أصل كلمة "ديسلكسيا " هي كلمة من اللغة اليونانية القديمة تتكون من مقطعين Dys ومعناها ركيك أو ناقص غير متكامل , ومقطع Lexis وتعني كلمة أو لغة, وعلى هذا فإنها تعني قصور أو ضعف أو ركاكة القدرة على الاتصال اللغوي , ومن هنا يمكن تعريفها بأنها : نوع من إعاقات الاتصال تتميز بقصور في القدرة على فهم واستيعاب وتفسير الكلمات المكتوبة أو المسموعة التي يستقبلها الجهاز العصبي .
و يعد مسمى العسر القرائي أو الديسلكسيا من أكثر المصطلحات استخداما للإشارة إلى الأفراد الذين يواجهون صعوبات في مهارة القراءة , وهو في نفس الوقت من أكثر المصطلحات التي يثار حولها الكثير من الجد وسوء الفهم في بعض الأحيان .
كما تعرف الجمعية البريطانية للديسلكسيا (2003م) الديسلكسيا بأنها : خليط من القدرات والصعوبات الموجودة عند الأطفال والتي تؤثر على عملية التعلم في واحدة أو أكثر من مهارات القراءة والكتابة والهجاء , وربما تكون هناك صعوبات أخرى مصاحبة ولا سيما فيما يتعلق بعمليات التعامل مع المعلومات , والذاكرة قصيرة الأجل , والتتابع والإدراك البصري والسمعي واللغة المنطوقة والمهارات الحركية. وللصعوبات الخاصة بعسر القراءة علاقة باستخدام وإتقان اللغة المكتوبة, وقد تظهر أيضا في الحروف الهجائية والأرقام والنوتة الموسيقية ".
فمن خلال التعريف السابق نلاحظ أن الجمعية البريطانية للديسلكسيا لم تقتصر في تعريفها للعسر القرائي على الصعوبات المتعلقة بالقراءة والكتابة و التهجئة , بل امتد ليشمل صعوبات في التعامل مع المعلومات (سرعة التعامل مع بعض المعلومات , وبطء التعامل مع المعلومات الأخرى ) والذاكرة قصيرة الأجل , والتتابع (إنجاز مهام متعددة في نفس الوقت) , والمهارات الحركية (التآزر الحركي ), إلا أن التعريف لم يتطرق إلى أية نظريات تفسر حدوث عسر القراءة أي انه لم يذكر سببها ولكنه اقتصر فقط على وصف عسر القراءة .
وعرف البعض العسر القرائي (Dyslexic)بأنها : هي إحدى إعاقات التعلم التي تصيب الفرد مبكراً كغيرها من إعاقات مرحلة النمو , وهي خلل أو قصور أو اضطراب في القدرة على الكتابة والقراءة يعرف باسم " ديسلكسيا"(Dyslexic) " .
أيضا يعرفه البعض بأنه : انخفاض الأداء القرائي لدى التلاميذ عن المتوسط مع وجود خبرات عادية في الفصل الدراسي " . أو " انحطاط ملحوظ في أداء التلاميذ في القراءة بشقيها الجهري والصامت.
حجم مشكلة العسر القرائي (Dyslexic) في بعض دول العالم:
تعد مشكلة العسر القرائي مشكلة خطيرة ليس على المستوى المحلي فحسب , بل على المستوى العالمي أيضا, فإذا نظرنا إلى حجم ظاهرة العسر القرائي في بعض دول العالم فإن ذلك يعكس لنا مدى ضخامة المشكلة على المستوى العالمي ومدى خطورتها , وبالتالي ضرورة إيجاد الحلول المناسبة لها.
ويشير إلى ذلك ( ماكجينز وسميث ) بأن حجم مشكلة العسر القرائي في الولايات المتحدة الأمريكية تقدر بـ 15 % من تلاميذ المدارس في الولايات المتحدة الأمريكية يعانون من العسر القرائي , ويؤكد شريدان (Sheridan,1983) بأن الولايات المتحدة الأمريكية تنفق ملايين الدولارات كل عام لتحسين مستوى تدريس القراءة من خلال الاختيار الأفضل لمواد التعليم العلاجي , وعلى الرغم من ذلك فإن أعداداً كبيرة من الأطفال لديهم صعوبات في القراءة , وقد أشار المجلس الاستشاري الدولي أن من 10 إلى 15 % من الأطفال في المدارس الأمريكية يعانون من صعوبات في القراءة .
إن نتائج الأبحاث التي قام بها المعهد الوطني للعناية بالطفل والتطور الإنساني حول الديسلكسيا في الولايات المتحدة الأمريكية أن الديسلكسيا هي أكثر أنواع الصعوبات التعليمية التي تناولها البحث بالتمحيص والدراسة , وأن ما نسبته 15 % من أطفال المدارس الأمريكية يعانون من صعوبات في القراءة , وكذلك الحال في الأرجنتين فإن نسبة الأطفال ذوي الذكاء المتوسط يظهرون صعوبات في القراءة بنسبة 25% من مجتمع المدارس الكلي, وفي بلجيكا تقدر نسبة الأطفال ذوي الصعوبات القرائية بـ 48% وهذه النسبة لا تشمل طلبة التربية الخاصة , وفي النرويج تقدر نسبة الأطفال ذوي العسر القرائي بـ 11 % , وقد وجد أن حالات الديسلكسيا توجد في الأحياء الفقيرة المكتظة أكثر من وجودها في الأحياء الغنية حيث يقيم الميسورين والقادرين على تعليم أطفالهم بطريقة أفضل , كما أنها تنتشر في المناطق القروية وكذلك الريفية المنعزلة والتي يتدنى فيها مستوى التعليم ونوعيته .
كما أن معدل نسبة الإصابة بالعسر القرائي في مرحلة الصفوف الأولية من التعليم الأساسي تتراوح ما بين 3 % إلى 6 % من تلاميذ هذه المرحلة كما تشير إلى ذلك إحصائيات الدول الغربية , كما وجد أن العسر القرائي يتأثر بدرجة كبيرة بالجنس , فنسبة انتشاره لدى الذكور أكبر بكثير من الإناث (1:8) وهذا يوضح أن نسبة الذكور المصابين بالعسر القرائي أكبر . كما أن العسر القرائي (Dyslexic) ليس حصراً على لغة واحدة بل أنه ينتشر في جميع اللغات ولكن بنسب متفاوتة , فترتفع نسبة العسر القرائي (Dyslexic) في الصين بسبب صعوبة اللغة واعتمادها على الصور والأشكال الرمزية أكثر من اعتمادها على الحروف الأبجدية , وتقل في اليابان حيث الاعتماد فيها على الحروف الأبجدية والرموز أكثر .
وأخطر ما في موضوع العسر القرائي أن نسبة انتشاره في تزايد مستمر على الرغم من كل الجهود التي تُبذل في هذا المجال , كما أن نسبة انتشاره تختلف من مكان إلى آخر وذلك لأنه ظاهرة ذات أبعاد اجتماعية وثقافية , ويعد العسر القرائي من أكثر صعوبات التعلم النوعية شيوعاً , حيث تشير الإحصاءات أن نسبة انتشار العسر القرائي في مقابل الصعوبات النوعية الأخرى التي يتضمنها تعريف صعوبات التعلم تمثل 80 % من مجتمع صعوبات التعلم .
الآثار النفسية المترتبة على العسر القرائي :
هناك العديد من الأعراض النفسية التي يعاني منها التلاميذ الذين لديهم عسر في القراءة, ومن هذه الأعراض ما يلي:
· يؤثر العسر القرائي تأثيراً نفسياً بالغاً على الشخص الذي يعاني منه نتيجة لتداخل وتضارب وتناقض المشاعر لديه , فهو يدرك انه من ذوي الذكاء العادي وربما العالي, لكنه في نفس الوقت غير قادر على اجتياز الاختبارات التحصيلية أو الأكاديمية والنجاح فيها .
· فيؤدي هذا التناقض والتداخل إلى مستوى عالي من القلق والاضطراب والإحباط , مما يؤثر على سلوك الفرد الذي يعاني من العسر القرائي في اتجاهين احدهما انسحابي والأخر عدواني .
· الاتجاه الانسحابي يترتب عليه تجنب الفرد لأي موقف تنافسي, وخاصة مواقف التحصيل والإنجاز الأكاديمي, مما يؤثر بدوره على تقدير الذات لدى الفرد ومفهوم لذاته, وتوافقه الشخصي والاجتماعي يمتد ليشمل كافة ردود الأفعال التي تصدر عنه, مما يجعله عرضة للاضطرابات النفسية .
· التلاميذ ذوو العسر القرائي يتكرر شعورهم بالإحباط نتيجة لانتكاساتهم المتكررة في تحقيق الانجاز الأكاديمي المتوقع منهم , وعلى ذلك فهم يرون أن المدرسة أو الفصول المدرسية بيئة مثيرة لمشاعر النفور والإحباط لديهم , وخاصة إذا لم يجدوا من المدرسين القدر الكافي من التفاهم والتقدير لحالتهم, ومساعدتهم في التغلب على هذه المشكلة .
· تعد البيئة المدرسية أو الدراسية التي تتجاهل مشاعر وردود أفعال هؤلاء التلاميذ بيئة طاردة , تضيف إلى هؤلاء التلاميذ مشكلات سلوكية أخرى , وتعمق لديهم الشعور بعجزهم , ومن ثم يتجهون إلى التسرب والانسحاب من مواصلة الدراسة , فضلا عن اكتسابهم للعديد من مشاعر العداء للمدرسة والآخرين والمجتمع ككل.
· أما الاتجاه الثاني فهو الاتجاه العدواني( المبالغة في رد الفعل ) , فتجد الطفل يحاول البحث عن أفعال أخرى تعويضية عن النقص الذي يعاني منه , فيحاول تغطية عدم قدرته أو عجزه بمحاولة تحقيق النجاح في مجالات أخرى كالتهريج , أو العدوانية , أو محاولة مقاومة سلطة المدرسة .
ومهما اختلفت ردود فعل الطفل سواء أكانت انسحابية أو عدوانية , فإنها تقف خلف تسرب بعض التلاميذ من الدراسة , وعدم الاهتمام بالانتقال من صف إلى آخر , وقد يكتسب سمات شخصية أخرى مثل العدوانية والمشاكسة , وتدمير الأشياء , والمغايرة , والسيطرة .
ويعد القلق من أهم المظاهر النفسية التي يتميز بها الطفل الذي يعاني من العسر القرائي (Dyslexic) وذلك لأن القلق يتداخل مع الإدراك مما يزيد مشاكل الانتباه والذاكرة على المدى القريب , كما أنه يعاني من شعور رفض الآخرين له يترافق معه شعور بالفشل والإحباط , لهذا من المحتمل أن يصاب بسرعة الغضب , لعدم قدرته على ضبط اندفاعه فضلاً عن ضعف قدراته الدفاعية تجاه الصعوبات التي تواجهه , مما يدفعه إلى الشعور بالعدوانية نحو ذاته أو نحو الآخرين . كما أنه يهرب من همومه واضطرابه إلى أحلام اليقظة , ينتظر الفشل دائماً في أدائه المدرسي لهذا فهو يتفادى إنجاز أعماله المدرسية .
ساحة النقاش