الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

تغيرت النظرة إلى الهدف من تدريس النحو بحيث لم يعد يقتصر على البحث فى الإعراب ومشكلاته، وإنما يأخذ فى الحسبان أشياء أخرى مهمة كالموقعية والارتباط الداخلي بين الوحدات المكونة للجملة، وما إلى ذلك من وسائل لها علاقة بتنظيم الكلام وتأليفه، ولذا فقد استخدم كمصطلح يشير إلى القواعد التى ترشد المتعلمين والمتحدثين والكتاب عن الصحيح والخطأ فيما يتحدثون أو يكتبون.

ومن ثم فمن الواجب أن تكون النظرة إلى النحو غير قاصرة على هذا اللون من الدراسة التى تتعلق بأواخر الكلمات، ولكن يجب أن تشمل بجانب هذا طريقة بناء الجملة وعلاقة كل كلمة بالأخرى فى الدلالة عن المعنى، وأثرها كذلك فى نقل الفكرة وفى عملية الاتصال.

وقد بدأ العرب فى وضع القواعد وجمع اللغة، عندما دعت الحاجة إلى ذلك، وهى الحفاظ على النص القرآنى، ولم يكن العرب قبل الإسلام فى حاجة إلى النظرة إليه، لأنهم كانوا ينطقون اللغة العربية عن سليقة جبلوا عليها.

ويمكن إرجاع أسباب وضع النحو العربى إلى بواعث مختلفة، منها الدينى ومنها غير الدينى، وخاصة بعد أن أخذ اللحن يشيع على الألسنة، فقد روى أن رجلا لحن بحضرة النبى (صلى الله عليه وسلم) فقال : "أرشدوا أخاكم فقد ضل ".

وكانت نشأة النحو أقرب إلى الجانب العملى التطبيقى منها إلى الجانب الفكرى النظرى، وكانت ألصق بضبط النص منها بالفكر فى تكوين اللغة العربية باعتبارها هيكلا وبنية، إذ نشأ الاهتمام بالنحو فى ظلال البحث عن الصواب والخطأ فى الأداء، ثم تطور هذا الاهتمام فى محاولة لإعطاء بنيتة التراكيب أهميتها الخاصة.

تتمثل أسباب وضع النحو فى تفش اللحن بين العناصر غير العربية الأصل، والخشية من فساد وملكة اللسان العربى، ومن تحريف قراءة القرآن وفى ذلك يقول ابن خلدون : وخشى أهل العلوم أن تفسد تلك الملكة رأسا ويطول العهد بها فينغلق القآن والحديث على المفهوم، فاستنبطوا من مجارى كلامهم قوانين لتلك الملكة مطردة شبه الكليات والقواعد يقيسون عليها سائر أنواع الكلام، ويلحقون الأشياء بالأشياء، مثل إن الفاعل مرفوع، والمفعول منصوب، وهكذا نشأ النحو.

أولا: أهمية دراسة النحو:

ترجع أهمية النحو إلى أن اكتساب مهارات اللغة تتطلب بالضرورة فهم قواعدها، فهى الآلية التى تؤدى فى اللغة وظائفها طبقا لنظامها، وتتمثل هذه الالية فى مجموعة من القواعد التى يتعين على متحدثى أى لغة أن يكونوا على علم بها، وإلا فلن يستطيعوا تركيب الكلمات بطريقة ذات معنى وهذا ما أكده أحد المتخصصين فى قوله: "لو علمنا طالبا أجنبيا يدرس اللغة العربية عددا من المفردات دون أن نعلمه شيئا من قواعد اللغة، فمن العسير عليه أن يفرق بين معانى الجمل التى تتألف من هذه الكلمات، وأشار من هذا عسرا عليه أن ينشئ جملة سليمة من تلك المفردات ".

وقد عنى المسلمون بدراسة النحو، كوسيلة للحفاظ على اللغة العربية الفصحى، والتحدث بها سليمة فصيحة، ولعلنا نلمس مظاهر هذه العناية فى قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : "رحم الله امرأ أصلح من لسانه"، ومما ورد فى كتاب البيان والتبين للجاحظ من أن يعقوب السخستانى كان يقول : "تعلموا النحو فإنه جمال للوضيع وتركه هجنة للشريف ".

وإن منزلة النحو من العلوم اللغوية منزلية الدستور من القوانين الحديثة، فهو دعامتها ودستورها الأعلى، وهو أصلها الذى تستمد عونه، وتستلهمهم روحه وترجع إليه فى جليل مسائلها وفروع تشريعها، ولذا تجد علماء من تلك العلوم يستقل بنفسه عن النحو أو يستغنى عن معونته أو يسترشد بغير نوره وهداه، فلا يمكن استخلاص حقائق العلوم اللغوية والنفاذ إلى أصولها بغير هذا العلم، ولا نستطيع إدراك كلام اله تعالى، وفهم حقائق التفسير وأحاديث النبى (صلى الله عليه وسلم)، وأصول العقيدة إلا بإلهام النحو وإرشاده، وليس ثمة شك أنه من الممكن أن نتعلم لغة ما تعلما جيدا، دون أن تنعلم القواعد التى يتضمنها علم النحو، لأن المغزى من أى نص قد يخفى إذا لم يعرف النظام النحوى الذى تسير عليه اللغة.

وتكمن أهمية النحو فى كونه مظهرا حضاريا من مظاهر اللغة، ودليلا على أصالتها وضوابط تحكم استعمال اللغة، وبخاصة أن البيئة لم تعد بيئة الاستعمال السليم للغة العربية، ولكنها أصبحت بيئات لها لهجات عامة إقليمية، وذا علاقة وطيدة بصحة الفهم، فقد يكون الخطا فى ضبط أواخر الكلمات سببا فى لبس المعنى أو عدم وضوحه، بالإضافة إلى أن معرفته تيسر للفرد التعرف على التركيب السليم واستيراد عدد غير محدود من التراكيب اللغوية من تركيب معين، عن طريق ما تشير إليه من تحويلات لا تخرج ترتيب العناصر اللغوية عن البنية الأصولية الصحيحة فى نظر أصحاب اللغة وللنحو الباع الطويل فى فهم المقروء وفى الاستماع والتعبير السليم شفهيا كان أو كتابيا، ويعده ابن خلدون أهم علوم اللسان العربى قاطبة، وفى ذلك يقول : "أركان علوم اللسان أربعة وهى اللغة والنحو والبيان والأدب ". وأن الأهم المقدم منها هو النحو، لأنه يتبين أصول المقاصد بالدلالة، فيعرف الفاعل من المفعول، والمبتدأ من الخبر، ولولا الجهل أصل الإفادة.

ولن يكون أسلوب التلميذ سليما، إلا إذا تمكن من الإلمام بقواعد النحو واستطاع أن يطبقها فى كلامه وكتابه، وبالتالى استعمال الألفاظ والجمل استعمالا صحيحا، فتتكون لديه عادات لغوية سليمة، ولذا لا يمكن إدراك أسرار اللغة والتمكن من مهاراتها، إلا بتعلم قواعدها النحوية، والتدريب عليها تدريبا يمكن من الإلمام بها وممارستها ممارسة صحيحة فى شتى المواقف.

ولا تقتصر أهمية النحو على الوظيفة الأدائية للغة العربية، وإنما يلاحظ أن للنحو أهميته الأدبية، فهو مظهر الحركة المستمرة التى تمتاز بها العاطفة والإرادة والعقل وهو مظهر التوتر الذى يعنى قيام الضدين، فالنحو روح للكلام وضرورة له ويتصل اتصالا وثيقا بالمعنى كما أنه السبيل إلى فهم المعنى ودراسته، وهذا ما جعل القدماء يذهبون إلى أنه إذا أريد بحث المعنى الكلى أو الجزئى دون نظر إلى النحو، فقد ضللنا السبيل

وبدراسة النحو يكتسب التلميذ عدة مهارات أساسية هى :

-         مهارة لسانية من الناحية التطبيقية.

-         مهارة عقلية معرفية، وتتحقق عن طريق إدراك التلاميذ الأسس العلمية التى تبنى عليها صحة الكلام وسلامة التعبير.

-         مهارة تذويقية بإدراك النواحى الجمالية فى الأمثلة التى تختارلاستنباط القاعدة والتطبيق عليها

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 5058 مشاهدة
نشرت فى 30 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,659,868