ظهر منهج النقد التأويلي كأثر من آثار شيوع منهج التفكيكية في النقد الأدبي، ويُقصد به المنهج الذي يقوم بدراسة النصوص الأدبية آخذاً بعين الاعتبار الطابع الجمالي لفرضية التفسير الحرفي من جهة والتأويل في الإطار الذي يتقبله الفهم المعاصر للأدب من جهة أخرى، مع مراعاة أن لكل نص أدبي ثلاثة مقاصد: مقصد المؤلف، ومقصد النص، ومقصد المؤول أي القارئ.
وتقوم عملية التأويل على خطى إجرائية تتمثل فيما يلي :
· يقوم القارئ بقراءة النص الأدبي مستخدماً في قراءته منظوره الذي يساعده على توقع الدلالات؛ فيدرك الشكل المكتمل للنص إدراكاً لا يخلو من نقص، إضافة إلى أن المعنى الكلي الذي يخدم فرضياته التأويلية لا يكتمل في حدود القراءة الأولى.
· يعود القارئ إلى النص ثانية فيسترجع عبر قراءته الجديدة الأسئلة التي ظلت دون إجابة في القراءة الأولى، وقد يبدأ من نهاية النص والاتجاه عكسياً نحو البداية، أو من الكل إلى الجزء، وفي هذه الأثناء يسعى القارئ إلى دمج الدلالات الجزئية في معنى كلي، وهذا المعنى الكلي هو الذي يتحدد بمقتضاه أفق التوقع في القراءة الثالثة.
· يوظف القارئ في القراءة الثالثة المعنى الموضوعي الذي تم استيعابه في القراءة الأولى والثانية، ولا يتعدى هذا المعنى كونه فرضية أولى للتأويل، ثم يأتي الفهم الجمالي رديفاً للفهم الموضوعي، وهذا هو الشيء الذي يختص به التأويل في الأدب عن غيره.
ويطلق التأويليون على هذه القراءة اسم قراءة إعادة التركيب، فهي التي تسمح بإعادة انبثاق النص من جديد مع إلغاء المسافة التي كانت تفصل بين الأسئلة التي شكل النص جواباً عنها في السابق وبين الأسئلة التي يشكل جواباً عنها في القراءة الحاضرة، وبدلاً من أن يكون سؤال المؤول: ما الذي يقوله النص لي؟ يصبح ما الذي يقوله وما الذي أريد قوله من خلال النص؟ أي أن التأويل لا يقوم على مبدأ الأخذ بالتفسير الحرفي وإنما يقوم على اختبار تطبيقي عملي غايته تلبية رغبة القارئ المؤول في توسيع تجربته من الآخر، أي من خلال التواصل الأدبي بالماضي، و تأسيساً على ذلك ترى نظرية التأويل في النص الأدبي نصاً متعدد الوجوه، وليست له حقيقة جوهرية واحدة.
وعلى هذا فإن النقد القائم على تأويل النص ذو طبيعة مزدوجة، فهو في الوقت الذي يسعى فيه للكشف عن معنى جديد للنص يقوم بإخفاء معنى آخر، أو على الأقل التغاضي عنه، ثم يتحول المعنى الجديد الذي اكتشفه النقد التأويلي مع الزمن إلى معنى حرفي محتاج إلى تأويل آخر وهكذا..، أي أن النصوص كيانات تتطور وتحيا بالكشف عن مجازاتها الكامنة، وهذا يتطابق مع ما يذهب إليه ديريدا من حيث أن المعنى شيء لا يمكن التثبت منه وتوكيده، لأن التفكيك معناه أن كل نص يخفي في داخله الكثير من الإشارات والدوال المعجمية والمصطلحية القابلة للمزيد من التفسير والتأويل والتقنين.
وقد أسهم النقاد الأمريكيون في نظرية التأويل كثيراً، وفي مقدمتهم ستنالي فش من خلال كتابه "تجربة القراء" وجوناثان كوللر من خلال كتابه "أعراف القراءة". ويُعد جيفري هارتمان من رواد هذا المنهج أيضاً.
ورغم أن فكرة التأويل كانت معروف لدى العرب القدماء في تأويل الآيات القرآنية وبعض الأحاديث القدسية والأبيات الشعرية المشكلة التي اختلف في تفسيرها اللغويون وتباينت حولها أنظار الشّراح، إلا إن منهج النقد القائم على نظرية التأويل انتقلت إلى النقد العربي في العصر الحديث من النقد الغربي المعاصر. وقد أُعيد النظر في غير قليل من نصوص التراث في ضوء هذا المنهج، ومن بين الذين طاب لهم استخدام التأويل نصر حامد أبو زيدفي دراسته لبعض كتب التراث.
ساحة النقاش