لنجاح عملية التدخل العلاجي في حالات العسر القرائي يجب الكشف المبكر والتعرف على الأطفال المعرضين للإصابة بالعسر القرائي وإجراء البرنامج التربوي الخاص حتى لا يقع الطفل تحت ضغط نفسي نتيجة وضعه ,ونكون بذلك قد أنقذناه من الدخول في شخصية مدمرة اجتماعياً تعاني من الفشل المستمر والإحباط الدائم والتوترات الاجتماعية النفسية , وبما أن العسر القرائي هي صعوبة تعليمية تستنفذ قدرات الطفل العقلية والانفعالية وتؤدي به إلى سوء التوافق الشخصي والاجتماعي مما يدفعه إلى الانطواء في شخصية سلبية , لذلك لابد من الكشف المبكر عن اضطرابه هذا للتدخل في معاونته على إيجاد السبل الضرورية لتخطي أزمته بالحد الأدنى الممكن .
كما أكد عدد من الباحثين على أهمية معالجة صعوبات القراءة واللغة المكتوبة حين ظهورها أمثال : (جادول) و(مالكبست) , إذ يرون أن صعوبات القراءة والكتابة التي تظهر لدى الطفل , في أول مراحله التعليمية يمكن أن تبقى دائما فيه , وتمتد إلى المراحل اللاحقة , إذا لم يهتم بمعالجتها في الوقت المناسب , وبالتالي فإن نوع القصور الذي ينتج عن هذه الصعوبات ,قد يستمر زمناً طويلاً .
ويمثل الكشف والتشخيص والتدخل المبكر أمراً جوهرياً ومحوريا ً غاية في الأهمية, فأعراض العسر القرائي قد لا تختفي , كما أنها لا تنمو أو تتفاقم مع التدخل المبكر وتطبيق البرامج العلاجية الملائمة , كما أن التشخيص المبكر فوق انه ضروري فإنه لا يعني تصنيف سلبي لهؤلاء الأطفال , كما أنه من الضروري الكشف عن الأسباب أو السبب الرئيسي الذي يقف خلف عجز الطفل عن القراءة .
المحكات التشخيصية في العسر القرائي :
عند تشخيص العسر القرائي كصعوبة تعلم محددة فإنه لا يتم الاعتماد على محك التباين بين درجات التحصيل في القراءة والقدرات العقلية باعتباره المحك الوحيد في تشخيص هذا الاضطراب, بل تستخدم محكات تشخيصية أخرى في تحديد الطالب الذي يعاني من هذه المشكلة , فهناك أكثر من محك لتشخيص صعوبات التعلم المحددة, إذ أشار بعضهم إلى ثلاثة محكات,وآخرون ذكروا أربعة محكات, ولكن الجميع لا يختلف على محكين أساسيين هما: (محك التباين) و (محك الاستبعاد) ومن هذه المحكات :
1. محك التباين Discrepancy Criterion :
ويقصد بهذا المحك هو التباين بين القدرات الحقيقية للفرد وبين الأداء , فمثلاً قد يكون التباين بين المستوى التحصيلي والقدرات العقلية في واحدة أو أكثر من القدرة على فهم المهارات الأساسية للقراءة , أو فهم واستيعاب المادة المقروءة, أو القدرة على القيام بالعمليات الحسابية .
2. محك الاستبعادExclusion Criterion :
وهذا المحك يستبعد عند التشخيص أية إعاقة حسية , أو إدراكية يمكن أن تكون سبباً في مشكلة القراءة التي يعاني منها الطفل مثل: التخلف العقلي ويقصد به انخفاض ملحوظ في القدرات العقلية العامة "الذكاء", الإعاقة الحسية وتشتمل على الإعاقة السمعية , والإعاقة البصرية, الانفعالات الشديدة , فالتلاميذ الذين يعانون من هذه الإعاقات لا يندرجون ضمن مسمى عسر القراءة .
3. محك التربية الخاصة:
ويشير هذا المحك إلى حاجة ذوي العسر القرائي إلى طرق تعليم وتدريب خاصة من أجل التغلب على مشكلة القراءة أو التخفيف من شدتها ,بسبب عدم جدوى طرق التدريس المتبعة مع الأطفال العاديين , فضلاً عن عدم صلاحية الطرق المتبعة مع المعاقين , وإنما يتعين توفير لون من التربية الخاصة من حيث (التشخيص والتصنيف والتعليم) يختلف عن الفئات السابقة .
4. محك الاضطراب العصبي :
من المعروف أن تفسير المدركات الحسية يتم في الدماغ , وهناك مناطق محددة في شقي الدماغ مخصصة للمدركات البصرية والسمعية وغيرها من المدركات الحسية , وقد لاحظت العديد من الدراسات وجود قصور وظيفي أو خلل تركيبي في مناطق معينة من الدماغ لدى نسبة معينة من المصابين بعسر القراءة.
وتعود صعوبة هذا المحك إلى أن القصور الوظيفي أو التركيبي لم يلاحظ عند الجميع أو لدى نسبة كبيرة من حالات عسر القراءة, ويؤكد ذلك أن الدراسات التي تمت في هذا المجال قد أجريت في أغلب الأحيان على الأفراد الذين عانوا من عسر القراءة مدة طويلة مما يسمح بافتراض أن التغيرات التي لوحظت في الدماغ قد تكون نتيجة لعسر القراءة وليست سبباً لها .
أنواع العسر القرائي:
يختلف التلاميذ الذين يعانون من العسر القرائي (Dyslexic) في قدرتهم على القراءة من تلميذ إلى آخر , فنجد أن هناك تلميذ يجد صعوبة في التعرف على الكلمات الجديدة أو عدم القدرة على التوفيق بين الحروف والأصوات , وتلميذ أخر يواجه مشكلات في التعرف على الكلمة ككل .
ومن خلال ما سبق يتضح لنا أن هناك عدة أنواع للعسر القرائي , كما أشارت إلى ذلك (جلجل ) ومنها :
العسر القرائي النمائي الفونولوجي :
حيث يمكن للشخص قراءة الكلمات المألوفة باستخدام طريقة الكلمة ككل, لكنه يواجه صعوبة في التعرف على الكلمات الجديدة أو مشكلات التوفيق بين الحروف والأصوات , لذلك نجد أنهم يجدون صعوبة في قراءة الكلمات غير المألوفة وكذلك الكلمات الجديدة , حتى وإن كانت من الكلمات السهلة , وهم لا يظهرون أي ميزة عند قراءة الكلمات المنظمة مقارنة بالكلمات غير المنظمة ؛ وذلك لأنهم يقرءون الكلمات ككل ولا يستطيعون الاستفادة من فرصة تحويل الأصوات والحروف والتي تقدمها الكلمات ذات التهجئة المنتظمة .
ونقصد بالعمليات الفونولوجية هي معالجة صوتية خاصة يلجأ لها الطفل في المراحل الأولى من اكتساب اللغة من أجل التمكن من نطق الكلمات والمقاطع اللفظية , ومن الأمثلة على ذلك عملية الحذف إذ تعد من أكثر العمليات الفونولوجية التي تُلاحظ لدى ذوي العسر القرائي فيقوم التلميذ بحذف حرف أو صوت من الكلمة فيختل المعنى , فهناك ثلاث مراحل نقوم بها في المعالجة الفونولوجية للكلمات من أجل نطقها والوصول إلى الشكل الصوتي النهائي لها وهي:
- جمع الأصوات التي تتكون منها الكلمة .
- توحيد وتنسيق الأصوات في سلسلة صوتية مترابطة وفق القواعد الصوتية المعمول بها في اللغة.
- تنسيق وتوحيد المقاطع اللفظية لتكوين الكلمة .
العسر القرائي النمائي السطحي :
ففي هذا النوع نجد أن التلميذ يستطيع قراءة الكلمات صوتياً لكنه يواجه مشكلات في التعرف على الكلمة ككل. ويعتمد المصابون بـ العسر القرائي السطحي بصورة كبيرة على إجراءات تحويل الحروف إلى أصوات عند محاولة القراءة بصوت مرتفع , وكنتيجة لذلك ؛ فهم يقرءون الكلمات المنتظمة بصورة جيدة لكنهم يميلون إلى تنظيم الكلمات غير المنتظمة.
العسر القرائي التهجي :
وفيه يستطيع التلميذ قراءة الحروف الفردية التي تؤدي إلى قراءة الكلمات إذا أعطى التلميذ الوقت الكافي لقراءتها,لكنه يواجه مشكلات إدراك الكلمة ككل.
العسر القرائي المباشر :
ففي هذا النوع يستطيع التلميذ القراءة بصوت مرتفع دون فهم , فالتلميذ يستطيع قراءة الحروف ولكنه لا يستطيع فهم المعاني التي تؤدي إليها هذه الحروف والكلمات.
ولأن جميع التلاميذ لا يظهرون نفس الأعراض فقد اقترح البعض تقسيم العسر القرائي (Dyslexic) إلى ثلاثة فئات :
الصعوبات البصرية المكانية :
فالتلاميذ الذي يعانون من الصعوبات البصرية المكانية لا يستطيعون التعرف على مجموعة من الحروف , وقد يميلون إلى تخمين الكلمات بالشكل وليس بالسياق, كما أنهم يقومون بقلب الحروف في المقاطع , والمقاطع في الكلمات والكلمات في العبارات , كما أنهم يقومون بقراءة الكلمة بطريقة عكسية من الخلف إلى الأمام.
الصعوبات الكلامية الصوتية :
فالتلاميذ الذين يعانون من الصعوبات الكلامية الصوتية فإن المشكلة لديهم تكمن في عدم القدرة على فهم اللغة المنطوقة, حيث تظهر الصعوبة في تقسيم الكلمات إلى مقاطع في تكوين الجمل.
الصعوبات الإرتباطية :
أما التلاميذ الذين يعانون من الصعوبات الإرتباطية فإنهم يعجزون عن إيجاد الأصوات المناسبة للحروف الفردية والأصوات في الكتابة ( ويمكن روية ذلك بصورة شائعة في حالة الكلمات ذات المقطع الواحد) .
تصنيف العسر القرائي :
أشار عدد كبير من المختصين في الوقت الحاضر إلى أن العسر القرائي يصنف إلى صنفين اعتماداً على وجود اضطراب لغوي محدد أو عدم وجود مثل هذا الاضطراب , وبناءً على ذلك فإن العسر القرائي يصنف إلى :
- العسر القرائي اللغوي : وذلك عندما تعود صعوبات القراءة في جوهرها إلى الاضطرابات اللغوية التي يعاني منها الطفل , وتشكل هذه النسبة من الأطفال 85 % من مجموع حالات العسر القرائي .
- العسر القرائي غير اللغوي : وذلك عندما تعود صعوبات القراءة إلى عوامل أخرى غير لغوية كصعوبات الإدراك البصري , وتشكل نسبة المصابين بهذا النوع من عسر القراءة 15 % من مجموع الحالات .
أعراض العسر القرائي (Dyslexic) والمؤشرات الدالة عليه :
هناك العديد من الأعراض التي يعاني منها التلاميذ المصابون بالعسر القرائي وقد تكون داخلية لا يمكن ملاحظتها , وقد تكون خارجية واضحة يستطيع أن يتعرف عليها المعلم وكذلك أولياء أمور التلاميذ .
ومن أعراض العسر القرائي مايلي :
· يواجهون صعوبة في القراءة أو التهجئة.
· يواجهون صعوبة في فهم المسائل الرياضية التي تتضمن رموزاً مثل حساب التفاضل والتكامل.
· يعتقدون أن الناس ينظرون إليهم على أنهم كسالى ومهملون.
· يشعرون بعدم الاستقرار ويجدون صعوبة في الجلوس في مكان واحد لفترة طويلة.
· يجدون صعوبة في الاحتفاظ بالاتصال عينا بعين مع الآخرين .
· يجدون أنهم ينسون شيئاً ما بعد قراءته بفترة قصيرة.
· لا يستطيعون أحيانا تذكر إلى أين يذهبون أو إلى أين ينبغي أن يكونوا.
· كما أنهم يخلطون بين اليمين واليسار, وصعوبة في تتبع شهور السنة.
كما أن هناك اختلاف في الأعراض التي يعاني منها الأطفال ما قبل سن المدرسة ( حتى سن ست سنوات) , وما بعد المدرسة (حتى سن تسع سنوات) إلا أن هذه الأعراض يمكن ملاحظتها عند تلميذ دون آخر , ويمكن أن تجتمع مجموعة من الأعراض في حالة واحدة وهي كالتالي :
أعراض ما قبل المدرسة (حتى ست سنوات ):
· يجدون صعوبة في التنسيق الحركي مثل مسك الكرة , رميها بشكل جيد أو تنطيطها , مع صعوبة في القفز , أو ركوب الدراجة الهوائية .
· معظمهم يتأخرون في النطق .
· يتميزون بعدم الكلام بوضوح أو بخلط الكلمات والجمل.
· صعوبة في التركيز عند الاستماع للقصص .
· يشعرون بكره شديد تجاه المدرسة.
· أن الديسلكسيين في هذه السن يعانون من صعوبة في ارتداء ملابسهم مستقلين وبصورة طبيعية ,كما أن لديهم صعوبة في ربط الأحذية واستعمال الأزرار .
أعراض ما بعد المدرسة ( حتى تسع سنوات ) :
· يجد التلميذ في هذه المرحلة صعوبة خاصةً في تعلم القراءة والكتابة كون عسر الكتابة يترافق مع العسر القرائي الديسلكسيا .
· يعاني من صعوبة في التمييز بين الأحرف أو الأرقام, فهو يقلب , أو يحذف أو يضيف بالأرقام والأحرف .
· معاناة في القراءة نتيجة الاضطراب في الإدراك البصري, كون القراءة تفترض وجود علاقات وروابط بين الإشارات البصرية والمعطيات السمعية مما يؤدي بهم إلى أخطاء وصعوبات مميزة في القراءة .
· إذا قرأ لا يستطيع تتبع الكلمات في السطر الواحد, كما أن لديه صعوبات في فهم النص الذي يقرأه أو يسمعه .
· لا يقرؤون بطلاقة,يستخدمون أصابعهم لتتبع ما يقرؤون ,يكررون الكلمات ولا يعرفون إلى أين وصلوا.
· يتميز بالشرود وقلة الانتباه مع صعوبة في التركيز والمتابعة فهو يعتقد أن الانتباه صعب جداً عليه.
· تتضح الصعوبة عنده في معرفة الاتجاهات فهو لا يدرك اليمين من اليسار, فوق تحت, كما أنه يجد صعوبة في حفظ الأشياء المتتالية مثل: أيام الأسبوع , أشهر السنة.
ويعد الطفل إذا أظهر خمسة أعراض سلوكية من مجموع أعراض الديسلكسيا طفلا لديه عسرا قرائيا. ومن أعراض الديسلكسيا النفسية والفسيولوجية ما يأتي :
1. على مستوى الإدراك البصري , لا يستطيع الطفل أن يتعرف أو يميز أصوات الحروف والرموز والكلمات , كما انه غير قادر على تكوين كلمات ذات معنى من الحروف الهجائية رغم ما يبدو من سلامة البصر لديه .
2. على مستوى الإدراك السمعي , فان الصعوبة ليست في تمييز أصوات الحروف والكلمات فقط بل وفي ترجمة الحروف والكلمات إلى أصوات تتفق مع صورها الرمزية .
3. على مستوى الضبط الحركي , فإنه يلاحظ على أطفال الديسلكسيا اختلاط واضح وعدم تناسق حركي .
4. عجز في التقديرات المكانية و الزمانية والاتجاهات .
5. عجز في تقدير الأشكال كماً وكيفاً .
6. عجز في المعاني الكمية من خلال التعامل بالأعداد والأرقام .
7. صعوبة كتابية وإملائية.
ويمكن تقسيم مظاهر العسر القرائي التي تواجه التلاميذ إلى محاور متعددة يمكن إيرادها فيما يلي : (مظاهر تتعلق بالقراءة, ومظاهر تتعلق بالتهجئة, ومظاهر تتعلق بالكتابة , ومظاهر تتعلق بالذاكرة , ومظاهر تتعلق بالحركة , ومظاهر تتعلق بالتنظيم ).
وبعد أن تطرقنا إلى مظاهر العسر القرائي والمؤشرات الدالة عليه, لابد من الإشارة إلى بعض العوامل التي تؤدي إلى صعوبات في القراءة والكتابة إلا أنه لا يمكن تصنيفها على أنها عسر في القراءة (Dyslexic), بمعنى أنه لا يصح تشخيص جميع حالات التعثر في القراءة بأنها عسر في القراءة (Dyslexic) , لذلك لابد من استبعاد العوامل الأخرى المسببة لتلك الصعوبات في القراءة والكتابة.
ويجب قبل أن نشخص الحالة بأنها ديسلكسيا علينا أن نأخذ في الاعتبار تلك العوامل الأخرى على أساس المحكّات التالية:
- أن تكون اللغة التي يعاني منها الطفل من تعثر أو أخطاء في قراءتها أو كتابتها , هي اللغة الأم للطفل وليست لغة أجنبية أخرى .
- أن لا يكون الطفل يعاني من قصور في الذكاء أو من تخلف عقلي , بمعنى أن يكون انخفاض مستوى الذكاء عاملاً مسبباً للحالة .
- ألاّ يكون الطفل يعاني من خلل أو قصور عضوي ظاهر في البصر , أو في السمع , أو في الحالة الصحية العامة .
- ألاّ يكون الطفل معانياً من قصور أو اضطراب نفسي أو عاطفي أو انفعالي أو من تخلف ثقافي .
- أن يكون الطفل على مستوى تعليم كافٍ متساوٍ مع أطفال من ذات سنه أجادوا القراءة والكتابة .
- ألاّ يكون التعثر في الكتابة والقراءة ناجماً عن قصور أو أخطاء في مراحل تعليم اللغة .
- ألاّ يكون الطفل مصاب بإعاقة أخرى مسببة تعثر في القراءة والكتابة مثل حالات (الشلل المخي) أو غيرها من الأعراض الأخرى .
ساحة النقاش