إن تعليم القراءة يتطلب تدخلا، وسياقا إنسانيا، فعملية تعلمها ليست عملية طبيعية، وهي لا تتطور على سبيل المصادفة، ففعل القراءة معقد ومتعمد، ويستلزم تعليمها عملية منظمة ومطولة ، والغرض الأساسي من تعلمها مساعدة الأطفال على اكتساب مهارات تمكنهم من تعلم القراءة، وفهمها والاستمتاع بها في مستوى متسق مع قدراتهم الثقافية. والمهارة في القراءة نوعان : فهم المادة المكتوبة ، وفهم اللغة بشكل عام، وهذا يحتاج إلي دقة في تمييز الكلمات ، وتطبيق استراتيجيات القراءة المعينة.
ومهارات القراءة ككتل البناء تجتمع معا وتفاعل لتظهر قدرة التعلم على القراءة، ولا تظهر إلا من خلال تآزرها. وما يحتاجه الأطفال لاكتساب هذه المهارات معرفة الأصوات، وتعرف المفردات ومعانيها، وثروة لغوية، والعلاقات القواعدية التي تحكم علاقات الكلمات في الجمل.
أي أن النجاح في تعليم القراءة يتطلب فهما واعيا للقراءة مفهوما وطبيعة وأهمية ومهارات، لتمكين المتعلم من الوصول إلي مستوى يؤهله للتعامل مع اللغة المكتوبة تعرفا ونطقا وفهما ، ويتطلب أيضا إكساب نوعين من المهارات والمعارف قسم يتصل بفهم نظام الكتابة للغة، وآخر يتعلق بفهم اللغة بشكل عام .
ومن أهم ما يحتاجه المتعلم في تعلمه القراءة الوعي بالصور الصوتية للوحدات اللغوية تأملا، وإصدارا للأحكام حول الخصائص الصوتية للمفردات، وتعلما للتطابقات بين الصور الصوتية والصور الخطية، كما يحتاج إلي الألفة بالتهجي، وتمييز الكلمات وتعرفها، وفهم المقروء، فالمتعلم الجيد للغة – بشكل عام – هو الذي يصل بعد مروره بخبرة تعليمية معينة إلي المستوى الذي يمكنه من " إلف الأصوات العربية والتمييز بينها، وفهم دلالاتها والاحتفاظ بها حية في ذاكرته، وفهم العناصر المختلفة لبنية اللغة وتراكيبها، والعلاقات التي تحكم الاستخدامات المختلفة لقواعد اللغة " .
وإذا كان هذا هو المسار الطبيعي، فمن المحتمل أن تحدث عقبات تخرج المتعلم عنه، وتتمثل في صعوبة فهم العلاقات المتبادلة بين اللغتين المنطوقة والمكتوبة وأول تعرض لها هو المبدأ الأبجدي ، وفشله في تحويل مهارات فهم اللغة المنطوقة إلي القراءة، وغياب الحافز، فتعليم القراءة يتطلب إنجازات معقدة تبدأ بفهم أن الأصوات توصل إلي رموز لها صفة التجريد ، والعلاقة بينهما ليست علاقة خطية ، وأن الأصوات المستقبلة في كلمات لها صفتا التقسيم والمزج على الرغم من أن الأذن تلتقطها دفعة واحدة ، في الوقت نفسه يصعب الفصل بين مكوناتها، وتسمع كأنها صوت واحد ، وهي عملية غير واعية وآلية، وتحويلها إلي رموز محددة تعكس عددا كبيرا من الأصوات يمثل نقطة البداية في ظهور صعوبات القراءة، كما يتطلب الأمر إدراك أن الرموز المكتوبة تمثل هذه الفونيمات أيا كانت طريقة نطقها، وتعليم القراءة لا يحدث في صورة تعلم مهارة ثم الانتقال إلي الأخرى أي بشكل تدريجي، فالمتعلم يطور كفاءة في مناطق أربع: التعرف والفهم والطلاقة والحافز، وتشير النتائج أن الانحراف عن المسار الصحيح لتعليم القراءة يجعل 50% من متعلميها بحاجة إلي مساعدات إضافية.
ويعد تعلم التطابق بين الصور الصوتية والصور الخطية من المهام الأساسية التي تواجه القارئ المبتدئ، وتوجد مشكلات ثلاث ذات صلة بهذه المهمة:
الأولى: أن الفونيمات مفاهيم لغوية مجردة ليس لها وجود مادي، وبذلك فهي لا تتطابق مع الأصوات الثابتة التي لا تتغير بتغير السياق، حيث تتداخل أجزاء الكلام معا لترافقها في التلفظ ، فكلمة (قرأ )حدث سمعي ليس له أجزاء سمعية واضحة يمكن مطابقتها مع الرموز الخطية الثلاث لهذه الكلمة .
الثانية: أن الخصائص السمعية للفونيمات تختلف باختلاف السياق الصوتي الذي ترد فيه ، أي أن لكل فونيم أشكالا لفظية متعددة فالباء في ( بَيت – بِنت – بُوق- بَاب) تتنوع صوتيا مما يصعب عملية بناء قواعد التطابق.
الثالثة: تعدد صور الرسم الإملائي للفونيم الواحد فمثلا ( ح ) تتعدد صور رسمها بتغير موقعها في الكلمة .
هذه المشكلات تسهم في إحداث صعوبات القراءة ، والتي يمكن تفسيرها على أنها اضطرابات ذات أساس لغوي ، وهذا التعريف يمس جوهر صعوبة القراءة باعتبارها مهارة ذات أساس لغوي ، وبذا تكون صعوبة القراءة – هي الأخرى – اضطرابا ذا أساس لغوي أيضا، ومن هنا يجب التفريق بين من لديهم صعوبات ذات أساس لغوي، وبين أولئك الذين يظهرون صعوبات قرائية أساسها غير لغوي، والتمييز بين الفريقين يتمثل في أن الصعوبات ذات الأساس اللغوي ترتبط بالأصوات والمفردات ، والمستويات العليا من اللغة ، أما النوع الثاني فيشمل من تعزى مشاكلهم إلي العجز البصري، أو إلي الدافعية، أو الانتباه ، أو أشكال العجز الذهني ، ويمكن تفسير ذلك في ضوء أن القراءة تتطلب معرفة لغوية أكثر مما يمتلك المتعلم ، وهو ما يطلق عليه الفجوة البنائية، فالتأخر في اكتساب المعرفة الصوتية ، أو تعلم اللغة المنطوقة وهي متطلبات لغوية لتعلم القراءة يقود إلي تأخر في تعلمها، وقصور في اكتساب مهاراتها
ساحة النقاش