يعتمد هذا المدخل في تعليم القراءة للمبتدئين على النظرية البنيوية الوظيفية وهي نظرية حديثة نسبيا، وتم تطبيقها والاستفادة منها في مختلف أنظمة المعرفة الاجتماعية والفنية بعامة، كما استفيد منها فى علم اللغة الوصفي، وفى النقد الأدبي، ويستند هذا المدخل فى تعليم القراءة للمبتدئين على ركائز علمية تتضح من خلال العرض التالي :
أولا : إجراءات التعليم في هذا المجال :
يقصد بالبنية في – مقام تعليم القراءة للمبتدئين – تعليم وتعلم بنية الوحدات اللغوية ذات المعنى ( الكلمات وحروفها – الجمل – الفقرات – النصوص متعددة الفقرات ) وتعليم البنية يقتضي تعليم الكل ذي المعنى ، كما يعنى في الوقت ذاته تعليم كيف تترابط وظيفة الأجزاء المكونة للكل في تشكيل بنائه ، وهذا ما يشير إليه " برونر " Bruner فى قوله " أن تعليم البنية – في إيجاز – يعنى أن تعلم المرء كيف تترابط أجزاء هذه البنية في أداء وظيفيتها " ، ومثال ذلك كلمات مثل ( باب – ناب – غاب ) حيث أدى تغير المقطع الأول إلي تغيير بنية الكلمة ومعناها ، وفى كلمتين مثل : سمع – سامع ) تعرض الكلمتان مفترضين أنهما من الكلمات التي ألف المبتدئون نطق كل منهما وسماعه، وهذا شرط أساسي في إجراءات التعليم وفقا لهذا المدخل ، ومغزى هذا الشرط أن يبدأ في تعليم القراءة الشفوية المألوفة للمتعلمين ( المنطوقة والمسموعة ).
وبالنسبة للمثال السابق في الكلمتين ( سمع – سامع ) كمثال توضيحي للإجراءات في هذا المدخل نقول: أن المعلم مطالب بان يدعو المتعلمين إلي اكتشاف المقطع الأخير في الكلمتين( مع ) حول معنى الكلمة من الإشارة لحدث مضى وانقضى إلي الإشارة إلي من يقوم بهذا الحدث .
وهذا المدخل لا يعنى بدراسة اللغة على النحو الذي يسلكه علماء اللغة او علماء الصرف؛ وإنما يكون التركيز في هذا المجال على أن يستوعب المتعلمون – صغارا أم كبارا- فكرة تحول اللغة من تمثيل بالصوتيات إلي تمثيل بالرموز المكتوبة ، ويمكن استنادا إلي ما يكتشفه المبتدئون الانتقال من تعلم مثل هاتين الكلمتين إلي تعليم الربط بين الصوت والرمز، وتعلم الأصوات الأولى، ثم الأصوات الأخيرة في عدد من الكلمات التي يألف المتعلمون نطقها ويفهمون معانيها 0
الأسس العلمية لهذا المدخل:
1- يستند هذا المدخل إلي ما أكدته الدراسات المختلفة بالنسبة للنمو اللغوي عند الطفل ، حيث يفد الطفل إلي المدرسة ( في عمر ست سنوات تقريبا ) ولديه ذخيرة عظيمة لن يستهان بها في مفردات اللغة وفي بنية تراكيبها، وفى الأساليب المختلفة للتعبير الشفوي عن سائر حاجاته واهتماماته في تواصله مع الآخرين .
2- أن بدء التعليم في هذا المدخل بالكلمات المنطوقة المسموعة ذات المعنى مساير لما يحدث في النمو اللغوي بصفة عامة، ثم تأتي القراءة التي يعتمد فيها على الكلمات المطبوعة في مرحلة تالية حيث يعرض رسم الكلمة التي يعرفها المتعلم – صغيرا أم كبيرا – مبناها الصوتي ومعناها ، وتبقى المشكلة فقط – تعليم المبتدئ الربط بين الاصوات Marphemes والرموز الكتابيةGraphemes .
3- أن البدء باللغة الشفوية ذات المعنى( المنطوقة والمسموعة)، وتقديمها في القراءة يتلاءم مع تطور اللغات الطبيعية، فاللغات جميعها بدأت شفوية، ثم تلا هذا تسجيل بعضها وفقا لنظام كتابي خاص باللغة أو بمجموعة الأسرة اللغوية التي تنتمي إليها اللغة.
مميزات هذا المدخل:
ويتميز المدخل البنيوي الوظيفي عن المدخلين السابقين بما يلي:
1- أنه يحفز المتعلمين على الاعتماد على تحليل بنية الكلمات بوصفها الوسيلة الأساسية لتعليم القراءة – وليست إحدى القرائن – وذلك دون الاستعانة بقرائن أخرى ( قرينة الصورة – قرينة السياق ، ونحوهما ).
2- يتميز هذا المخل عن المدخل الذي يتم التركيز فيه على المعنى منذ البداية ( ومن طرائقه الكلية والتوليفية )بأنه يعتمد على المعنى الذي يعرفه المبتدئون أصلا، وعلى البنية الصوتية التي يعرفونها أيضا؛ ولذا فان الغرض من القراءة هنا يتحدد في أنه فك الرموز الكتابية التي تعبر عما يعرفونه قبلا ، وبهذا توظف الخبرة السابقة للمتعلمين في تعلم الجديد، وهذا من شانه أن يختصر الوقت اللازم للتعلم، وأن يحفز المتعلمين إلي أن يكتشفوا الأجزاء ووظيفة كل جزء في البنية الكلية للكلمات ثم الجمل، ثم الفقرات، ثم النصوص، وهكذا .
3- يتفق هذا المدخل مع مدخل التركيز المبدئي على الرمز في التركيز على المطابقة بين الأصوات والرموز المكتوبة ، ويتميز عنه بالإصرار على عرض الكلمات وتداولها شفويا – وليس عرض الحروف والأصوات التي تمثلها هذه الحروف، ويتميز أيضا – هذا المدخل عن المدخل الذي يكون محور التركيز فيه على المعنى، أو الذي توجه القراءة فيه لتحصيل المعنى بما يلي:
- أن المدخل الذي يركز على المعنى يعمل – منذ البداية – قاعدة التعرف على الكلمة بمجرد النظر إليها، ومن خلال شكلها العام ، استنادا إلي علم النفس الجشتالت، وفكرة الإدراك الكلي .
- أن المدخل البنيوي يعتمد كلية على كلية خبرة المتعلم ، وكلية الكلمة الشفوية في آن واحد ، وعلى أن التعلم ينصب على تعليم بنية الكلمة بمجرد النظر إليها، وليس خطوة البداية في تعلم القراءة وتعلمها على نحو ما يتبع فى الطريقة الكلية أو الطريقة الانتقائية( التوليفية ).
4- ومن مزايا استخدام المدخل البنيوي الوظيفي في تعليم القراءة للمبتدئين ما يلي:
- أن المدخلين: التركيز على الرمز الذي يركز على علي تعليم مطابقة أصوات الحروف للرموز التي تمثلها ، والمدخل الذي يركز على المعنى منذ البداية كلاهما يعنى التذكر الآلي ، وذلك حيث يركز المدخل الأول على تذكر رموز كثيرة منعزل بعضها عن بعض ( الحروف كلها محركة بالحركات القصيرة والحركات الطويلة ) في مواقف ليست ذات معنى ، وخاصة حين يبدأ بتعليم أسماء الحروف ، ثم يثنى بأصواتها محركة بالفتحة ثم بالكسرة ثم الضمة، ثم المد بالألف والواو والياء، وحيث يركز المدخل الثاني – في أساسه – على تعلم عدد كبير من الكلمات والتعرف عليها من خلال الشكل العام للكلمة، وعلى المتعلم أن يتذكر هذه الكلمات بصورة إليه أيضا.
- هناك شك في مدى ملاءمة الطريقة الكلية لتعليم فك الرموز العربية – وبخاصة إذا أخذنا فى الاعتبار الفروق الشاسعة بين الرسم الهجائي للغة العربية والرسم الهجائي للغة الإنجليزية، لأن الرسم العربي الألفبائي تستخدم معه النقاط – بأعداد محدودة – فوق الحروف وتحتها ، فمع اتحاد الشكل العام لكلمتي ( جمل – حمل )؛ فإن وجود النقطة أو عدمها يغير ما تشير إليه الكلمة تماما – هذا بالإضافة إلي الحركات الطويلة والقصيرة – وإلي علامات التشديد والتنوين و( ال ) الشمسية و( ال ) القمرية ونحوها وهي جزئيات أساسية يجب أن يدرك المتعلم وظيفتها في مبنى الكلمة وفى معناها.
- أن المدخل البنيوي الوظيفي يقوم على التعلم من خلال إعمال البصيرة، حيث يدعى المتعلمون إلي الربط بين الكلمة التي يعرفون نطقها ومعناها ورمزها المكتوب، وإلي اكتشاف المميزات بين الكلمات التي تتشابه فى الصوت وتختلف فى الرسم مثل كلمات( سورة – صورة – طين – تين – نصر – عصر – ظرف – ظروف – قال – مال – نقود – يعود )، وذلك من خلال اكتشافاتهم المبنية للبنية الداخلية للكلمة ، وللحروف المكونة لها.
5- ومن مميزات هذا المدخل أيضا – مراعاة التأثير المتبادل بين القراءة والكتابة في بداية تعليمهما المبتدئين، فما يعلم في القراءة يعلم في الكتابة بشكل منتظم، حيث إن التقدم الذي يطرأ على أيهما يسهم في تقدم الأخرى.
ساحة النقاش