الأدب ناموس اجتماعي، يتخذ اللغة التي هي وليدة المجتمع وسيلة له، بل أبعد من هذا إن الأدب يحاكي الحياة، والحياة – في معظمها- حقيقة اجتماعية، رغم أن عالم الطبيعة الخارجي والعالم الداخلي الذاتي للفرد كانا أيضاً موضوعاً للمحاكاة الأدبية؛ فالأديب نفسه عضو في المجتمع، له وضعه الاجتماعي الخاص، يكافئه المجتمع معترفاً بجهده، وهو يتوجه بأدبه لجمهور من المتلقين.(وليك ووآرن،1412هـ،131) كما أن للأدب وظيفة نفعية أو اجتماعية، لأنه يرتبط في نشأته بمفاهيم وتقاليد اجتماعية.
لهذا يهتم الناقد الاجتماعي بالعلاقة بين النص الأدبي والعوامل الاجتماعية التي تظهر في النص الأدبي، فإن كان بينه وبين الحياة والمجتمع صلة فهو أثر أدبي قيم، تجب العناية به والإشادة بمنزلته، وإن كان لا يعالج شأناً من شئون الحياة والمجتمع والناس فهو أثر أدبي يجب أن يموت وأن يختفي.. فإن عالج الأدب الموضوعات الإنسانية العالية الخالدة كان أقرب إلى الخلود الأدبي، ومن هذا المنطلق يُعرف الأدب بأنه: فن جميل غايته تبليغ الناس رسالة ما في الحياة من حق وجمال.
لقد انبثق المنهج الاجتماعي من حضن المنهج التاريخي، واستقى منطلقاته الأولى منه؛ خاصة من النقاد الذين استوعبوا فكرة تاريخية الأدب وارتباطها بتطور المجتمعات المختلفة، وتحولاتها طبقاً لاختلاف البيئات والظروف والعصور. كما أسهم في ظهور المنهج الاجتماعي ازدهار علم الاجتماع بصفة عامة، واتساعه بتنوعات متعددة كان من بينها " علم اجتماع الأدب" أو "سوسيولوجيا الأدب " الذي تأثر في نشأته بالتطورات الحاصلة في علم الاجتماع وفي الأدب، وخاصة بآراء بولند صاحب مقولة الأدب تعبير عن المجتمع.
وقد برز استخدام تفعيل الاتجاه الاجتماعي في تعليم الأدب في بداية القرن التاسع عشر، حين تغلبت النظريات الاشتراكية والرأسمالية على النظم الاقتصادية والاجتماعية في العالم العربي، فظهرت طبقة من الأدباء ترى أن الأدب فى خدمة المجتمع، أو هكذا ينبغي أن يكون.والأدب الاجتماعي أدب بعيد عن التنميق، ومتصل بالواقع أتم الاتصال، وإذا كان علم الاجتماع الأدبي يدرس أشكال النشاط المتبادل بين كل الأشخاص الذين يتدخلون فى عالم الأدب، فإن الأدب الاجتماعي يفسر نوعيا كيف أن الكتابة حدث ذو طبيعة اجتماعية تبعا لفلسفة كل أديب، وفهمه يتوقف عرضه لدور المجتمع عاملا حاسما أو مرافقا في قيمة الإبداع الأدبي.
ويرى أنصار الاتجاه الاجتماعي في تدريس الأدب أنه يمكن دراسة المجتمع بعناية من خلال خطط ثلاث هي:
أ-المجتمع الواقعي، حيث ظهر الكاتب، وحيث أنتج عمله.
ب-المجتمع الذي ينعكس مثاليا فى نطاق العمل نفسه.
ج-انعكاس العمل نفسه على ضمير القراء الاجتماعي.
والأدب الحقيقي واقعي- لدى بعض أنصار المنهج الاجتماعي، وهم الروائيون الواقعيون- ويعرض في شكل نماذج للالتحام العضوي بين الفرد والنمو التاريخي والاجتماعي.
وكان للماركسية المادية، ونظرية الانعكاس التي طورتها الواقعية دوراً كبيراً في تعزيز المنهج الاجتماعي؛ حيث عملتا جنباً إلى جنب على تعميق الاتجاه إلى الاعتداد بمنهج النقد الاجتماعي. من منظور التلازم بين البنى الاجتماعية من ناحية، والنصوص الأدبية من ناحية أخرى.
ولم تكتف الماركسية بالآراء السابقة عن علاقة الأدب بالمجتمع، وإنما أسندت إليه دوراً يضطلع به، فإن الأدب الذي هو تمثيل للبنى الفوقية في المجتمع هو – في نهاية المطاف- جزء من البنى الاقتصادية والاجتماعية، فهو إما أن يكون أداة توجيه وتحريض، أو أداة للسيطرة على الجماهير؛ فمن خلال ارتباطه بالبنى الفوقية لابد أن يكون معبراً عن الشرائح الاجتماعية الصاعدة، أو عن انهيار الطبقات المنهارة. وترى الماركسية في الأدب انعكاساً للواقع شاء ذلك الأديب أم أبى أما غاية الأدب عندهم فهي التحريض والتماس التغيير لتحقيق النمط الاشتراكي، والانخراط في معركة الصراع الطبقي
ومن الرواد العرب الذين طبقوا المنهج الاجتماعي في الدراسات الأدبية، إسماعيل أدهم وسلامة موسى ، وقد اعتبرا الصدق معياراً أوحداً للفن الأصيل، مع شجب ما ينتمي إلى كل من الإقطاع والبورجوازية وما يشيع فيهما من الكتابات الناعمة، كما أسس عمر فاخوري مدرسة التحرر الفكري، وقد نادى بأن الأدب كسائر الفنون الجميلة "ظاهرة اجتماعية أصلاً ووظيفة اجتماعية فعلاً.
ومن الدراسات الأجنبية المعاصرة التي استخدمت الاتجاه الاجتماعي في تعليم الأدب دراسة دافيد(1990 David, L. Barr ) بعنوان:تدريس الأدب الديني كأدب اجتماعي: استراتيجيات من أجل التعليم العام"،وقد تناولت هذه الدراسة السياقات المناسبة لتدريس الأدب الديني، كأدب على مستوى طلاب المرحلة الثانوية، والجامعية؛ لإدراك القيم المختلفة التي تعكسها النصوص الدينية، ومدى صلتها بالمجتمع.
كما بينت هذه الدراسة بعض الخطوات لممارسة التدريس التي تحترم- غالبا- عادات، وتقاليد الطلاب الدينية.
وتوصلت الدراسة إلي أن المضمون في العمل الأدبي يوجب إبراز القيم الاجتماعية في النصوص الدينية.
وفى ضوء ما سبق تتبين أهمية استخدام الاتجاه الاجتماعي في تعليم الأدب، ولكن جماعة من الواقعيين قد بالغوا في رسالة الأدب الاجتماعية، واتخذوا من بعض أجناس الأدب، كالقصة مثلا، وسيلة دعاية لفكرهم السياسي والأدبي، يخدعون بها الدهماء، ويضللون البسطاء من عامة الشعب.
كما يجب ألا يحجم الأدب الاجتماعى فى موضوعات البؤس، والحرمان والظلم المتكرر- كما يفعل الواقعيون- كى نصل إلي مبدأ التغيير والإصلاح؛ فلربما استجابت النفس لآليات كيفية تطويرها أسرع من استجابتها لما يدخل الحزن والأسى عليها.
وفى ضوء الدراسات والبحوث المعاصرة- الخاصة بتعليم الأدب يمكن تصنيف أنصار المداخل المستخدمة فى تعليم الأدب إلي أسرتين طبقا لما يؤمنون به: "الفن النافع" أو "الفن للفن"، وإلي الأسرة الأولى ينتمى الواقعيون، والاجتماعيون، والعلميون- مع مواقف تعليمية، وأخلاقية، وغائية- وإلي الأسرة الثانية ينتمي الرمزيون، والجماليون، والمثاليون.
فقد رأى أنصار "الفن النافع" أن الأدب يظهر سجلا لشيء محدد في بناء مفروض موضوعيا، وينتمي إلي عالم الموضوعات الواقعية التي توجد خارج الشعور، وكلنا ندركها،ولتأكيدهم وجود الأدب واقعيا في نطاق عالم واقعي كانت المبالغة في وظيفة الانسجام والتكيف مع البيئة، وساد مستوى المحاكاة تفسيرا، وحكما، لما يتضمنه من مواد أيديولوجية، ولغوية، واجتماعية، وسياسية، وغيرها.
وقد رأى أنصار "الفن للفن" أن مركز الجاذبية في معرفة الأدب في الفاعل الذي يعرف، وليس في الموضوع المعروف، والأدب شيء يقع في الضمير، ضمير الكاتب أو ضمير القارئ، ويدرك الأدب داخليا.
ويبدو لنا أن الأدب ليس شيئا موضوعيا فقط- كما رأى النفعيون- ولا صور ذاتية فقط- كما رأى الذاتيون، وإنما هو تعبير مطروح، ألقى به في الحياة التاريخية إحساس إنساني معين فى لغة علمية، تحقق تكاملا بين معنى العمل الأدبي ومدى صلاته بالزمن الذي عاش الكاتب فيه.
واستخدام المدخل التكاملي في تعليم الأدب لا يحصر العمل الفني في محاكاة الأشياء الخارجية فقط، كما هو الحال عند أنصار "الفن النافع"، ولا في حدس خالص، كما هو الحال عند أنصار "الفن للفن" وإنما فى تعبير انعكاسي، إيجابي، متكاملا في المحورين الموضوعي والذاتي.
إن العمل الأدبي بناء، وخطة يعيد القارئ خلقهما، والتحليل البنيوي لهذا العمل يجعلنا نشارك إنسانا ما فى إحساسه الفعال، وتاريخه، وطريقته في تشكيل العالم.
إن المدخل التكاملي فى تعليم الأدب مدخل يستخدم لدراسة الأدب موضوعيا عن طريق الفهم لكل ما يدخل في أسلوب التعبير المكتوب ويهتم بإبداع عمل ما في كل أطوار تحقيقه ،ومن ثم لجأ كثير من الباحثين إلي تطوير مناهج اللغة، وطرق تعليمها من خلال الأدب، وكان من الاتجاهات الحديثة في تعليم اللغة تعليمها من خلال الأدب. وفيما يلي بيان ذلك فى ضوء الدراسات والبحوث المعاصرة فى هذا المجال.
وعلى الرغم من تراجع النقد الاجتماعي، إلا أنه ما يزال يحتفظ ببعض أتباعه إلى الآن، وعلى ذلك كله لم يخل الأمر من توجيه بعض الانتقادات للنقد الاجتماعي مثل :
1 - البحث في محيط الكاتب الاجتماعي والمحتوى الاجتماعي للعمل الأدبي قاد إلى إهمال العمل نفسه، وتم التركيز على المجتمع أكثر من التركيز على الأدب.
2 – التأكيد على أن الأدب تعبير عن هموم طبقة الأديب؛ فإن كان من البرجوازية الصغيرة ظهرت في أعماله هموم هذه الطبقة، وهذا تصور للإبداع لا يراعي الاحتمالات المختلفة التي تتيح تصور المبدع ثائراً أو متمرداً على وضعه الطبقي.
3 - إهمال الجانب الفردي لدى الأديب؛فالنقد الاجتماعي يقف عاجزاً عن الإجابة عن سؤال: ما الذي يجعل كاتبين يعيشان ظروف متشابهة اجتماعياً كالموهبة والدوافع السيكولوجية، وتشغلهما الآمال والآلام والمطامح ذاتها ومع ذلك يحرز احدهما العبقرية والتفوق فيما يظل الآخر بعيداً عن مثل هذه المكانة؟
4 – تجريد نظرية الانعكاس الأدب من الهالة التي أحيط بها منذ القديم، وهي هالة قائمة على القضايا الجمالية والذوقية، حيث تقدم هذه النظرية تقدم تصوراً ميكانيكياً لعملية الكتابة؛ فتجعل منها إنتاجاً كأي إنتاج حرفي يتم في المصنع، ويخضع لمتطلبات السوق.
5 – اهتمام الأدباء المقترنين بالمنظور الماركسي بتطبيق المقولات الاشتراكية تطبيقاً فجاً في الأعمال الإبداعية وإهمال الشكل الفني، بل إن أدب هذا المنهج كان من قبيل الدعاية والتقريرية والمباشرة، إنه يضحي بالفن من أجل الغاية.
6 - إغفال الجانب النوعي للنصوص الأدبية، حيث تستوي مثلاً الرواية العظيمة ذات القيمة الخالدة بتلك التي انتشرت لأنها تعتمد على الإثارة؛ لأن الأساس الذي يحكم هذا المنهج في الدرجة الأولى أساساً كمياً لا علاقة به بالكيف فهو يدرس النصوص الأدبية باعتبارها ظواهر اجتماعية، وبما أنها كذلك فاللغة التي تسعفه هي لغة الأرقام.
7 - الموازنة بين ظواهر غير متجانسة أصلاً, لأن الأدب إنتاج تخيلي وإبداعي يغاير نوعياً طبيعة الحياة الخارجية بكل ما يعتمل فيها من عوامل متعددة.
8 – معالجة النصوص الأدبية لقضايا اجتماعية قد تكون ذات أهمية بالغة في الوقت الذي يكون مستواه الفني رديئاً، فلا تلازم بين الأمرين.
9 – عدم قدرة هذا المنهج على تناول بعض الأجناس الأدبية مثل الشعر الغنائي.
من الدراسات العربية التي تمت في هذا المجال دراسة أسماء شريف 2002عنوانها: "تطوير منهج اللغة العربية في الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية في مصر هدفت هذه الدراسة إلى: تقويم الشعر المقدم للأطفال في كتب القراءة والمحفوظات بالحلقة الأولى من التعليم الأساسي في ضوء أهداف أدب الأطفال ، واستخدمت الباحثة لذلك معياراً لتقويم الشعر المقدم للأطفال ، وبطاقة ملاحظة لتقويم الأداء التدريسي للشعر المقدم لأطفال هذه المرحلة ، وتمثلت عينة الدراسة في شعر الأطفال المتضمن في كتب القراءة العربية الخمسة المقدمة لأطفال الحلقة الأولى من التعليم الأساسي في العام الدراسي (89/ 1990) دون النثر.
وقد توصلت هذه الدراسة إلى نتائج كان من أهمها:
·ندرة الموضوعات التي تعبر عن اهتمامات الأطفال وحاجاتهم مثل (لعب الكرة ، والجري ، ....) فلم تتوافر إلا في درس واحد فقط ، كما أهملت دروس شعرية تعبر عن أشياء وثيقة الصلة بالعصر مثل الكمبيوتر....
·قلة الموضوعات التى تدعو إلى التمسك بأمور الدين مثل الصلاة وبر الوالدين...
·كما لا يسهم المقرر الشعري بدرجة كافية في تحقيق البهجة والمتعة للأطفال، وكذلك تنمية القيم الاجتماعية للطفل كالصدق والأمانة وحب الوطن .
·قلة عدد النصوص التي تصلح للغناء الجماعي، وقلة الموضوعات التي تتضمن ألوان الشعر المختلفة.
·إهمال المعلمين (عينة البحث) لمحور التهيئة فى تدريس الشعر ، وضعفهم في كيفية عرض النص الشعري ، وعدم معرفتهم لمفهوم التذوق الأدبي.
كما أنه هناك العديد من الدراسات والبحوث المعاصرة الخاصة باستخدام الأدب في تعليم القراءة منها دراسة مارني(1993 Marnie Oneill ) بعنوان :قراءة وكتابة الأنواع الأدبية، تناولت هذه الدراسة تعليم القراءة والكتابة للأطفال لبناء المعنى من خلال بعض القصص الواقعية،بعض القصص الخرافية، وبعض كتيبات عن السير. وبينت نتائج هذه الدراسة أن نشاطات الأطفال كانت أكثر ايجابية في القصص الواقعية من حيث تعليمهم بناء المعنى قراءة، وكتابة.
دراسة كولينز (1993 Collins, Norma Decker )بعنوان : تعليم القراءة الناقدة من خلال الأدب: تناولت هذه الدراسة استراتيجية لتعليم القراءة الناقدة من خلال الأدب عن طريق التدريب على التحليل والربط بين المعلومات، وإيجاد ما بينها من علاقات متميزة، واستخدام الأسلوب العلمي فى تحديد المشكلة وإيجاد ومناقشة مجموعة من الحلول البديلة، وتقييم النتائج.وبينت نتائج هذه الدراسة استراتيجية لتعليم القراءة الناقدة من خلال الأدب، وقدمت بعض نماذج تطبيقية لها فى دليل للمعلم، وكتيب لطالب الصف الأول من المرحلة الثانوية.
ساحة النقاش