الموقع التربوي للدكتور وجيه المرسي أبولبن

فكر تربوي متجدد

يواجه تدريس التربية الإسلامية "العلوم الشرعية " صعوبات متعددة تقف حائلا بينها وبين بلوغ الغاية من تدريسها ويمكن بيان أهم هذه الصعوبات فيما يلي: ـ

1 ـ إن التربية الإسلامية ـ مفاهيمها، وتعاليمها وواجباتها ـ تضع الإنسان أمام نفسه، وتوضح له الأمور على حقيقتها بدون تزييف أو تضليل وليس أقسى على بعض النفوس من مواجهة الحقيقة، والسبيل إلى تفادى ذلك في نظر البعض هو أن يدير ظهره إلى الين ويصم أذنه عن كل ما يتصل به.

2ـ التربية الإسلامية ترى أن لكل حق واجبا. وهذا يصدم النفس البشرية، لأن النفس تتراخى في أداء واجباتها.

3ـ تتكاثر في العصر الحاضر المستحدثات العصرية التي لها بريق مثير، وإلحاح لا يقاوم. والنفس البشرية في سبيل الاستماع بكل مظاهر هذه المستحدثات قد تنسى الأمور الجوهرية في الحياة، وتتخذ هذه المظاهر هدفا لها، وترتب على ذلك أن القيم ـ بصفة عامة، والدينية بصفة خاصة ـ أصبحت أشد التصاقا بالجانب الاقتصادي ومعروف أن الناحية الاقتصادية أصبحت هي الموجه الأول لعملية القيم، حتى لو كانت هذه القيم تتجاوز الدين، وتتخطى معاييره.

4ـ يتصدى البعض للدعوة وهم ممن ليسوا على المستوى المطلوب من الاقتدار والكفاءة، فأثر ذلك في نفوس النشء، وجعلهم يميلون إلى السلبية مع الدين.

5ـ افتقاد التلميذ جانب القدوة الصحيحة في المجتمع، سواء في البيت من الأب أو الأم في المدرسة ن معلمين وغيرهم، أو في المجتمع المحيط بكل ذلك.

6ـ إن العملية التعليمية تعامل التربية الدينية كمادة دراسية، يتم فهمه واستيعابها بهدف النجاح في الامتحان. وهو أمر لا يتفق مع طبيعة التربية الدينية، بل إنها تتراجع في أهميتها المدرسية إذا ما تعارضت مع اللغة العربية بفروعها المختلفة وسائر المواد الأخرى.

7ـ إن معلم التربية ـ هو نفسه معلم اللغة العربية ـ قد لا تتوافر فيه الجوانب الفنية ـ هذا فضلا عن الجوانب الأخرى ـ التي تمكنه من القيام بعمله على أكمل وجه. فبعض المعلمين ـ مثلا ـ لا يستطيع قراءة آية من القرآن، وإن قرأها فلا يقرؤها بالطريقة السليمة، وإن قرأ الحديث صحيحا فربما وقف عند المعنى الظاهر فقط، ولا يستطيع توجيه ما فيه من أحكام شرعية وغيرها.

8ـ إن الكثير مما يتعلق بالتربية من الأمور المجردة يصعب على الصغير فهمه واستيعابه هذا فضلا عن الأمور الغيبية التي تتطلب وعيا خاصا وقدرات تسمح بفهمها.

9ـ إن بعض الجهات الأخرى التي كانت تسهم في عملية التربية الإسلامية قد تقلص دورها إن لم يكن قد انتهى. ولعل منها الأسرة، والمسجد، والكتاب وغياب تلك عن الساحة ضاعف من صعوبة تدريس التربية الدينية وإذا كان المسجد يقوم بدور ما في هذا الجانب فإن دوره محدود وموقوت.

10ـ إنه في الآونة الأخيرة زادت المنظمات والحركات الإسلامية في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، وقدمت معتقداتها ـ صوابا أو خطأ ـ للناس واستقبله المسلمون، خاصة الشباب بالحيرة والقلق، لا سيما وإن كل جهة من هذه الجهات تدعى لنفسها الإسلام، وربما تحجم بعض الشباب في معتقداته، ووقف في مفترق الطرق، لأنه لا يدرى أين الإسلام الصحيح بين هذه الإسلاميات.

11ـ إن الدين في كثير من الأحايين فيه تحد لما هو قائم من قوانين وتشريعات ونظم. وليس هذا ذنب الدين في شيء، ولكنه ذنب من انحرفا عن تطبيق تعاليمه. ولكن هذا يشكل مشكلة أمام التربية الإسلامية التي يتعلمها التلميذ فهو يتعلم ما الحلال وما الحرام، ولكنه يجد المجتمع بخلط بينهما دون  اكتراث أو اهتمام بل أنه يحل بتشريعاته ما حرم، ويحرم ما حلل. ومن هنا تصبح التربية الدينية ليس لها عليه من تأثير.

12 ـ إن بعض المتدينين، أو المنتسبين إلى هذا ـ شبابا وشيوخا ـ قد فهموا معنى العبادة خطأ فأوقعهم ذلك في بعض التصرفات التي لا يليق بهذا الدين، ولا تتفق مع روح الإسلام.

ولكن الدين دين عبادة بمعناها العام الذي  يشمل كل مظاهر الحياة الاقتصادية والاجتماعية ودين قوة يقظة وإحساس بالمسئولية، فالمؤمن كيس فطن.  

13ـ إن الفجوة قد اتسعت بين أقوال الناس وأفعالهم، بين سلوك الناس وما يدعون الإيمان به، مما أوحى إلى النشء وكثير من الشباب أن الدين ضرب من الخيال أو حلم لا يبدو له واقع، وليس له في مجال الحياة تطبيق وعلى الرغم من تعدد الصعوبات التي يمكن أن تقف حائلا أمام تحقيق التربية الدينية لأهدافها، أو تمثل لبلوغ الأهداف المرجوة فإن هناك بعض الإجراءات التي يمكن عن طريقها التغلب على تلك الصعوبات، لا سيما وأن عملية التدريس نفسها والجو العام المحيط بتلك العملية يكشفان عن بعض الجوانب التي تهيئ النجاح للتربية. وأهم تلك الجوانب ما يلي:

v إن معلم التربية الإسلامية ـ وهو في الأعم الأغلب معلم اللغة العربية ـ عليه أن يقتنع بعمله ويقبل عليه بحب، ويرغب في أداء هذا العمل ليس من منطلق الوظيفة ولكن من منطلق أنها رسالة يبتغى بها وجه الله. وإذا أقبل على عمله من هذه الجهة فإنه سيدفعه إلى إعداد نفسه الإعداد الذي  يسمح له بمباشرة هذا العمل من حيث إلمامه بالقرآن الكريم والحديث النبوي وبقية فروع التربية الدينية إلماما تقل فيه الأخطاء من جهته.

v وإذا كان المعلم ـ وهو الأساس الرصين للعملية التعليمية ـ معدا إعدادا نفسيا وعلميا، ودينيا وظهر أثر هذا الإعداد بشكل أصبح معه قدوة ونموذجا يمكن القول إن هذا المعلم لابد أن يترك أثرا في نفوس تلاميذه، ويتوقع لأدائه النجاح، وبلوغ الهدف.

v إن معلم التربية الإسلامية ينبغي أن يتصف بالحكمة، والموعظة الحسنة والجدال الحسن، والدعوة للخير، والنصح الأمين " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين " آل عمران 159.

v إن معلم التربية الإسلامية ينبغي أن يستخدم أسلوب الثواب والعقاب فهو من الأساليب الطبيعية التي تستند إليها التربية في كل زمان ومكان. فهذا الأسلوب يتمشى مع طبيعة الإنسان حيثما كان، وأيا كان جنسه أو لونه وعقيدته. فالإنسان يتحكم في سلوكه، ويعدل فيه بمقدار معرفته بالنتائج الضارة أو النافعة، والسارة أو المؤلمة التي تترتب على عمله وسلوكه. والتربية الإسلامية تستخدم أسلوب الترغيب والترهيب لما له من أهمية بالغة في التنشئة الصالحة لأبنائها فأسلوب القرآن الكريم في تصوير الجنة ونعيمها، والنار بأهوالها وعذابها إنما هو أسلوب مناسب لطبيعة الإنسان.

v إن معلم التربية الإسلامية ينبغي أن يستخدم الوسائل والأنشطة المدرسية ما أمكن. وإذا تعذر في موضوع ما استخدم وسيلة تعليمية فإن عليه أن يلجأ إى تقريب المعنى المجرد في صورة محسوسة، وخصوص ى المراحل التعليمية الأولى، ليتأكد المعنى في ذهن التلميذ، كما أن عليه أن يستغل الأنشطة المدرسية في دعم القيم الفاضلة لدى التلاميذ من خلال المواقف الحياتية، ليربط بين المعنى ومدلوله.

v أن التربية الإسلامية ليست مسئولية معلم التربية الإسلامية وحده، بل إن المجتمع كله شريك في ذلك بدءا من الأسرة باعتبارها الحاضنة الأولى للطفل، ثم المدرسة باعتبارها المؤسسة الأولى المسئولة عن التربية وأخيرا المجتمع الكبير.

v ومسئولية الأسرة أن تتعامل فيما بينها بالصدق والأمانة، والتسامح، والعدل وشتى القيم الفاضلة، ليس هذا فحسب وإنما تقوم بدور التوجيه في اختيار الأصدقاء، فقد دلت الدراسات على أن لها أثرا بالغا في نمو الطفل النفسي والاجتماعي. فهي تؤثر في قيمة وعاداته واتجاهاته.

v ومسئولية المدرسة أن تكون بجميع هيئاتها: إداراتها، ومدرسيها ومعلميها قدوة صالحة في التعامل، ومناخا طيبا يجد التلميذ فيها بغيته من العدل، والمساواة، والاحترام.

v ولعل التركيز على البيت والمدرسة من جانب أنه من السهل فيها  ضبط القيم، ووجود النموذج الصالح فيشب الطفل وقد رأى أنه في الإمكان تطبيق شرع الله فينشأ محبا لهذا الدين، وكل ما يتصل به.

v وإذا رأى أن هناك معايير مختلفة في المجتمع الكبير، لا توجد في البيت أو المدرسة فقد يتقبل هذا الخلل إلى حين، ولكنه فيما بعد يمكن أن يسهم تعديل هذا الخلل. وما يسرى على هذا التلميذ يسرى على غيره فتأتى التربية الإسلامية فتجد جوا مناسبا، وأرضا خصبة، وعقلا مهيئا لاستقبال دين الله.

v إن التربية الإسلامية ينبغي أن تتغير النظرة إليها من قبل المسئولين ابتداء من الحضانة حتى نهاية المراحل التعليمية، فالمدرسة ـ على أي مستوى ـ تنظر إلى مادة التربية الإسلامية نظرة هامشية وخصوصا إذا وضعت في الميزان مع اللغة العربية، أو غيرها من المواد الدراسية الأخرى، ويبدو ذلك واضحا في نهاية العام الدراسي، حين يتم ضغط الجدول المدرسي،  فربما أول مادة يتم استبعادها هي مادة التربية الإسلامية، ولا يخفى ما لهذا التصرف من جانب المدرسة على اتجاه وميول هذا التلميذ نحو تلك المادة وربما ينسحب ذلك على الدين كله.

v وتتغير نظرة التلميذ إلى تلك المادة أثناء العام الدراسي ونهايته فأثناء الدراسة يرى التلميذ أن المعلم لا يطلب منه سوى حفظ بعض آيات القرآن وبعض الأحاديث النبوية ويتم تقويمه على هذا الأساس، بل أحيانا يفاجأ التلميذ بطريقة شكلية آلية. ويشعر التلميذ بكل ما يجرى حول هذه المادة فينطبع في ذهنه مظاهر الشكلية التي تحاط بتلك المادة، فيقل اهتمامه بها.

v والواقع أن هذه النظرة يمكن أن تتغير إذا تعاون البيت والمدرسة، وركزا عليها باعتبارها مادة أساسية لوحدة الفكر ولوحدة الاتجاه، وأداة رئيسية للتماسك الاجتماعي، فضلا عن التماسك الأسرى.

v إن مادة التربية الإسلامية ينبغي أن تراعى مستويات نمو التلاميذ، والعامل الواضح الذي  يؤكد مراعاة هذا الجانب عامل نفسي قبل كل شيء قوامه أن التعلم الديني إنما يؤتى أثره إذا أحس المتعلم أنه يتصل بمطلب من مطالب  نموه: الجسمي أو العقلي، أو الاجتماعي، أو العاطفي، فإذا لم يتناول حاجة من حاجاته كان يعالج ناحية غريزية تضطرم في أعماقه أو يجيب عن سؤال حول فكرة تحيره، أو يتناول جانبا يهمه ـ لم يتلقه تلقى من يشعر أن له وظيفة أساسية، وماسة في حياته.

v إن كتب التربية الإسلامية ينبغي أن تتضمن بعض القضايا، والموضوعات المعاصرة والملحة التي تواجه الشباب في حياتهم. وتعرض هذه القضايا والموضوعات عرضا علميا ومعها رأى المتخصص فيها، حتى لا يقع الشباب في بلبلة يلجأ بعدها إلى من يفتون في الدين بغير علم.

المصدر: الدكتور وجيه المرسي أبولبن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 8564 مشاهدة
نشرت فى 28 مايو 2011 بواسطة maiwagieh

ساحة النقاش

الأستاذ الدكتور / وجيه المرسي أبولبن، أستاذ بجامعة الأزهر جمهورية مصر العربية. وجامعة طيبة بالمدينة المنورة

maiwagieh
الاسم: وجيه الـمـرسى إبراهيـــم أبولـبن البريد الالكتروني: [email protected] المؤهلات العلمية:  ليسانس آداب قسم اللغة العربية. كلية الآداب جامعة طنطا عام 1991م.  دبلوم خاص في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية والتربية الدينية الإسلامية. كلية التربية جامعة طنطا عام 1993م.  ماجستير في التربية مناهج وطرق تدريس اللغة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,660,434