موقع الأستاذ / خالد مطهر العدواني

يهتم الموقع بالموضوعات المتعلقة بالتربية والتعليم

إن القرآن الكريم في أول الآيات التي نزلت منه إلى الأرض ، قد أهتم بالعلم ، فأمر به ، وحث عليه ، ورفع مرتبة العلماء حتى جعلهم ورثة الأنبياء .

ولم يقتصر الأمر بالعلم على العلوم الشرعية ، بل تعداها إلى العلوم الكونية والعقلية ، إذ أمر القرآن بالنظر في ملكوت السماوات والأرض ، كما أمر بالتبصر في علوم الكون والنفس ، ليهتدي الناس من خلال النظر السليم إلى الخالق العظيم .

فقال الله تعالى ( إن في خلق السماوات والأرض ، واختلاف الليل والنهار ، والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ، وبث فيها من كل دابة ، وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض ، لآيات لقوم يعقلون ) ، وقال تعالى ( قل انظروا ماذا في السماوات والأرض ) . وقال جلّ شأنه :( سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) وقال : ( وفي الأرض آيات للموقنين ، وفي أنفسكم ، أفلا تبصرون ) فهذه الآيات ، وأمثالها ، مما يعسر حصره ، ليست فقط مجيزة للنظر ، بل هي آمرة به ، حاثة عليه ، ولو لم يكن الله مريداً أن يستفيد عباده من معالم الكون والحياة ، مما يحدو بهم إلى الإيمان السليم ، لما أمرهم بهذا النظر ، ولما حثّهم حثّاً واثباً عليه .

فهذه الآيات تجيء بحقيقة عميقة : إن هذا الكون بذاته كتاب مفتوح ، يحمل بذاته دلائل الإيمان وآياته ؛ ومن وراءه يد تدبره بحكمة ؛ ويوحي بأن وراء هذه الحياة الدنيا آخره ، وحساباً وجزاء .. إنما يدرك هذه الدلائل ، ويقرأ هذه الآيات ، ويرى هذه الحكمة ويسمع هذه الإيحاءات (أولو الألباب ) من الناس ، الذين لا يمرون بهذا الكتاب المفتوح وبهذه الآيات الباهرة إلا ويتفكر فيها ، فغمضى الأعين غير واعين ! حيث يقول الله تعالى ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ، الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ) .

إن التعبير في هذه الآيات يرسم هنا صورة حية من الاستقبال السليم للمؤثرات الكونية في الإدراك السليم وصورة حية من الاستجابة السليمة لهذه المؤثرات المعروضة للأنظار والأفكار في صميم الكون ، بالليل والنهار ، والقرآن يوجه القلوب والأنظار توجيهاً مكرراً مؤكداً إلى هذا الكتاب المفتوح ؛ الذي لا تفتأ صفحاته تقلب ، فتتبدى في كل صفحة آيه موحية ، تستجيش في الفطرة السليمة إحساساً بالحق المستقر في صفحات هذا الكتاب ، وفي ( تصميم ) هذا البناء .

فالكون ما خلقه الله ليكون باطلاً ولكن ليكون حقاً : الحق قوامه . والحق قانونه . والحق أصيل فيه .

إن لهذا الكون حقيقة ، فهو ليس (عدماً) كما تقول بعض الفسفات ! وهو يسير وفق نظام ، فليس متروكاً للفوضى ، وهو يمضي لغاية ، فليس متروكاً للمصادفة وهو محكوم في وجوده وفي حركته وفي غايته بالحق لا يتلبس به الباطل .

ومشهد السماوات والأرض ، ومشهد اختلاف الليل والنهار لو فتحنا له بصائرنا وقلوبنا وإدراكنا . لأحسسنا أن وراء ما فيه من تناسق لا بد من يد تنسق ؛ ووراء ما فيه من إحكام لا بد من نظام لا يختلف .. وأن هذا كله لا يمكن أن يكون خداعاً ، ولا يمكن أن يكون جزافاً ، ولا يمكن أن يكون باطلاً .

فها هو ذا الكون أمامنا نشاهده كل صباح ومساء ونعيش فيه ، إنه عجيب ، مذهل ، محير ، مدهش ، كون متسع مترامي الأطراف .

إذا سرحنا فيه أنظارنا وجدنا نظاماً مبدعاً ووجدنا إحكاماً دقيقاً وإتقاناً وتنسيقاً .

وإذا تأملت إلى ضخامة المخلوقات كالنجوم التي هي أكبر من أرضنا بملايين المرات إلى أدق المخلوقات التي تجتمع الملايين منها في قطرة ماء لسيطرة واحدة ونظام محكم دقيق ؟! عندئذ نعلم بأن هذا من صنع القوي المهيمن .

وإذا نظرت إلى هذه السماوات مرة بعد مرة ، محاولاً رؤية خلل أو شقوق وصدوع ، فإن بصرك يرجع إليك خاسئاً كالاً متعباً ، لم يرى إلا الإحكام والإتقان .

وإذا فتحت طاقة من عقلك ، وزودتها بالبصر ؛ لترى ما في هذا الكون من النظام والدقة والإحكام فسوف يغمرك هذا التنسيق العجيب ؛ شروق وغروب للشمس ، وقمر يطلع ويغيب ، ونجوم تظهر بالليل ، ولا ترى بالنهار ، ونهار يعقبه ليل ، وليل يعقبه نهار ، وفصول أربعة (الصيف ، الخريف ، الشتاء ، الربيع ) ، هذه الفصول تتوالى وتتتابع ، وأرض تدور حول نفسها ، وحول الشمس ، من الذي يهدي الشمس والقمر والنجوم في حركتها.

إن الحافظ سبحانه هو الذي أحاط الأرض بغلاف من الهواء يمنع الأشعة الكونية القاتلة القادمة من الشمس والنجوم من أن تهلك الحياة والأحياء وهو الذي جعل غلاف الهواء درعاً واقياً من تدمير الشهب والنيازك التي تسقط على الأرض بالملايين كل يوم وليلة ، وهو الذي ثبت الأرض من أن تميد تحت أقدامنا بالجبال الراسيات .

إن الحافظ هو الذي يسوق السحب فوق رأسك فلا ينزلها سيولاً تصب فتهلك الحرث والنسل . والماء إذا كان راكداً تعفن ولكن العليم بذلك جعل البحار مالحة وجعل موجها متحركاً حتى لا تفسد الحياة على الأرض بعفونة البحر .

فكل هذه الظواهر تسير في غاية الدقة والإحكام فلا خلل ولا اضطراب ، ثم هناك الأنهار والبحار والسحاب والرعد والبرق ، وهناك الإنسان يدرج على الأرض يعيش ويعمل ، ثم يموت فيقبر وهناك الحيوانات والطيور والنباتات ، وهي تتوالد وتتكاثر ، وكل هذه الكائنات تسير حسب مخطط مرسوم ونظام معلوم لا يختل سنة الله في خلقة ، ألا يشهد ذلك : أنه صنع العليم الحكيم .

وهكذا : لو تأملت في  خلق كل شيء في الأرض والسماء لوجدنا أنه قد خلق في غاية الإحكام .

ونسأل أنفسنا كيف خضعت كل هذه المخلوقات لسيطرة واحدة ونظام محكم دقيق ؟!

عندئذ سنجد الإجابة : بأن هذا من صنع القوي المهيمن سبحانه وتعالى ....

 

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 458 مشاهدة
نشرت فى 27 فبراير 2011 بواسطة kadwany

د. خالد مطهر العدواني

kadwany
موقع شخصي يهتم بالدرجة الأساس بالعلوم التربوية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

642,706