الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

المدارس الأدبية ثلاث: كلاسيكية، ورومانسية، وواقعية. تصوغ كل منها الحاجات الجمالية، والمثل الفني الأعلى لنظام اجتماعي ومرحلة كاملة من مراحل التطور الاجتماعي، وما عدا هذه المدارس الثلاث فتيارات واتجاهات، وتستند كل مدرسة أدبية إلي نظرية بعينها.

وتستند المدرسة الواقعية إلي نظرية الانعكاس وفيما يلى بيان ذلك.

أولا: الفكر المثالي:

1-الموقف الكلاسيكي (نظرية المحاكاة: الفن من زاوية المتلقي):في دراسة لـ "مارتينز Martinez" بينت أن الوجود الأفلاطوني ذو عوالم ثلاثة: عالم المثل، وهو كامل نموذجي، خالد ثابت لا يتغير، وعالم الأشياء المرئية والموجودات المحسوسة وهو صورة من عالم المثل، وعالم الخيالات والظلال وهو الذي يبدو في الأعمال الفنية، وهو محاكاة للعالم الثاني، فطبيعة الفن في التصور الأفلاطوني هي محاكاة للعالم المحسوس الذي هو بدوره محاكاة لعالم المثل الخالدة، وصورة له. وطبيعة الفن هذه مرآوية، بمعنى أن الفنان كأنه يدير مرآة ليعكس خيالات محاكية للأشياء المحسوسة. فإذا صور فنان منضدة فإن لهذه المنضدة المصورة المرتبة الثالثة في مراتب الوجود الأفلاطوني المثلث: المرتبة الأولى لفكر المنضدة في عالم المثل، والمرتبة الثانية للمنضدة الواقعية التي صنعها النجار، والمرتبة الثالثة لمظهر المنضدة الذي يظهر في عمل المصور ومن هنا كان هجوم أفلاطون على الفن ونفيه وأصحابه من مدينته الفاضلة، فغاية أهل هـذه المدينة أن يعرفوا الخير، وأن يصلوا إلي أن تكون أفعالهم خيرة فاضلة، والفن لا يساعد على تحقيق هذه الأهداف، لأن طبيعته المحاكاة المرآوية لأصـول قائمة أقرب منه إلي الحقيقة، وهو يحاكى هذه الأصول حكاية شائهة ناقصة، وبـذلك يصرف الناس عن معرفة الحقيقة، بل إنه يخدعهم، إذ يقدم إليهم الزيف والخيالات.

ولقد قبل أرسطو مبدأ (المحاكاة) في طبيعة الفن، لكنه لم يقبل أن تكون هذه المحاكاة نقلا لظاهر الطبيعة وللمباشر في الحياة، ونبه إلي أن الفن- إذا يحاكى- فإنه لا ينقل فقط ما هو كائن ، بل إنه لينقل في الغالب ما يمكن أن يكون، وما ينبغي أن يكون.

ولم يتبع أرسطو منهج التجريد والاستنتاج، وإنما اتبع منهج الفحص والاستقراء، وانتهى به هذا المنهج إلي قبول العالم الواقعي الذي عده أفلاطون غير حقيقي، وكان فى قبول أرسطو للعالم الواقعي رفض للتصورات الوهمية المتخيلة لهذا العالم الطبيعي والإنساني.

ويبدو هذا المنهج الأرسطي في موقف أرسطو من شعراء عصره، وخاصة فى تناوله لمآسي يوربيديس Euripides (حوالي 485-406 ق.م) وسوفوكليس Sophocles (حوالي 496-406ق.م) فقد كان يوربيديس مجددا فكريا واجتماعيا تناول بالنقد معتقدات مجتمعه، ونظرة الناس في عصره إلي العوالم العلوية غير المرئية، وتخلص فى كثير من مآسيه من سيطرة معتقدات عصره في الآلهة والأساطير والأبطال والسحرة والعرافين، وضمن أعماله تصويرا للآلهة يجعلهم أبعد في باب الفضيلة والخير عن نموذج الإنسان الفاضل العادي، وأظهرهم فى صور السارقين والحاقدين والقساة والمتحيزين.

لهذا لقي يوربيديس هجوما شديدا من مفكري الأرستقراطية وفنانيها المحافظيـن، ورفض عصره كثيرا من آرائه، وإن كان فى منحه جوائزه الفنية أحيانا، ولم يشر أرسطو في تناوله لمآسي هذا الشاعر إلي أية إدانة أو اتهام له، وإنما أخذ على بعض أعماله الضعف فى البناء نتيجة الوقوع في مزلق فني محدد، وهو خفوت الحركة لصالح الحكي الأبيسوي والملحمي.

ويتسم الفكر الأدبي بالكثير من الحيوية عندما بدأت العلاقات الإقطاعية وابنيتها الثقافية الغيبية تتقوض زمن النهضة الأوروبية، وتعد هذه النهضة- تستغرق لدى كثير من المؤرخين خمسة قرون: من الثالث عشر إلي الثامن عشر الميلاديين- الانتقالية الكبرى بين المجتمع الإقطاعي والمجتمع الرأسمالي البرجوازي الحديث، فى هذه الانتقالة تمرد الفكر على اللاهوت، وأعلى من شأن العقل، وعاد كثير من المفكرين إلي أرسطو والآثار الفكرية اليونانية، وقامت حركة نقدية وفنية قوية هى ما اصطلح على تسميته في التاريخ الأدبي الكلاسيكية الجديدة، مثلها الأعلى الفكر والفن اليونانيين، وتعاليمها النظرية تكاد تنحصر في دراسة تراث أرسطو، وتوجيه الشعراء والكتاب إلي احتذاء الأعمال اليونانية واستلهامها، وبعد هذه الانتقالة انتهت العلاقات الإقطاعية التقليدية، ونضجت العلاقات الرأسمالية وتخلق المجتمع البرجوازي، وتكونت له ثقافته الحديثة علما، وفكرا، وأدبا.

ويعد الموقف الكلاسيكي هو المفسر لعلاقة الإنسان بعالمه فى ظل علاقات اجتماعية محددة هى العلاقات العبودية والإقطاعية، وكل نزوع كلاسيكي هو في حقيقة أمره تثبيت لتلك العلاقات أو دعوة إلي الرجوع إليها. لقد كان الكلاسيكيون يعدون الفعل أهم ملكات الإنسان، وكانوا يحاصرون الخيال ويخشون شطحاته وغلوه.

2-الموقف الرومانسي (نظرية التعبير: الفن من زاوية الفنان): تبدو مظاهر الرومانسية في التراث البشرى صادرة عن أساس اجتماعي محدد هو نضج الطبقة البرجوازية. وتعتبر البرجوازية تجسيدا حيا لتناقضات المجتمع الرأسمالي فهى تسعى إلي استغلال أصحاب (قوة العمل) لكنها تنتهي بأن يستغلها أصحاب (أدوات الإنتاج) وتصل منها قلة إلي صفوف الرأسماليين، بينما تنهار- الكثرة في ظل قوانين الاستغلال الرأسمالي، أنها ترنو ببصرها إلي الغنى والوفرة، وتجزع على نفسها من الفقر والفاقة، ولذا فإنها تنجذب إعجابا إلي أصحاب أدوات الإنتاج فتقع في الاستسلام لغاياتهم، وتخاف أصحاب قوة العمل.

لقد انتهى الفكر المثالي البرجوازي- في النصف الثاني من القـرن الثامن عشر، والثلث الأول من القرن التاسع عشر- إلي بناء أضخـم أنساقـه أمـران:

أولهما: من جهة انطولوجية وهى علاقة المادة بالوعي.

ثانيها: من جهة معرفية وهى علاقة الوعي بالعالم الموضوعي.

وقد جعلت هذه المثالية الذاتية الوجود الأدبي للذات أو للوعي الإنساني، كما جعلت العالم الموضوعي من خلق هذه الذات، إذ أن وجوده متوقف على إدراك مدرك له، وكمال التعبير ها هنا هو قدرة الفن على تصوير أو خلق الذات لعالمها الخاص، فإذا كان الأمر فى الأساس الاجتماعي الإعلاء من الفردية والذاتية وتقديم الفرد على المجتمع فإن الأمر هنا تقديم العاطفة على العقل، والشعور على المنطق، والوجدان على الاتزان، والموهبة على الصنعة، والإسهام على المهارة.

لقد اعترف "كانت Kant (1724-1804م)" رأس المثاليين الذاتيين في المرحلة التي نحن بصددها بوجود الشيء في ذاته أي اعترف بوجود الأشياء خارج الإنسان. وقد أخذ غلاة المثاليين عليه هذه المقولة لأنهم- كما سبق- يقولون بخلق الذاتي للموضوعي أما هو فيقر بوجود الأشياء مستقلة عنا. فها هنا جانب مادي في فلسفته، غير أن هذا الجانب يتوارى فى النهج المعرفي الكانتي وهو نهج مثالي ذاتي، فصل كانت فيه بين المعرفة الحسية والمعرفة العقلية وأبعد ما بين المحسوس والمعقول، وما بين العقل والفهم المنطقي أو التفكير المنطقي وقيد العقل بما تقدمه الحواس وفى هذا الصدد فإن كانت قد اعتقد أن هذا الفهم لا يمكن أن يصل إلي ما وراء التجارب الجزئية والمحسوسات، وأن المعرفة لا يمكن أن تصل إلا إلي الظواهر وكانت بهذا مادي في اعترافه بوجود العالم الخارجي الموضوعي مستقلا عن الوعي به، لكنه مثالي فى إنكاره لإمكانية معرفة حقيقة هذا العالم.

لقد بدأ كانت من مبدأ أساسي مثالي ذاتي يرى الموضوعي المدرك هو ما تراه الذات المدركة، وما يتبدى لها منه متفقا وعالمها الشعوري وإدراكها العاطفي.

إن المثاليين بعد كانت- في مرحلة المحافظة البرجوازية، وأزمة الفكر الليبرالي- ارتدوا إلي مثالية متطرفة فنموا العناصر الذاتية فى فلسفتها، وتخلو عن العناصر العقلية، ولم تدم العلاقة بين الذاتي والموضوعي ، بل تحول الذاتى إلي خالق للموضوعي، وصار الموضوعي وهما من الأوهام، كما صار الإبداع نشاطا غامضا عصيا على المعرفة والدرس، ولم يقبل هيجل Hegel (1770-1830م) رأس المثاليين فى هذه المرحلة ذاتها الثنائية التي قال بها كانت بين الجواهر والظواهر.

إن جدل هيجل قد ساعده على أن يضع إدراك الإنسان لعالمه، وعلاقاته به فى صيغة أقرب إلي الموضوعية من تلك الصيغة الكانتية الذاتية.

حيث رأى أن فعالية الذات إنما تتحقق من خلال تطور الشيء ونموه، فالحقيقة هي الكل العيني الذي ينتظم الأشياء في علاقاتها، فهو ينفى الآلية في علاقة الإنسان بعالمه، ويدرك الفنان الحقيقة لا كموضوع، ولا كفكرة، وإنما يدركها فى صورة، والعنصر الحسي يحرك طاقة الخيال لدى الفنان، ولذلك فإن أولى الزوايا بالدرس- في رأيه- إنما هي زاوية المدرك، زاوية الفنان، وأولى المسائل فى هذا الدرس، أداة الإدراك : الخيال، كما برز من الرومانسيين كولردج Coleridge, Samuel (1772م-1834م) شاعرا، وإماما للفكر الفني الرومانسي، ويرى شوقي ضيف أن كولر دج أقرب إلي الحدس، منه إلي التجربة، فقد اعتد بالكشف الحدسي، وبإيجابية الذات العارفة، وبالمعاناة العاطفية فى عملية الإدراك، ومن هنا جاء تأثيره في علم النفس، وفى الفلسفة الوجودية لقد ألح على أن النفس إنما ترى ذاتها فيما تراه، وأن الفكر الصحيح- في رأيه- لا يخلو من العاطفة الصادقة ويميز كولردج بين الخيال والتوهم، فالخيال- في رأيه- ملكة عقلية وقوة عاطفية، لذلك فإنها أداة موحدة تلمح بين الأشياء جوامعها، وترى في الأجزاء والعناصر وحدتها، والتوهم ملكة عقلية تخلو من العاطفية، لذلك فإنها تكدس، وترص، لكنها لا تصل من هذا كله إلي الوحدة، فالتوهم يجمع الجزئيات والعناصر منفصلة متجاورة، والخيال يصل- بقوته العاطفية- إلي ما بين هذه الجزئيات من وحدة جوهرية.

3-الموقف الوضعي (نظرية الخلق: الفن من زاوية العمل الفني) :لقد أخذت الطبقة البرجوازية تفقد ملامحها ودورها التقدمي وتتحول إلي مواقع المحافظة والرجعية، وعاشت هذه الطبقة أزمة خانقة ظهرت في أعمالها الفكرية والأدبية انتهت في الفكر إلي وضعية ضيقة وروافد لا أدرية وحدسية متطرفة، وبدأ عصر الاتجاهات المعبرة عن أزمة الإنسان، فإذا كان للرومانسية مفهومها عن التعبير الذي كان نتاجا لصعود تلك الطبقة وتقدمها، فإن مفهوم الخلق كان نتاجا للطبقة نفسها في زمن أفولها ،وإبان أزمتها الفكرية.

والأساس الفكري لهذا المفهوم يبدو في كتابات مجموعة من المفكرين، قد يكون أقربهم إلي الفكر الأدبي "توماس إرنست هيوم Hume, Thomas Ernest (1883م-1917م) فقد عبر هؤلاء المفكرون عن خيبة أملهم في فردية الإنسان، وذهبوا إلي أن الإنسان شرير بفطرته، وأنه محدود القدرات، فاسد، أناني بطبعه، وأنه سيطر سيطرة واسعة على جوانب كثيرة من عالمه، ولكنه فقد نفسه عندما فقد الوازع الداخلي الموجه إلي الخير، ونادى بعض هؤلاء المفكرين بضرورة العودة إلي الضوابط الكلاسيكية لمحاصرة الأنانية والذاتية والفردية والنوازع الشريرة في الإنسان، وجاهروا بالعداء للوجدانيات والعاطفيات الرومانسية، وقالوا بأعمال العقل والانضباط والتوازن. وهدم النقاد الفطريون منهم نظرية التعبير الرومانسية، ودعوا إلي فن موضوعي يتجاوز أوهام الرومانسيين، وإلي نقد علمي مؤسس على تقدم العلوم، وخلصوا إلي نتائج طيبة فى درس دور اللغة في الأشكال الفنية كعلاقة الأسطورة والرمز والموروث الشعبي بالتجارب، ومنهم من اعتمد فى نظره وتطبيقه على علوم طبية كعلم الأعصاب ويذهب ت.س إليوت (1888-1965م) Eliot, Thomas Stearns إلي أن الشعر ليس تعبيرا عن مشاعر، وإنما هو تخلص من المشاعر، وليس تعبيرا عن ذات الشاعر وشخصيته، وإنما هو تخلص منهما، إن الشعر خلق، وهذا الخلق إنما هو ثمرة التوازن بين العقل والعاطفة، بين ما يسميه إليوت القوة الناقدة، والقوة الخالقة عند الشاعر. إن الشاعر ينفعل بموضوعه، ويتعاطف معه، وعليه ألا يعبر عن انفعاله، بل عليه أن يوجد لهذا الانفعال معادلا موضوعيا يساويه ويوازيه ويحدده.

ثانيا: الفكر العلمي: (نظرية الانعكاس: الفن من زاوية الواقع):

يعد الواقع شبكة معقدة من علاقات الإنسان بالعالم، متشابكة، متداخلة، متفاعلة، ونحن قادرون على معرفته، ولكن هذه المعرفة محدودة بما وصلنا إليه من تطور اجتماعي، وتقدم علمي وتكنيكي، وتغيره دائم، ولذلك فصورته لدينا متغيرة أيضا، وهو ليس محدودا بما أنجز ، بل إنه لينطوي على تشوف إلي ما ينبغي إنجازه.

وللواقع حقيقته الموضوعية، ولهذه الحقيقة وقع في نفوسنا، وصدى في ذواتنا الإنسانية، ومفهوم في أذهاننا. وتنعكس صورة الواقع الموضوعي على الذات، ولكن لهذه الذات رؤاها، وأحلامها ومواقفها، فتتغير الصورة لديها، وتكتسب شكلا خاصا، فالفن انعكاس، ولكنه ليس انعكاسا سلبيا، بل هو إسهام في التعرف على الواقع، وأداة للم شعثه، وسلاح لتغييره ،فإذا غامت رؤية الفنان للحقيقة الموضوعية فقد عمله موضوعيته، وإذا غابت الذات فقد عمله فنيته.

الأنواع الأدبية :

إن كلمة أدب يندرج تحتها الكثير من صور التعبير، وقد أطلق على هذه الصور المختلفة من التعبير الأدبي اسم الأنواع الأدبية، والبعض أطلق عليها الفنون الأدبية ، وآخرون يريدون أن تكون أجناساً أدبية وبعضهم جعلوها ألواناً ، ويبدو أن كلمة فنون هي التي شاعت؛ وذلك لاتصالها بالفن الذي يعد الأدب أحد أقسامه .

وتتعدد هذه الفنون الأدبية من شعر، وقصة، ومسرحية ، ومقالة ، ومقامة، وخطابة، ورسالة، وحكمة ، ومثل .. إلخ وكل فن من هذه الفنون له عناصره التي يتكون منها ، وخصائصه التي تميزه عن غيره، ومقوماته الأدبية التي يركز المتلقي عليها فيقبل على النص الأدبي ، ولتحديد مقومات التذوق الأدبي في الفنون الأدبية المختلفة لابد من دراسة هذه الفنون بشيء من التفصيل لمعرفة عناصرها وتوضيح خصائصها و فيما يلي عرض هذه الفنون الأدبية:

أ- الشعر :يعد فن الشعر من أشهر الفنون الأدبية وأكثرها انتشاراً وربما كان ذلك لقدم عهد البشرية به، فالشعر هو الصورة التعبيرية الأدبية الأولى التي ظهرت في حياة الإنسان منذ العصور الأولى، وهذه الأقدمية التي للشعر ترجع إلى أنه كان في تلك العصور ضرورة حيوية بيولوجية.

ويعرف فن الشعر بأنه " كلام موزون مقفى يدل على معنى ، أو ما اشتمل على المثل السائر ، والاستعارة الرائعة ، والتشبيه الواقع وما سوى ذلك فإنـما لقائله فضل الوزن .

ويمكن تحديد أسسا مشتركة تجمع بين كل ما يسمى شعراً ، ونستطيع من خلالها التفريق بينه وبين النثر، ومن أهم هذه الأسس الموسيقى و اللغة الشعرية والمضمون الشعري وهي بمجموعها تكون شعراً ناجحاً يبتعد عن النثر وأسلوبه الخاص ويبتعد أيضاً عن أنواع من الشعر (الموشح وغيره)، وفيما يلي تفصيل تلك الأساس :

الوزن والقافية :إن الوزن والقافية من أهم ما يميز الشعر عن غيره، فالوزن باتحاده مع القافية يشكلان موسيقي معينة كانت وما زالت الأساس للشعر العربي، وهي التي أعطت لهذا الشعر مذاقه الخاص ولونه المتميز .

العاطفة :عنصر مهم في العمل الأدبي، والعاطفة إن كانت مشتركة في جميع ألوان العمل الأدبي ، فهي أوضح ظهوراً في بعضها وأقل ظهوراً في بعضها الآخر، فالشعر تعبير عن العاطفة بالدرجة الأولى، غايته الإفضاء بما في نفس الشاعر من انفعالات ونقل ذلك إلى المتلقي.

الخيـال :عنصر مهم من عناصر الشعر، فالشعر كلام قائم على التخييل، ونقاد العرب يرون أن الكلام المشتمل على الخيال أروع وأشد تأثيراً في النفس من الكلام الذي يكون حقيقة كله، فالشعر المشتمل على الخيال يجعل النفس شديدة الأنس به، سريعة التأثر بصوره.

الصياغة الشعرية :المقصود بها: الألفاظ والتراكيب والأساليب اللغوية التي يستخدمها الشاعر في بناء قصيدته، وتعبير عن تجربته الشعورية تعبيراً صادقاً عن العقل والشعور حتى يستطيع نقل ما في نفس الشاعر إلى نفس القارئ ويضمن بذلك التهذيب والتأثير .

الحقائق والآراء السديدة والقيم الاجتماعية:والحقائق هي:  سند العاطفة وعمادها ، وأساس قوتها و صدقها، ولكن الشعر يعرض هذه الحقائق عرضاً فنياً مغلفاً بالشعور القوي لا سرداً ولا تقريراً وتشبثاً بطرائق البرهنة العلمية والتدليل المنطقي الصريح .

  مما سبق يمكن تخليص عناصر النص الشعري والتي تمثل مقومات التذوق الأدبي والتي يركز المتلقي على تذوقها تشمل في : الوزن والقافية ، والعاطفة ، والخيال ، والصياغة الشعرية ، والحقائق والآراء السديدة والقيم الاجتماعية .وهذه هي عناصر النص الشعري وينبغي التأكيد على أن تقسيم هذه العناصر لا يعني أنـها منفصلة أو أن كلاً منها يمثل وحدة مستقلة بنفسها بل إن جميعها كل متداخل وتتضافر كل هذه العناصر عند تكوين وبناء القصيدة.

ب- المقامة:تعد المقامة فناً قصصياً فريداً في نوعه اختص به الأدب العربي وحده، وقد ظهر في القرن الرابع الهجري، ولعل الغاية من هذا الفن القصصي النقد والتعليم والتلقين . فالمقامة تهدف إلى نقد المجتمع ، كما تـهدف إلى تعليم وتلقين الناشئة بلاغة اللفظ العربي ، فهي درس لغوي في إطار قصصي ينهل منه طلاب العلم اللغة وما يتحمل بها من أصل اللفظة، إلى اشتقاقها، إلى تطورها بالإضافة إلى أساليب اللغة والتعبير، من بيان وبديع، وفصاحة وبلاغة والحيل اللفظية، والزخارف الكلامية من سجع وجناس وطباق ومقابلة وغيرها.

ويعتبر بديع الزمان الهمذاني هو أول من أعطى ( المقامة ) شكلها واسمها الاصطلاحيين " ويعني بمقاماته تلك الأحاديث التي يصوغها الأديب في شكل قصص قصيرة ، يتأنق في ألفاظها وأساليبها ، ليكون لها تأثير قوي على من تلقى عليهم . وقد اتخذ لقصصه راوياً واحداً وهو عيسى ابن هشام كما اتخذ لها بطلاً واحداً وهو أبو الفتح الإسكندراني .

وتشبه المقامة القصة القصيرة في بنائها ، لكنها تختلف عنها باهتمام المقامة بالشكل اللغوي أكثر من اهتمامها بالمضمون. فهي ( أي المقامة ) قد تخلو من الحبكة القصصية ومن العقدة، وهي قد تدور حول فكرة بسيطة ساذجة، ولكنها تعنى بالأسلوب عناية فائقة ، فتتحرى الرصانة وحسن السبك وتلتزم السجع وتعتمد على المحسنات اللفظية.

ج- الخطابة:المقصود بها: هي كلام تخاطب به مباشرة جمهوراً من الناس، يرجى منه إلى إقناعهم بأمر، أو تبليغهم أمراً .والخطابة من الفنون الأدبية القديمة ، فقد عرفت منذ الجاهلية ولكنها ازدهرت في عصر صدر الإسلام ازدهاراً كبيراً، فقد كان ظهور الإسلام بالأمر الجلل، والحدث الخطير وذلك بفضل الثوب الجديد الذي ألبسه لها الإسلام لدواعي التطور والرقي التي توافرت لها في هذا العصر، ونهضت نهضة قوية فتبوأت منـزلة رفيعة .

وتعد الخطابة وسيلة من وسائل التأثير الجماهيري وذلك لأن أسلوبها يتميز بقوة الصياغة اللغوية، و الخصائص الموسيقية والبيانية الذي يؤدي إلى إثارة النفوس بحفز الهمم وتحريك الجماهير، وكذلك تتضمن تلك الخطب قيما إنسانية واجتماعية وهادفة صالحة لكل زمان ولكل بيئة .

وفن الخطابة من الفنون التي لابد من توافر مقومات التذوق الأدبي فيها، إذ لا تتصور خطبة يقبل عليها السامعون ، أو القارئون دون أن تختار ألفاظها بعناية، بحيث تكون موحية بمعانيها، لتؤثر في المتلقين ولا يمكن إيصال مضمون خطبة بغير صياغة فنية، وأسلوب محبب ،سليم التركيب، تؤدي فيه الصور الفنية بما فيها من خيال خصب دوراً رئيساً في تذوقها والإقبال عليها، ومن ثم الاقتناع بما ترمي إليه من أفكار وأهداف.

مما سبق يمكن إجمال مقومات التذوق الأدبي في فن الخطابة بأسلوب معبر ، وألفاظ منتقاة بعناية ، خيال خصب يزيد من التأثير على المتلقين، وعاطفة صادقة، ومراعاة مقتضى الحال، ومضمون فكري جيد، إضافة إلى عناصر البناء المتمثلة في المقدمة ، والعرض، والخاتمة.

د- المقــالة:وهي نوع من البحث يتناول موضوعاً محدداً ، فيشرح جوانبه، وخصائصه ، ومعناه ، وأسبابه ، ونتائجه، وكل ما يتصل به، من وجهة نظر الكاتب الذاتية.أو هي إنشاء نثري قصير كامل يتناول موضوعاً واحداً غالباً ، كتب بطريقة لا تخضع لنظام معين، بل تكتب حسب هوى الكاتب، ولذلك تسمح لشخصيته بالظهور .

وليس بصحيح أن ظهور المقالة كفن أدبي مرتبط بظهور الصحف والمجلات، فقبل أن تعرف الصحف، وقبل أن يخترع فن الطباعة الآلية بقرون طويلة عرف فن المقالة.

 ونجد أمثلة في الآداب العالمية وفي أدبنا العربي بما يسمى بالرسائل، كرسالة التربيع  والتدوير " لأبي عمرو بن بحر الجاحظ وغيرها، ولكن منذ أن ازدهر فن الطباعة الآلية بواسطة الحروف المتحركة وانتشر هذا الفن وأخذت تظهر الصحف والمجلات فقد هذا الفن كقالب أدبي مستقل بذاته بين قوالب الأدب المختلفة إذا لم يعد أحد نشر كتاباً في صورة مقالات ما لم تكن تلك المقالات قد نشرت في الصحف وكتبت من أجلها ثم جمعت بعد ذلك في كتب .

ويمكن تقسيم المقالة إلى نوعين هما : المقالة الذاتية ،والمقالة الموضوعية ، ففي النوع الأول تظهر شخصية الكاتب جلية جذابة تستهوي القارئ وتؤثر بلبه، أما في النوع الثاني فتستقطب عناية الكاتب ومن ثم القارئ حول موضوع معين.يتعهد الكاتب بتجليته، مستعينًا بالأسلوب العلمي الذي ييسر له ذلك .

كما أن المقالة الذاتية تعنى بإبراز شخصية الكاتب ، بينما تعني المقالة الموضوعية بتجلية موضوعها بسيطاً واضحاً خالياً من الشوائب التي قد تؤدي إلى اللبس والغموض ، إن المقالة الذاتية حرة في أسلوبها وطريقة عرضها ، بينما تحرص المقالة الموضوعية على التقيد، بما يتطلبه الموضوع من منطق في العرض والجدل وتقديم المقدمات واستخراج البناء .

ولابد للمقالة من ثلاثة عناصر هي : المادة وهي التجربة أو الفكرة أو العاطفة أو أي موقف من قضية خارجية ، والأسلوب : وهو الألفاظ والتعابير ويختلف باختلاف منهج الكاتب ، والعصر ، والموضوع، ثم العنصر الثالث وهو منهج المقالة وهو من وجهة نظر تقليدية مكون من عناصر وهي : التمهيد والعرض والخاتمة ولا يعني ذلك أن يلتزم الكاتب بهذا المنهج التزاماً تاماً فكثير من الكتاب المتمرسين يبدؤون مقالاتهم بغير مقدمات أو يتركونـها بغير نتائج بغية إشراك القارئ معهم في القضية المبحوثة.

ومهما كان نوع المقالة فلابد أن يتمتع كاتب المقالة بشخصية مثقفة واعية... وذلك لأن المقال يبدأ بفكرة في رأس الكاتب ، وتظل في رأسه فترة من الزمن، تنمو فيها وتكبر وتأخذ الشكل السوي. وهي في تلك الفترة من النمو تتغذى من ملاحظة الكاتب، ومن قراءاته المتعددة النواحي، ومن خبراته الشخصية ومن هنا اعتمد المقال على الحكاية والمثل والإشارة إلى جانب المادة التحصيلية وكل ذلك يتشكل ويأخذ صورته النهائية- بحالة الكاتب النفسية فكلما حرص الكاتب على تماسك مقاله وقوته نجده حريصاً على إمتاع قارئه والتأثير في نفسه.

والمقالة سواء أكانت موضوعية أم كانت ذاتية لابد أن تتوافر فيها مقومات التذوق الأدبي التي تجعل القارئ يقبل عليها وتؤثر في نفسه، وتشمل هذه المقومات الدقة في اختيار الألفاظ ، والأسلوب الجيد، ودقة التعبير ، وحسن التنسيق ، وبراعة الاستنتاج ، والخيال الخصب، والعاطفة الصادقة، والقدرة على الإثارة ، والمضمون الفكري المركز.

هـ- الموشحات :ظهرت الموشحات في الأندلس في أواخر القرن الثالث الهجري كلون من ألوان الشعر الشعبي، وذلك لمواجهة حاجة الجماهير إلى شعر يصلح للغناء، فيه تجديد وابتكار، وفيه سهولة وبساطة، وفيه بعدٌ عن الأغراض التقليدية للشعر الرسمي . لذلك ما إن حل القرن الرابع الهجري حتى تبلور الموشح الأندلسي ووضعت له الأسس و الأصول والقواعد. فكان حدوث الظاهرة الأولى من نوعها وهي انتقال التوشيح من المغرب ( الأندلس ) إلى المشرق ( القاهرة ) الفاطمية وبغداد العباسية ، وكانت هذا هي الظاهرة الأولى من نوعها لأنـها مخالفة لما كان يجري من انتقال العلوم والمعارف والفنون من المشرق إلى المغرب.

وأول من درس فن التوشيح هو الشاعر المصري ( ابن سناء الملك ) المتوفى سنة 608هـ فقد كان أول من درس الموشح وكتب بحثاً فيه ، شغف بمختارات من الموشحات الأندلسية ، ومن موشحات نظمها هو، وسماه ( دار الطراز). فالموشح بهذا المعنى ثورة على طبيعة القصيدة فهو حركة تجديدية، وهو أيضاً رجعة إلى الغنائية من وجهة أخرى ، أي هو زخرف حضاري قد ينطوي على كل مقومات السطحية الجذابة والترف المسترخي .

ويذكر أن الموشحات سميت بهذا الاسم نسبة إلى الوشاح وهو كرسان لؤلؤ وجوهر منظومان مخالف بينهما معطوف أحدهما على الآخر ، ولعل هذا الفهم متصل بالمراوحة في الموشح بين ما سمي الأقفال والأغصان، وهذه هي صفة الوشاح ولكنه ليست صفة الشيء الموشح ، إذ الموشح يعني " المعلّم " بلون أو خط يخالف سائر لونه أو الثوب حين تكون فيه توشية أو زخرفة . فقد تصور الأندلسيون هذا النوع من النظم كرقعه الثوب والخطوط التي فيه أسموها ( أغصاناً ) تنتظمه أفقياً أو عمودياً ، فالأصل فيه وحدات كبيرة وهي ( الأشطار ) وقد جزئت أجزاء صغيرة فأصبحت أشطارا  أصغر من أشطار القصيدة وهي تولدت وتتابعت تتابع النقش.

وللموشحات خصائصها التي تميزها عن الشعر وتتمثل مكونات الموشحات في أن تتكون الموشحات من وحدات متكررة هي ( المقطوعة ) والتي تتكون من مجموعة من ( الأقفال أو الغصون ) بالإضافة إلى ( الخرجة) وقد سميت هذه الوحدات المتكررة في القصيدة بالبيت الشعري.

وتتكون المقطوعة في الموشحات من :

·الأقفال أو الغصون : وهي مجموعة من أبيات الشعر المتتالية التي ليس لها عدد محدد ، فهي تتراوح بين اثنين وثمانية أقفال، وربما زادت على ذلك، ولكن الأعم هو موشحة الأقفال الخمسة والأقفال عادة تكون متحدة الوزن، القافية في كل مقطوعة على حدة .

·الخرجة وهي القفل الأخير في المقطوعة ، وقد يختلف في الوزن والقافية عن باقي الأقفال ، ولكن يكون متحد الوزن والقافية في الموشحة بأكملها أي في جميع المقطوعات .

·الدور: وهو مجموعة الأقفال في المقطوعة عدا القفل الأخير الذي هو الخرجة.

تبدأ الموشحة ببيت عادي من الشعر يسمى (المطلع أو المذهب ) ولا تلزم تقفية مصراعي هذا المطلع فإذا بدأ الموشح بالمطلع أو المذهب سميت موشح تام " وإذا بدأ بالمقطوعات دون المطلع أو المذهب سمي موشح أقرع.

تنظم الموشحات بأبسط الأوزان الشعرية وأكثرها شعبية وهو الرجز، فكان أكثر البحور استخداماً فيها.

هـ - تميزت الموشحات بسهولة التعبير والتبسيط في اللغة وعدم التعفف من استعمال بعض الألفاظ والتعبيرات العامية، بل أصبح من قواعدها المقررة أن تكون الخرجة مشتملة على بعض الألفاظ العامية الدارجة والمولدة وامتزجت الفصحى بالعامية وكذلك النثر بالشعر .

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن مع الرجوع لبعض المراجع الخاصة بالدكتور/عبد الرحمن كامل عبد الرحمن والدكتورة خديجة حاجي
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 743 مشاهدة
نشرت فى 29 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,659,650