منذ إندلاع الأزمة السورية والتوتر بين إيران وإسرائيل يتكرر، إلّا أن هذه المرة يختلف الوضع مع إعلان إسرائيل مسئوليتها عن ضرب أهداف إيرانية، فهل هى مقدمة لمواجهة قد تجرّ أطرافاً أخرى؟ وما هى أسباب تغيّر النبرة الإسرائيلية؟ مرة أخرى، يشتعل التوتر بين إيران وإسرائيل، بعد قيام هذه الأخيرة بقصف أهداف تابعة لإيران أو مقرّبة منها فى سوريا، مبرّرة ذلك برغبتها فى إستهداف فيلق القدس الإيرانى المسئول عن العمليات خارج حدود بلاده، الهجوم الإسرائيلى جاء بعد إعلان تل أبيب سقوط صاروخ على منتجع تزلج مزدحم فى مرتفعات الجولان، وفق ما نقلته وكالة رويترز، وخلقت هذه الضربات الجوية تصعيداً لفظياً بين الجانب الإيرانى الذى كرّر، بشكل غير رسمى، تهديداته بمحو إسرائيل، وبين الجانب الإسرائيلى الذي يرفض "الأعمال العدوانية الإيرانية"، غير أن هذه ليست المرة الأولى التى تقرع فيها طبول الحرب بين الطرفين، فمنذ إندلاع الأزمة السورية والإحتكاك يتكرّر بين الطرفين، ويزيد من خطورته دخول أطراف أخرى أهمها روسيا التى تقف الى جانب نظام الأسد وإيران فى الصراع السورى، فهل يُمهد هذا التصعيد لمواجهة عسكرية بين الطرفين ستكون لها تداعيات كبرى على المنطقة؟ وهل ترغب إسرائيل فى تحقيق أهداف أخرى من وراء هذا الهجوم خاصة وأنها أضحت تعترف بعملياتها العسكرية فى سوريا بدل التكتم عليها؟ بمعنى آخر هل هناك تغيّر فى السياسة الداخلية الإسرائيلية بخصوص النزاع فى سوريا؟. يستبعد إيال عليما، المحلل السياسى والعسكرى الإسرائيلى، فى حديث مع DW عربية، إمكانية نشوب حرب بين إسرائيل وإيران، لكنه يشير الى وجود إختلافات مهمة بين التوتر الأخير وبين سلسلة الإحتكاكات السابقة بينهما، منها أن الوضع فى سوريا تغيّر كثيراً مقارنة بالسنوات الماضية، ومنها كذلك الطابع الجدى للتهديد الجديد بينهما، ويبرز المحلّل أن الطرفين معاً يحاولان تحديد قواعد جديدة فى سوريا بشكل يذكى التوتر بينهما دون الوصول حالياً الى مرحلة الحرب. بدوره يستبعد المحلل العسكرى اللبنانى شارل أبى نادر، حدوث مواجهة وشيكة بين الجانبين، لكن الجديد حسب قوله هو حديث إسرائيل بشكل أكثر جدية عن مواجهة إيران، وكذا فى إظهارها الإستعداد للوصول أكثر الى العمق السورى، والدليل إستخدامها لترسانة من الصواريخ فى ردها على الصاروخ الذى نسبته لإيران، وكذا فى إعترافها بالعمليات العسكرية بعدما كانت تتكتم عليها، بينما يظهر الجديد لدى الجانب الآخر، خاصة السورى، فى تطويره لآليات إعتراض الصواريخ الإسرائيلية، ويدعم الخبير اللبنانى، فى حديثه مع DW عربية، قناعته عدم إمكانية وقوع مواجهة مباشرة بين الجانبين، بالقول إن "الدولة السورية إسترجعت سيطرتها فى الكثير من المناطق، وهو ما يجعل طهران ترغب بإعادة تموضع قواتها"، ويشرح أكثر أن إيران قد تسحب وحداتها العسكرية من سوريا بعد إستكمال مهمتها، خاصة بعد إنخراط طهران فى الحل السياسى للأزمة السورية بتوافق مع روسيا وتركيا، لذلك قد تلغى هذه الخطط الإيرانية أىّ ذرائع إسرائيلية بوقوع المواجهة. بيدَ أن إيال عليما، يرى أن إيران لا ترغب بترك سوريا، خاصة وأنها إستثمرت هناك مادياً وعسكرياً، وكذا لتواصل رغبة النظام السورى ببقاء قواتها وسيؤدى هذا الوضع فى نظره الى مزيد من التناقض فى وجهات النظر بين إيران وإسرائيل، وكذلك بين هذه الأخيرة ونظام بشار الأسد الذى مكّن إيران من إستغلال الأراضى السورية. تُطرح الكثير من الأسئلة حول الأسباب التى جعلت بنيامين نتنتياهو يؤكد قيام إسرائيل بضربات عسكرية فى سوريا، وهو من كان يرفض التعليق على الأنباء التى كانت تحمّل إسرائيل مسئولية وقائع مشابهة، تصريحات نتنتياهو تتزامن مع قرب الإنتخابات، ما يفتح المجال للتساؤل حول إمكانية إستغلاله للصراع مع إيران حتى يكسب نقاطاً جديدة تقرّبه من الفوز بولاية خامسة على رأس وزراء إسرائيل. غير أن شارل أبى نادر يرى أن مغامرة نتنتياهو بإستغلال للنزاع السورى فى الحملة الإنتخابية سيكون أمراً صعباً: "صحيح أنه يحاول ذلك، لكنه يدرك مدى حساسية الموضوع الذى تكتنفه خطورة بالغة بإمكانية التدحرج نحو مواجهة عسكرية"، ويشرح أبو نادر أن نتنتياهو لن يستخف بموضوع التوتر مع إيران حتى يربطه بالإنتخابات، خاصة وأن إسرائيل لا ترغب حالياً بمواجهة عسكرية فى سوريا، ولو أرادت ذلك لقامت به عندما كان النظام فى سوريا ضعيفاً. من جانبه يحيل إيال عليما، الى تصريحات رسمية من إسرائيل تتحدث عن أن التغيّر الواضح فى سياسة تل أبيب بخصوص تحمّل مسئولية ضرباتها العسكرية، يعود أساساً الى تغيرّ سياسة الطرف الثانى، أى التحالف الروسى-السورى الذى أضحى يكشف كلّ المعلومات الخاصة بالضربات الإسرائيلية بعدما كان يشير الى ذلك بشكل عام. وبعيداً عن التبرير الرسمى، يفسّر عليما التغيّر فى السياسة الإسرائيلية بتغيّر الأوضاع فى الساحة السورية، ويقول فى هذا الصدد إن هناك قواعد جديدة للعبة فى سوريا، ومنها الرفض الروسى-الإيرانى لقيام إسرائيل بأىّ ضربات عسكرية داخل سوريا، وهو ما يجعل إستمرار الضربات الإسرائيلية السرية أمراً شاقاً بل وقد يجرّ الأطراف كلها الى مواجهة عسكرية. وختاماً، يرى شارل أبى نادر أن السياسة الداخلية فى إسرائيل لا تؤثر بشكل قوى فى قرارات الهجوم العسكرى، موضحاً أن السياسة الإستراتيجية الإسرائيلية فى الخارج، ومن ذلك المواجهة العسكرية، ترتكز على أسئلة جوهرية بعيداً عن الوضع الداخلى، ومن ذلك قوة الدعم الأمريكى، مدى الجاهزية للمعارك، معرفة قدرات الخصوم فى إمكانية إستهدافهم للمنشآت الحساسة، وإمكانية الإحتكاك مع قوى دولية كروسيا.