* زقوت:ـ الصيادون تكبدوا خسائر تقدر بـ19 مليون دولار خلال انتفاضة الأقصى
منذ ساعات الصباح الأولى يبدأ الصيادون بالخروج من البحر لتسويق ما تمكنوا من صيده من الأسماك بعد رحلة صيد قد تستغرق عدة أيام داخل البحر، حيث لا تخلو هذه الأيام من الشقاء والعناء الطويل، هذا فضلاً عن المخاطرة التي قد تودي بحياتهم، فكم من صياد استشهد داخل البحر جراء إطلاق الرصاص عليه من قبل الزوارق الحربية وخفر السواحل الإسرائيلية، وكم من صياد آخر اعتقل على أيدي جنود الاحتلال بعد مطاردات داخل البحر، أما مصادرة القوارب وتمزيق شباك الصيد فحدث بلا حرج.. داخل البحر كل شيء مستباح، قتل وترويع وإطلاق نار واعتقالات ومنع من الصيد هي الأجواء العامة هناك.. الصيادون باتوا لا يقوون على تحمل المشقات والعناء الطويل الذي لا يعود عليهم سوى بالقليل من النقود في ظل وضع اقتصادي متردي.
"الزاوية الاقتصادية" تفتح مجددًا ملف الثروة السمكية والصيادين بعد أن كانت نشرت في عددها الأول تقريرًا حول الصيادين ومعاناتهم، حيث كان لها زيارة إلى ميناء غزة البحري وحسبة السمك المجاورة ولقاءات مع الصيادين والمواطنين.
الصياد أحمد الصادق تحدث بإسهاب حول معناة الصيادين داخل وخارج البحر، فهم يبدأون عملهم مع ساعات الظهر، حيث تشهد ميناء غزة في هذه الأوقات حركة نشطة للصيادين الذين يستعدون للصعود إلى قواربهم من أجل الإبحار في أعماق البحر لكسب رزقهم، مشيرًا إلى أن الصيادين يمكثون داخل البحر حتى ساعات الفجر الأولى من صباح اليوم التالي، ومنهم من يبقى لأيام هناك يصطاد السمك، ومن ثم يخرج إلى الشاطئ بما اصطاد، خاصة القوارب الكبيرة التي لديها الإمكانيات الخاصة بحفظ السمك وتثليجه.
وأوضح الصادق أن مهنة صيد السمك لم تعد تلك المهنة التي تحقق أرباحًا جيدة، خاصةً في ظل ارتفاع تكلفة الصيد، الذي يتطلب توفير مستلزمات عديدة من سولار وغاز وشباك وغيرها، حيث أن كمية الأسماك التي يتم صيادتها في الغالب تكون محدودة نتيجة محدودية المساحة المسموح الصيد فيها، ونوه إلى أن قوات الاحتلال تقوم بجولات ومطاردات داخل البحر وأن هذه الجولات لا تخلو من الاستفزازات في أحسن الأحوال، وأنها تصل في بعض الأحيان إلى إطلاق النار.
أما الصياد محمد أبو حصيرة فقد أضاف في هذا الجانب أن الزوارق الحربية الإسرائيلية التي يطلقون عليها اسم "الطراد" لم تتردد في إطلاق النار تجاه الصيادين لأقل الأسباب، مشيرًا إلى أن جنود الاحتلال يطلقون النار بين الحين والآخر بشكل عشوائي، ويقومون بتمزيق شباك الصيد وسكب السولار على السمك بهدف إتلافه وعدم الاستفادة منه، مؤكدًا أن الصياد الفلسطيني ذاق الكثير من المرارة، بحيث أصبحت لقمة العيش التي يسعى لكسبها مغموسة بالدم والمعاناة المستمرة.
وحول ما إذا طرأ تغيير على الصيادين بعد اندحار الاحتلال من قطاع غزة أكد أبو حصيرة أن معاناة الصيادين واحدة ولم تتغير، بل إنه استشهد اثنين من زملائهم بعد إخلاء المستوطنات الإسرائيلية من خلال إطلاق الزوارق الحربية الإسرائيلية النار عليهم قبالة شواطئ مدينة رفح جنوب القطاع، وتمنى أبو حصيرة تحسن الأوضاع الأمنية وتوفير نوع من الاستقرار بما ينعكس إيجابيًًا على تحسن الأوضاع العامة داخل أرض الوطن، مشددًا على أهمية توسيع المساحة المسموح الصيد فيها، مشيرًا إلى أن اتفاقيات أوسلو تنص على السماح للصيادين الفلسطينيين بالإبحار على عمق عشرين ميلاً، لكن الجانب الإسرائيلي لم يلتزم بذلك، حيث لم تصل المساحة المسموح الصيد داخلها إلى عشرة أميال، في الوقت الذي يواصل فيه جنود الاحتلال ملاحقتهم للصيادين داخل هذه المنطقة الضيقة، وهذا ينعكس على تدني كمية الإنتاج من الأسماك التي يتم اصطيادها.
هذا وفي حسبة السمك المجاورة لميناء الصيادين كانت الحركة التجارية نشطة، حيث توافد العديد من المواطنين على الحسبة من أجل شراء الأسماك، ولوحظ أن هناك أنواعًا مختلفة من هذه الأسماك، لكنها مرتفعة الثمن، وبسؤال أحد الباعة حول مدى توفر الأسماك في الحسبة ومدى إقبال المواطنون عليها أكد أن هناك أنواعًا كثيرة من السمك، منها من هي غالية الثمن التي لا يقوى عليها أي إنسان عادي وإنما المقتدر، وكذلك هناك أسماك ذات السعر المعقول، ونوه إلى أن الأسماك الطازجة لها مواسم حسب نوعها، وضرب مثال على ذلك سمك السردينة التي تظهر في أشهر معينة من السنة، أما حول ارتفاع أسعار السمك فقد أوضح البائع أن هذا يرجع إلى ارتفاع تكلفة الصيد، مؤكدًا في الوقت نفسه أن مهنة صيد الأسماك لم تعد مجدية مقارنة بالأعوام التي سبقت الانتفاضة الأولى، مشيرًا إلى أن أسماك غزة كانت تصدر إلى إسرائيل في تلك الفترات، إلا أنها أصبحت قليلة نتيجة عوامل كثيرة، مؤكدًا أن المواطن العادي الذي يعيل أسرة كبيرة لا يستطيع شراء الأنواع الجيدة من الأسماك الطازجة نظرًا لارتفاع ثمنها، وأن هؤلاء المواطنين يلجؤون إلى شراء السمك المجمد.
تدني مستوى الدخلوهذا ما أكده المواطن محمد عيسى حينما قال: إن عدد كبير من المواطنين يلجؤون إلى شراء الأسماك المجمدة جراء ارتفاع سعر السمك الطازج، مشيرًا إلى أن تردي الوضع الاقتصادي ألقى بظلاله على مختلف النواحي وترك آثارًا سلبية على قدرة المواطنين الشرائية، وأوضح عيسى أنه لولا مقدرته المادية لما استطاع شراء السمك الطازج، ورأى أن شراء السمك المجمد ليس عيبًا وإنما يخضع لإمكانيات المواطنين وأحوالهم المعيشية، هذا فضلاً عن عدد أفراد أسرهم.
أما المواطن محمود الصالح الذي اشترى عدة أنواع من السمك فقد أوضح أن لديه ضيوفًا من الخارج، وأنه اضطر لشراء السمك لاستضافتهم على الغذاء، ولم يخف هذا المواطن الذي دفع ما يزيد عن مائتي شيكل ثمنًا لما اشتراه من أسماك، لم يخف عدم رضاه عن ارتفاع سعر السمك في ظل الأوضاع الاقتصادية السائدة، لكنه أكد أنه مضطرًا لشراء السمك الطازج، متمنيًا أن تتحسن الأحوال بما ينعكس إيجابيًا على قطاع الثروة السمكية.
ومن جهته أوضح المواطن أحمد عوض أنه لا يستطيع شراء السمك الطازج بهذه الأسعار رغم أنه اعترف بالفارق الكبير ما بين السمك الطازج والمجمد من ناحية الجودة، مشيرًا إلى أن المواطن بات غير قادر على شراء السمك الطازج مع تدهور الوضع الاقتصادي وتدني مستوى الدخل.
هذا وللوقوف على المزيد من التفاصيل حول واقع الثروة السمكية في قطاع غزة وسبل النهوض بهذه الثروة، بالإضافة إلى ما يعانيه الصيادون من ظلم واضطهاد المحتلين التقت "الزاوية الاقتصادية" السيد/ محمد زقوت رئيس جمعية التوفيق التعاونية لصيادي الأسماك بغزة، حيث أوضح أنه قبل توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل، كان حجم الصيد يصل من خمسين إلى ستين طن من الأسماك يوميًا في قطاع غزة، مشيرًا إلى أن هذا الإنتاج بدأ يتقلص مع تضييق الخناق على الصياد الفلسطيني، بحيث أصبح لا يسمح له بعد هذه الاتفاقية بتجاوز حدود منطقة رفح، أما الآن فقد أكد زقوت أن حجم الإنتاج من الأسماك في مواسم الصيد يكفي لسد حاجة القطاع، بينما في الأيام العادية لا يكفي.
وأوضح أن هناك العديد من أنواع الأسماك تصدر إلى إسرائيل عن طريق التجار، لأنها غالية الثمن ولا يستطيع المواطن الفلسطيني العادي شرائها مثل الجمبري وسلطان إبراهيم، وتبقى الأسماك رخيصة الثمن مثل السردينة والمليطة في القطاع.
وأكد زقوت أن هناك عقبات تواجه عملية تصدير الأسماك وخاصة العراقيل التي تفرضها سلطات الاحتلال على المعابر، بالإضافة إلى إغلاق المعبر، حيث أدى ذلك إلى تلف الكثير من الأسماك في مرات عديدة على المعابر بسبب عدم سماح سلطات الاحتلال بدخول هذه الأسماك.
وعلى صعيد آخر وحول آلية عمل الصيادين أوضح زقوت أن هناك مواسم للصيد، وأن كل قارب يختص بصيد نوع معين من الأسماك، بمعنى أن هناك تخصصات في هذا المجال، وحول أنواع قوارب الصيد المتوفرة لدى الصيادين في قطاع غزة أوضح زقوت أن هناك ثلاثة أنواع من القوارب، النوع الأول ويسمى "قارب الترول" وهو من القوارب الكبيرة ومتخصصة بصيد الأسماك الكبيرة التي تكون في أعماق البحر، وهناك قارب الشنشولة وهو مختص بصيد الأسماك العائمة على سطح البحر مثل السردينة والمليطة، أما النوع الثالث فهو قارب الصنار، حيث يعتمد في صيد الأسماك على الصنارة، بحيث يلقي في البحر آلاف الصنانير ويضع بها الطعم للسمكة ويصطاد السمك الكبير، وأفاد زقوت أن هناك طرق أخرى يستخدمها صيادو القوارب الصغيرة في صيد الأسماك مثل الملاطش والشبكات، حيث أن كل قارب متخصص في صيد سمك معين وفي أوقات معينة.
ساحة النقاش