أولا: تبنى نظرية من نظريات التعلم عند اختيار طريقة التدريس المناسبة لمادة اللغة العربية:
شهدت الآونة الأخيرة تغيرات جذرية في تفكير الناس واتجاهاتهم نحو تعليم اللغة؛ حيث تؤكد العديد من البحوث والدراسات والتطبيقات الميدانية التي أجريت في هذا الميدان أهمية النظر إلى دروس تعليم اللغة كمدخل لتشكيل أو تنمية مهارات الاتصال اللغوي لدى الناشئة، وتبنت لتحقيق هذا الغرض العديد من نظريات التعلم التي فسرت من خلالها عملية تعليم وتعلم اللغة وبخاصة التعبير، ومنها:
1: النظرية السلوكية Behavioral Theory:
يرى أصحاب هذه النظرية أن السلوك – بما في ذلك السلوك اللغوي – ارتباط بين مثير واستجابة، وبالتالي يكون المعنى هو الارتباط القائم بين المثير القادم من العالم الخارجي والاستجابة اللفظية للفرد، وهذه النظرية تتفق مع أصحاب النظريات البيئية التي تهتم بالجوانب البيئية في تفسير السلوك الإنساني.
ويذهب البعض إلى أن النظرية السلوكية لم تبدأ حديثا مع السلوكيين في القرن العشرين وإنما تمتد جذورها عبر التاريخ إلى ابن خلدون المتوفى سنة 727هـ وإلى نظريته المسماة "الملكة اللسانية.
وتقوم نظرية الملكة اللسانية على أسس ثلاثة:
أولها: أن السمع أبو الملكات، وثانيهما: أن اللغة هي: عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة هي "فعل لساني" فلابد أن تصير ملكة متقررة في العضو الفاعل لها وهو اللسان، وثالثهما: أن تربية الملكة لا يحتاج إلى النحو الذي هو علم صناعة الإعراب.
ويعد تفسير السلوكيين للغة بأنها نوع من أنواع السلوك الشفاهي لا يختلف عن غيره من أنواع السلوك الأخرى، التي يكتسبها الفرد من خلال الخبرة والتجربة، والمحاولة والخطأ، فاللغة عنده عبارة عن مثير يتم من خلال موقف ما وما يقابله من استماع وتكرار وحفظ يحدث حصول الملكة اللسانية. بينما أغفل السلوكيون ما يحدث بين المثير والاستجابة من عمليات تحدث داخل الفرد. وبهذا التفسير حاول السلوكيون أن يخضعوا اللغة قسرا لثنائية المثير والاستجابة. أي أن اللغة مدخلات ومخرجات. وأغفلوا بذلك جوهر القضية حيث يكمن السر اللغوي، أي العمليات التي تحدث بين المثير والاستجابة.
وتتحدد خطوات تدريس اللغة في ضوء النظرية السلوكية فيما يلي:
تدريب المتعلم على الاستماع الجيد، ثم مهارات الكلام السليم، ثم تدريبه على ما استمع إليه وتحدث به، ثم كتابة ما قرأه.
تدريب المتعلم على عادات الاستماع الجيد والكلام السليم وتعزيز هذه العادات.
يراعي أثناء ذلك تعليمه لقواعد النحو والكتابة ضمنيا وليس من خلال عزل تدريس القواعد والإملاء عن النصوص الواردة بها.
2: النظرية المعرفية Cognitive Theory:
تشير النظرية المعرفية إلى تصور نظري لتعليم اللغات يستند إلى الفهم الواعي لنظام اللغة كشرط لإتقانها، وأن الكفاية اللغوية سابقة على الأداء اللغوي وشرط لحدوثه.
وتعد هذه النظرية التعليم عملية عقلية بنائية نشطة يقوم فيها المتعلم بدور إيجابي في اكتساب المعرفة بوجه عام والمعرفة اللغوية بشكل خاص، وكذلك في تذكرها وتوظيفها فهم مشاركون في خبرات التعلم ليسوا مستقبلين وحسب بل يبنون معرفتهم ويبذلون الجهد ويعيدون تنظيم معرفتهم السابقة لتحقيق استبصارات جديدة. والمتعلمون في ضوء هذه النظرية ليسوا صحفا بيضاء تسطر فيها ما تشاء لكن لديهم بنية معرفية ويقومون بدور إيجابي في عمليات بناء المعرفة وتحصيلها وتخزينها ومعالجتها.
وتصنف المعرفة وفق تصور النظرية المعرفية إلى ثلاثة أنواع هي: المعرفة التقديرية: وهي المعرفة التي تفصح عنها محتويات الكتب والمحاضرات والتواصل اللفظي، والمعرفة الإجرائية: وهي معرفة ترتبط بكيفية أداء العمل، والمعرفة الشرطية: ويقصد بها تلك المعرفة التي تتعلق بـمعرفة(متى ولماذا) عند تطبيق المعرفة التقريرية والإجرائية، فالمتعلم في حاجة لمعرفة الهدف من وراء إعراب جملة أو كتابة رسالة.
وتعتمد هذه النظرية على عدة منطلقات من أهمها: أن اللغة الحية محكومة بقواعد أو نظم ثابتة، وأن تعلم اللغة يتضمن التفكير بها، وأن الممارسة الواعية هي تلك التي تتم في إطار المعني، بالإضافة إلى أن السيطرة على نظام اللغة يعد شرطا لممارستها.
وفي ضوء هذه النظرية ينبغي التركيز على الفهم أولا قبل الحفظ وتقديم عدد من الأمثلة، مع إتاحة الفرصة أمام المتعلمين لمراجعة بنيتهم المعرفية، وتكوين روابط بين السابق والحالي. فقد يكون المحتوى الجديد مربكًا بالنسبة للطالب، وأحيانا ما توجد عدة مفردات جديدة و أفكار ومفاهيم يستطيع الآخرون فهمها بسهولة لأنها مرت عليهم من قبل، ومن هنا فيمكن للمدرسين مساعدة الطلاب في تغيير المفهوم غير المألوف عن طريق استغلال المعرفة السابقة لديهم.
وتوجد العديد من الأساليب المناسبة لتفعيل المعرفة السابقة لدى الطلاب داخل الفصل الدراسي، منها: التدوين السريع للأفكار، وكتابة المقالات، والمناقشات، بالإضافة إلى أنشطة التفكير، والمقارنات، وغير ذلك.
3: النظرية البنائية Constructivism:
شهد البحث التربوي تحولات كبيرة خلال العقود الثلاثة الأخيرة من حيث الرؤية للعملية التربوية، ومن أهم هذه التحولات التحول من التركيز على العوامل الخارجية التي تؤثر في تعلم التلميذ؛ كالمعلم، والمدرسة، والمنهج، وغير ذلك من العوامل إلى التركيز على العوامل الداخلية التي تؤثر علي المتعلم؛ كمعرفته السابقة، وسعته العقلية، وقدرته على معالجة المعلومات، وأنماط تفكيره، أي أن التركيز تحول من كون المتعلم متلقي إلى كون المتعلم مشارك وبان للمعرفة.
ومن هذا المنطلق أكد العديد من التربويين في مجال التدريس على أهمية تفعيل دور المتعلم في عملية تعلم اللغة عند تناول المفاهيم والمهارات ومعالجة المعلومات وتكوين بنيته المعرفية بنفسه وبتوجيه من معلمه بدلا من تلقي المعلومة جاهزة واسترجاعها عند الطلب. وعلى الرغم من أن البنائية تعد نظرية فلسفية معرفية حديثة في التعلم المعرفي إلا أن لها جذور تاريخية عميقة تمتد إلي عصر الفيلسوف الإيطالي جيامبتسا فيكو Giambbattisa Vico الذي تحدث عن عملية البناء المعرفي وافترض أن عقل الإنسان يبنى المعرفة، وأنه لا يعرف إلا ما يبنيه بنفسه، وأكد على ذلك من بعده ديكارت Dekart الذي شكك في كفاية الحواس، وأكد على كفاءة العقل في التيقن من طبيعة الأشياء.
وأخيرا جاء بياجيه Piaget الذي قدم نظريته عن النمو المعرفي عند الأطفال وأوضح فيها كيفية اكتساب المعرفة لديهم؛ حيث دعى إلى الاهتمام بالإجراءات الداخلية للتفكير والاهتمام بالعمليات المعرفية للتعليم بهدف تطوير وتحسين التدريس والتعليم في المدرسة.
وتقوم هذه النظرية على أساس أن الفرد هو الذي يبني معرفته بنفسه وذلك من خلال مروره باختيارات كثيرة تساعده في بناء المعرفة الذاتية في عقله، ويمكن تطبيق هذه النظرية في العملية التعليمية من خلال تمهل المعلم وعدم صب المعلومات داخل عقل الطالب، فالمعلومات المتوفرة في المصادر المختلفة هي مواد خام لا يستفاد منها إلا بعد القيام بعمل المعالجة لها. وهكذا يتحول الطالب من مستهلك للمعلومات إلى منتج لها.
وينطلق أصحاب هذا الاتجاه من أن سلوك الفرد يكون محكوما ببنائه المعرفي، ويصبح ما لدى الفرد من معرفة مؤثرا بدرجة كبيرة على ما يمكن أن يضيفه المتعلم إلى بنيته المعرفية، وبالتالي على ما يمكن أن يكتسبه أو يتعلمه، أي أن ما يتعلمه الفرد يعتمد على ما يعرفه فعلا، والطريقة الرئيسة للحصول على معلومات جديدة تضاف إلى البناء المعرفي هي أن يقوم الفرد بتمثيل واستيعاب هذه المعلومات على أنها جزء من بنائه المعرفي في عملية احتواء أو دمج ينشأ عنها ما يمكن تسميته بالبناء الثانوي الذي يهتم بعملية ربط الفكرة الجديدة أو المعلومة الجديدة بما هو موجود لدى الفرد من معلومات وأفكار.
ويهدف التعليم طبقا للنظرية البنائية تعليم الطلاب كيفية بناء المعرفة والوصول إليها بأنفسهم بدلا من اعتمادهم على الآخرين، ويتحقق ذلك عندما يواجه الفرد مشكلات حقيقية ومهمة بالنسبة له. ومن أهم مبادئ التعلم عند البنائيين: أن التعلم عملية بنائية نشطة ومستمرة غرضية التوجيه، تتهيأ أفضل الظروف للتعلم عندما يواجه المتعلم بمشكلة أو مهمة حقيقية، تتضمن عملية التعلم إعادة بناء الفرد لمعرفته من خلال عملية تفاوض اجتماعي مع الآخرين، المعرفة القبلية للمتعلم شرط أساسي لبناء التعلم ذي المعنى، وأن الهدف الجوهري من عملية التعلم هو إحداث هو إحداث تكيفات تتواءم مع الضغوط المعرفية على خبرة الفرد.
وقد اتضح أثر البنائية Constructivism في التحول من الاستراتيجيات القائمة على النقل في تدريس التعبير إلى تلك القائمة على المعنى أو التأويل، وقد كان مؤتمر دار تموز نقطة البدء في هذا التحول، حيث قدمت فيه أعمال ديكسون وبيرنس وبريتون، الذين أعادوا تعريف المفاهيم المرتبطة بالنمو في الكتابة، وأساليب تدريسها.
ولقد انبثق عن البنائية عدة نماذج، وطرائق تدريس، واستراتيجيات تدريس قام بعض الباحثين بتجريبها في تدريس التعبير من أجل الوقوف على فعاليتها في تنمية الأداء اللغوي لدي الطلاب، ومن هذه الاستراتيجيات استراتيجية التعلم المتمركز حول المشكلة، التعارض المعرفي، استراتيجية المنظومات المفاهيمية، وطريقة المهام وغير ذلك.
ويمكن تطبيق البنائية في تدريس التعبير من خلال العديد من الأساليب – كما تشير إلى ذلك العديد من البحوث والدراسات السابقة والممارسات التربوية إلي ذلك- منها تفعيل المنظمات المتقدمة بهدف الإفادة مما لدي التلميذ من خبرات سابقة يمكن أن يعبر عنها من خلال وصفه لمجموعة من الصورة التي تعرض عليه من قبل المعلم، ثم يخرج منها ببعض الأفكار تصبح عناصر أساسية يتحدث عنها ثم يكتبها بعد ذلك. و يستطيع المعلم تكليف الطلبة بعمل ما للحصول على المعلومة مثل البحث عنها في مصادر المعلومات المختلفة المتوفرة(مكتبة، قاعة مصادر التعلم، انترنت، البيت. . . )، وبناء مسابقات وحوافز متنوعة في داخل المنهج الواحد والمدرسة الواحدة من خلال بناء الصحافة العلمية أو القراءات الموجهة وإحياء الإذاعة المدرسية والندوات الثقافية بإشراف الطلبة وعمل النشرة الإشرافية في داخل المدرسة.
ساحة النقاش