الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

شكلت الذات الإنسانية وما يصدر عنها من إنتاج أدبي اتجاها رئيساً لدراسة وتحليل النصوص الأدبية ونقدها، إن الأدب موضوعه الإنسان في ذاته، وفي استجابته لما حوله، وهو في هذا شبيه بعلم النفس، وإن تناول علم النفس الظواهر العامة، وتناول الأدب العنصر الفرد المميز لكل إنسان عن أخيه. ومهما كان فإن العنصر النفسي بارز في النص أدبي، فهو استجابة معينة لمؤثرات خاصة، وهو بهذا عمل صادر عن القوى النفسية، وعن طريق علم النفس نعرف أيضاً دلالة النص الأدبي على نفسية صاحبه.

كما أفاد الأدب من علم النفس فيما يتصل بالخلق الفني، وتفسير الشخصيات الأدبية في الأعمال القصصية والمسرحية من خلال سلوكها وحوارها، ودراسة آثار النصوص الأدبية في القراء "سيكولوجية الجمهور.

ومن هذا المنطلق ولد منهج النقد النفسي، الذي ارتبط في نشأته بالكشوف المتميزة التي حققتها دراسات علم النفس، وبخاصة بنظرية التحليل النفسي لسيجموند فرويد، حيث يقوم هذا المنهج النقدي بالربط بين النص الأدبي ومحتواه الشخصي من خلال تتبع حياة الأديب، وإيجاد العلاقة بين هذه الحياة في أدق دقائقها وما يبدعه من أدب؛ فهو يعتمد على التحليل، وتهمه الإشارات والألفاظ الموحية ليستطيع التوصل من خلالها إلى اكتشاف العقد الدفينة، وتفسير النص وفق هذه المكتشفات. وقد طبق فرويد نظرياته في التحليل النفسي على أسطورة أوديب، ومسرحيتي هاملت والملك لير لشكسبير ورواية الجريمة والعقاب لدستوفسكي وغيرها من الأعمال الأدبية، وهو في هذه الدراسات جميعها يسير على هدي آرائه في الكبت، ويحاول تحليل دوافع هذه الشخصيات تحليلاً مرده إلى الجنس.

أما اللاشعور عند "يونج Young" فهو قسمان: اللاشعور الفردى، واللاشعور الجمعى، وهو الأهم عند "يونج Young" لأنه مصدر الإبداع في نظره، وهو يمثل مجموعة التجارب الإنسانية التى انحدرت إلينا من الأجداد والآباء، فكما نرث عن الآباء والأجداد صفات بيولوجية، نرث عنهم صفات نفسية أيضا، والفنان هو القادر على استظهار هذه الصفات في أعماله الفنية، أما العاديون من الناس فيستظهرونها عن طريق الأحلام مثلا، ومهمة اللاشعور الجمعي تعويضية؛ فحين تنهار رموز المجتمع الحية، وتتابع الأزمات الاجتماعية، يتحرك اللاشعور الجمعي لإعادة التوازن الجمعي، فمهمته تعويضية.

وتفسير عملية الإبداع ترتكز عند "يونج Young" على الإسقاط الذي يعتمد فيه الفنان على الحدس، فيشرق عليه كل شيء في ومضة سرعان ما يناقشها اللاشعور، فيحولها إلي موضوعات خارجية يمكن أن يتأملها الآخرون.

أما "فرويد Freud" فيركز على التسامي كأساس في عملية الإبداع، والتسامي- فى نظر فرويد- هو استبدال الهدف الشبقي، أو تحويله إلي أهداف جديدة أرفع قيمة من الناحية الاجتماعية، ومجردة عن الغايات الجنسية. يؤدى التسامي عندئذ إلي إظهار العبقرية والامتياز، ويصل الفنان إلي التشبع أو التنفيس أو إلغاء التوتر.

ونظرا لأن الأدب استجابات لدواعي نفسية معينة، يتحكم فيها الزمان، والمكان، فما زالت بعض الدراسات الأجنبية المعاصرة تستخدم المدخل النفسي في تعليم الأدب في محاولات لدراسته، وتفسيره، وتقويمه من خلال تلك الاستجابات.

وفي ضوء ذلك تقرأ النصوص الأدبية؛ فالأدب كالثمرة والأديب كالشجرة، وكما تكون الشجرة تكون الثمرة، وكلما ازدادت المعرفة بها كان تذوقها لها أكثر دقة، والحكم عليها أوفى بالغرض.

ومن بين الذين جددوا علم النفس الأدبي على قاعدة المغايرة والاختلاف كارل يونغ، وهو ناقد ألماني ذهب مذهباً جديداً في كلامه على اللاوعي، فهو عنده نوعان: فردي يتصل بالإنسان نفسه وجماعي يتصل بالمجتمع، ومثلما يختزن الفرد في أناه الأعلى الكثير من الأشياء كذلك المجتمع يختزن في لا وعيه الجمعي الكثير من الأشياء التي تصبح عند إيقاظها وتحريكها واندفاعها وانطلاقها على ألسنة الأفراد أو أقلامهم جزءاً من التعبير عن وعي هذا المجتمع بذاته، والأدب يعبر عن هذا اللاوعي الجمعي، إضافة إلى تعبيره عن اللاوعي الفردي.

واستفاد بعض النقاد العرب من المنهج النفسي في دراسة شعراء العربية المعروفين والكشف عن شخصياتهم من خلال تحليل شعرهم تحليلاً نفسياً، ومن ذلك دراسة محمد النويهي عن أبي نواس وبشار بن برد.

 ومهما يكن من أمر هذه التوجهات التي شهدها التحليل النفسي للأدب فإن الذي لا جدال فيه ولا خلاف أن هذا المنهج ظل محتفظاً طوال القرن العشرين بمكانة خاصة في عالم النقد الأدبي، ولكن هذا الحضور بدأ بالتراجع ابتداء من منتصف القرن العشرين، وظل يتراجع إلى أن كاد يخلي مكانه. وذلك عائد إلى الوجه السلبي للمنهج النفسي والذي يتجلى فيما يلي :

1 - التحليل النفسي لا يستطيع مهما بلغ من الدقة والاتساع أن يقيد عمل الأديب داخل إطار محدد؛ لان عملية الإبداع ذاتها لا تتقيد بقيد.

2 -  تطبيق هذا المنهج كفيل بقتل الذوق الذي يلعب دوراً مهماً في نقد النص الأدبي وتقويمه، فالنقد ليس مجرد نظرية علمية قابلة للنقاش والمعارضة.

3 -  الإسراف الكبير من بعض النقاد في استعمال مصطلحات علم النفس في الدراسة النقدية والركض وراء النص بغية العثور على إشارة – ولو من بعيد – تفيد الكشف عن منشئه، مما قد يغرق الناقد في مناقشات أقرب إلى علم النفس منها إلى الأدب والنقد.

4 -  ظهور أحكام كثيرة مبالغ فيها، وتفسير النصوص بأكبر مما تحتمل.

5 – نجاح أدوات التحليل والإجراءات التي تستخدم المنظور النفسي في إضاءة قطع متناثرة وأجزاء يسيرة من النص الأدبي، هي تلك القطع والأجزاء التي تتجلى فيها عمليات الإسقاط، أو الإشارات للحالات النفسية المتعددة، أو بعض الرموز المرتبطة بالتاريخ الباطني لشخصية المبدع، مما لا يمثل في جملته إلا نسبة ضئيلة من النص الأدبي.

6 - عدم إمكانية عقد علاقة سببية بين العامل النفسي من ناحية والإبداع ذاته من ناحية أخرى، بمعنى أنه لا يمكن القول إنه كلما تحقق هذا العامل النفسي أنتج ذلك المظهر الإبداعي المتمثل في النصوص الأدبية، بمعنى أن آلافاً من الناس يتعرضون لحالات التوتر الداخلي الشديد لحالات الكبت والعصاب لكن عدداً قليلاً منهم هم الذين يبدعون أعمالاً أدبية، الأمر الذي يجعل الربط بين هذين الطرفين ربطاً غير مقنع.

7 – العجز عن زيادة المعرفة بالنص الأدبي، والوقوف على أسرار تكوينه، فضلاً عن أنه يجعل منه مجرد وثيقة نفسية لا مكان فيها لذكر القيم الجمالية الخالصة؛ فالعمل الأدبي الجيد والعمل الرديء كلاهما يصبح شاهداً من ناحية الدلالة النفسية.

8 – صعوبة ظهور شخصية الأديب في بعض الأنواع من الأدب –حتى الشعري منها- كالملحمة والدراما، بل إن من الشعر الغنائي نفسه ما لا يعثر فيه على شخصية الأديب بطريق مباشر، بل تُتلمس من خلال نظرته إلى الأشياء والناس ومن أسلوب عرضه.

وقد ركز أنصار هذا الاتجاه في تعليم الأدب على العلاقة بين النص الأدبي ونفس مبدعه. على أن هذا الاتجاه اتسع مفهومه في العصر الحديث بعد أن ظهرت نتائج دراسات الفرويديين فى اللغة، والباطن، كذلك بعد أن أفاض أتباع "يونج Young" في الحديث عن الأسطورة والرمز، فمن يتصدى للتفسير النفسي عليه أن يدرك بواعث الإبداع الفنى الحقيقية، ومن أهمها إدراكه لعبقرية الفنان، وأنه إنما يبدع فنه بعد معاناة طويلة، يستظهر من خلالها الرغبات المكبوتة فى اللاشعور، ويتخذ الرموز وسيلة للتنفيس عن هذه الرغبات، وتلك مرحلة الفهم التى ينبغى وعيها وإدراكها،  فكلما عمقنا هذه المرحلة، ووسعنا أبعادها، كان ذلك أحرى أن يكشف لنا المزيد من القيم التي ينطوي عليها العمل الأدبي.

ومعظم الدراسات النفسية فى تفسير الأدب لدى الغربيين تدور فى إطار واحد، وهو تساؤلهم عن منبع الإبداع في العمل الأدبي، وتفسيره، وكيف تتم هذه العملية؟ وهل النرجسية أو الإفراط في حب الذات يؤدى إلي ذلك؟

ومن الدراسات الأجنبية المعاصرة التي استخدمت الاتجاه النفسي في تعليم الأدب الدراسات دراسة جيورج (1994  George, E. Newell  ( بعنوان:أثر استجابات الطلاب المكتوبة كمسودات على كتابتهم، وعلى منطقة ما يتعلق بالأدب" ، تناولت هذه الدراسة الكيفية التي أعاد بها الطلاب- في الصفين: التاسع، والحادي عشر- صياغة تحليلاتهم الكتابية المبدئية لقصتين قصيرتين من مراجعات تتم عن طريق تعليقات كتابية مستخدمة كمسودات.ولقد دلت نتائج الدراسة على وجود تأثير واضح لظروف الاستجابة ولمستوى الصف.

دراسة أم هاشم عبد المطلب (1999):هدفت هذه الدراسة إلى: تقويم الأناشيد المقدمة لأطفال الروضة فى ضوء المعايير اللازمة لاختيار الأناشيد المناسبة لطفل الروضة ،والتعرف على واقع أداء المعلمات في ضوء معايير الأداء الصحيح، واستخدمت الباحثة لذلك الغرض معياراً وبطاقة ملاحظة، وتمثلت عينة الدراسة فى مجموعة من الأناشيد التي تقدمها المعلمات للأطفال فى مرحلة الروضة للعام 97 /1998 بالفيوم وبعض مراكزها، وعددها (40) نشيداً.وقد توصلت هذه الدراسة إلى نتائج من أهمها:

·  ما يتصل بالشكل: تبين أن مفردات المعيار متوفرة بنسب متفاوتة، بعضها موجود بنسب (80%) والبعض الآخر ينخفض جداً أقل من (80%) ، وأثبت المعيار أن عدد أبيات النشيد مناسب لقدرة الطفل اللغوية، وأن غالبية الأناشيد ليست لمتخصصين في أدب الأطفال ما عدا نشيدين ، ولا يعمل المقرر على إكساب الأطفال الحركة والنشاط.

·  ما يتصل بالمضمون: تبين أن مفردات المعيار في هذا المحور تحققت بنسبة منخفضة أقل من (80%) ولم يعبر المضمون عن اهتمامات الأطفال وحاجاتهم ، ولم يعمل على تنمية الروح الإيجابية والتعاونية لدى الأطفال بدرجة كافية ، ولم يتضمن القيم الاجتماعية المناسبة ، ولم يعبر عن روح القرن العشرين، والعلاقات الحيوية بالمحيطين بالطفل.

·  ما يتصل بتطبيق بطاقة الملاحظة: تبين إهمال المعلمات عينة البحث لمحور التهيئة والتمهيد ومناقشة النشيد، وتبين ضعف مستوى الأداء اللغوي لدى المعلمات، وسيطرة الطريقة التقليدية في التقويم.

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 1525 مشاهدة
نشرت فى 29 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,659,241