وسيلة توصل إلى غاية ، جاء مفهوم المنهج عند التربويين التقليديين مرادفا للمعرفة وأصبح المنهج فى نظرهم عبارة عن مجموعة المعلومات والحقائق والمفاهيم التى تعمل المدرسة على إكسابها للتلاميذ بهدف إعدادهم للحياة وتنمية قدراتهم عن طريق الإلمام بخبرات الآخرين والاستفادة منها ، وهذه المعلومات والحقائق والمفاهيم تقدم للمتعلم من مجالات مختلفة : علمية ، ورياضية ، ولغوية ، وجغرافية ، وتاريخية ، وفلسفية ، ودينية ، وفنية .

ومن خلال هذا المنظور نجد أن المنهج قد لاقى الكثير من النقد لتركيزه على المعلومات وتمركز حول محور واحد فقط هو المعرفة ؛ مما أدى إلى إهمال الجوانب الاخرى لنمو المتعلم كالجانب الاجتماعى ، والجانب الفنى ، والجانب الرياضى ، والجانب الجسمى ، وغيرها من جوانب النمو، كما أدى إلى إهمال تكوين العادات والاتجاهات الايجابية وإهمال تعديل سلوك المتعلم ، كما أن المنهج بهذا المفهوم الضيق قد قصر دور المعلم على نقل المعلومات ولم يتح له الفرصة للقيام بدورة التربوى وبذلك قيد النمو المهنى للمعلم ، ومع التركيز على المعلومات فى حد ذاتها لم تحظ التطبيقات العلمية أو الحياتية إلا بالقدر الضئيل فى المقررات الدراسية ، وبالتالى أصبح ارتباط المنهج ببيئة المتعلم ومجتمعه ضعيفا وباتت الجدوى من هذه المقررات محدودة للغاية ونتيجة لهذا شعر المتعلمون بالملل من الدراسة وزيادة نسبة التسرب نتيجة للدراسات الحديثة فى علم النفس وفى مجال طرق التدريس والتى ركزت على شخصية المتعلم وعلى أهمية النشاط فى العملية التعليمية ونتيجة للتقدم الصناعى ؛ نتيجة لهذه العوامل كلها ظهر المنهج بمفهوم الحديث وقد تعددت تعريفات المنهج بمفهومه الحديث ، ولكن هذا التعدد لم يؤد إلى اختلاف حول هذا المفهوم إذ أن معظم التعريفات – إن لم يكن كلها – اتفقت فى الجوهر وإن تعدد أسلوب التعبير عنه .

وبناء على ذلك يمكن تعريف المنهج بأنه : مجموعة الخبرات التربوية التى تقدمها المدرسة للتلاميذ داخلها أو خارجها بقصد مساعدتهم على النمو الشامل أى النمو فى جميع الجوانب ( العقلية ، والثقافية ، والدينية ، والاجتماعية ، والجسمية ، والنفسية ، والفنية ) نموا يؤدى إلى تعديل سلوكهم ويعمل على تحقيق أهداف التربوية المنشودة .

و يرجع تطور مفهوم المنهج للعديد من الأسباب لعل من أهمها :

1-  إجراء العديد من الدراسات التربوية والتى أعطت نتائج أفادت العملية التعليمية بجميع جوانبها ،فقد أثبتت الدراسات المختلفة التى أجريت فى مجال علم النفس ان الشخصية هى وحدة متكاملة ذات جوانب متعددة ، وتنمية الشخصية يتطلب بدوره تنمية هذه الجوانب وبالتالى فإن التركيز على جانب وإهمال الجوانب الأخرى لا يؤدى إلى تحقيق الهدف المنشود ، وقد نتج عن ذلك اهتمام التربية بنمو الطفل الشامل أى الاهتمام بكافة الجوانب، وليس بالجانب المعرفى فقط كما هو الحال فى المنهج بمفهومه التقليدى .

2-  أثبتت الدراسات المتعددة التى أجريت فى مجال النفس التعليمي وطرق التدريس أن إيجابية التلميذ ونشاطه لهما دور كبير فى عملية التعلم . وقد أدى ذلك على التقليل من استخدام الطريقة اللفظية الإلقائية فى التدريس ، نظرا لأنها تجعل التلميذ سلبيا إلى أقصى درجة وإلى اشتراكه اشتراكا فعليا فى عملية التعلم ، وذلك عن طريق إتاحة الفرصة له للقيام بالأنشطة المختلفة . نشاط عقلى . نشاط ثقافى . نشاط اجتماعى ، نشاط دينى ، نشاط رياضى ، نشاط فنى ....

3-  أدى ظهور الصناعة وتقدمها إلى اهتمام التربويين بالعمل وبالتربية المهنية، وقد دعم هذا الاتجاه كثير من رجال التربية أمثال "جان جاك روسو وبستالوتزى وجون لوك وفروبل" ، وحيث إن التربية المهنية والعمل يتطلبان القيام بالنشطة المختلفة والمتنوعة ، فإن ذلك قد أدى بطريقة غير مباشرة إلى إدخال الأنشطة فى المناهج المدرسية واعتبارها جزءا منه التحولات الاجتماعية والثورة العلمية التى جعلت التكنولوجيا تحتل مجالات الحياة المختلفة، مما أدى إلى اتساع مفهوم المناهج  ليشمل جميع الخبرات التربوية التى تقدمها المدرسة للتلاميذ داخلها أو خارجها بقصد مساعدتهم على النمو الشامل أى النمو فى جميع الجوانب ( العقلية ، والثقافية ، والدينية ، والاجتماعية ، والجسمية ، والنفسية، والفنية ) نموا يؤدى إلى تعديل سلوكهم ويعمل على تحقيق الأهداف التربوية المنشودة.

وهكذا نجد أن العوامل السابقة قد أدت إلى ظهور أفكار جديدة تتلخص فيما يلى :

1-   العمل على نمو التلميذ فى جميع الجوانب ، وليس فى جانب واحد .

2-   الاهتمام بالأنشطة التعليمية والتعلم النشط.

3-   العمل على إيجابية التلميذ أثناء التعلم .

كونت هذه الأفكار النواة التى بنى عليها المنهج بمفهومه الحديث .

ثانيا :المفهوم التقليدى للمنهج :

اشتقت كلمة المنهج من أصل لاتينى ،ويعنى بها حلبة السباق  Racecourse وفى ضوء هذا المعنى يمكن وصف المنهج بأنه يشبه الأرض المعدة والممهدة التى يستخدمها المتعلمون فى محاولاتهم الوصول إلى نهاية السباق ألا وهو حصول المتعلم على مؤهل دراسى ،حيث يمثل المنهج لديهم بأنه مجموعة من المواد الدراسية التى يعدها الخبراء والمتخصصين ليدرسها التلاميذ ؛مما أعطى كلمة المنهج ترادفا لكلمة مقرر دراسى  ،بل أصبح يشيع استخدام كلمة منهج كمقابل لكلمة مقرر ، وحيث إن هذه المعلومات كانت تقدم فى صورة مواد دراسية مختلفة موزعة على مراحل الدراسة وسنواتها فمعنى ذلك أن المنهج بمفهومه التقليدى هو مجموعة المواد الدراسية التى يتولى المتخصصون إعدادها ويقوم التلاميذ بدراستها ، ومن هنا أصبحت كلمة منهج مرادفة لكلمة مقرر دراسى ، وبمرور الوقت أصبح استخدام كلمة منهج أعم وأشمل من استخدام كلمة مقرر حتى أصبحنا نسمع عن منهج الجغرافيا ومنهج التاريخ ومنهج العلوم،ووجدنا من المعلمين من يقول منهج اللغة العربية وهو يقصد مقرر اللغة العربية وهكذا ...

والمنهج بمفهومه التقليدى عبارة عن مجموعة المعلومات والحقائق والمفاهيم التى تعمل المدرسة على إكسابها للتلاميذ بهدف إعدادهم للحياة وتنمية قدراتهم عن طريق الإلمام بخبرات الآخرين والاستفادة منها . وقد كانت هذه المعلومات والحقائق والمفاهيم تمثل المعرفة بجوانبها المختلفة أى إنها كانت تتضمن معلومات علمية ورياضية ولغوية وجغرافية وتاريخية وفلسفية ودينية ...الخ .

وكان المدرسون أكثر الفئات استخداما لكلمة منهج بالمعنى الذى أشرنا إليه ، والدليل على ذلك أنهم كانوا يكتبون فى أول صفحة من دفتر تحضير دروس المادة ، توزيع المنهج على أشهر وأسابيع العام الدراسي ، والمقصود بالمنهج هنا هو المقرر الدراسى للمادة ، وبكل أسف فإن هذا المفهوم التقليدى للمنهج مازال مستخدما حتى الآن لدى عامة الشعب بل ولدى الكثير من القائمين بالعملية التعليمية ، على الرغم من أن هذا المفهوم قد تغيربصورة جوهريا .

متطلبات إعداد المنهج بمفهومه التقليدى :

يتطلب إعداد المنهج بمفهومه التقليدى سلسلة من الخطوات نوجزها فيما يلى :

1- تحديد المعلومات اللازمة لكل مادة وفقا لما يراه المتخصصون فى هذه المادة ويتم ذلك فى صورة موضوعات مترابطة أو غير مترابطة تشكل محتوى المادة .

2- توزيع موضوعات المادة الدراسية على مراحل وسنوات الدراسة بحيث يتضح من هذا التوزيع ما الموضوعات المخصصة لكل مرحلة ( الابتدائية – المتوسطة – الثانوية ) ولكل صف دراسى .

3-  توزيع موضوعات المادة الدراسية على أشهر العام الدراسى .

4-  تحديد الطرق والوسائل التعليمية التى يراها الخبراء والمختصون صالحة ومناسبة لتدريس موضوعات المادة الدراسية  .

5-  تحديد أنواع الأسئلة والاختبارات والامتحانات المناسبة لقياس تحصيل التلاميذ فى كل مادة دراسية .

والمنهج التقليدى بطبيعته يركز تركيز شديدا على المعلومات حتى أصبحت هدفا فى حد ذاتها وأصبحت العملية التعليمية مرتبطة بهذه المعلومات ارتباطا وثيقا . فالكتاب المدرسى بمثل المصدر الأساسي لتزويد التلاميذ بهذه المعلومات ، ثم يتولى المدرس شرحها وتبسيطها وتحليلها والتعليق عليها ويقوم التلميذ بفهمها أو حفظها أو استيعابها وتعمل الامتحانات على قياسها .

والمنهج بهذا المفهوم يتطلب نوعية معينة من المدرسين المتخصصين فى المادة الدراسية المتعمقين فيها إلى أقصى حد ، والقادر على توصيلها إلى التلاميذ بشتى الطرق والوسائل والأساليب .

كما يتطلب أيضا نوعية من التلاميذ القادرين على استيعاب هذه المواد الدراسية والإلمام بكل أجزائها ومحتوياتها ، وما يتبع ذلك من إعداد كتب دراسية تتضمن كل المعلومات التى يجب على التلاميذ الإلمام بها ، على أن تقدم إلى التلاميذ فى تنظيم منطقي يتجه من السهل إلى الصعب ومن البسيط إلى المركب ومن الجزء إلى الكل ومن الماضي إلى الحاضر وفقا لطبيعة المادة الدراسية نفسها ، وتبعا لذلك فهذا المنهج يتطلب أيضا نوعا من الامتحانات التى تقيس كمية المعلومات التى استوعبها التلاميذ ومدى قدراتهم على حفظها أو فهما .

الانتقادات الموجهه للمنهج بمفهومه التقليدى :

رأينا فيما سبق أن المنهج بمفهومه يركز على المعلومات والحقائق والمفاهيم وقد أدى ذلك إلى إهمال معظم جوانب العملية التربوية ووجهت للمنهج بهذا المفهوم العديد من الانتقات منها:

1- إهمال معظم جوانب شخصية المتعلم :فى ضوء المفهوم السابق للمنهج نلاحظ أن تركيز المنهج على المحتوى المعرفى واهتمام كل مدرس بمادته الدراسية أدى إلى عدم الاهتمام بحاجات التلاميذ ومشكلاتهم وميولهم ، والموجه إذا ما رأى مدرسا فى إحدى الحصص التلاميذ فى مشكلة عامة فإنه يعتبر ذلك خروجا عن الدرس ، ويبين للمدرس أن هذا السلوك لا يجب أن يقوم به داخل الفصل وإذا تكرر ذلك من جانب المدرس فانه يؤاخذ على هذا السلوك .

وهذا الاهمال لحاجات ومشكلات وميول التلاميذ له آثاره السيئة ، إذا أنه قد يؤدى إلى الانحراف والفشل الدراسي ، كما أن إهمال ميول التلاميذ قد يؤدى إلى عدم إقبالهم على الدراسة وتعثرهم فيها ، وقد سبق أن ذكرنا أن المنهج كان يتضمن حصصا للهوايات والأشغال والرسم ولكنها لم تكن لتنمية وإشباع ميول التلاميذ وإنما كانت للترفيه وإبعاد الملل عن نفوسهم .

2- عدم مراعاة الفروق الفردية بين التلاميذ :رأينا أن المنهج يركز على معلومات عامة يكتسبها جميع التلاميذ والكتب الدراسية تخاطبهم جميعا بأسلوب واحد ، وإذا حدث أن أظهر أحد التلاميذ أنه لم يفهم الدرس فإن المدرس يعيد الشرح بالطريقة نفسها أى أنه يكرر ما قاله ، وحتى أسئلة الامتحانات تأتى على وتيرة واحدة .

كل ذلك يتنافى مع مبدأ الفروق الفردية وكأن المنهج بهذا المفهوم بحر يجب على جميع التلاميذ أن يسبحوا فيه فى وقت واحد وبطريقة واحدة وبسرعة واحدة ونحو شاطئ واحد ، فما النتيجة ؟ هناك من يصل إلى الشاطئ فى أسرع وقت ، وهناك من يصل متأخرا ، وهناك من يصل وهو فى غاية الأرق والتعب ، وهناك من يصارع الأمواج وهناك من يغرق ويهبط إلى الأعماق .وما يحدث فى البحر يحدث فى الدراسة . هناك من ينجح وهناك من يفشل ، وهناك من يتفوق وهناك من يتخلف .

ومن الواجب أن يهتم المنهج بالفروق الفردية بين التلاميذ وأن يأخذ هذا المبدأ فى الاعتبار عند تأليف الكتب الدراسية وعند القيام بعملية التدريس وعند استعمال الوسائل التعليمية وعند ممارسة الأنشطة.

3 - إهمال النمو الشامل للتلميذ :لم يعمل المنهج على النمو الشامل ، ويقصد به النمو فى كافة الجوانب وإنما أهتم فقط بالجانب المعرفى المتمثل فى المعلومات وأهمل بقية الجوانب الأخرى مثل الجانب العقلى والجانب الجسمى والجانب الديني والجانب الاجتماعى والجانب النفسي ، والجانب الفني .

ويحدث هذا الاهمال من خلال التعرض للجوانب الأخرى بطرق غير موفقة ووعدم إعطائها القدر الكافي من الرعاية والاهتمام ، بل معالجتها بطرق قاصرة وغير صحيحة وغير كافية . فبالنسبة لتنمية الجانب الجسمى لدى التلميذ فقد كانت هناك حصص التربية البدنية ومباريات بين الفصول والمدارس ، ولكن عدد هذه الحصص لم يكن كافيا ، وعند اقتراب الامتحانات كانت هذه الحصص تلغى من جدول الدراسة وكان الهدف من حصص التربية الرياضية هو الترفيه عن التلاميذ وذلك لتجديد نشاطهم الذهني حتى يمكنهم متابعة الدراسة بلا ملل أو سأم .

وبالنسبة للجانب العقلى فقد كان أنصار هذا المنهج يعتقدون بأن حشو العقل بالمعلومات ودراسة بعض المواد كالرياضيات يؤدى إلى تنمية الجانب العقلى لدى التلاميذ ، كما يؤدى إلى تنمية قدراتهم على التكفير العلمى ، وقد ثبت فيما بعد أن تنمية القدرة العلمى لايتم عن طريق دراسة الرياضيات وإنما من خلال تدريب التلاميذ على حل المشكلات التى تواجههم بأسلوب علمى .

وهكذا يتضح لنا أن تنمية الجانب العقلى وفقا للمنهج بمفهومة التقليدى كانت تتم بمفهوم خطأ وبأسلوب غير سليم .إذ من الممكن ان نصادف عالما فى الرياضيات ولمنة يفشل فى حل ابسط المشاكل الشخصية التى تصادفه فى حياته الاجتماعية .

4- إهمال توجيه السلوك :وقد أدى تركيز المدرسين على المواد الدراسية إلى عدم الاهتمام بتوجيه سلوك التلاميذ وقد اعتقد واضعو هذا المنهج أن المعلومات التى يكتسبها التلاميذ تؤدى إلى تعديل سلوكهم ، وفقا لهذا الاعتقاد فإن التلميذ الذى يتعود أكل الحلوى المكشوفة التى يشتريها من البائعين المتجولين من الممكن أن يترك هذه المادة إذا ما أتاحت له المدرسة الفرصة لدراسة المراض التى تنتج عن أكل مثل هذه الحلوى الملوثة ..... هذا الاعتقاد خاطئ وغير مطابق للواقع الذى نعيش فيه إذ أن المعرفة وحدها ليست كافية لتوجيه السلوك الإنساني نحو ما يجب أن يفعله الفرد ، والأدلة على ذلك كثيرة متعددة فاللص الذى يسرق يعرف جيدا أن السرقة عمل يعاقب عليه القانون وتحرمه الأديان ، ومع ذلك فهو يسرق ، ومعظم الرجال يدخنون السجائر رغم علمهم بأنها مضرة بالصحة وبالذات الرئتين وأنها قد تؤدى إلى الإصابة بأمراض خطيرة ، ومع ذلك فهم مستمرون فى عملية التدخين ، فهل علمهم بخطرها منعهم من الإقلاع عنها .

والشخص المتدين عندما يرتكب إثما أو يعمل شىء يعلم جيدا أن الله سبحانه وتعالى ينهى عن الشر والمنكر والعمل السيئ ويأمر بالخير والمعروف والعمل الصالح ، ومع أن الأنباء والرسل قد بح صوتهم وانهكت قواهم فى العمل على نشر هذه القيم التى تنادى بها الديان ، إلا أننا نجد فى كل زمان ومكان من يعصى أوامر الله ويرتكب المنكر والفحشاء مع أن الحلال بين والحرام بين ، ومع أن طريق الشر واضح وطريق الخير أوضح منه .

ونستخلص من ذلك أن المعرفة فى حد ذاتها غير كافية لتغيير السلوك الإنساني نحو الفضل والأصلح ، بل لابد من إتاحة الفرصة للممارسة والتدريب على السلوك المرغوب فيه بالترغيب والتكرار والتشجيع والتحذير .

5- إهمال تكون العادات والاتجاهات الإيجابية لدى التلاميذ :إن تركيز المنهج التقليدى على المعلومات والمواد الدراسية أدى إلى إهمال تكوين العادات والاتجاهات الإيجابية لدى التلاميذ وبذلك يكون المنهج قد قصر فى إحدى وظائفه التربوية المهمة . واكتساب التلميذ لمجموعة من العادات الحسنة أمر ضرورى ومهم ، وعدم اكتساب العادات المطلوبة فى الوقت المناسب يؤثر على سلوك التلميذ تأثيرا خطيرا فيما بعد . فإذا لم يكتسب التلميذ عادة النظافة من صغره أى فى المرحلة الابتدائية فمن الصعب أن يكتسبها فيما بعد .

وهناك مجموعة من الاتجاهات يجب على المدرسة أن تعمل على إكسابها للتلاميذ مثل الاتجاه نحو النظافة ، نحو النظام ، نحو الأمانة ، نحو احترام الآخرين ، نحو احترام القوانين ، والمحافظة على الصحة،والتزام الصدق،وترسيد المستهلك ،والتسامح وغير ذلك ،ومن المعروف أن هذه الاتجاهات لها أهميتها بالنسبة للفرد والمجتمع ، وتقتصر المنهج فى أداء هذه الرسالة عاجزا عن تحقيق الأهداف التربوية المنشودة بطريقة فعالة .

6- إهمال الترابط بين المواد الدراسية:أدى اهتمام كل مدرس بالمادة التى يقوم بتدريسها إلى خلق حاجز قوى بين المواد الدراسية وبالتالى لم يعد بينها ترابط أو تكامل ، وفى بعض الأحيان كان التلميذ يسأل مدرسه سؤلا لا يعرف له إجابة فيقول المدرس ، هذا السؤال لا يتبع المادة التى أقوم بتدريسها وعليك توجيه سؤالك إلى مدرس مادة كذا ...

ومعنى ذلك أن المعرفة التى تقدمها المدرسة للتلاميذ تصبح مفككة ، وهذا هو عكس ما يجب أن يكون ، فلو نظرنا إلى جسم الإنسان لوجدناه يتكون من مئات الأعضاء وملايين الخلايا . الا أنها تعمل جميعا بتنسيق وتكامل حتى الأعضاء التى تعمل لا إراديا أى دون سيطرة الإنسان عليها كالقلب والرئتين تجدها تؤدى وظيفتها بتنسيق ببقية الأعضاء الأخرى . ولو انتقلنا إلى الحياة الاجتماعية لوجدناها مليئة بالمشكلات التى لها عناصر وأسباب مشتركة ومتداخلة ، فقد يكون سبب الفشل الدراسي لأحد التلاميذ هو سوء الحالة الاقتصادية بالمنزل أو مشكلة اجتماعية يعانى منها أو لارتباطه بإخوان السوء . وكلها أسباب بعيدة عن الحياة المدرسية بمعناها الضيق . يتضح لنا أن هناك ترابطا بين الظواهر والمشكلات والمواقع ، بينما بعمل المنهج التقليدى على الفصل بين المواد أى أنه يتحرك ضد التيار.

7- تضخم المقرارات الدراسية : نتيجة للزيادة المستمرة فى المعرفة بشتى جوانبها ونتيجة لاهتمام كل مدرس بالمادة التى يدرسها فقط ، فقد أهتم مؤلفو المواد الدراسية بإدخال الإضافات المستمر عليها ، حتى تضخمت وأصبحت تمثل عبثا ثقلا على المدرس والتلميذ ، فاهتم الأول بالشرح والتلخيص ، وأهتم الثانى بالحفظ والترديد ، وضاعت الأهداف التربوية المنشودة فى زحام المعلومات المتزايدة ودوامة الإضافات المستمرة .

8- إهمال الأنشطة التعليمية والتعلم النشط : أدى التركيز على المعلومات إلى إهمال النشطة بكافة أنواعها ، فلم تلجا إليها المدارس إلا للترفيه على التلاميذ ولم تمنحها إلا وقتا ضئيلا لا يتناسب مع أهميتها البالغة ودورها الفعال فى العملية التربوية.

9- تعويد التلاميذ السلبية وضعف الثقة بالنفس : إلى وقت قريب ولازال موجودا بصورة فردية نلاحظ قيام بعض المدرسين فى مادتهم الدراسية ، يقومون بشرح المعلومات وتبسيطها والربط فيما بينها ، وكان التلميذ سلبيا عليه أن يسمع ويستوعب ما يقوله المدرس وما تتضمنه الكتب ، ولو تخيلنا حجرة الدراسة فى هذا الوقت لوجدنا المدرس يتحرك ويشرح ويناقش ويسأل بينما التلميذ فى خضوع تام وسلبية مطلقة ، عليه الاتصال والإصغاء والفهم فى الفصل ثم الاستيعاب فى المنزل ... ومن هنا نشأ التلميذ وهو معتمد فى كل شئ على الكتاب والمدرس ومن هنا بدأت السلبية وعدم الاعتماد على النفس.

10-إهمال الجوانب العلمية : يركز المنهج كما رأينا على المعلومات ولجأ المدرسون فى الطريقة اللفظية لشرح وتفسير وتبسيط هذه المعلومات ، نظرا لأن ذلك يوفر لهم الوقت لإتمام المقررات الدراسية . وقد أدى هذا الوضع إلى إهمال الدراسات العلمية على الرغم من أهميتها التربوية البالغة فى إشباع الميول واكتساب المهارات . كما أنها تغرس فى نفوس التلاميذ حبا للعمل واحترامه وتقديره . كما أنها تنمى لديهم القدرة على التفكير العلمى ؛ حيث أنها تتطلب القياس بعمل أو تجربة ورصد النتائج وتحليلها وربطها واستخلاص القانون العام منها بالإضافة إلى أنها تهيئ الجو المناسب لتنمية روح الخلق والابتكار.

11- نفور التلاميذ من الدراسة والمدرسة :إن التركيز المستمر على المعلومات وحفظها والامتحانات فيها ، وقلة الأنشطة التعليمية من ناحية أخرى أدى إلى ملل التلاميذ من الدراسة وتغيبهم عنها فى صورة تمارض أو هروب أو انقطاع عن الدراسة .

12-عدم مسايرة المناهج لتطورات المجتمع  :إن تركيز المنهج على المعلومات وطبعها فى كتب دراسية يدرسها التلاميذ فى جميع المدارس والمناطق والهيئات جعل العملية التربوية تدور حول ما تتضمنه هذه الكتب . وبمرور الوقت أخذت الحياة تتغير فى المجتمع بمعدل أسرع مما كانت عليه فى الماضي وبدأت آثارها هذا التغير تظهر على جميع جوانب الحياة الاقتصادية ، بينما ظلت الكتب الدراسية شبه ثابتة لا يعتريها أى تغير ولا يطرأ عليها إلا تعديل طفيف . ومن هنا حدثت بين المدرسة والمجتمع هوة كبيرة وفجوة عميقة . فالمدرسة تعيش فى واد يسوده الاستقرار والمجتمع يعيش فى واد آخر تتوالى فيه موجات التبديل تغيير،ومن هنا انقطعت الصلة بينهما أو كادت تنقطع .

وحيث إن لكل بيئة ظروفا وخصائص ومشكلات معينة وفقا لطبيعتها الجغرافية وأحوالها المناخية وكثافتها السكانية فإن ذلك يستدعى من المنهج مراعاة ظروف البيئة ولكن الذى حدث هو أنه قد تم طبع كتب دراسية للتلاميذ فى القرى والمدن ، فى المناطق والبيئات على اختلاف أنواعها وبهذه الطريقة لم يعد المنهج يتيح للمدرسة الاتصال بالبيئة وضعف الروابط بينهما أو كانت تنقطع .

13- إضعاف دور المعلم :يقلل المنهج بمفهومه التقليدى من شأن المعلم ولا يتيح له الفرصة للقيام بالدور الذى يجب أن يقوم به ؛ إذ يتطلب منه أن يقوم بنقل المعلومات من الكتاب إلى ذهن التلميذ . لكى تتم هذه العملية فهو مطالب بشرح هذه المعلومات وتفسيرها وتبسيطها ثم فى أخر المر قياس ما تمكن التلاميذ من استيعابهم منها .

أما الدور الحقيقى للمعلم فهو أكثر انطلاقا مما رأينا فهو إلى جانب توصيل المعلومات إلى ذهن التلميذ مطالب بشرح هذه المعلومات وتفسيرها وتبسيطها ثم فى أخر الأمر قياس ما تمكن التلاميذ من استيعابهم منها ، وعليه أن يعلمهم كيف يعلمون أنفسهم تحت إشرافه وتوجيهه . وبذلك يعمل على تحقيق مفهوم التعلم الذاتى والتعلم المستمر . وعليه أيضا أن يقوم بتوجيه التلاميذ ومساعدتهم على حل مشكلاتهم ومتباعتهم اثناء القيام بالأنشطة وإتاحة الفرصة لهم للتخطيط لها وتنفيذها وتقويمها : حتى يشبعوا ميولهم ويكسبوا المهارات اللازمة ويصبحوا قادرين على التخطيط والتعاون والعمل الجماعى والتفكير العلمى . وهو بالإضافة إلى ذلك كله مرب بمعنى الكلمة ومطلوب منه مساعدة التلاميذ على النمو الشامل وعلى تكوين العادات والاتجاهات الإيجابية . ومطلوب منه أيضا غرس القيم فى نفوس التلاميذ حتى يصبحوا مواطنين صالحين ، وبهذه الطريقة يصبح المعلم أداة فعالة فى تحقيق الهداف التربوية .

ثالثا :المفهوم الحديث للمنهج :

كان من أهم نتائج الانتقادات التى وجهت إلى المنهج بمفهومه التقليدى وظهور بعض العوامل والأفكار والنظريات أن دخل المنهج فى مجال أكثر أتساعا وشمولا بل أدى ذلك إلى ظهور مفهوم حديث للمنهج .وهناك العديد من العوامل التى ساعدت على ظهور المنهج بمفهومه الحديث يمكن أن نرجعها للأسباب التالية :

1-عدم تحقيق المنهج بمفهومه التقليدى لدوره المنشود وعدم تكوينه المواطن المستنير المتعاون .

2-أدى ظهور الصناعة وتقدمها إلى اهتمام التربويين بالعمل وبالتربية المهنية، وقد دعم هذا الاتجاه كثير من رجال التربية أمثال جان جاك روسو وبستالوتزى وجون لوك وفروبل ، وحيث أن التربية المهنية والعمل يتطلبان القيام بالأنشطة المختلفة والمتنوعة ، فإن ذلك قد أدى بطريقة غير مباشرة إلى إدخال الأنشطة فى المناهج المدرسية واعتبارها جزءا منه .

3-أثبتت الدراسات المختلفة التى أجريت فى مجال علم النفس أن الشخصية هى وحدة متكاملة ذات جوانب متعددة ، وتنمية الشخصية يتطلب بدوره تنمية هذه الجوانب وبالتالى فإن التركيز على جانب وإهمال الجوانب الأخرى لا يؤدى إلى تحقيق الهدف المنشود ، وقد نتج عن ذلك اهتمام التربية بنمو الطفل الشامل أى الاهتمام بكافة الجوانب ، وليس بالجانب المعرفى فقط كما هو الحال فى المنهج بمفهومه التقليدى .

4-كما أثبتت الدراسات المتعددة التى أجريت فى مجال علم النفس التعليمي وطرق التدريس أن إيجابية التلميذ ونشاطه لهما دور كبير فى عملية التعلم . وقد أدى ذلك على التقليل من استخدام الطريقة اللفظية الإلقائية فى التدريس ، نظرا لأنها تجعل التلميذ سلبيا إلى أقصى درجة وإلى اشتراكه اشتراكا فعليا فى عملية التعلم ، وذلك عن طريق إتاحة الفرصة له للقيام بالأنشطة المختلفة . نشاط عقلى . نشاط ثقافى . نشاط اجتماعى ، نشاط دينى ، نشاط رياضى . نشاط فنى ...

وهكذا نجد أن العوامل السابقة قد أدت إلى ظهور أفكار جديدة تتلخص فيما يلى :

·      الاهتمام بالأنشطة التعليمية والتعلم النشط .

·      العمل على نمو التلميذ فى جميع الجوانب ، وليس فى جانب واحد .

·      العمل على إيجابية التلميذ أثناء التعلم .

كونت هذه الأفكار النواة التى بنى عليها المنهج بمفهومه الحديث .

ومما سبق يمكن تعريف المنهج بمفهومه الحديث بأنه : مجموعة الخبرات التربوية التى تقدمها المدرسة للتلاميذ داخلها أو خارجها بقصد مساعدتهم على النمو الشامل أى النمو فى جميع الجوانب ( العقلية،والثقافية ، والدينية ، والاجتماعية ، والجسمية ، والنفسية ، والفنية ) نموا يؤدى إلى تعديل سلوكهم ويعمل على تحقيق أهداف التربوية المنشودة .

وفقا لهذا التعريف يتضمن المنهج خبرات تربوية أو خبرات مربية ، ومعنى ذلك أن هناك تحديدا لنوعية الخبرات التى يتضمنها المنهج إذ أن هناك من الخبرات ما هو ضار ومدمر للفرد والمجتمع ومنها ما هو مفيد وبناء لهما معا : الخبرات فالطفل الذى ينحرف وينضم لعصابة يمر فى حقيقة المر بالعديد من الخبرات التى تجعل منه فى النهاية لصا محترفا خطيرا ، ومثل هذه الخبرات لا يجنى من ورائها سوى التخريب والدمار للأخرين وبالتالى فهى مرفوضة من أساسها ، لأنها لا توازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع ، وسعادة المجتمع .

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 11372 مشاهدة
نشرت فى 30 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,661,921