جمال قطب

(1)

بعد صدور الدستور المصرى الجديد، أصبحت مشيخة الأزهر الحالية وجها لوجه أمام «مسئوليتها الدينية، وواجبها العالمى ودورها الوطنى»، تلك المسئوليات الثلاث التى أسرفت مشيخات الأزهر المتعاقبة خلال قرنين «أسرفت على نفسها» فلم تقم بواجبها نحو تلك المسئوليات،

 

 

وإذا كان الواجب الشرعى الملقى على كاهل الأزهر، كان «واجبا موسعا» طوال القرنين الماضيين، فإن إقرار الدستور الحالى جعل الواجب على المشيخة الحالية «واجبا مضيقا حان موعده»، وهو واجب لا يصلح فيه العمل بطريقة «رد الفعل» ولا بقولة «لكل حادث حديث» فذلك شأن الإفتاء وليس شأن الأحكام، والإفتاء كما يعرف أهل الاختصاص هو حسن إدارة الأزمات وفق احكام الضرورة، أما الأحكام فهى قواعد المجتمعات وثوابت الأمم ومضمار التسابق الحضارى الذى يستطيع كل جيل أن يعبر عما أنجزه فيقول (..هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ): 19 (الحاقة)،

 

 

فالمسئولية الدينية الملقاة على عاتق «المؤسسة الدعوية» ليست هيّنة كما تصورتها أغلب المشيخات المتعاقبة فى القرنين الماضيين كما أنها ليست سطحية سهلة التناول، حيث يدعيها كل من يريد، فقد اختزلوا ــ غفر الله لنا ولهم ــ عمل المؤسسة فى تلقين التراث للمنتسبين، وأداء الشعائر بالمساجد ــ مجرد أداء لا إقامة ــ وشاركوا أهل السلطة فى الحفلات، هكذا رأى الناس وسمعوا ــ رءوس المؤسسة ــ يتكلمون فيما ينفع، ويغيبون، حيث يجب الحضور، كذلك قد انقطعت وسائل اتصالهم بالمجتمع بسبب تقصيرهم غير الحميد فى امتلاك أدوات العصر فى الإعلام ــ فقد توافقت السلطات مع المغامرين والمتربحين على تخصيص «زوايا وأركان» فى وسائل الإعلام المقروءة، كما قذفوا بالثقافة الدينية فى الإعلام المرئى إلى الأوقات «الميتة» بعد أن تخصص مسئولو البرامج فى مناقشة موضوعات لا تمثل حاجات المجتمع وضرورات الناس، ورضيت المؤسسة الدعوية واستكانت وضعفت بغير مبرر.

 

كما سكتت المؤسسة سكوتا غير حميد حينما قطعوا الصلة المباشرة بين الإمام الأكبر وبين سائر الأئمة فى المساجد، إذ خطفوا المساجد والأئمة من حضن الأزهر وافترستها المنافسة الحزبية، ففى الوقت الذى استقلت فيه وسائل الإعلام، واستقلت فيه الجامعات وابتعدت عن السلطة التنفيذية وقعت المنابر فى جميع شئونها أسيرة الرؤى الحزبية فيما سموه وزارة الأوقاف، ثم عادوا يزعمون الآن أن الأزهر قد استقل قانونه الجديد، فما قيمة استقلال الأزهر مع وقوع منابر المساجد أسيرة تحت مشيئة الأحزاب. كما اقتطعوا الإفتاء وجعلوه مصلحة تابعة لوزارة العدل وتلك المصلحة تنكمش مضغوطا عليها حينا، وتتمدد حينا تبارز الأزهر تخييلا على الناس وكأنها قسيمته تحل محله أو شريكته تستطيع مخالفته.

 

ومسئولية الدعوة لمشيخة الأزهر لا تنحصر فى تلك الامور التى تطوع لها غير الأزهريين، وقاموا بسد الفراغ الذى أحدثه تقييد الأزهر وتقاعس رموزه، فللمسئولية الدينية أبعاد كثيرة نبدأ عرضها:

 

(2)

 

1ــ البعد المنهجى: (..لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَة وَمِنْهَاجا..): 48 (المائدة) فعبء تعليم المنهج والتدريب على استخدامه ثم دوام التصحيح هو ركن الأركان فى المسئولية الدينية للمؤسسة، ولا نقصد بالبعد المنهجى تلك الدراسات النظرية التى ثبت أنها لا تسمن ولا تغنى من جوع إنما نقصد أن يمارس الأزهر رسالته فى تعليم الناس ما يلى:

 

1ــ كيف يفرقون بين الصواب والخطأ وما هى معايير ذلك التمييز؟

 

2ــ كيف يضعون أولويات حياتهم فى ضوء الشريعة بواسطة الفقه المتصل بالواقع؟

 

3ــ بماذا ترتفع الأصوات؟ وماذا يقال على المنابر، وكيف يقوم الإعمار على أسس شرعية ثابتة؟

 

ــ إن الدين ينشئ للإنسان علاقتين إحداهما بربه والأخرى بالناس، فالصلاة وسائر الشعائر مصلحة ذاتية للإنسان ليس على ظهر الأرض إنسان يملك الإكراه والضغط على أى إنسان لتنفيذها، وما للمجتمع والدولة عند الناس فى هذا الشأن غير الدعوة والوعظ والإلحاح (..أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ): 99 (يونس).

 

أما علاقة المسلم بالناس بداية من أسرته ومجتمعه وأمته ثم كل البشرية فتلك عبادة أخرى بها يتواصل الناس وتعمر الأرض ومع تلك العلاقات وبسببها يثور النقاش ويتواصل الحوار وتوضع الضوابط وتنشأ العقود.

 

ولا يغنى الالتزام بالشعائر عن تبعة إعمار الحياة، كما لا يغنى إعمار الحياة عن إقامة الشعائر وتحسينها وكل ما فى الأمر أن الدولة لها حق قيادة المجتمع فى قضايا الإعمار وما ينفع الناس، وليس للدولة حق إكراه الناس على الالتزام بالشعائر، ولا حق البحث عن مدى إيمان المواطن.

المصدر: بوابة الشروق
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 76 مشاهدة
نشرت فى 4 يناير 2013 بواسطة kalamtha2er

عدد زيارات الموقع

420,597

تسجيل الدخول

ابحث