اللغة، أي لغة، ظاهرة إنسانية اجتماعية يمارسها الناس، في الظروف الطبيعية كما يمارسون أي نشاط آخر، دونما تعقيد أو صعوبات، فكل أطفال العالم منذ ميلادهم يستطيعون تعلم الرموز الصوتية عن طريق محاكاة ما تتلقاه آذانهم من أصوات، وفي غضون سنوات قليلة، قد لا تتعدى الثلاث، يستطيعون امتلاك ثروة لفظية لا بأس بها واستخدام تراكيب لغوية صحيحة والتمييز، بالسليقة، بين ما هو صحيح وما هو خطأ، وفي سن الرابعة تكاد تكتمل آليات التواصل لدى الطفل في المواقف التي تعوَّد المرور بها مع الإقرار بوجود استثناءات لا تنتقض القاعدة، وتزداد هذه الآليات قوة كلما عاش الطفل في سياق ثقافي، وفي أحضان من يحسنون الأداء اللغوي.
واللغة منظومة متكاملة تنضوي تحتها أنظمة مختلفة من أهمها النظام الصوتي الذي يختص بالحديث عن بنية الصوت. والنظام العرفي يختص بالحديث عن بنية الكلمة. والنظام المفرداتي الذي يختص بالحديث عن الثروة اللفظية واستخدام الكلمة والنظام التراكيبي الذي يختص بالحديث عن بنية الجملة. والنظام الكتابي الذي يختص بالحديث عن قواعد الاملاء والخط والتعبير التحريري.. والنظام الدلالي الذي يختص بالحديث عن المعاني التي تنقلها الكلمات والتعبيرات ؛ الكامن منها والصريح. والحديث عن الدلالة هو حديث عن المفاهيم.. فاللغة ليست مجرد رموز صوتية تتلقاها الأذن في حالة الاستماع، أو تشاهدها العين في حالة القراءة، أو تنطقها الشفاه في حالة الكلام، أو يسطرها القلم في حالة الكتابة.. إنها أوسع من ذلك..
إنها مفاهيم يتبادلها الناس فيما بين بعضهم البعض فيحققون أغراض التواصل.. والتواصل بين البشر لا يتم إلا إذا تمت السيطرة على آلياته. والحديث عن الآليات يعنى، من بين ما يعنيه، حديثا عن المهارات.
لاشك أن نمو قدرات النطق الكلامية واللغوية لدى الأطفال، موضوع يهم الوالدين ، كما يهم الباحثين فى مجال الطفولة. ويُحاول الباحثون معرفة أسباب ظهور مشاكل في المهارات اللغوية لدى الأطفال من النواحي العضوية ومن النواحي النفسية، سواء تلك المشاكل المرتبطة بالحالة الصحية للطفل نفسه أو المرتبطة بالتأثيرات البيئية من حوله عليه.
ومما لاحظه الأطباء أن تلقي الطفل للرضاعة الطبيعية مرتبط بنمو قدر جيد من القدرات اللغوية لدى الطفل مقارنة بمن تلقوا رضاعة صناعية، كما يُقال. لكن الباحثين حينما حللوا الأمر وجدوا أن السبب ليس متعلقاً بمجرد اختلاف أنواع الرضاعة، بل له علاقة مباشرة بنوعية الرعاية التي يُقدمها الوالدان لطفلهما.
فالأم التي تُرضع وليدها هي بالأصل لديها حصيلة ومهارة لغوية أكبر، وتهيأ لطفلها فرصة أفضل لتنشئة تتميز بنفس المستوى الجيد من المهارات اللغوية.
وفوائد وتأثيرات الرضاعة الطبيعية على القدرات العقلية للأطفال ربما لا تظهر إلا حينما
تصاحبها تصرفات إيجابية من الوالدين.
ساحة النقاش