كنت فى زيارة خاطفة للرياض مطلع الأسبوع المنصرم ولمست عن قرب لوعة َ قلوب المصريين والسعوديين وهم يتابعون أزمات القاهرة، لكنه لم يخطر ببالى أن الأسبوع ذاته سيشهد واحدًا من أيام العرب، تدفق فيه نهرٌ من الودِّ وسرى دفءٌ من الحب عابرًا حدود «سايكس ــ بيكو» فى ثوانٍ معدودات ليترجم الحديث الشريف: «مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد» فى صورةِ تحويلات بنكية دولارية تقيل أم َّالدنيا من عثرتها.
«علشانك يا مصر» و«اشترِ المصرى» و«حوِّل لمصر» هى أسماء حملات مكثفة لعب الدور الأبرز فى إطلاقها رجال الدعوة الإسلامية فى الخليج أمثال العودة والقرنى وخالد بكر وأدباء وساسة على مدى ثلاثة أيام بعضها مرتجلٌ وأكثرها ممنهجٌ منظمٌ نظمها مصريو الخليجِ وإخوانهم من العرب لإعادة توازنٍ افتقده الجنيه المصرى من جراء مضارباتٍ مشبوهة تحوطها ألف علامة استفهام.
حملة إعلامية جرت على قدمٍ وساق عى مدى أسبوعين كاملين تنشر الإشاعات والأراجيف وتزلزل ثقة ًتعانى الهشاشة أصلاً، وتأمل معى تصريحات رانيا المشاط، وكيل البنك المركزى المصرى «خلال الأيام الأخيرة حصلت مضاربات وطلب على العملة الأجنبية بشكل غير مبرر، نتيجة أخبار وشائعات عن التصنيف الائتمانى، وتأجيل قرض الصندوق»!.. لم يكتفِ الإعلام إذن بدوره فى اللطميات والكربلائيات ليتجاوزها إلى مرحلة التحريض المباشر والإفساد المتعمد.
وقارن بين موقف مصريى وعرب الخليج وبين غيرهم من المصريين فى الداخل والخارج يتحدثون بوقاحةٍ منقطعة النظير عن استعدادهم لوقف التحويل إلى البنوك المصرية كإجراءٍ عقابى ضد النظام الحاكم!
منطقٌ عبثى قصيرالنظر ومفرطٌ فى الأنانية لا يفرق به صاحبه بين بغضه للتيار الإسلامى أو رفضه لأداء الحكومة الهزيل وبين ممارسات قد تُفضى إلى إسقاط اقتصاد بلاده؛ لأن الاقتصاد ليس ملكًا لأحد لا الإخوان المسلمين ولا غيرهم.
أنا واثقٌ أن وضعنا الاقتصادى لن يبلغ أبدًا ما بلغه نظيره البرازيلى قبل العام ٢٠٠٢ وتحديدا قبل ولاية «دا سيلفا» الرئاسية الأولى، وقتها كانت ديون البرازيل للبنك الدولى قد تجاوزت عشرين مليارًا من الدولارات بكثير، قبل أن تعدل وضعها لتصبح دائنةً للبنك الدولى بــ14 مليارًا .
لكن لا بد أن يتفق العقلاء على أن يتوارى إلى خلفية المشهد الوطنى كل خلافٍ سياسى ويحتشد الجميع فى خندق واحد إذا ما دقَّ ناقوس الخطر الاقتصادى، لابد من كلمةٍ سواءٍ بيننا جميعًا؛ ألا نجعل خلافنا يتحول إلى عنادٍ نهدم به بيوتنا على رءوسنا ورءوس أجيال لم تأتِ بعد.
أن تعارض بشرف أو لمآرب أخرى فهذا شأنك.. بل وشأنك أيضًا أن تنتقد بموضوعية أو تختار التربص.. لكن أرجوك احتفظ ببقية عقلٍ وشىءٍ من مروءة ونخوةٍ تحول بينك وبين خرق السفينة!