الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

وضع مفهوم نماذج القراءة ليوضح العلاقة بين القارئ والنص، وكيفية تناول القارئ لهذا النص، وصولاً للمعنى، والعوامل التي تتداخل حتى يصل هذا المعنى لذهن القارئ، وقد فسرت عمليات القراءة من خلال العديد من النماذج ، منها ثلاثة لعمليات القراءة، تعد هى النماذج الأساسية، التي نتج عنها مداخل واستراتيجيات تدريسية، النماذج سيتم توضيحها فيما يلي:

أولاً: نموذج الاتجاه من النص إلى المعنى Bottom – up Models

هذه النماذج تفسر عملية القراءة بدءًا من وقوع العين على الحروف، وانتهاءً بالوصول إلى المعنى؛ إذ إن الأساس وفق هذه النماذج هو النص؛ فالنص بداية الوصول للمعنى، فالمعنى وليد الصفحات المطبوعة.

وتعد الخطوة الأولى للقراءة وفق هذا النموذج هى الإدراك البصري الدقيق والمعرفة التامة للحروف، ثم معرفة الأصوات المرتبطة بها، وتأتى الخطوة الثانية في معرفة الكلمات، والجمل وتأتى الخطوة الأخيرة في إدراك العلاقات بين الكلمات والجمل بهدف إدراك المعنى التام للمقطوعة.

ويلاحظ في خطوات هذا النموذج الإهمال شبه التام لشخصية القارئ وخلفيته المعرفية، والعوامل الأخرى المتداخلة في إدراك المعنى، ومن هنا نشأت إجراءات تدريسية خاصة لتناسب هذه الرؤية.

ويتم تركيز الاهتمام على عمليات الرمز وفك هذه الرموز في الصفوف الأولى من المراحل التعليمية ، كما يتم التركيز المكثف على المقاطع الصوتية، ومن ثم فإن برامج القراءة في هذه الصفوف الثلاثة الأولى تتجه إلى إكساب الأطفال مهارات فك الرمز ومعرفة الحروف.

وتهتم عمليات التقويم بالمهارات الفرعية المتصلة بعملية فك الرموز، وتكرار اختبارات تركز على هذا المعنى.

     ويمكن إيجاز خطوات هذا المدخل في الشكل التالي:

               المعنى

­

علامات الترقيم

­

الدمج

­

اتصال المقاطع والعبارات

­

معرفة الحروف

­

المادة المطبوعة

شكل (1)خطوات نموذج الاتجاه من النص إلى المعنى

وقد واجه هذا المدخل انتقادات واقعية، أساسها دراسة سلوكيات القراء؛ فمثلاً هذا النموذج لم يقدم تفسيراً لقراءة الكبار؛ حيث يمكن للكبار من القراء أن يقدموا فهماً وتفسيراً للنص دون أن يلقوا اهتماماً أساسياً بعمليات فك الرمز، كما أنه لم يقدم تفسيراً لكيفية قراءة القراء الماهرين لعبارة بها بعض أخطاء مطبعية، أو بها نقص لبعض الحروف نتيجة الاستعمال في الكتابة ، أو لسوء الطباعة، وإنتاج معنى تام لهذه المقطوعة أو هذه الجمل، كما أن هذا النموذج لم يقدم تفسيراً لسلوكيات القراءة فى المخرج النهائي .

وبرغم هذه الانتقادات؛ فإن هذا النموذج أكد على مهارات عديدة وهامة في عملية القراءة – سواء كانت صامتة أم جهرية – تعد هذه المهارات أساساً لعملية ترجمة النص المكتوب إلى المعاني التي يهدف إليها الكاتب.

فالقارئ ينبغى أن يسيطر على عدة مهارات تتمثل فى تمكنه من تحريك العين في اتجاه الكتابة – من اليمين إلى اليسار – وتعويد العين الوقفات المضبوطة التي تدرك فيها أشياء كلية، ودقة انتقال العين من آخر السطر إلى السطر التالي، وقلة عدد الوقفات في السطر الواحد، وقلة زمن الوقفة الواحدة، وإخراج الحروف من مخارجها، وعدم الخلط بين الأصوات المتشابهة في النطق (ص – د)، (س ، ص) ومعرفة صوت الحرف بحسب الشكل، والتمييز بين الصوت الممدود وغير الممدود، والتمييز بين اللام الشمسية والقمرية، وغيرها من المهارات المرتبطة بعمليات فك الرمز.

وقد دفعت بعض أوجه القصور في نموذج الاتجاه من النص إلى المعنى إلى ظهور نموذج آخر حاول معالجة أوجه القصور الناجمة عن هذا النموذج ، وهو ما يلى تفصيله.

ثانياً: نموذج الاتجاه من المعنى إلى النص Top – Down Models

تفترض هذه النماذج أن عمليات القراءة تبدأ في عقل القارئ، الذي يضع فروضاً أو تنبؤات حول معنى النص المكتوب ليكون مقروءًا، والقارئ حينئذ يبسط النص ليقبل أو يرفض هذه الفروض؛ فالقراءة لذلك لا تتطلب عمليات مع كل حرف أو كل كلمة، بل تتطلب فقط معنى للنص الذي حاول القارئ التفاعل معه والوصول إليه، هذه النماذج دائماً تركز على أن عناصر معاني القراءات هى التي تحضر إلى النص من داخل عقل الفرد.

  ووفقا لهذه النماذج يبدأ القارئ بمعارفه السابقة، ونشاطه ليقارن ما يقرأ بفهمه تلقائياً، ولا يؤكد هذا النموذج على المهارات الفرعية والفهم الحرفي، ويركز على بناء الخلفية المعرفية والخبرات اللغوية، ويستخدم القارئ هذه الخلفية المعرفية، والخبرات اللغوية في وضع تنبؤات حول النص، ويؤكد النص هذه التنبؤات أو يرفضها.

والشكل التالي يوضح خطوات السير في عملية القراءة وفق هذا النموذج.

الخبرات والتوقعات والمواقف اللغوية السابقة

¯

اختبار التوقعات من النص

¯

المعنى

¯

الأصوات وعلامات الترقيم إن كان ضرورياً

شكل (2)خطوات السير وفق نموذج الاتجاه من المعنى إلى النص

ويلاحظ من خلال هذا الشكل أن عملية الترميز والأصوات وعمليات الترقيم تأتى أخيراً، وفى شكل عرضي إن كانت هناك حاجة إليها.

وتتم عملية تدريس القراءة وفق هذه النماذج عن طريق تقديم نصوص تامة المعنى، والتأكيد على العلاقة بين خبرات الطفل السابقة، والمعلومات في النص المطبوع، وتدرس عناصر الصوت للرموز، ولكن بشكل معنوي وطارئ، حينما يواجه الطلاب مشكلات مع الرموز المطبوعة، كما يقوم التقدم القرائي وفق هذا النموذج عن طريق قياس قدرات الأطفال على الوصول للمعنى المناسب من الصفحات المطبوعة، وليس على ضبط الرموز القرائية شفوياً.

وتركز الإجراءات التدريسية وفق هذا النموذج، في جانب كبير منها على عمليات الفهم، وتحليل النص المطبوع بشكل يحقق فهماً لجوانبه المختلفة في ضوء الخبرات السابقة، كما أن عمليات التقويم تعتمد في جانب كبير منها على اختبارات الفهم.

ومن المزايا التي يتسم بها هذا المدخل، هو ربطه بين عمليتي القراءة والاستماع؛ فهو يقدم القراءة بشكل متوازٍ للاستماع، فالطفل فى اعتقاد مؤيدي هذه النماذج يتعلم القراءة في شكل متوازٍ لتعلمه الاستماع؛ لذا فمن وجهة نظرهم هو لا يحتاج إلى تنمية معارفه عن عناصر اللغة المكتوبة.

وهناك بعض المهارات يتعين على التلميذ اكتسابها حتى يستطيع القراءة وفق هذا النموذج؛ فإن عليه مثلاً أن يكون قادراً على تحديد الأفكار الرئيسة، ويفهم تتبع الحوادث وملاحقة التفاصيل، واستدعاءها وفهم تنظيم الكتابة، وإتباع التعليمات، وتقويم المقروء، وتلخيصه والربط بين المعاني والرموز، وإيجاد المعاني من السياق، وقراءة ما بين السطور، وتوقع المعاني واستنتاجها إلى غير ذلك من مهارات الفهم.

ومن أهم الانتقادات التي وجهت لهذا النموذج، أنه يهمل عمليات الترميز، وتحويل المقاطع إلى رموز صوتية، برغم أن الأبحاث قد أشارت إلى أن معرفة عناصر اللغة المكتوبة والتمكن من مهارات الترميز ، هو البداية الحقيقية لتعلم القراءة.

إن الاتجاه الذي ينادى بالتكامل بين هذين الشكلين من نماذج تفسير عملية القراءة هو الأقرب للصواب والذي يجب احتذائه، إذ إن عملية التركيز على فهم المعنى وإضفاء خبرات القارئ إليها لا تقوم بذاتها دون عمليات الرمز، كما أن عمليات فك الرموز وحدها دون تداخل هذه العوامل لا يمكن أن نطلق عليه ما يسمى بالقراءة.

وقد نتج عن تطور الدراسات والقصور في تفسير عمليات القراءة نماذج أخرى لتفسير هذه العمليات، تحاول التكامل بين النماذج السابقة، وهو ما يعرف بالنماذج التفاعلية في تفسير عمليات القراءة.

ثالثاً: النماذج التفاعلية للقراءة Interactive Models of Reading

أخذ تفسير التفاعلية في عمليات القراءة أشكالاً عدة؛ حيث يفسرها البعض بأنها حوارات داخلية للقارئ مع نفسه، تعكس إحساسه بالمعنى الذي يرمي إليه الكاتب أو الذي تعكسه المواد المطبوعة.

فالتفاعلية هى انغماس القارئ في النص بشكل يجعله يتصور كيف أنشأ الكاتب حديثه، أو بشكل يجعله يفكر كيف تبنى المعاني الخاصة بما يقرأه.

كما تعد عملية التفاعل عملية عقلية إدراكية يستخدمها القارئ ليربط بين الخبرات السابقة، وعناصر النص الرمزية؛ ليبتكر من خلالها المعنى، وهو ما يتضح من خلال الشكل التالي:

عناصر النص

 

مصادر القارئ

 

 

 

 

 

     بناء المعنى

 

         

شكل (3)التفاعلية في القراءة

وذهب البعض إلى أن التفاعلية في القراءة تعنى رد الفعل الحادث بين القارئ بصورة فردية والنص الذي يقرأه.

بينما يرى آخرين بأن التفاعل عملية يتم تكوينها بواسطة القارئ أثناء القراءة، ولا تعنى فقط التفاعل مع النص، بل قد يكون من عناصر هذا التفاعل النص بأنماطه المختلفة، والتفاعل مع المحيطين في إطار محيط الفصل (القراء الآخرين) أو التفاعل مع المجتمع وعناصره، والبيئة المنزلية.

ومن هنا يتضح أن رد الفعل أو التفاعل للقارئ يكون أساسه القارئ الفرد (قيمه، علاقاته، خبراته، معرفته السابقة، ثقافته، أحلامه، أهدافه، توقعاته) كما يتعلق أيضاً بالنص ونوعه(قصة، مسرحية، مقال، رواية، قصيدة، أغنية شعرية… إلخ) كما يعد ارتباط القارئ بالآخرين أساساً آخر للتفاعل، فقد يرفض القارئ أو يقبل بعض المعاني بناءً على تفاعلاته بالآخرين، وقد يرجع القارئ إلى النص مرة أخرى ليعيد تحليله في ضوء هذا التفاعل.

وتكون مهارات التعامل مع النص وفق هذه النماذج ذاتية، فهذه المهارات قد تشمل البحث والاقتراض والتوقع، وتكييف هذا الاقتراض وتعديله وفق الأفكار المدركة من النص، وإعادة تقييم هذه الأفكار وإعادة بنائها مرة أخرى.

وبرغم اهتمام النماذج التفاعلية بالمعاني في النص المقروء وتفاعل القارئ مع النص بجوانبه المختلفة، ومع البيئة الاجتماعية التي يحيا فيها، ومع نفسه للوصول إلى المعنى، إلا أن مؤيدي هذه النماذج لا يهملون قضية الرمز في النص المقروء.

فقد أكد المؤيدون لهذه النماذج أن استمرار الطفل في القراءة، وتحقيق جوانب التفاعل المختلفة للوصول للمعاني مرهون بشكل كبير بقدرته على التمكن من المهارات المرتبطة بالحروف والأصوات، ولكنهم يؤكدون أيضاً أن ذلك لابد وأن يتم في سياق معنوي تام، مع اهتمام بتشكيل استراتيجيات القارئ الشخصية للتمكن من هذه المهارات الفرعية، والاهتمام بضبط المشاكل القرائية التي تظهرها اختبارات إتقان هذه المهارات الفرعية.

وقد أكد المهتمون بهذه النماذج التفاعلية على بعض الإجراءات التدريسية التي يجب إتباعها عند تدريس القراءة منها:

- يجب تدريس القراءة عن طريق النصوص كاملة المعنى؛ بحيث تعكس خبرات الأطفال السابقة، كما يجب أن يقدم تدريساً مباشراً لهذه الخبرات، مع تقديم الاستراتيجيات الضرورية التي تيسر تمكن الطالب من مهارات فك الرموز، وإعادة تشكيل التنبؤات حول رسالة الكاتب.

- يجب أن يهتم التقويم – في ضوء هذه النماذج – بقياس قدرات الطفل على التملك من المعنى المناسب للمواد المطبوعة، وقدراتهم أيضاً على فك الرمز، ومواجهة تحديات الفهم.

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 1522 مشاهدة
نشرت فى 30 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,643,617